نظرة عامة على المنطقة في عام 2003
على مدار عام 2003، استمر حصاد منجل الموت في الارتفاع في خضم الصراعات المسلحة في المنطقة، وذلك مع اندلاع الحرب في العراق واستمرار الصراعات الدائرة في إسرائيل والأراضي المحتلة وفي الجزائر. ففي هذه البلدان وغيرها، بما في ذلك المغرب والمملكة العربية السعودية، تصاعدت هجمات الجماعات المسلحة، التي كثيراً ما ظلت مجهولة، ضد الأهداف المدنية والأهداف الحكومية العسكرية.

وازدادت مناقشة الإصلاحات السياسية والقضائية والقانونية في المنطقة، بازدياد ضغوط المجتمع المدني الذي يطالب بزيادة حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات، وزيادة تمثيله ومشاركتـه في الحكومة، والتصدي لصنوف المعاملة التي تنطوي على التمييز ضد المرأة، سواء في نصوص القانون أو في الممارسة العملية. وفي نهاية العام، أعلن “مجلس التعاون الخليجي” تشكيل لجنة لشؤون المرأة للنظر في دور المرأة باعتبارها “شريكاً في التنمية” في دول الخليج. وعلى المستوى الإقليمي، اتخذت جامعة الدول العربية خطوات لمراجعة الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي اعتُمد في عام 1994، بأسلوب يأخذ في الاعتبار مساهمات المنظمات غير الحكومية للمرة الأولى.

وعلى الرغم من وعود الحكومات بالإصلاح، فقد استمرت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في شتى أنحاء المنطقة.
وإذا كانت معظم الحكومات قد صادقت على المعاهدات الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان، فإن هذه المواثيق لم تُدرج في القوانين السارية أو تطبق في الحيـاة العملية إلا فيما ندر. وأدى غياب الضمانات الأساسية إلى تيسير وقوع أنماط الاعتقال والاعتقال التعسفـي لأسباب سياسية، والاحتجاز لمدد طويلة بمعزل عن العالم الخارجي، والتعذيب، وسوء المعاملة.

أما المعايير الدنيا للمحاكمة العادلة فكان مصيرها التجاهل، مما أدى إلى الزج في السجون بأعداد من سجناء الرأي، وحبس سجناء سياسيين لفترات طويلة، وإعدام أشخاص في أعقاب محاكمات جائرة.

ولم يكن هناك سوى عدد قليل من النظم أو الآليات المستقلة لإجراء تحقيقات وافية ونزيهة في انتهاكات حقوق الإنسان، ونادراً ما قُدم إلى ساحة العدالة من زُعم أنهم ارتكبوا هذه الانتهاكات.

الصراع المسلح
كان التدخل العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، في مارس/آذار، بداية احتلال طال أمده لذلك البلد شاركت فيه القوات الأمريكية والبريطانية وغيرها في ظل ما يُسمى “سلطة التحالف المؤقتة”. وفي الشهور السابقة على الحرب، دعت منظمة العفو الدولية السلطات الأمريكية والبريطانية وكذلك مجلس الأمن الدولي إلى النظر جدياً في تأثير الحرب على شعب العراق من زاوية حقوق الإنسان ومن الزاوية الإنسانية، ولفتت أنظار الجميع إلى احتياجات السكان المدنيين. واتسمت الفترة التي تلت الحرب مباشرة بانعدام مظاهر الأمن الأساسية للعراقيين العاديين، على نحو ما شهده مندوبو المنظمة الذين دخلوا ذلك البلد في إبريل/نيسان، وذلك للمرة الأولى منذ 20 عاماً.

ودعت المنظمة دول الاحتلال إلى مراعاة التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، حيث ازداد رسوخ ما تمارسه قوات الاحتلال المسلحة من أنماط الاعتقال التعسفي بمعزل عن العالم الخارجي، وسوء المعاملة والإفراط في استعمال القوة. وتحققت مخاوف الكثيرين عندما أدى غياب مظاهر الأمن الأساسي إلى تصاعد حاد في أعمال العنف على أيدي الجماعات المسلحة التي هاجمت أهدافاً عسكرية، وكذلك وبصورة متزايدة عمليات الإغاثة الإنسانية الدولية.

وفي إطار المطالبة بإقرار العدالة لشعب العراق، حثت منظمة العفو الدولية “سلطة التحالف المؤقتة” ومجلس الحكم العراقي والمجتمع الدولي على إدراج حقوق الإنسان في صلب جهود التعمير الجارية، والعمل على أن تتماشى القوانين والممارسات مع المواثيق الدولية، وضمان المساءلة عن جميع انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني في الماضي والحاضر، بغض النظر عن هوية مرتكبها، وأن تكفل حماية حقوق الإنسان للعراقيين جميعاً.

واستمر الصراع المسلح في إسرائيل والأراضي المحتلة بعد أن دخلت الانتفاضة الفلسطينية عامها الثالث، فارتفع عدد ضحايا القتل ارتفاعاً رهيباً، وكان من بينهم أطفال كثيرون. وبحلول نهاية العام، كانت جهود “اللجنة الرباعية” (الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا الاتحادية) في التوسط لعقد اتفاق سلام، فيما يُعرف باسم “خريطة الطريق”، بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، قد أصبحت حبراً على ورق، على الرغم من تأييد مجلس الأمن للخطة في نوفمبر/تشرين الثاني. وكما كان الحال في اتفاقات السلام السابقة، لم يتضمن هذا الاتفاق سوى إشارات عابرة إلى ضمانات حقوق الإنسان، وخلا من أي إقرار بأن السلام الدائم لا يمكن تحقيقه دون تلبية حقوق الإنسان الأساسية للجميع.

وفي ديسمبر/كانون الأول، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً وافقت عليه أغلبية الأعضاء يقضي بطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بشأن العواقب القانونية لما يُسمى “الجدار الأمني”. ويمثل الجدار جانباً من سياسة الاستمرار في عمليات الإغلاق وفرض حظر التجول في المناطق الفلسطينية وعلى سكانها، بدعوى الحفاظ على أمن إسرائيل. وقد أدت هذه السياسة إلى الحد من حرية التنقل والكثير من الحقوق الأخرى للفلسطينيين في الضفة الغربية، فضلاً عن إصابة الاقتصاد الفلسطيني بالشلل.

واستمر الصراع في الجزائر في الوقت الذي تركزت أنظار المجتمع الدولي وأجهزة الإعـلام الدولية على الصراعات الأخرى في المنطقة. وعلى الرغم من الانخفاض المحدود في عدد القتلى والجرحى، فقد قتلت الجماعات المسلحة مئات المدنيين، وسقط مئات من أفراد قوات الأمن، والميليشيات التي تسلحها الدولة، قتلى في اعتداءات وكمائن، إلى جانب مئات القتلى من المشتبه في انتمائهم للجماعات المسلحة خلال العمليات التي قامت بها قوات الأمن.

“الحرب على الإرهاب”
استمر إهدار الحقوق الإنسانية الأساسية في المنطقة من جراء ما يُسمى “الحرب على الإرهاب”. وواصل أعضاء جامعة الدول العربية تنفيذ “الاتفاقية العربية للقضاء على الإرهاب”، التي لا تتضمن سوى القليل من ضمانات حقوق الإنسان. وقد أدى ذلك، إلى جانب شتى الاتفاقات الأمنية الثنائية، إلى تيسير تسليم الأفراد من دولة إلى أخرى داخل المنطقة وخارجها دون اتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة، أو المشورة القانونية أو تطبيق إجراءات اللجوء. وإذا كانت بعض الدول، مثل مصر وسوريا، تطبق منذ زمن بعيد قوانين حالة الطوارئ، فقد كانت “الحرب على الإرهاب” ذريعة لإضفاء الشرعية على الممارسات القائمة مثل الاحتجاز الإداري لفترات طويلة، والمحاكمات الجائرة أمام محاكم خاصة لا تفي إجراءاتها بكل ما تقتضيه المواثيق الدولية.

وخلال العام، لجأت دول أخرى، مثل المغرب وتونس، إلى سنّ قوانين جديدة بغرض “محاربة الإرهاب” خلال العام، وهي قوانين تشكل مزيداً من التهديد لحقوق الإنسان الأساسية.

حقوق المرأة
ازدادت المناقشات حول حقوق المرأة في المنطقة، مع التركيز بصفة خاصة على العنف ضد المرأة، إذ كثّفـت المرأة من نضالها في سبيل زيادة حقوقها في المنطقة، فاحتجت المرأة في الكويت على استمرار حرمانها من المشاركة في الانتخابات، وطالبت المرأة في البحرين بوضع قانون للأحوال الشخصية لحماية حقوق المرأة

ومع ذلك، شهدت المنطقة بعض الإصلاحات العملية. فقد كانت سلسلة الإصلاحات المقترح إدخالها في قانون الأحوال الشخصية، والتي أعلنها الملك محمد السادس عاهل المغرب في أكتوبر/تشرين الأول، تهدف إلى الارتقاء بحقوق المرأة، وكان من هذه الإصلاحات المقترحة رفع السن القانونية لزواج الفتاة من 15 إلى 18 سنة، ومساواة الزوج والزوجة في تحمل المسؤولية المشتركة عن الأسرة.

ولكن بعض الحقوق الأخرى، مثل حقوق الميراث، التي يتبدّى فيها التمييز ضد المرأة في المغرب مثلما يتبدى في غيرها من بلدان المنطقة، فقد ظلت إلى حد كبير دون تغيير. وفي الأردن، رفض مجلس النواب الأردني المقترحات التي تقضي بتعديل المادة 340 من قانون العقوبات (الخاصة بأحداث القتل في محيط الأسرة) بحيث تزيد من إنصاف المرأة.

أما المادة 98 التي كثر الاستناد إليها، وهي تسمح بتخفيض العقوبة على من يرتكب جريمة “في ثورة غضب”، فقد ظلت قائمة في نصوص القانون. وفي إيران، كانت محاولات البرلمان لإدخال مزيد من الإصلاحات فيما يتعلق بحقوق المرأة وبانضمام الدولة إلى “اتفاقية المرأة” تصطدم في كل مرة برفض “مجلس أمناء الدستور”، وهو أعلى هيئة تشريعية في إيران. وفي ديسمبر/كانون الأول، هكذا فإن التشريع المقترح قد أحيل إلى هيئة تحكيم خاصة، ، بسبب استحالة التوفيق بين مذهبي الهيئتين التشريعيتين المختلفين. وفي المملكة العربية السعودية، لم تتخذ الدولة حتى الآن أية تدابير عملية لتلبية أبسط الحقوق الإنسانية للمرأة، على الرغم من الوعود البراقة التي قطعتها السلطات بتلبية حقوق المرأة استجابةً للمطالب في هذا الصدد، والتي ازدادت أصوات المطالبات بها ارتفاعاً خلال العام.

اللاجئون والمهاجرون والنازحون داخلياً
استمرت معاناة اللاجئين وطالبي اللجوء من عدم توافر آليات الحماية في المنطقة. وكانت الدول الأطراف في “اتفاقية اللاجئين” لعام 1951، أو البروتوكول الملحق بها عام 1967، تقتصر على الجزائر ومصر وإيران وإسرائيل والمغرب واليمن. وفيما يتعلق ببلدان شمال إفريقيا، ظل النظام الإفريقي لحماية حقوق الإنسان يعاني من تجاهله على نطاق واسع. وكانت معظم بلدان المنطقة، حتى الأطراف منها في “اتفاقية اللاجئين”، تفتقر إلى تشريعات اللجوء الوطنية، وهو الأمر الذي خفض من مستوى الحماية المقدمة لطالبي اللجوء واللاجئين.

واستمرت “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين” التابعة للأمم المتحدة في تولي مهمة البت في معظم حالات طلب اللجوء في غالبية البلدان، حتى في البلدان التي وقعت “اتفاقية اللاجئين”. وظل معظم طالبي اللجوء محرومين من مباشرة إجراءات المراجعة القضائية لطلباتهم أمام المحاكم الوطنية، وهو الأمر الذي ساهم بدوره في ازدياد احتجاز اللاجئين وطالبي اللجوء، حتى في مصر، وهي من الدول الأطراف في الاتفاقية، وكذلك في لبنان وليبيا، وهما اللتان لم تصادقا على تلك الاتفاقية.

واستمرت معاناة اللاجئين الفلسطينيين من عدم وجود آلية للحماية في المناطق التي تعمل فيها “وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في الشرق الأدنى”، حيث أدى ضيق موارد تلك الوكالة إلى أن تقصر المعونة التي يتلقاها كثير من اللاجئين عن الوفاء باحتياجاتهم. وكابد اللاجئون الفلسطينيون مشاق بالغةً في عدة مناطق، ومنها العراق حيث وجدت أسر كثيرة أنفسها بلا مأوى بعد سقوط الحكومة في مارس/آذار، ولبنان حيث قُوضت مصادر العيش بالنسبة لمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين بسبب سياسات التمييز ضدهم، والتي تحد في الواقع الفعلي من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.

وظل النزوح الداخلي يمثل المشكلات الرئيسية في العراق، إذ تعرض له سكان من الأكراد، وعرب الأهوار، والشيعة والسنة. وانخفض عدد العراقيين من طالبي اللجوء انخفاضاً ملحوظاً نتيجة للحرب. وبحلول نهاية عام 2003، كانت عدة بلدان أوروبية، إلى جانب إيران، تقوم بوضع الخطط اللازمة لإعادة اللاجئين وطالبي اللجوء العراقيين، خلافاً لما ذكرته “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين” بشأن الأحوال الأمنية القلقة في العراق، وعدم ملاءمة الظروف هناك بصفة عامة لعودتهم.

وما برح تهريب الأشخاص من شمال إفريقيا إلى جنوبي أوروبا، ومن منطقة القرن الأفريقي إلى اليمن، أمراً يبعث على القلق. فنتيجة لسياسات تقييد الهجرة في بلدان كثيرة، لم يعد هناك خيار أمام كثير من المهاجرين وطالبي اللجوء سوى اللجوء إلى جماعات المهربين الإجرامية. واستمر وقوع حوادث الزوارق وغرق كثير ممن أرادوا الهجرة وطلب اللجوء.

المدافعون عن حقوق الإنسان
استمر ازدهار المناقشات حول حقوق الإنسان في المنطقة، وإن كانت المنخرطون في العمل “على الخطوط الأمامية” دفاعاً عن حقوق الإنسان كثيراً ما وجدوا أنفسهم عرضةً للمخاطر. ففي الجزائر ومصر ولبنان والمغرب والصحراء الغربية وسوريا وتونس، تعرض رجال ونساء للاعتقال أو التهديد بسبب نشاطهم في مجال حقوق الإنسان. وواجهت منظمات حقوق الإنسان في عدة بلدان عراقيل شديدة في محاولة الحصول على وضع قانوني في ظل القوانين المكبلة المنظمة لنشاط المنظمات غير الحكومية، والتي أدت في الواقع الفعلي إلى تقليص عملها في مجال حقوق الإنسان فضلاً عن الحد من مصادر تمويلها.

وفي الوقت نفسه، رفضت السلطات الإسرائيلية دخول كثير من العاملين في منظمات حقوق الإنسان الدولية إلى أراضيها، كما فرضت القيود على تنقل نشطاء حقوق الإنسان ودعاة السلم والتضامن في الأراضي المحتلة. ومع ذلك، فلقد كان منح جائزة نوبل للسلام إلى المحامية الإيرانية شيرين عبادي من العوامل التي ساعدت على دعم قضية المدافعين عن حقوق الإنسان داخل إيران وفي المنطقة بصفة عامة.