11/2/2006
لو اختزالنا الديمقراطية فى كونها عملية اقتراع تعطى شرعية لمن يمثل الاغلبية فى ان يتولى مقاليد الحكم ، لما كانت الديمقراطية حلما تتهافت عليه الامم ، وتبذل الشعوب فى سبيله سنين طويلة من العرق والدماء لان الديمقراطية الحقة – كما يراها الليبراليون – هى كل لا يتجزأ من التشريعات والتقاليد والاعراف ، هدفها النهائى هو تحرير الانسان الفرد من قيود السلطة واطلاق الصناعة لقدراته الابداعية والانتاجية ، لذا فان عملية التحول الديمقراطى او المقراطة عملية لاتنتهى ، عمرها هو تاريخ البشرية ومبغاها الاسمى هو الانسان .
وقد ادرك فلاسفة الليبرالية الاوائل ، ان اطلاق الحرية الفردية الى اقصى مداها ، لكل البشر فى ان واحد هو امر مستحيل ، فاذا كان من حرية الفرد – نظريا – ان يقتل ، فان من حريته ايضا الا يقتل وهذا التعارض بين المصالح الفردية ، يعنى وجوب تقييد بعض الحريات من اجل الحفاظ لى الحريات الاهم والاعظم ، وهو ما يمكن ان يلخص فى مقولة تعود الى القرن الثامن عشر ، على لسان الكاتب السياسى الانجليزى توماس بين ” الحكومة والدولة شر لابد منه فى افضل حالتها ” فالحكومة اذن هى الكيان المنظم لمجموعة من القيود المفروضة على الحريات الفردية ، هذه القيود التى اتفق عليها سلفا من مجموع الواقعين تحت سلطة هذه الحكومة او بمعنى اخر مجموعة من الحريات التى قبل المحكومين التنازل عنها للحاكم على ان يحفظ لهم الجانب الاهم من حرياتهم ، هذه الصياغة تعرف فى الادبيات السياسية الليبرالية ” بالعقد الاجتماعى ”
والعقد الاجتماعى يؤسس لفكرة بالغة الاهمية ، هى فكرة القانون ، الذى يعنى مجموعة من القواعد التى تنظم العلاقات بين الافراد وبعضهم ، وبين الافراد والدولة ” الحكومة ” ينتج بديهيا عن هذا التعريف المبسط الحاجة لاربعة كيانات تمثل فكرة الحكومة او الدولة ، فالقانون بحاجة لمن يصيغه بناء على رغبة المتعاقدين فى العقد الاجتماعى ” التشريع ” ومن يطبقه ” التنفيذ ” ومن يفصل فى النزاعات الناجمه عن اختلاف التفسيرات او الانتهاكات ” القضاء ، ثم من يراقب ويحفظ جوهر هذه القوانين اثناء تنفيذها ” الرقابة ”
ومن تعريف العقد الاجتماعى ، فان سلطة التشريع يفترض ان تعطى لكافة المحكومين ، ولكن لكون هذا مستحيلا نشأت فكرة انتخاب ممثلين للشعب ” البرلمان ” ليتولوا هذا الدور نيابة عمن يمثلونهم ، اما السلطة التنفيذية فهى فى معظمها غير منتخبة ، الا ان انتخاب من يرأسها ” الحكومة ” بمعناها الضيق امر جوهرى للحفاظ على الديمقراطية ، فالسلطة التنفيذية هى السلطة الوحيدة العينية ، او ايضاحا هى التى تمتلك ادوات حقيقية تكفل لها تقييد حرية الافراد ، اما القضاء فله طبيعة خاصة ، فهو يتنهج الية مختلفة فى اختيار اعضائه ، حيث انه يشترط فيمن يمارسون معرفة قانونية عميقة وخاصة ، فهو يتنتهج اليه مختلفة فى اختيار اعضائه حيث يتم انتقاء افضل العناصر الدارسة للقانون بواسطة هيئة ثمثل المشتغلين بالقضاء بأنفسهم .
اما عن الدور الرقابى فقد اسند الى السلطة التشريعية تلقائيا لسببين ، الاول هو انه لا داع لانتخاب ممثلين للشعب مرتين ن الاول للتشريع والثانى للرقابة والسبب الثانى هو ان القائمين على صياغة التشريعات هم الاجدربمتابعة تنفيذها والفصل بين هذه السلطات وتحديد اختصاصتها هو الامر الفاصل بين الديمقراطية الحقيقية والديمقراطية الصورية حيث ان هذا المبدأ يعنى بالاساس الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطتى الاخريين ، فالسلطة التنفيذية كما اسلفت هى السلطة الوحيدة العينية فيما يمكن القائمين عليها من اسغلال نفوذهم لتحقيق مصالح فردية او جماعية تخالف ارادة الافراد الواقعين تحت سيطرتها وهو ما يمكن ان نعرفه بالفساد وفى حالة اختلاط السلطة التشريعية بالتنفيذية والقضائية فان هذا يمثل خلالا جوهريا بالعملية الديمقراطية ويحولها الى ديمقراطية شكليه او صورية اما عن كيفية الفصل بين السلطات فيمكننا ان نحدد عدة مبادىء اولية مع مراعاة ان الموضوع اوسع من ان يناولة مقال واحد او حتى كتاب هذه المبادىء تتلخص فى
1- مبدأ الحصانة لكل من اعضاء السلطتى التشريعية والقضائية ، حصانة ضد اجراءات وتدابير السلطة التنفيذية لا يجوز رفعها الا بأجراءات خاصة تتولها السلطة المختصة ، فمثلا من غير الجائز اعتقال عضو فى السلطة التشريعية او توجيه اتهام له بغير موافقة اغلبية اعضاء السلطة ذاتها على رفع الحصانه عنه
2- مبدأ الاشراف القضائى على الانتخابات ، فالقضاء من حيث كونه سلطة محايدة لا تمثل طرفا او مصلحة يكون هو الضامن لسير العملية الانتخابية ، بشكل نزيه وعادل بحيث لا يكون للسلطة التنفيذية اثر فى تحويل الدفه لمصلحة هذا او ذاك
3- مبدأ حرية البرأى والتعبير ، وتداول المعلومات .. ومن هذا المبدأ تسمت الصحافة ” بالسلطة الرابعة ” حيث ان الصحافة ( الاعلام بشكل عام ) لها دور مهم فى الرقابة على اداء كل من السلطات الثلاثة بدورها فيما يحقق شروط العقد الاجتماعى ويضمن للمحكومين الحد الادنى من المشاركة فى الشأن العام
4- مبدأ استقلال القضاء .. لابد ان يكفل للقضاء استقلالا تاما ، فلا تكون للسلطة التنفيذية اى اشراف او رقابة عليها ولا يحقق لها التدخل فى تعيين ايا من هيئات السلطة القضائية او افرادها
5- مبدأ المسائلة .. وهو يعنى خضوع اعضاء السلطة التنفيذية للمسائلة التشريعية ( الرقابية ) والقضائية بشكل تام ودون استثناء ، بحيث يكون للقانون السيادة الكاملة ، وبحيث يضمن المحكومين تحقق المصلحة العامة بدون شبهة الفساد .
وختاما فان المقولة المبكرة لادوارد جيبون صاحب كتاب ” اضمحلال وسقوط الامبراطورية الرومانية ” والتى تعود الى عام 1776 ، تلخص مبدأ الفصل بين السلطات فى ان ( مزايا اى دستور حر تعدو بلا معنى حين يصبح من حق السلطة التنفيذية ان تعين اعضاء السلطة التشريعية والقضائية )