24/2/2007
مدخل
ارتبط وجود المعتقلات السرية في المغرب بكل مظاهر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كما عرفتها المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بالرباط في نونبر2001، استنادا إلى الآليات الدولية والتجارب العالمية، والتي نتجت عن فعل الدولة أو الأشخاص أو المجموعات العاملة لفائدتها، وهي التالية: الاختفاء القسري، والاعتقال التعسفي وسوء المعاملة، وضمنها المتعلقة بظروف احتجاز أسوأ.. مما يثير حركات احتجاج الضحايا على مثل تلك المعاملة وتلك الظروف، عميقة…؛ والمحاكمات غير العادلة، القتل والتعذيب المفضي إلى الموت، أو المتسبب في أضرار وعاهات جسدية ونفسية، والإعدام خارج نطاق القانون، والنفي الاضطراري أو الاختياري.. نتيجة لكل ذلك، أو تحسبا واتقاء له، والإبعاد القسري والترحيل والحصار وسلب الأموال ونزع الممتلكات أو إتلافها، والانتقام من ذوي قربى الضحايا، بل وحتى من الساكنة المقيمة أو المنحدرة من بعض المناطق…؛
وهي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بكل المقاييس، شهدها المغرب على امتداد سنوات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات- المعروفة مغربيا ب: سنوات الرصاص والجمر والنار؛ وقد استمرت الكثير من تلك الانتهاكات في الثمانينيات والتسعينيات، وكانت تلك الانتهاكات الجسيمة لكل حقوق الإنسان، موجهة بشكل منهجي أساسا، من قبل النظام السياسي القائم بالمغرب ضد المعارضة السياسية منذ ما يسمى بالاستقلال، خصوصا منها التي كانت ولازالت تناضل من أجل التحرر، وإقامة ديمقراطية حقيقية تكون فيها السيادة للشعب المغربي، ومن شأنها ضمان وحماية حقه في تقرير مصيره السياسي والمدني، والاقتصادي والاجتماعي والثقافي…
فيما استمرت في بدايات الألفية الثالثة.. ضد حقوقيين ؛ وصحراويين وصحفيين، وبعض التيارات الإسلامية عموما، أو ما يتهم منها بالإرهاب خصوصا… وذلك بتوجيهات من الولايات المتحدة الأمريكية، إثر ما أسمته حربها من أجل تجفيف منابع الإرهاب في العالم، بعد أحداث 11 سبتمبر2001، ثم بتعليمات من قبل الأجهزة النافدة والتنفيذية في النظام المغربي، بعد أحداث: 16 ماي2003 بالدار البيضاء و11مارس2004 بإسبانيا… ولندن2005؛
تلك الأحداث التي كانت وراء تعجيل المؤسسات الدستورية، من: مجلس وزاري، وحكومة، وبرلمان؛ بإصدار قوانين خطيرة وتراجعية مثل: قانون مكافحة الإرهاب، وتعديلات المسطرة الجنائية، والقانون الجنائي، وقانون الهجرة… وعقد اتفاقيات مع عدة دول، بشكل ثنائي أو متعدد الأطراف لمكافحة الإرهاب تبعا لذلك ولغيره… أخطرها تلك التي انعقدت مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تكرس التبعية الحقيقية في درجاتها القصوى للدوائر الامبريالية والعولمية في مجال التعاون الأمني والاستخباراتي عبر القارات، إذ صارت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تمارس في معتقلات سرية بالمغرب بالوكالة..
تبعا لما سبق أحدثت معتقلات سرية مشهورة بإقليم ورزازات، وفي عهد لازال فيه نفوذ العمالة يشمل إقليم زاكورة الحالي، وذلك إما في قصبات أو قصور بنيت من قبل ذوي الجاه والسلطان في القرون الماضية، كما في: أكدز- وتاكونيت- وأيت بنحدو (تمداغت)- وسكورة- أو تم إحداثها خصيصا لهذا الغرض كما الشأن بقلعة مكونة، وسد المنصور الذهبي.
وارتبطت تلك النكاية بالإقليم ضمن أقاليم أخرى في المغرب الحبيب، بسياسة العهد الاستعماري بشأن: المغرب غير النافع، سوى للتأديب والتعذيب، وكل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المذكورة أعلاه، والتي كان لها الضرر البالغ على البلاد والعباد طوال عقود من الدهر، ولازال:
فقد كان الكذب الذي كان يشاع حول الضحايا، الذين كانت صرخاتهم تسمع في بعض تلك المعتقلات بادعاء كونهم أعداء الله والملك والوطن، من أجل تأليب الرأي المحلي فضلا عن جلاديهم ضدهم من جهة، وترويع الناس وتخويفهم من مجرد الاقتراب من تلك المعتقلات السرية من جهة أخرى، فأحرى الاحتجاج ضدها الذي لم يكن يوما ما يتصور لدى المناضلين بالإقليم؛
خصوصا بعد ما شهده الإقليم من مقاومة شرسة ضد المستعمر في جبال بوكافر وغيرها من جهة، وضد النظام السائد بعد الاستقلال الشكلي من جهة أخرى، فيما كان يسمى بأحداث مولاي بوعزة 1973/03/03، التي انطلقت شرارتها الأولى بتنغير، وكانت ضمن الأسباب العميقة لسياسة الانتقام الممارسة ضد الإقليم كله وبث الفتنة فيه من قبل أعوان الداخلية بمناسبة وبدون مناسبة، مغتنمين فرص الصراعات حول الأراضي الجماعية، والصراعات الانتخابية بالأساس؛ لذلك اعتبرت القافلتين والوقفتين اللتين التف حولهما الناس المحليون أمام المعتقلين السريين بكل من قلعة مكونة وأكدز، فتحا حقيقيا لهذه المناطق:
فقد نظمت الأولى من قبل هيئة متابعة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تحت شعار:” حتى تستعيد قلعة مكونة ورودها”، مساء يوم 01-02 يونيو2002، وضمت زهاء200 شخصية، تنتمي إلى فعاليات سياسية، ومدنية، وحقوقية، ونقابية، وثقافية فنية، وهي الوقفة التي تم خلالها توقيع اتفاقية بين أطراف هيئة المتابعة الثلاثة، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، في شأن العمل المشترك في مجال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب، فيما نظمت الثانية من قبل المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف سنة2003 ضمن مسار سيرورة تنظيمه وقفات رمزية أمام المعتقلات السرية الرهيبة ب: تازمامارت، ودرب مولاي الشريف، ودار المقري، وفكيك، وأكادير، والريف، وخنيفرة…،
كما كان للسياسة المذكورة الضرر البالغ أيضا في نفوس الناس بإقليم ورزازات، وعقولهم وسلوكهم، وثقافتهم المحلية، وأحلامهم، وتصريف الدولة الفقر والحرمان عبر الجماعات المحلية، القروية منها والحضرية، بكل من إقليمي ورزازات وزاكورة، إذ حرمت الساكنة من أغلب ضروريات العيش الكريم، ودون الدخول في التفاصيل، في مجالات:
الصناعة، والتجارة، والخدمات، والصناعة التقليدية، والتعليم، والصحة، والسكن اللائق، والنقل، وتعبيد الطرق بالمراكز الحضرية وخارجها، والبريد والاتصالات، والثقافة، والترفيه… في خرق سافر للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الملزم للمغرب منذ تصديقه عليه سنة1979، والذي يخول لبني البشر التصرف الحر بالثروات والموارد الطبيعية المحلية، كالمعادن، والسياحة، والسينما، ولا يجوز في أية حال حرمانهم من أسباب عيشهم الخاصة؛
كما لحق الضرر حقوق الناس بالإقليم المدنية والسياسية في خرق سافر أيضا للمنصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالموضوع، والملزم للمغرب منذ تصديقه عليه أيضا سنة1979، في مجالات:
- المشاركة السياسية التي عرفت أقصى درجات تزوير الإرادة الشعبية، حيث سياسة غض الطرف، بل تشجيع: انتشار نفوذ السلطة والمال على نطاق واسع عبر أعيان القبائل على الخصوص… من أجل نيل أصوات المواطنين لصالح الأحزاب الإدارية باستمرار، باعتبارها “البارشوك” الحامي للسياسات العامة للدولة بالإقليمين منذ الاستقلال إلى الآن.
- الحق في تقلد المناصب العمومية خصوصا منها الوظائف السامية: المدنية منها والعسكرية، فقط بحكم انتمائهم إلى المناطق التأديبية في عرف السلطات العليا، وفي تمييز سافر ممارس ضدهم عن باقي المواطنين في باقي المدن المغربية، خصوصا في مدن الوسط،
- المحاكمة العادلة، حيث إن انتشار الرشوة فيما بين القضاة كان ومايزال أمرا مفروغا منه، بل ولا حرج لدى القضاة المرتشين، سواء بالنسبة للقضاء الجالس أو الواقف، من طلبها عبر الشبكات واللوبيات المتخصصة؛ بحكم أن أغلب القضاة الذين يعينون بالإقليم، إما أنهم منقلون تأديبيا إلى الإقليم، وبالتالي لا شأن لهم لا بالتشريع ولا بالفقه ولا بالاجتهاد… ، أو أنهم حديثو العهد بالمهنة مما ينعكس سلبا على أهليتهم لممارستها بكل نزاهة وجرأة وتجرد…
- الحق في التمتع بالحريات العامة، خصوصا منها المتعلقة بالتضييق، أو حجب، أو منع:
- تأسيس أو تجديد بعض الجمعيات بعدم تسليم وصولات الإيداع القانوني،
- عقد بعض أنشطتها، خصوصا إذا ما اختلفت عن السياسة العامة للدولة ورأيها؛
- التظاهر السلمي والتجمعات العمومية؛
- استغلال القاعات العمومية…
جبر الضرر الجماعي بإقليمي ورزازات وزاكورةاستنادا إلى المرجعية الدولية وقواعد العدالة الانتقالية، وخصوصا وثيقة المبادئ العامة والمبادئ التوجيهية الأساسية المتعلقة بحق ضرر ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الانتصاف والجبر،رقمE/CN.4/2005/L.48 ، المؤرخة في13 أبريل2005، والمعتمدة من قبل لجنة حقوق الإنسان في دورتها61، والمصاغة من قبل الخبيرين المستقلين شريف بسيوني، وثيو فان بوفن؛
فإننا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وفي سياق تأكيدنا على إحساسنا القوي والعميق بمواطنتنا، لا نفصل بين ضرورة جبر الدولة، بما هي مسؤولة عما ارتكبته من انتهاكات جسيمة، الضرر الجماعي والضرر الفردي، باعتبار ارتباطهما الجدلي، بل إن الأولوية الحقيقية لجبر الضرر، إنما هي للمتضرر المباشر في شخض الضحايا وعائلاتهم، وهو ما يمكن اعتباره جبرا للضرر الفردي، مع الأخذ بعين الاعتبار البدء بكشف الحقيقة الشاملة، مرورا بمساءلة المسؤولين، وانتهاء بالإجراءات الضروري اتخاذها من أجل ضمان عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛ وبعد ذلك وعبره، جبر ضرر المتضرر بشكل غير مباشر في شخص المجتمع، والأقاليم والمناطق، وهو ما يمكن اعتباره جبرا للضرر الجماعي؛
فسعيا وراء المصالحة الحقيقية، طبقا لقواعد العدالة الانتقالية، كما أشار إليها مارك فريدمان رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية محللا المصطلح، قائلا: “المصالحة: كلمة تستعمل في الغالب، من طرف المسؤولين وليس الضحايا، حيث تتم المطالبة بالمصالحة بدل المحاسبة، وبطريقة تهكمية أحيانا، وهذا ما تم في الواقع في بعض التجارب.
أما إذا تم الحديث عن المصالحة بطريقة جدية بين فردين: أي بين الضحية، والمسؤول عن ممارسة الانتهاك، ففي هذه الحالة يمكن الحديث عن مصالحة ذات معنى…
والمصالحة تفترض أنه كان هناك صلح في الماضي بين الطرفين، ولذلك فإن الصلح يكون في الغالب هو المصطلح المناسب مقارنة بالمصالحة… التي تكتسي بعدا آخر، يتمثل في كونها مستمرة في حياة الأمم والأفراد، أو يجب أن تكون كذلك، فهي سيرورة دائمة لا تتوقف.
ومن مقوماتها الأساسية برأيه، بما هي آليات للعدالة الانتقالية:
أولا، المحاكمات أو المتابعة القضائية، التي تعتبر مدخلا ضروريا للمصالحة، وتمنح المصداقية للإجراءات المتخذة داخليا، والحيلولة دون تكرار ما سبق، بمعنى محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وإنزال العقوبات في حقهم؛
ثانيا، الكشف عن الحقيقة؛
ثالثا، جبر الضرر بمعناه الشامل، الذي يشمل التعويض وإعادة الممتلكات، وتقديم الاعتذار، وتأهيل الضحايا، وحفظ الذاكرة، والحداد، والكشف عن المدافن؛
رابعا، الإصلاحات القضائية، بما تعنيه من إبعاد المسؤولين النافذين عن مناصبهم الأمنية والسياسية، وتعديل الدستور، وإحداث مؤسسات للحيلولة دون تكرار ما سبق.وطبعا في إطار سيرورة تثبيت التشبث الوحدوي للحركة الحقوقية المغربية بمطالبها المتعلقة أساسا: بالمعالجة الشاملة والعادلة والمنصفة لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب، في ارتباط جدلي بين عناصر هذه المعالجة:
- كشف حقيقتها الشاملة، بعد إنكار وجود هذه الانتهاكات دهرا من الزمن – وبكل صفاقة، إذ لا يمكن أن ننسى إنكار وجود معتقل اسمه تزمامارت، واعتبار قلعة مكونة قلعة للورود ليس إلا؛ واقتصار الحقائق التي تم كشفها لحد الآن على ما هو جزئي، وبتملص سافر للمسؤولين عن الانتهاكات، بمد هيئة الإنصاف والمصالحة بالمعطيات والوثائق، وكل ما يفيد كشف الحقيقة الشاملة، خصوصا عن الستة والستين ملفا الساخنة التي تم تأجيل البحث والبث في شأنها إلى ما لا ندري، طبعا لغياب الطابع الإلزامي لأوامر وطلبات الهيئة طبقا للقوانين التي أحدثت بمقتضاها؛
- مساءلة المسؤولين عنها، وعدم إفلاتهم من العقاب- لمن ثبتت إدانته، من قبل مسؤولين لازال بعضهم يحتفظون بمناصبهم العليا في سلك الوظيفة العمومية، بل وفي مراكز قرار حساسة في الدولة، سعيا لإقرار طرح: “عفا الله عما سلف”، وتوخيا لعدم الدخول في مسلسل يكون من شأنه عند نهايته، إدانة سياسة الاستبداد والقمع والطغيان التي مارسها ولا زال يمارسها النظام السياسي بالمغرب؛
- جبر ضرر الضحايا وذوي حقوقهم المادي والمعنوي، واعتراف الدولة واعتذارها العلني عما ارتكبته من انتهاكات خطيرة وجسيمة لحقوق الإنسان… حفظ الذاكرة، وعبره جبر الضرر الجماعي، المتعلق أساسا بالأقاليم والمناطق التي تضررت من اتخاذها من قبل الدولة مكانا للمعتقلات السرية تمارس فيها كل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وضمنها: إقليمي ورزازات وزاكورة؛
- إقرار التغيير الدستوري المؤسساتي والإداري والتربوي، الذي من شأنه ضمان عدم تكرار ما جرى…
طرحنا لهذه المعالجة الشاملة للملف، لا يثنينا عن المطالبة بإنعاش إقليمي ورزازات وزاكورة ببرامج لتنميتهما في الأوان المناسب، جبرا لضررهما الجماعي سواء على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو على مستوى الحقوق المدنية والسياسية؛
لكن عدم اختيار هذا الأوان المناسب يجعل بعض المبادرات خصوصا بزاكورة وورزازات، تسقط في الطرح الانتهازي والوصولي، لملف جبر الضرر الجماعي، الذي يجتهد في عزل هذا الأخير، عن جبر الضرر الفردي والمعالجة الشاملة للملف، وفي استغلال مقيت، وانتهاك سافر ضد دماء الشهداء ومحن وأمراض ضحايا كل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان عبر التراب المغربي وخارجه، والذين لازالت ملفاتهم عالقة، لهذا نرى أنه من غير المعقول تقديم ما يجب تأخيره، وتأخير ما يجب تقديمه؛
كل ذلك سيرا وراء الديماغوجيات والمغالطات المفضوحة، التي يتم تصريفها عبر مقاربات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، المحدث بمقتضى الظهير رقم 1.90.12 بتاريخ: 24رمضان1410(20 أبريل 1990م)، ثم إعادة تنظيمه، استنادا إلى الظهير الشريف رقم 1.00.350,الصادر بفاس في: 15 محرم 1423(10 أبريل 2001)، بعيدا عن مبادئ باريس المتعلقة بالمؤسسات الوطنية في مجال حقوق الإنسان… من قبيل:
- إصداره توصية نشاز بالعفو عن الضحايا والمسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في أكتوبر1998، بما هي تجسيد عملي لمزيد من النكاية والتنكيل بالضحايا: بتجريمهم والعفو عن جلاديهم.
- التعويض المادي لفائدة الضحايا، من قبل هيئة التحكيم من أجل تعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، مقابل الكف عن المطالبة بحقيقة الانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضدهم، ومساءلة المسؤولين عنها، والكشف عن المقابر الجماعية، والمطالبة بالرفات،…
- التأكيد على نفس المقاربتين أعلاه، بمناسبة إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، والتي أدرجت عملها ضمن مسلسل التسوية غير القضائية الجاري، لطي ملف انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في الماضي, ودون إثارة المسؤوليات الفردية أيا كان نوعها.
فالموقف أعلاه الذي عبرنا عنه في مناسبة سابقة بأكدز، في حضرة هيئة الإنصاف والمصالحة، جعل إقليم ورزازات خصوصا، ضمن المناطق الأكثر تضررا من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لم يشهد أيا من أنشطة الهيئة، ولم يستدع أي من الجمعيات بها لأي نشاط من أنشطتها المركزية، ولم يرد أي إجراء بشأن الإقليم ضمن تقريرها الختامي؛
فبعد مرور سنة كاملة على إنجاز تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، وحل الهيئة وتكليف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والسلطة التنفيذية بتطبيق قرارات وتوصيات الهيئة، أكد المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في بيان نشراه عبر الأنترنت بتاريخ:28/11/2006، أنه قد سبق لهما- سواء بشكل انفرادي أو في إطار هيئة المتابعة لتوصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان- أن قاما بتقييم لنتائج أشغال هيئة الإنصاف والمصالحة المتضمنة في التقرير الختامي المقدم للملك منذ سنة، في 30 نونبر 2005.
وقد أكدت الجمعية والمنتدى على الطابع الجزئي لنتائج هيئة الإنصاف والمصالحة، التي لم ترق حتى لمستوى الحد الأدنى المشترك للحركة الحقوقية والديمقراطية المغربية، المتضمن في توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المنعقدة في 09 – 10 – 11 نونبر 2001. ورغم ذلك فقد أكد كل من المنتدى والجمعية، من جهة على الطابع الإيجابي لنتائج أشغال الهيئة التي تم التوصل إليها بفضل مجهودات ونضالات مجمل القوى الديمقراطية، ومن جهة أخرى على المطالبة بإعمالها وتطبيقها دون تماطل.
- وسجل المنتدى والجمعية بقلق كبير غياب تطبيق النتائج التي تم التوصل إليها، سواء على مستوى الكشف عن مصير سائر المختطفين، أو تحديد هوية الرفات وتسليمها للأسر الراغبة في ذلك، أو استكمال الحقيقة بالنسبة لمجمل الانتهاكات، أو جبر الضرر الفردي (المادي، الصحي، الاجتماعي، المعنوي) والجماعي، أو الحفاظ على الذاكرة أو اعتذار الدولة للضحايا والمجتمع، أو إطلاق سراح ما تبقى من معتقلين سياسيين، أو أجرأة التوصيات المتعلقة بالإصلاحات الدستورية والقانونية والمؤسساتية لتفادي تكرار الانتهاكات الجسيمة مستقبلا، خاصة منها تلك التوصيات التي لا تتطلب مجهودا تقنيا أو مسطريا مثل إلغاء عقوبة الإعدام و الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية.
- اعتبارا لما سبق، إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، طالبا بالتطبيق الفوري للقرارات والتوصيات الواردة في تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، وأكد على إرادتهما لتفعيل هيئة المتابعة لتوصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة، ويجددان العزم على مواصلة النضال من أجل إعمال كافة توصيات المناظرة الوطنية، ومن أجل إعمال مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ومن أجل إقرار دستور ديمقراطي، كمدخل لبناء أسس دولة الحق والقانون، الشرط الأساسي لتفادي تكرار الانتهاكات الجسيمة مستقبلا.
حفظ الذاكرةبناء على ما طالبت به المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في نونبر2001، من توصية بشأن حفظ ذاكرة الأمة والمجتمع، لا بد من اتخاذ كل التدابير والإجراءات: الاجتماعية والثقافية والتربوية والرمزية، للحفاظ على ذاكرة المجتمع والأمة، وعلى رأس ذلك، إنشاء مؤسسة وطنية لحفظ الذاكرة، تصبح بمثابة مركز مرجعي ومصدر رئيسي لثقافة حقوق الإنسان، ووضع نصب تذكارية، وتحويل المراكز الكبرى للاختفاء القسري إلى مراكز لحفظ الذاكرة، وضمنها طبعا المتواجدة بإقليمي ورزازات وزاكورة، بكل من: قلعة مكونة، وسكورة، وسد المنصور الذهبي، وأكدز، وتاكونيت، وأيت بنحدو (تمداغت).
ما يفهم منه هو كون هذه المراكز لحفظ الذاكرة تابعة من حيث التسيير والتدبير الإداريين والماليين للمؤسسة الوطنية لحفظ الذاكرة، وليس لهذه الجمعية أو تلك في هذا الإقليم أو ذاك، وبما لا يلغي استفادة الأقاليم من فرص الشغل التي توفرها هذه المؤسسة المطالب بها من قبل المناظرة الوطنية أعلاه، والتي يفترض أن تخلق مندوبيات محلية لها في المناطق التي توجد بها المعتقلات السرية، وشراكات مع الجمعيات المحلية لإنعاش السياحة الثقافية الداخلية والخارجية بها.
على سبيل الختاماعتبارا لانتخاب المغرب لعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ولمنصب أحد نواب رئيس هذا المجلس، الذي جاء بالخصوص نتيجة تعهد المغرب بالتزامات دقيقة في مجال احترام حقوق الإنسان. والتي ستعمل الجمعية على تتبع مدى ملاءمة ممارسة السلطات لالتزاماتها الدولية في هذا المجال، وذلك من أجل تطوير حقوق الإنسان ببلادنا حماية ونهوضا.
واستنادا إلى كون المملكة المغربية مدركة “ضرورة إدراج عملها، في إطار المنظمات الدولية، بما هي عضو عامل ونشيط في هذه المنظمات، وتعهدها بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وتأكيدها تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا؛
وبناء على القوة الاقتراحية للحركة الحقوقية المغربية، بمختلف مكوناتها المنفردة، والمشتركة في سياق نضالها الوحدوي، ومواقفها ومقارباتها ومقترحاتها بشأن المعالجة الشاملة والعادلة والمنصفة لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومطالب الضحايا وعائلاتهم والمجتمع كافة؛
وإرساء لمعايير دولة مغربية ديمقراطية وعصرية وقوية، تعمل على تجاوز ماض منقسم أليم، نحو مستقبل موحد ومشترك، تسود فيه الديمقراطية وحقوق الإنسان وخال من جميع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛ ويضمن عدم تكرار ما جرى في الماضي الدموي الأسود: دستوريا وتشريعيا وتربويا ومؤسساتيا، كأحد مداخل تحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي،
وتثبيتا في واقع الحال لهيبة الدولة ومشروعيتها داخليا وخارجيا؛
من الأهمية بمكان، إقرار تدابير وإجراءات تمهيدية ضرورية، بما هي قواعد للإنصاف الحقيقي، ومقومات حقيقية: للانتقال الديمقراطي الحقيقي، وللعدالة الانتقالية، تتمثل في:أ. علاقة بما هو عالمي:
- التصديق على النظام الأساسي المحدث للمحكمة الجنائية الدولية، بعد اقتصار الدولة لحد الآن على التوقيع عليه؛
- الإسراع برفع: التحفظات على البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والانضمام إليه، وكافة التحفظات الواردة على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها، واستكمال الانضمام للمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان؛
- تطبيق توصيات المنظمات الحقوقية، ولجن حقوق الإنسان، بمنظمة الأمم المتحدة…
- إلغاء عقوبة الإعدام.
ب. وفي علاقة بما هو وطني:
- إقرار دستور ديمقراطي من حيث شكله ومضمونه، ومن حيث عرضه على الاستفتاء، من قبل هيئة منتخبة بكيفية: ديمقراطية وحرة ونزيهة، يضمن حق الشعب المغربي في تقرير مصيره السياسي والمدني، وحق الإنسان المغربي في حقوقه: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما يصون كرامته وإنسانيته وحرياته الأساسية، أخذا بعين الاعتبار المبادئ والمعايير المهمة الواردة في: الإعلانات والعهود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان؛
- إجراء التعديلات الجوهرية في التشريعات الوطنية، والإصلاحات الضرورية لمؤسسة القضاء، توخيا للعدالة والإنصاف وعلى قدم المساواة أمامها، من قبل جميع المواطنين والمواطنات، بما يتلاءم ويتناغم مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والدستور الديمقراطي بصورته أعلاه؛
- عزل كل المسؤولين الثابت تورطهم في ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومتبوئين لمراكز سامية في الوظيفة العمومية بالمغرب، عن هذه الوظائف السامية التي تضمن لهم حصانة متينة، وامتيازات قضائية غير مشروعة، ضد أي ملاحقات ومتابعات عن أفعالهم، ويشجعهم بالتالي على مواصلة انتهاكاتهم لحقوق الإنسان، وتكرارها- فتكرارها- فتكرارها…
- إقرار الإصلاحات: الإدارية، والمؤسساتية، والتربوية، في مختلف مجالات الخدمات: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحقوق: السياسية والمدنية، للحيلولة دون تكرار ما جرى في الماضي الأسود بناء على ما سبق.
ج. وفي علاقة بالحقيقة، والإنصاف، والمساءلة، والمصالحة:
- إقرار الحقيقة الشاملة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان- المرتكبة في حق الشعب المغربي جماعات وأفرادا طوال عقود من الزمن، والتي لا يعلمها إلا الله و”الراسخون في العلم”، وأيضا من اكتووا بنيرانها بشكل انتقامي في ظروف لاإنسانية ومهينة- ضحايا وعائلاتهم-، فمنهم من قضى نحبه.. جراء: جميع أشكال التعذيب، وسوء المأكل والمشرب والملبس…؛ ومنهم من ينتظر.. جراء: مختلف الأمراض المتسربة إلى: العظم واللحم والدم، ولم تعد تنفع معها وصفات الصيدليات والمختبرات…؛ ومنهم من لازال مصيره مجهولا ومعلقا، وعلى الجهات المسؤولة أن تتحلى بالجرأة السياسية القوية، لكشف حقائق ومجريات هذه الفظاعات، التي يرتبط بعضها بالبعض، والتي لا تنسى بالمناسبة، ودون قصر مفهومها وحصره- بشكل انتقائي وجزئي- في: الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي…
- إقرار مساءلة المسؤولين عن هذه الانتهاكات الجسيمة، بأسمائهم الشخصية وصفاتهم الإدارية، من قبل قضاء مستقل وكفء ونزيه، يضمن محاكمة عادلة لهم، وفي إطاره دفاع: يقارع الحجة بالحجة، في سعي حثيث منه، إلى إثبات الحق المدني لفائدة مستحقيه في جانب، وبراءة البريء في الجانب الآخر، والتماس البراءة له؛ ونيابة عامة حقيقية: تدافع عن مصالح المجتمع: تبحث وتحقق بكامل النزاهة والشفافية والتجرد، وتطالب بتوقيع أقصى العقوبات على المذنبين الحقيقيين في هذا الملف، وتسهر على تنفيذ الأحكام…
- وإسقاط أي عفو أو صفح عن المسؤولين المتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والدفع بهم لالتماسه وجها لوجه من: المعنيين الحقيقيين به، ومن المجتمع المغربي- حيث لا نجادل في كونه مجتمعا متصفا بجميع صفات النبل والسماحة والكرم، فيما الضحايا ليسوا في موقع من يكن أي مشاعر: فتنة أو أحقاد أو ضغائن، إزاء جلاديهم؛
مع ما يوازي ذلك من الاعتراف الرسمي للدولة بمسؤوليتها، في هذه الملفات، والإعلان عن ظروف وملابسات اقتراف هذه الجرائم، والإعلان عن هوية مرتكبيها، والمحرضين عليها، ومنفذيها.. وضحاياها بالتفصيل اللازم، لأسمائهم والتواريخ والأمكنة المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة ضدهم، والحالات والوضعيات والمصائر… وتقديمها الاعتذار الرسمي بشأنها للشعب المغربي عموما، وللضحايا وعائلاتهم خصوصا، وجبر أضرارهم المادية والمعنوية، وتأهيلهم بإدماجهم: مدنيا واجتماعيا واقتصاديا؛ وحفظ الذاكرة: بفتح المعتقلات السرية كمتاحف وطنية، وتسليم شهادات الوفاة والرفات لعائلات المتوفين، وكشف المقابر الجماعية والفردية…
بناء على ما سبق لا يمكن اعتبار المجلس الاستشاري في صيغته الحالية، ولا هيئة الإنصاف والمصالحة، آخر محطة للطي النهائي لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بل من الأهمية بمكان، في هذا الاتجاه:
- إحداث مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان تعنى بأوضاع حقوق الإنسان بالمغرب، ومن شأنها تقديم: فتاوى وتوصيات ومقترحات وتقارير، على أساس استشاري مستقل وحر ونزيه، إلى حكومة مسؤولة أمام برلمان، يمثل بدوره الشعب بشكل: ديمقراطي وحر ونزيه وشفاف، أو أي جهاز آخر مختص، لمعالجتها؛ استنادا إلى مبادئ باريس وإلى مبادئ ومعايير حقوق الإنسان، المتعارف عليها عالميا.
- إحداث “هيئة وطنية مستقلة للحقيقة”، من أجل: الحقيقة والإنصاف والمساءلة والمصالحة، قادرة على الانكباب على المعالجة: الشاملة والمنصفة والعادلة، لملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، طبقا للمنصوص عليهالمناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في نونبر2001.
ومهم جدا أن تدخل كل هذه المقومات في عملية تفاعلية تتكامل فيها الواحدة مع الأخرى، في سيرورة: سياسية، ومدنية، واجتماعية، واقتصادية، وثقافية، مستمرة… يمكن أن تؤدي إلى المصالحة، في حالة إقناع الشعب المغربي، بجدية المعالجة الشاملة لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، واقتناع النظام السياسي المغربي بدوره بعدم تكرار ما جرى، وبإعمال المعايير أعلاه..
فالحق يعلو ولا يعلى عليه..
وشكرا على حسن إصغائكم.ذ. مصطفى بوهو