6/12/2007

مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان
الهيئة المستقلة لحقوق المواطن
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
مركز الميزان لحقوق الإنسان

بأشد التعبيرات الممكنة، تدين منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية الموقعة على هذا البيان الاعتداء الذي تعرض له مجمع المحاكم النظامية في قطاع غزة واقتحام مكتب رئيس مجلس القضاء الأعلى، رئيس المحكمة العليا، من قبل رئيس وأعضاء “مجلس العدل الأعلى” الذي سبق وأن شكلته الحكومة المقالة في غزة بصورة غير قانونية وتتناقض مع القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية. وتدعو منظمات حقوق الإنسان الحكومة المقالة إلى التراجع فوراً عن قرارها غير القانوني بالاستيلاء على الجهاز القضائي المدني في قطاع غزة وتحملها المسؤولية الكاملة عن المساس بالسلطة القضائية وتدميرها لصالح إقامة أجسام قضائية غير قانونية وغير مستقلة.

وحسب الحقائق والمعطيات التي توفرت من مصادر مجلس القضاء الأعلى، ففي حوالي الساعة 01:00 من بعد ظهر يوم الاثنين، الموافق 26/11/2007، توجه القائمون على “مجلس العدل الأعلى،” وعلى رأسهم رئيس المجلس عبد الرؤوف الحلبي، إلى مجمع المحاكم النظامية في غزة، والتقوا نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى المستشار يحيى أبو شهلا. وقد أبلغ الحلبي المستشار أبو شهلا بـ: 1) أنه منذ تلك اللحظة فإن كافة القضاة والموظفين العاملين في المحاكم النظامية في قطاع غزة يجب أن يخضعوا لأوامره وتوجيهاته بصفته رئيس “مجلس العدل الأعلى؛” و2) أنه يطلب استلام مفاتيح مكتب رئيس مجلس القضاء الأعلى لمباشرة مهام عمله. وقد رد المستشار أبو شهلا بإبلاغهم بعدم شرعية قرارهم وصفتهم وأكد أن ما يقومون به هو مخالف للقانون والدستور، وأنه يرفض الانصياع لهم. ومن ثم غادر الحلبي وزملاؤه مكتب المستشار أبو شهلا وتوجهوا إلى مكتب رئيس مجلس القضاء الأعلى وأمروا أحد الموظفين بفتحه. وقد حضرت قوات كبيرة من الشرطة وانتشرت في مجمع المحاكم. وفي أعقاب ذلك، غادر القضاة والموظفون المبنى، وأعلن مجلس القضاء الأعلى تعليق العمل في المحاكم النظامية بقطاع غزة لأجل غير مسمى.

ومنذ ذلك الحين، وإدراكاً منها لخطورة ما يحدث من تطورات، تدخلت منظمات حقوق الإنسان، وبصورة غير مسبوقة، وبذلت جهوداً حثيثة ومكثفة لإنقاذ القضاء المدني من الانهيار التام وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، وتجنيب السلطة القضائية انعكاسات الصراع السياسي القائم. وعلى مدى الأيام العشرة المنصرمة، أجرت المنظمات اتصالات مكثفة مع الحكومة المقالة بمستويات مختلفة، بمن فيهم السادة رئيس الوزراء ونائب رئيس الوزراء ووزير العدل ورئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي والمستشار القانوني لرئيس الوزراء. وفي المراحل الأولى من تلك الاتصالات، لمست المنظمات توجهات إيجابية حيث تمخض عنها تفاهمات أولية بالاستعداد للتراجع عما تم من إجراءات غير قانونية، مقابل التعهد من قبل المنظمات بالعمل من أجل حل عدد من الإشكاليات القانونية القائمة في السلطة القضائية. وأجرت المنظمات، بالمقابل، اتصالات مكثفة مع مجلس القضاء الأعلى الذي أبدى بدوره مسؤولية عالية وتعاملاً إيجابياً مع المبادرة لتسوية المشاكل المذكورة.

ولكن للأسف الشديد، لم تلتزم الحكومة المقالة بالتفاهمات الأولية، وقد بدا لنا أنها غير جادة في التوصل إلى حل إلا وفقاً لما تراه هي، وأنها غير معنية بالتراجع عن إجراءاتها غير القانونية، خاصة وأن الوقائع على الأرض تشير إلى أن “مجلس العدل الأعلى” في سباق مع الزمن لإحكام السيطرة الكاملة على الجهاز القضائي، حيث بسط سيطرته أيضاً على كافة المحاكم النظامية في القطاع. كما وجه “مجلس العدل” رسائل إلى القضاة يدعوهم فيها للعودة إلى عملهم، وهو ما رفضوه بالكامل، حيث أنهم يلتزمون جميعاً (48 قاضٍ) وكافة الموظفين الإداريين بتعليق العمل المعلن.

وتؤكد منظمات حقوق الإنسان أن هذا الاعتداء الخطير هو تتويج لسلسلة من الإجراءات والخطوات غير القانونية التي قامت بها الحكومة المقالة في غزة للمساس بالسلطة القضائية وبنظام العدالة القائم في السلطة الوطنية الفلسطينية، كان أبرزها:

  • قرار وزير العدل المكلف بتاريخ 14/8/2007 بتوقيف النائب العام عن العمل على خلفية الادعاء بعدم استكمال إجراءات تعيينه كنائب عام، وهو قرار غير قانوني وأن لا صلاحية للوزير للمساس باختصاص وصفة النائب العام الذي يمارس عمله وفقاً للقانون.
  • أقدمت القوة التنفيذية بتاريخ 16/8/2007 على اقتحام مقر النيابة العامة في غزة والاعتداء على النائب العام واحتجازه ووكلاء ورؤساء النيابة.
  • تعيين نائب عام مساعد ووكلاء ومعاوني نيابة جدد بطريقة غير قانونية، يمارسون صلاحية النائب العام ومعاونيه منذ تاريخ 29/8/2007.
  • تشكيل ما يسمى “مجلس العدل الأعلى” بقرار صدر عن مجلس الوزراء في الحكومة المقالة بتاريخ 4/9/2007 والمصادقة على تنسيب أعضائه برئاسة المحامي عبد الرؤوف الحلبي بتاريخ 11/9/2007. وهو مجلس غير قانوني ويغتصب صلاحيات مجلس القضاء الأعلى المشكل والقائم وفقاً للقانون، وأن لا صلاحية للحكومة المقالة بتشكيله.
  • تعيين قضاة جدد بطريقة مخالفة للقانون.
  • يضاف إلى ذلك أيضاً الاستفزازات الموجهة من قبل الأجهزة الأمنية ضد السلطة القضائية والقضاة.

وسبق تلك الخطوات قرار اتخذته القيادة الفلسطينية في رام الله بوقف عمل الشرطة المدنية وبوقف عمل النيابة العامة في غزة، وقرار مجلس القضاء الأعلى بوقف تنفيذ الأحكام وبعدم جباية الرسوم القضائية بعد أحداث يونيو واستيلاء حركة حماس على القطاع. وفي حينه تم التحذير من خطورة ذلك على نظام العدالة والسلطة القضائية، في ضوء تعطيل عمل النائب العام ومأموري الضبط القضائي، مع التأكيد أن الضحية في نهاية الأمر هو مصالح المواطنين كافة. كما تم التحذير بأن من شأن ذلك القرار أن يمهد السبيل وأن يدفع باتجاه إقامة أجسام قضائية بديلة من قبل الحكومة المقالة في غزة.

إن منظمات حقوق الإنسان، وإذ تجدد إدانتها الشديدة للاعتداء على مجمع المحاكم النظامية في قطاع غزة فإنها:

  1. تؤكد بأن استقلال السلطة القضائية المدنية هو صمام أمان للمجتمع ينبغي الحفاظ عليه في كل الظروف والأحوال وأن البديل عن ذلك هو الغرق في شريعة الغاب.
  2. تطالب الحكومة المقالة في غزة بالتراجع الفوري عن هذه الخطوة الخطيرة وغير القانونية والتي من شأنها أن تدمر السلطة القضائية.
  3. تدعم بالكامل موقف مجلس القضاء الأعلى بتعليق العمل في المحاكم النظامية، وتدعم بالكامل أيضاً موقف نقابة محامي فلسطين بتعليق عمل المحامين.
  4. تحمل الحكومة المقالة المسؤولية الكاملة عن تبعات الانهيار في السلطة القضائية وما يعنيه من تعطيل لمصالح المواطنين كافة.
  5. تؤكد أن إجراءات تعيين القضاة الجدد المعينين من قبل الحكومة المقالة، على الرغم من اجتيازهم لامتحان القضاة الذي أشرف عليه مجلس القضاء الأعلى، مخالفة لقانون السلطة القضائية الذي يقضي بتنسيبهم من مجلس القضاء الأعلى وإصدار مرسوم رئاسي بتعيينهم، وهو ما لم يتم حتى الآن.
  6. تذكر بأن السلطة القضائية هي التي سبق وأن انتصرت لحركة حماس نفسها في كثير من القضايا التي شكلت منعطفات أساسية في النضال من أجل سيادة القانون وفي مواجهة تعسف السلطة التنفيذية آنذاك، بما في ذلك قضايا الاعتقال السياسي وإغلاق الصحف وإغلاق الجمعيات المحسوبة على الحركة.
  7. ترى أن هذا الاعتداء الجديد كان مدبراً وأنه لا يمكن فهمه إلا بوجود غطاء سياسي من الحكومة المقالة في غزة لاستكمال السيطرة على ما تبقى من مكونات السلطة القضائية، وذلك في إطار الأزمة السياسية التي تعصف بالسلطة الوطنية الفلسطينية. وقد أحدثت هذه الأزمة شرخاً عميقاً طال مكونات وبنى النظام السياسي الفلسطيني، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهو ما يؤدي عملياً إلى تكريس الفصل القائم بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني والقضية الوطنية الفلسطينية.

انتهي

مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان
الهيئة المستقلة لحقوق المواطن
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
مركز الميزان لحقوق الإنسان