16/2/2008

كما كان منتظرا، وبتنظيم من طرف فروع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط – سلا – تمارة، انعقدت بقاعة هيئة المحامين بالرباط عشية يوم الخميس 14 فبراير 2008 ابتداء من الساعة الخامسة والنصف مساء مائدة مستديرة حول موضوع “البرلمان والاعتقال السياسي” شارك فيها عدد من البرلمانيين والأساتذة الجامعيين والمحامون وهم كما يلي: السيدة خديجة الغامري المستشارة عن الاتحاد المغربي للشغل بمجلس المستشارين والسيد عبد النبي الفلالي النائب البرلماني عن الحزب الاشتراكي الموحد والنقيب الأستاذ عبد الرحمان بنعمرو المحامي ورئيس سابق للجمعية المغربية لحقوق الانسان والسيد عبد اللطيف حسني الأستاذ الجامعي والباحث في العلوم الاجتماعية والسيد عبد العزيز النويضي الأستاذ الجامعي والمحامي ورئيس جمعية عدالة. وقد تخلف عن حضور المائدة المستديرة ثلاث نواب برلمانيين كانوا مدعوين وهم كل من السيدة لطيفة جبابدي نائبة عن حزب الاتحاد الاشتراكي والسيد محمد الأنصاري نائب عن حزب الاستقلال والسيد محمد الأعرج نائب عن حزب التقدم والاشتراكية.

وقد حاول المشاركون في المائدة المستديرة في البداية إيجاد تعريف دقيق لمفهوم الاعتقال السياسي ومعتقلي الرأي بصفة عامة مفرقين بين مفهوم الجريمة السياسية والصراع السياسي والعمل السياسي وموقف القانون المقارن من الاعتقال السياسي ومصادرة حرية الرأي وما تنص ليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. كما حاول المشاركون التأكيد على أن إرادة إقصاء الفكر الآخر من التدخل في المجال السياسي هو عادة من يقف وراء الاعتقال السياسي. كما تطرق المتدخلون في هذا المحور لكيفية تحقق العدالة في مجال المحاكمات السياسية.

وعند الانتقال إلى المحور الثاني والذي انطلق من التساؤل حول هل هناك في المغرب معتقلون سياسيون أجمع الحاضرون على انتشار هذه الظاهرة في تاريخ المغرب الحديث كما أكدوا على أن السنين الأخيرة عرفت اعتقالات سياسية واسعة تفوق في حجمها ما كان سائدا خلال سنوات الرصاص، حيث أورد الأستاذ حسني على سبيل المثال أنه خلال سنة 2007 وحدها حدثت اعتقالات سياسية واسعة ربما لم تعرف سنوات الرصاص مثلها. ورغم الجدل الذي طبع الحديث عن التكييفات القانونية لحالات الاعتقال المختلفة والتي حاول الأستاذ عبد العزيز النويضي إبراز أن حالات الاعتقال السياسي يجب أن يتم التعامل معها حالة بحالة لأن كل قضية قد تحتمل الكثير من العناصر المادية والمعنوية يتعامل القضاء نعها بواسطة قواعد قانونية تحتمل عدة تفسيرات مما يطرح على البرلمانيين الكثير من الدقة لتفادي المفاهيم المطاطة.

وقد تطرق المشاركون في كل من المحورين الثالث والرابع إلى موقف البرلمان كجهاز تشريعي من الاعتقال السياسي وكذا الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا الجهاز في الحد من الاعتقال السياسي والتي يأتي في مقدمتها وضع التشريعات اللازمة للوقوف في وجه الاعتقالات السياسية التعسفية ووضع الضوابط القانونية لحماية حرية التعبير. كما أجمع الحاضرون على أولوية المعالجة الدستورية لحرية التعبير والتعدد السياسي والذي لن يتأتى إلا من خلال دستور ديموقراطي شكلا ومضمونا وقد أكدت الأستاذة خديجة الغامري في هذا الاطار على أن المفهوم الحقيقي للدستور الديموقراطي يفترض وجود فصل حقيقي للسلط وتوافر التوازن فيما بينها إضافة إلى استقلالية حقيقية للجهاز القضائي لأن ذلك هو ما يمكن أن يحد من الاعتقال السياسي ومصادرة حرية التعبير.

وعند الانتهاء من محاور المائدة المستديرة أعطيت الكلمة للحاضرات والحاضرين الذين عبروا عن اندهاشهم لحجم الاعتقالات السياسية التي تعرفها البلاد حاليا ورغم ذلك يضل المثقفون والسياسيون ومنظمات المجتمع المدني صامتين عنها مما يفقدهم المصداقية الحقوقية ويترك الرلمان بعيدا عن القيام بدوره في الحد من الاعتقالات السياسية.

وقد أدار دفة الحوار في هذه المائدة المستديرة الأستاذ عبد الخالق بنزكري الناشط الحقوقي وأستاذ العلوم الاقتصادية. أما كلمة فروع الجمعية الثلاث فقد ألقتها الطالبة الباحثة فوزية إيسلي. وفيما يلي نص هذه الكلمة:

كلمة الفروع الثلاثة في المائدة المستديرة
حول البرلمان والاعتقال السياسي

تحية حقوقية لضيوف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
تحية حقوقية لجميع مناضلات ومناضلي الجمعية
تحية حقوقية للحضور الكريم
تحية حقوقية لمعتقلي الرأي والاعتقال السياسي أينما وجدوا ؛

لقد اختارت الفروع الثلاثة للجمعية موضوع البرلمان والاعتقال السياسي نظرا للدور الرمزي الذي يمثله البرلمان كآلية تشريعية من المفروض أن يكون له دور حاسم في تجسيد المبادئ والقيم الكونية لحقوق الإنسان ومواجهة أي انحراف حقوقي ومنه بطبيعة الحال الاعتقال السياسي.

في فهمنا البسيط للاعتقال السياسي هو أنه محاولة لإبعاد الرأي الآخر عن الحياة السياسية وإقصاؤه وسجنه تمهيداً لاجتثاثه وإبقاء المجتمع تحت ظل أحادية الرأي وإلغاء التعددية التي تشكل أساس العلاقات الجدلية بين الأفراد وتغني الحوار .

ومن النتائج المباشرة للاعتقال السياسي حرمان المجتمع من التعمق في الاطلاع على الثغرات في حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتضعه قسراً تحت تصرف رأي واحد وحيد قد يكون قصير النظر. أو متعنتاً أو متعسفاً أو خاطئاً أو مملوءاً بالثغرات دون أن يوضع بين يدي المجتمع رأي آخر يثري مفاهيمه وينشط حراكه ويزيد التنوع فيه ويجنبه أخطاء وأخطار الرأي الواحد، ومعلوم أن الحقيقة تنشأ من جدل الطرفين عبر مسافة متوازنة.

إذن فإبعاد الرأي الآخر سياسياً كان أم فكرياً عبر الاعتقال أو الاستئصال يؤدي ببساطة إلى حرمان المجتمع من رؤية أخرى لمعالجة قضاياه ومعرفة مشاغل الناس وقد تخطئ هذه الرؤية أوتصيب لكنها دائماً تساهم في إغناء حوار الناس حول أحوالهم متعددة الجوانب وتهيئ المناخ لتصحيح الخطأ هنا وهناك لدى هذا الرأي أو ذاك .

لقد عرفت بلادنا ما يسمى بسنوات الجمر، وقد عانت العديد من العائلات خلال هذه السنوات من الاعتقالات والاختطافات السياسية، وتحت ضغط المنظمات الحقوقية وطنيا ودوليا، بدأت الدولة جزئيا تعترف بحدوث تجاوزات، وتحاول معالجة بعض الحالات الصارخة للاعتقال السياسي.

لكن مع الأسف يظهر أن مسلسل الاعتقالات السياسية لم ينقطع، وفي كل مرحلة من الاعتقالات السياسية الجديدة يتم تكييف هذه الاعتقالات بمسوغات مختلفة، تارة باسم محاربة الارهاب وتارة أخرى باسم المس بالمقدسات وأحيانا بتلفيق تهم متعددة للحق العام.

لذلك فنحن كحقوقيين وكمواطنين وكهيئات وأفراد يجب أن نكشف الاعتقال السياسي أينما وجد وكيفما كانت مسوغاته،

لأن الاعتقال السياسي والفكري المتمثل في استخدام العنف لمنع الرأي الآخر من إقامة علاقة جدلية متوازنة في المجتمع يستحيل منعها أو الاستغناء عنها لتحقيق تطوره المنشود، ولعل معظم الصراعات التي حدثت في تاريخ الشعوب قديما وحديثا ترتبط بصورة أو بأخرى بإقصاء الرأي الآخر واضطهاده وإبقاء المجتمع تحت نيران رأي واحد لا يمكن أن يدوم لأنه واحد وحيد.

ومعلوم أن العنف يتراجع في المجتمعات التي تبيح الحوار وتعطيه فرصته ويصبح نشازاً لا معنى له مادام مسموحاً للجميع التعبير عن الرأي والتواصل مع الآراء الأخرى، ويزداد مرض العنف استفحالاً كلما ألغي الحوار واعتمد الرأي الواحد عاملاً وحيداً لتسيير المجتمع وإدارته في مختلف مجالات حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. نتمنى أن تشكل هذه المائدة المستديرة التي استدعينا لها مشكورين عددا من السادة البرلمانيين والبرلمانيات والمحامون وأساتذة الجامعة، نافذة على حقيقة الاعتقال السياسي في بلادنا، ومدخلا لإيجاد مخرج من ورطة الاعتقال السياسي وإقصاء الرأي الآخر.