12 مايو 2004

مرة أخرى تكشف الصدفة عن بشاعة الطرق التي تنتهجها أجهزة الشرطة في التعامل مع المواطنين. مرة أخري يضطر المواطنون تحت وطأة التعذيب إلي الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها. مرة أخري يلجا المواطنون إلي إدانة أنفسهم زورا، وتحمل عقوبات جرائم لم يرتكبوها فرارا من جحيم جلادي الشرطة. مرة أخرى يقوم أحد المواطنين بالاعتراف تحت وطأة التعذيب بقيامه بالسرقة ليتبين بعد تقديمه للمحاكمة انه يوم وقوع الجريمة كان محبوسا.

وتفاصيل الواقعة أن السيد/ إبراهيم مبارك علي قدم للنيابة بعد أن اعترف بقيامه بالاستيلاء على سيارة يوم 31/12/2003 وسرقة بعض المنقولات، وذلك بناء على محضر تحريات رئيس وحدة المباحث بقسم الشرابية الرائد /ايهاب خلاف. ثم تبين أثناء محاكمته التي تولى الدفاع فيها محامون من الجمعية أن المتهم كان في الفترة التي وقعت فيها الجريمة محبوسا ولم يطلق سراحه حتى يوم 25/1/2004 .

ولقد قدم المتهم بلاغا للنيابة بتعذيبه ذكر فيه انه قد تم ضربه، وتعليقه عدة ساعات بغرض إجباره على الاعتراف وأن الذي باشر تعذيبه كان بلوكامين المباحث/ أحمد فتحي وبأوامر من الرائد /ايهاب خلاف.

لقد قضت المحكمة يوم 8/5/2004 ببراءة إبراهيم مبارك من التهم المنسوبة إليه. إلا انه من المؤكد أن هناك أبرياء آخرون لم تسعدهم الصدفة بكشف براءتهم حتى بعد أن قضوا فترة من العقوبة وربما يكون بعضهم قد لقي حتفه. فبعد واقعة بدر الدين الشهيرة التي اعترف فيها تحت وطأة التعذيب بقتل ابنته ثم كشفت الصدفة عن وجود الابنة على قيد الحياة. وبعد واقعة الممثلة حبيبة التي اعترفت هي أيضا بقتل زوجها، وأمضت عدة سنوات في السجن قبل أن توقع (الصدفة) بالقتلة الحقيقيين. وهناك العديد من الوقائع المماثلة التي نشرتها الصحف في الشهور الأخيرة، وتأتى واقعة إبراهيم مبارك لتضاف إلى سجل الشرطة الأسود في التعذيب المنهجي.

إن هذا الأسلوب الذي ينتهجه رجال الشرطة والذي يتنافى مع المعايير القانونية والحقوقية التي كفلها القانون، والدستور، والمواثيق الدولية هو أيضا بعيد كل البعد عن الكفاءة المهنية. إن رجال الشرطة الذين يتعاملون مع مكافحة الجرائم بطريقة مقاولي الأنفار، فالمهم هو تقديم عدد من الرؤوس بغض النظر عن من هو المرتكب الفعلي للجريمة وبغض النظر عن الطريقة التي تتم بها التحريات عار المجتمع الذي يصبح رجاله المنوط بهم تطبيق القانون هم أول من يخالفونه.

إن الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب إذ تدين استمرار هذه الممارسات الفاضحة، تطالب بضرورة القضاء علي التعذيب في أماكن الاحتجاز، وتغيير القوانين التي تحمي الجناة وتسمح بالإفلات من العقاب. كما تطالب بالإلغاء الفوري لقانون الطوارئ الذي يسمح بتفشي هذه الظاهرة.