15/7/2008
رام الله – 15-7-2008 – اعتبر الباحث المختص بشؤون الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين عبد الناصر عوني فروانة اليوم الثلاثاء، استمرار ” اسرائيل ” في احتجاز المئات من جثامين الشهداء ، انما يشكل استمراراً لإنتهاكاتها الفظة والفاضحة للقانون الدولي والقيم الإنسانية والأخلاقية والدينية ، واستمراراً لجرائمها المتواصلة التي لم تتوقف بحق الإنسان الفلسطيني الحي والميت ، بكافة فئاتهم العمرية وشرائحهم الإجتماعية.
وأكد فروانة بأن دولة الإحتلال الإسرائيلي ، هي الدولة الوحيدة في العالم التي انتهجت ولا زالت تنتهج هذه السياسة منذ العام 1967 ، على مرأى ومسمع من العالم أجمع ، كجزء من سياستها في تعاملها مع الفلسطينيين والعرب ، بهدف معاقبة الإنسان بعد موته وانتقاماً منه لما قام به من عمليات مقاومة مشروعة ضد الإحتلال ، أو بغرض استخدام جثمانه للمساومة وإبتزاز الجهة التي ينتمي لها ، وفي أحياناً كثيرة لإخفاء آثار جرائمها البشعة المتمثلة في طريقة قتل الإنسان بدون وجه حق والتمثيل والتنكيل بجثته بشكل وحشي.
واستطرد فروانة قائلاً بأن الهدف لا يقتصر على الميت وانما يمتد ليطال أهله ، حيث أن ” دولة الإحتلال ” تعمد الى تعذيب ذويه وأحبائه بشكل جماعي من خلال حرمانهم من رؤيته ووداعه الأخير قبل أن يوارى الثرى ، وتقبيله قبلة الوداع الأخير ، وإكرامه ودفنه وفقاً للشريعة الدينية والإسلامية ، في مقابر وأمكنة مؤهلة لذلك ، وهي بذلك تفاقم من معاناتهم وآلامهم وأحزانهم ، وتستمر هذه المعاناة باستمرار احتجاز جثمان الشهيد ، ليغدو اعادة الجثمان حلم لذويه ، هذا بالإضافة لما تتعرض له أسرة الشهيد من مضايقات وملاحقات وتعذيب نفسي واعتقالات أحياناً وهدم بيوت أحياناً أخرى .. إلخ .
وبيَّن فروانة أن ” دولة الإحتلال ” تحتجز مئات جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب في أماكن سرية غير معدة بشكل ديني وإنساني كأمان للدفن وتقع في مناطق سرية وتعرف بـِ ” مقابر الأرقام ” ، وسميت بهذا الإسم لأنها تتخذ من الأرقام أسماء للشهداء ، وهي تزدحم بعشرات الأضرحة ، ومثبت فوق كل ضريح لوحة معدنية تحمل رقماً ، ولكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهة الأمنية المسؤولية ويشمل المعلومات والبيانات الخاصة بكل شهيد .
وحول أعدادهم يقول فروانة بأنه لا يوجد هناك عدد محدد لتلك الجثامين المحتجزة ، أو كشوفات رسمية دقيقة لدى المؤسسات الرسمية أوالحقوقية ، وكل ما يتناوله البعض أو وسائل الإعلام ماهي إلا تقديرات واجتهادات ، حيث لم يحظَ هذا الملف بالأهمية التي يجب أن يستحقها ، من قبل الجهات الرسمية والحقوقية والتوثيقية أيضاً ، وانما يؤكد فروانة على أن كل التقديرات والشواهد تُشير بأن رفات الشهداء بالمئات وقد تصل للآلاف ، إذا ما ربطنا بذلك أعداد الأسرى والمواطنيين الفلسطينيين والعرب الذين اختفوا منذ سنوات وعقود واعتبروا في تعداد المفقودين ، فقد يكونوا قد تحولوا فعلياًً الى جثامين أحتجزت في تلك المقابر .
فيما أكد فروانة أيضاً بأن هناك العشرات من رفات الشهداء والشهيدات الفلسطينيات احتجزت خلال انتفاضة الأقصى منهم على سبيل المثال لا الحصر : مؤمن الملفوح ، حسني بشير الهسي ، محمود زير سالم ، نبيل مسعود ، محمد عزمي فروانة ، حامد الرنتيسي ، فادي أحمد العامودي و نائل محمد عمر ، والشهيدات آيات الأخرس ، ودارين أبو عيشة، ووفاء ادريس، وهنادي جرادات، وهبة ضراغمة، وفاطمة أبو سالم وغيرهن الكثيرات لازالت جثامينهن الطاهرة أسيرة في تلك المقابر الاسرائيلية منذ سنين طويلة وترفض قوات الاحتلال الاسرائيلي الإفراج عنها ..
وأوضح فروانة بأن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية ، لم تولِ هذا الموضوع أدنى أهمية ، خشية من ان يكون على حساب اطلاق سراح الأسرى الأحياء ، وقد يكون هذا منطقي وصحيح اذا ما قارنا الأمر بما أنجز ، لهذا كان التركيز صراحة على ضرورة اطلاق سراح الأسرى الأحياء من خلال عمليات التبادل قبل أوسلو والمفاوضات خلال وبعد أوسلو ، وقد نجحت فعلياً في ذلك مراراً وتمكنت من تحرير الآلاف من الأسرى الفلسطينيين والعرب من خلال عمليات التبادل والعملية السلمية ، وفي السياق ذاته أوضح فروانة بأن مطالب آسرى ” شاليط ” هي الأخرى لم تتضمن ذلك.
ومع ذلك تمكنت السلطة الوطنية الفلسطينية في فبراير 2005 من استعادة رفات 15 شهيداً فلسطينياً.
فيما أوضح فروانة بأن منظمة حزب الله اللبناني منحت هذه القضية اهتماماً كبيراً ، واستعادت مئات من رفات الشهداء اللبنانيين من خلال عمليات التبادل ، أبرزها كان عام 1996 حيث استعادت رفات ( 132 ) شهيداً ، وفي عام 1998 استعادت رفات ( 40 شهيداً ) كان من بينهم جثة الشهيد هادى نصر الله نجل الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ حسن نصر الله ، وفي صفقة التبادل في يناير من عام 2004 استعادت رفات ( 59 ) مواطناً لبنانياً ..
واشار بأن عملية تبادل الأسرى التي ستنفذ خلال ايام بين حكومة الإحتلال ومنظمة حزب الله ، ستغلق ملف الأسرى اللبنانيين الخمسة بمن فيهم عميد الأسرى العرب الأسير اللبناني سمير القنطار ، وستشمل أيضاً استعادة رفات العشرات او لربما مائتين من الشهداء اللبنانيين والفلسطينيين كما أعلن ، وهذه المرة الأولى التي ستشمل فيها عمليات التبادل مع حزب الله اعادة رفات شهداء فلسطينيين وعرب .
وبالمقارنة ما بين عمليات التبادل مع حزب الله ، و تلك التي نفذتها الفصائل الفلسطينية ، أوضح فروانة في تقريره بأن كافة عمليات الفصائل الفلسطينية خلت وبدون شك من استعادة رفات شهداء ، فيما تضمنت اطلاق سراح آلاف المعتقلين الفلسطينيين والعرب بمن فيهم اللبنانيين ، أبرزها عام 1983 واطلق بموجبها سراح ( 4700 ) معتقل فلسطيني ولبناني ، وفي عام 1985 أطلق سراح ( 1155 ) معتقل فلسطيني وعربي .
أما عمليات التبادل التي نفذها حزب الله كما يقول فروانة فانها تضمنت اطلاق سراح العشرات من الأسرى اللبنانيين وبضعة مئات من الأسرى الفلسطينيين أطلق سراحهم ضمن عملية التبادل عام 2004 وفق ما يسمى بادرة ” حسن النية من قبل الجانب الإسرائيلي .
ومع ذلك أعرب فروانة عن تقديره العالي لمنظمة حزب الله لإدراجها اسماء شهداء فلسطينيين ممن سيعاد رفاتهم وفي مقدمتهم رفات الشهيدة دلال المغربي ، ولإدراجها أسماء اسرى فلسطينيين ضمن صفقة التبادل السابقة عام 2004 وضمن الصفقة المرتقبة رغم تحفظاتنا على ما يتعلق بالسماح للجانب الإسرائيلي بتحديد عددهم وأسمائهم وفقاً لشروطه ومعاييره المجحفة.
واضاف فروانة فيما لو شملت صفقة التبادل القادمة أسماء محددة من الأسرى القدامى كالعتبة والبرغوثي والرازم والكيال والحسني ، لكان لها صدى أكبر بكثير لدى الشعب الفلسطيني لا سيما الأسرى وذويهم .
وفي هذا الصدد دعا فروانة السلطة الوطنية الفلسطينية والفصائل الفلسطينية كافة وآسري الجندي الإسرائيلي ” جلعاد شاليط ” خاصة ، بضرورة فتح ملف استمرار ” اسرائيل ” في احتجاز المئات من رفات الشهداء الفلسطينيين ، واخلاء كافة مقابر الأرقام ، والعمل الجاد من أجل استعادة جثامين الشهداء المأسورة لدى الجانب الإسرائيلي منذ سنوات ، واعادة دفنهم وفقاً للشريعة الدينية والإسلامية وفي أماكن ومقابر مؤهلة أخلاقياً وانسانياً ودينياً لذلك ، ولكن في الوقت ذاته حذر فروانة من أن يكون ذلك على حساب اطلاق سراح الأسرى الأحياء ، لا سيما القدامى منهم والمرضى ، والذين يجب أن نمنحهم الأولوية في جميع الأحوال .