27/12/2009
غزة- 27-12-2009- أصدر الأسير السابق ، الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة ، تقريراً في الذكرى الأولى للحرب على غزة رصد فيه أبرز الجرائم التي اقترفتها قوات الإحتلال الإسرائيلي بحق المواطنين العُزل بعد اعتقالهم واحتجازهم .
وقال فيه بان الحرب على غزة قد كشفت عن الوجه الحقيقي للاحتلال الإسرائيلي في تعامله مع الأسرى ، وعن ممارساته التعسفية وانتهاكاته الجسيمة وجرائمه البشعة متعددة الأشكال .
مضيفاً بأن قوات الإحتلال قد ارتكبت بحق المعتقلين خلال أيام وأسابيع الحرب البربرية على غزة ، كل ما كان يوصف في المواثيق والأعراف والاتفاقيات والمعاهدات الدولية على انه انتهاكات فظة وجسيمة ، بل وكل ما حذر المجتمع الدولي من اقترافه باعتباره جريمة حرب ، ولاحق وحاكم قادة وشخصيات وحكومات لاقترافهم جرائم مشابهة أقل حجماً وأقل بشاعة .
وفي هذا الصدد أعرب فروانة عن استهجانه من غياب التحرك الدولي ( الخجول ) الذي ظهر في حينه تجاه ما أُرتكب ، واستيائه من صمت المجتمع الدولي ومؤسساته المختلفة ولا مبالاته تجاه ما أُرتكب بحق الأسرى والمعتقلين ، وعدم تحركه الجدي والفاعل لملاحقة مقترفي تلك الجرائم من قيادات الإحتلال بالرغم من مرور عام على الحرب ، مما يعكس مدى تخاذله مع الإحتلال .
وأشار فروانة بأن قوات الإحتلال الإسرائيلي ، كانت قد اعتقلت واحتجزت خلال حربها على غزة قرابة ( 1000 ) مواطن ، في ظروف مختلفة ومتباينة ، واستخدم المئات منهم بشكل فردي وجماعي كدروع بشرية ، كما استخدمت عائلات بأكملها لهذا الغرض ، وأعدت العديد منهم بعد اعتقالهم ، وتركت الجرحى والمصابين ينزفون دون تقديم الإسعافات لهم أو حتى السماح للطواقم الطبية الفلسطينية بالوصول إليهم .
وبيَن بأن التصريحات الرسمية التي كانت قد صدرت عن سلطات الإحتلال باعتبار كل من سيتم اعتقالهم ” مقاتلون غير شرعيين ” ، وترجمة ذلك في آلية التعامل والتعاطي مع المعتقلين ، يفتح الباب على مصراعيه لاحتمالات كثيرة ربما أخطر وأكثر إجراماً مما وثق ونشر عبر وسائل الإعلام .
ولخص فروانة في تقريره أبرز الإنتهاكات الجسيمة والجرائم التي ارتكبت بحق المواطنين بعد احتجازهم واعتقالهم خلال الحرب على غزة بالآتي :
الاعتقالات خلال الحرب
– كشف فروانة في تقريره بأن قوات الإحتلال الإسرائيلي اعتقلت واحتجزت خلال فترة الحرب على غزة قرابة ( 1000 ) مواطن ومواطنة ، بينهم أطفال ونساء ، مرضى وجرحى وشيوخ ، ووضعتهم في أماكن معرضة للخطر ، ولكن ليس كل من أعتقل بقيّ رهن الاعتقال ، فالمئات منهم قد أطلق سراحهم وسمح لهم بالعودة الى بيوتهم أو الى مناطق داخل القطاع بعد احتجاز دام لبضعة ساعات أو لأيام محدودة جداً ، بعد أن أخضعوا للاستجواب السريع والآني في أماكن عسكرية ، فيما نقل قرابة ( مائتي معتقل ) الى أماكن احتجاز خارج حدود قطاع غزة في معسكرات عسكرية خاصة بالجيش ، وليست معسكرات اعتقال ، وبعد أيام من التعذيب والتحقيق والضغط أعيد غالبية هؤلاء الى داخل حدود غزة ، فيما نُقل العشرات الى سجون ومعتقلات معروفة كالنقب وبئر السبع وعسقلان للتحقيق والاحتجاز في ظروف مأساوية وأكثر قسوة من تلك التي يعيشها باقي الأسرى دون الإحتكاك بالآخرين، وفي وقت لاحق أطلق سراح بعضهم ، وأن البعض الآخر صدر بحقه أحكاماً مختلفة أو بانتظار المحاكمة ، وبعد عام من الحرب لم يتبقَ من هؤلاء في سجون ومعتقلات الإحتلال سوى ما يقارب من ( 20 أسيراً ) فقط .
مقاتل غير شرعي
– وعن كيفية التعامل معهم أوضح فروانة بأن سلطات الإحتلال الإسرائيلي أعلنت منذ اليوم الأول لحربها على غزة بأنها ستتعامل مع كل من سيتم اعتقالهم أثناء الحرب وفقاً لقانون ” مقاتل غير شرعي ” والذي يُحرمهم من حقوقهم الأساسية المتعارف عليها وفقا لإتفاقيات جنيف ، وترجمت هذا الإعلان ، حيث رفضت وبشكل مطلق التعاون مع منظمة الصليب الأحمر الدولية ، أو الإستجابة لمطالب السلطة الوطنية الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية والإنسانية بالكشف عن أعداد وأسماء كافة المعتقلين لديها ، بالإضافة الى طريقة التعامل معهم من حيث أماكن الإحتجاز والمعاملة وتقديم الخدمات والرعاية الطبية ولقاء المحامين والأهل..الخ .. القتل والإعدام بعد الاعتقال
– ولم تكتفي بالاعتقالات وسلب حقوقهم بل هناك شهادات وروايات كثيرة تفيد بأن قوات الإحتلال مارست سياسة القتل العمد والإعدام الميداني لبعض المواطنين العُزل بعد اعتقالهم والسيطرة عليهم ، بأشكال عدة وفي أماكن مختلفة ، بشكل فردي وجماعي ، إما في الشارع وأمام مرأى الآخرين أو داخل شققهم السكنية دون السماح لطواقم الإسعاف بانتشال جثامينهم ، أو اعتقالهم واحتجازهم ومن ثم إطلاق سراحهم والسماح لهم بمغادرة المكان باتجاه مناطق تعتبر آمنة داخل القطاع ومن ثم إطلاق النار عليهم أو قذائف الدبابات مما أدى الى استشهادهم .
بالإضافة الى ذلك فان رفضها التعاطي مع الصليب الأحمر وتزويده بأسماء المعتقلين أو السماح لمندوبيه بزيارة أماكن الاحتجاز في غزة أو على حدودها ربما يكون قد منحها الفرصة لإعدام بعضهم بشكل متعمد وإلقاء جثامينهم في شوارع غزة التي كانت تحتلها قوات الإحتلال ووجدت ملقاة على قارعة الطريق بعد انسحاب قوات الإحتلال منها ، أو دفنها في مناطق كانت قد شهدت قتالاً خلال الحرب والإيحاء وكأنهم قتلوا خلال الحرب.
هذا بالإضافة الى أن العشرات من المواطنين الغزيين لازالوا في عداد المفقودين ، ويُجهل مصيرهم ، ويُخشى بأن تكون قوات الإحتلال قد أعدمت بعضهم خلال الحرب ودفنت جثامينهم في مناطق القتال دون التمكن من انتشالها حتى اللحظة ، أو إقدامها على إعدام بعض من كانت تحتجزهم في أماكن سرية ، بمعنى أنه ليس بالضرورة أن المفقودين هم شهداء لا تزال جثامينهم تحت الأنقاض ، فربما جثامينهم لدى الإحتلال .
ليس هذا فحسب ، بل وفي حالات أخرى تم إعدام عائلات بأكملها بعد هدم البيوت فوق رؤوس من فيها من بشر رغم علو صرخاتهم ونداءاتهم وظهور ما يؤكد وجود أناس بداخله .
السجون السرية ومقابر الأرقام وسرقة الأعضاء :
– إنكار ” اسرائيل ” أسماء من لديها من أسرى ربما أتاح لها فرصة احتجاز بعضهم في سجون سرية ، وهؤلاء كان يُعتقد أنهم شهداء وأن جثامينهم تحت الأنقاض ، وربما أيضاً نقلوا الى مقابر أرقام ، وربما أيضاً نقلوا الى معاهد التشريح وسُرقت أعضائهم ودفنت جثامينهم في أماكن مجهولة .
التعامل مع الجرحى والمصابين ممن تم اعتقالهم واحتجازهم :
– شهادات كثيرة أكدت بأن قوات الإحتلال الإسرائيلي تعاملت بقسوة أثناء الحرب مع الجرحى والمصابين وحتى المرضى ، ممن تم احتجازهم واعتقالهم ، فهي لم تكتفِ بترك المصابين والجرحى ينزفون دماً ، وعدم تقديم الإسعافات لهم ، بل استخدمتهم دروع بشرية ولم تسمح لطواقم الإسعاف الفلسطينية الوصول إليهم وتقديم الإسعافات الأولية لهم أو نقلهم للمستشفيات الفلسطينية ، مما أدى لوفاة بعضهم .
وفي السياق ذاته لم تكن قوات الإحتلال تسمح لوصول لسيارات الإسعاف للمنطقة المتواجدة فيها أو القريبة منها لغرض نقل مريض أو مريضة للمستشفى ، مما فاقم من معاناة هؤلاء المرضى داخل بيوتهم وشققهم السكنية المحاصرة من قبل قوات الإحتلال .
استخدام المعتقلين دروع بشرية :
– قوات الإحتلال الإسرائيلي استخدمت المعتقلين كدروع بشرية بشكل فردي وجماعي ، وفي أماكن مختلفة ، فبعضهم وضعوا كجماعات ( ذكور وإناث ) في أماكن متقدمة من ساحة القتال المباشرة ، وجماعات أخرى من الذكور وضعوا في حفر كبيرة – أعدت خصيصاً لهذا الغرض- أمام بضعة أمتار من تمركز الدبابات وعرضة لمرمى النيران المتبادلة ، بل وأن شهادات بعضهم أكدت وصول بقايا الرصاص لأجسادهم .
وجماعات أخرى بأعداد أقل وضعت أمام الدبابات مباشرة ، وفي بعض الأحيان تم اعتلاء البيت والسيطرة عليه وتحويله الى ثكنة عسكرية أو نقطة مراقبة وعمل فتحات في جدار البيت لإطلاق الرصاص والقذائف منها ، فيما احتجزت الأسرة بأكملها في غرفة واحدة مما عرضها للخطر ، وفي أحيان كثيرة اعتقل المواطنين بهدف استخدامهم كدروع بشرية بشكل فردي ووضعهم في مقدمة الجنود أثناء اقتحامهم للأبراج والشقق والبنايات السكنية أو لتمشيط واستكشاف المنطقة المحيطة بالبيت الذي حولوه لثكنة عسكرية ، بل وفي شهادات أخرى استخدموا المعتقلين لمعرفة اتجاه إطلاق النار الآتي إليهم.
غياب التوثيق يعني ضعف الملاحقة وفقدان الأمل في المحاسبة
– بعد انقضاء عام على الحرب ، وما تردد من روايات وشهادات عن ما تعرض له المواطنين العُزل بعد احتجازهم واعتقالهم من انتهاكات جسيمة ومعاملة قاسية ولا إنسانية ، وما أرتكبت بحقهم من جرائم عديدة ، يوصفها ويعتبرها القانون الدولي على أنها جرائم حرب تستدعي ملاحقة ومحاكمة مقترفيها ، فان الباحث فروانة يعرب عن استغرابه اليوم لعدم توفر كتاب واحد يتناول ويوثق مجمل تلك الجرائم المتعلقة بالمعتقلين وما تعرضوا له أثناء الحرب ، كخطوة أولى باتجاه الملاحقة والمحاسبة .
ان غياب التوثيق المنهجي ، يعني ضعف الملاحقة ويعكس عدم جدية في الملاحقة ، مما يؤدي الى فقدان الأمل في محاسبة مجرمي الحرب ، لا سيما وأن ( لا ) ملاحقة و( لا ) محاسبة دون توثيق علمي وممنهج .
وفي هذا الصدد دعا فروانة الى ما يلي :
– تشكيل لجنة وطنية وإسلامية من قبل المؤسسات المعنية بالأسرى لجمع الشهادات والروايات والتحقيق في كل ما تعرض له المواطنون العُزل من انتهاكات فظة وجرائم إنسانية أثناء احتجازهم واعتقالهم وما بعد اعتقالهم أثناء الحرب على غزة ، وتوثيقها وفقاً لخطة ممنهجة متكاملة ، على طريق ملاحقة مقترفيها في المحاكم الدولية ومحاسبتهم على ما اقترفوه من جرائم .
– العمل بشكل فوري وقانوني من أجل إلغاء التعامل بقانون ” مقاتل غير شرعي ” مع معتقلي غزة الذي يشكل انتهاكاً جسيماً لقواعد القانون الدولي الإنساني ، لما لذلك من أضرار خطيرة ، لا سيما وأن استخدام هذا القانون قد تزايد في الآونة الأخيرة واستخدم بحق أسرى من غزة كانوا معتقلين منذ ما قبل الحرب و انتهت فترة محكومياتهم ، وإلزام حكومة الإحتلال الإسرائيلي الى اعتماد القانون الدولي واتفاقية جنيف في تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين والعرب المحتجزين في سجونها ومعتقلاتها .
– التحقيق في ظروف استشهاد كافة المواطنين الذين وجدت جثامينهم في المناطق التي انسحبت منها قوات الإحتلال ، فلربما بعض هؤلاء قد قتلوا عمداً وألقيت جثامينهم في أماكن القتال أو القصف .
– دعوة المؤسسات الحقوقية لاسيما ذات الإمتدادات الدولية الى تفعيل دورها على المستوى الدولي ومواصلة ضغطها على مؤسسات المجتمع الدولي لاسيما تلك التي تعنى بحقوق الإنسان والأسرى ، بهدف التأثير عليها ودفعها للتخلي عن موقفها المتخاذل مع حكومة الإحتلال وعدم التعامل بمكيالين ، على اعتبار ان حقوق الإنسان جزء لا تتجزأ ، وان المجرم أيا كان موقعه وجنسيته وديانته يجب محاسبته على جرائمه الإنسانية ، وان ” اسرائيل ” هي ليست فوق القانون أو خارج المساءلة .
أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية
0599361110
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان
www.palestinebehindbars.org
ملاحظة / لمزيد من المعلومات والتفاصيل ذات الصلة تجدونها على موقعنا ” فلسطين خلف القضبان ”