15/10/2005
مثل كل السلبيات التي نفشل في علاجها تجثم السحابات السوداء علي سماء القاهرة في شهر أكتوبر من كل عام كدليل دامغ علي عجز الحكومات المتعاقبة عن إيجاد حل حقيقي لتلك الظاهرة التي تتكرر منذ تسعة أعوام أو يزيد
وكعادة الحكومة دائما فلا بد لها من كبش فداء أو (( شماعة )) تعلق عليها أخطاءها – وكالعادة أيضا – فلم تجد أمامها غير (( الحائط المائل )) لتنسب إليه جريمة تلويث الهواء نتيجة لحرقة قش الأرز وأن الفلاح المصري هو المسئول الأول عن السحابة السوداء وما تحدثه من آثار سلبية علي صحة المواطنين منها ضيق التنفس وانخفاض مناعة الدم والربو والحساسية والتهاب العيون والتأثير علي وظائف القلب والرئتين … وغيرها من الأمراض …
وبالتأكيد فإن المسئولين لم يفطنوا في غمار الهجوم المستمر علي الفلاح المصري … أن السحابة السوداء لم تكن سوي نقطة صغيرة في بحر من التلوث … لم يكن للفلاح فيه دور من قريب أو بعيد وأن درجة تلوث الهواء ستظل خطيرة … وأن قيام الفلاح بحرق قش الأرز كان كمن يطلق رصاصة علي جسد ميت بالفعل من قبل … ليس أكثر ..!
فقد كشف تقرير لجهاز شئون البيئة أن مصادر تلوث الهواء في القاهرة الكبري تتمثل في سبعة مقالب للقمامة عمومية و 20 مقلبا عشوائيا تقوم بحرق المخلفات البلدية بالإضافة إلي 4 مصانع للأسمنت و 750 مسبكا و 70 محجرا و 110 كسارات حجارة و 53 فاخورة و 73 فرنا جيريا و 530 مصنعا للطوب 1206 مصانع تعدين ومعملين لتكرير البترول وخمس محطات لتوليد الكهرباء وما يزيد عن 12 ألف منشاة صغيرة و 269 مكمرة فحم وقد أكدت بعض الدراسات
أن أحد أهم الأسباب للسحابة السوداء هو تراكم الملوثات التي تملأ هواء القاهرة علي مدار ال 20 عاما الماضية بسبب تزايد أعداد السيارات من 400 ألف سيارة عام 1980 إلي 1.3 مليون سيارة عام 1998 بخلاف السيارات الوافدة إليها من المحافظات المختلفة وأن عددا كبيرا من تلك السيارات متهالكة ولا تعمل محركاتها بكفاءة لحرق البنزين أو الجاز مما يسبب مضاعفة الملوثات الهوائية من العوادم الخارجة منها كأول أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت والنيتروجين والهيدروكربونات وأكاسيد الرصاص
وقد أكدت الدراسة أن حرق المخلفات البلدية تمثل 36% من أسباب التلوث والإنبعاثات الصناعية تمثل 32% وعوادم المركبات وتمثل 26% أما حرق المخلفات الزراعية والمتهم بها الفلاح المصري فلا تزيد عن 6 % وهو الأمر الذي يؤكد براءته من التهمة الظالمة التي طالما يلصقونها به بأنه المتسبب الأول في تلوث هواء القاهرة ويؤكدون هذا الزعم بأن السحابة السوداء لا تظهر إلا بعد حرق قش الأرز ,
بالرغم من أن الكثير من الباحثين أكدوا أن ظاهرة الانعكاس الحراري أو الاحتباس الحراري التي تؤدي إلي عدم استقرار الظروف المناخية وضعف حركة الهواء في هذا الوقت من العام تؤدي إلي ظهور السحابة السوداء في شهري أكتوبر ونوفمبر من كل عام حيث تتركز الملوثات في طبقات الجو فيشعر بها الإنسان
ولأن ظاهرة الاحتباس الحراري ظاهرة مناخية جديدة علي مصر لم تظهر إلا في السنوات العشر الأخيرة فإن ذلك ساهم في ظهور السحابة السوداء , وبمعني أدق أنه لو كان حرق قش الأرز يتم في شهري فبراير ومارس علي سبيل المثال فمن المؤكد فإن السحابة السوداء لم تكن تظهر علي الإطلاق وبالرغم من أن وزير البيئة صرح أكثر من مرة أن ظاهرة السحابة السوداء سوف تنتهي خلال خمس سنوات فنحن نؤكد أن هذه الظاهرة لن تنتهي ما لم نقم الحكومة بدور حقيقي وفعال لإنهائها
فالفلاح المصري يرغم علي حرق قش الأرز لأن قش الأرز في الحقول يصبح مرتعا للآفات التي تهدد زراعة البرسيم والقمح وهو ما يصيب الفلاح بخسائر فادحة في الوقت الذي تبخرت فيه وعود الحكومة عن توفير المكابس وتدوير قش الأرز في صناعة الأعلاف والأسمدة والورق , وكلها وعود نسمعها كل عام مع مطلع شهر أكتوبر وتتبخر مع انتهاء السحابة السوداء أما الأخطر فهو عدم تفعيل قانون البيئة رقم 4 لعام 1994 والذي أصبح حبرا علي ورق وخاصة بالنسبة للمصانع التي لم توفق أوضاعها بيئيا حتى وصلت خسائر مصر من تلوث الهواء 6.4 مليار جنيها سنويا كما جاء في أحد تقارير البنك الدولي ….
” من جانبنا … فإن أولاد الأرض لحقوق الإنسان تري أن مواجهة تلوث الهواء والسحابة السوداء لا يمكن أن تتم إلا بالتخلص الآمن من قش الأرز والاستفادة منه كمصدر للغاز الحيوي وأسمدة عضوية وتحويل القمامة إلي مصدر للطاقة الحيوية وعدم حرقها داخل أو خارج القاهرة وإحكام الرقابة علي أداء محركات السيارات واستخدام الغاز الطبيعي في السيارات ونقل المصانع الملوثة خارج الكتلة السكنية وتوفيق أوضاعها البيئية وتفعيل قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 علي كافة الأنشطة المرتبطة بالبيئة .