15/9/2006

كان من الطبيعي بعد أن أصبح الفلاح المصري وحيدا في مواجهة سياسة السوق التي تتبعها الحكومة أن يجد مشقة بالغة في تسيير حياته وحياة أسرته , فقد ارتفعت أسعار مستلزمات الإنتاج بعد أن تم القضاء علي دور الجمعيات التعاونية الزراعية وارتفع سعر الدولار مما أدي إلي زيادة تكاليف الري ناهيك عن الارتفاع المستمر للقيمة الايجارية للأراضي الزراعية , في المقابل فإن تخبط السياسة التسويقية للمحاصيل ” إذا كان هناك سياسة تسويقية من الأساس ” أدي إلي خسائر فادحة للفلاحين وكان من الطبيعي أن يفرز هذا المناخ المزيد من العنف بعد أن فقد الفلاح المصري قدرته علي الاحتمال , ولم يكن غريبا أن يشهد شهر أغسطس حوادث عنف بين الفلاحين لأتفه الأسباب , فقد نشبت معركة دامية بين عائلتين أصيب فيها ثلاثة أشخاص في الصراع علي كمية من روث البهائم …!

كما شهد هذا الشهر أيضا مقتل فلاح علي يد شقيقه في خلاف بينهما علي قطعة أرض , وعلي كل فقد كان حصاد حوادث العنف بين الفلاحين في شهر أغسطس أربعة قتلي وثلاثين مصابا وكان الصراع علي حدود الأرض والنزاع علي الملكية القاسم المشترك الأكبر في أسباب تلك الحوادث …!

ففي قنا شهدت قرية السلميات حادث قتل بشعا فقد قام المزارع حسني عيسي توفيق ” 25 سنة ” بقتل شقيقه الأكبر عياد عيسي بعد أن اختلفا في الميراث علي قطعة أرض زراعية وأكدا شاهدا الواقعة عمر وأحمد الغندور أن المجني عليه كان يجلس في حقله وفوجئ بالمتهم يأتي إليه من الخلف ممسكا بالفأس وأنهال عليه ضربا ولاذ بالفرار , وقد حاول الشاهدان إسعاف المجني عليه إلا أنه لفظ أنفاسه في الحال , تم القبض علي المتهم وأمرت النيابة بحبسه أربعة أيام علي ذمة التحقيق …!

وتؤكد هذه الواقعة مدي ما وصل إليه الريف المصري من تفسخ في العلاقات الإنسانية بعد أن كان الريف منذ عشرين عاما أو يزيد نموذجا للتآخي الإنساني والمشاركة الوجدانية .. واليوم يقتل المرء شقيقة من أجل قطعة أرض … هذا التباين الشديد بين ما كان ما هو كائن يؤكد أن أمورا سلبية كثيرة حدثت أثرت تأثيرا علي شخصية الفلاح المصري وإصابته بالقبح والتشوه .

وفي نجع حمادي نشبت معركة بين عائلتين بالشوم والعصي أسفرت عن إصابة 5 أشخاص نقلوا إلي المستشفي في حالة خطيرة , وقد تبين من التحريات أن طرفي النزاع تنازعا علي قطعة أرض زراعية منذ فترة طويلة وفشلت محاولات الحل بالطرق الودية , وفى يوم الحادث حاول بعضهم الاستيلاء عليها فحدثت معركة بالشوم أسفرت عن إصابة عبد الظاهر إبراهيم وشقيقيه الديب وصباح إبراهيم من الطرف الأول , آما من الطرف الثاني فقد أصيب كلا من عمرو حمدي وسمية محمد عبد الشكور , تحرر محضر بالواقعة وأبلغت النيابة التي تولت التحقيق ..

وفى سوهاج لقي مزارع مصرعه وأصيب ابن عمه فى معركة نشبت بين عائلتي أبو عجاج وأبو حسوبة بقرية جزيرة شندويل بالأسلحة النارية لخلاف على حدود الأرض تطور الخلاف إلى مشاجرة أطلق فيها شيخ القرية عيد الحملى عبد الحميد وابن عمه الرصاص فسقط محمود أحمد أبو حسوبة قتيلا وأصيب عبد المنعم محمد إسماعيل , وتم ضبط المتهمين والسلاح المستخدم فى الحادث وأحيلا إلى النيابة التي أمرت بحبسهما .

وفى البدر شين تسبب روث المواشي فى نشوب معركة دامية بين عائلة عبد الشافي خلف وعائلة محمد نجيب صالح بسبب قيام أسرة الطرف الثاني يأخذ بعض روث المواشي المعد لتسميد الأرض الخاص بالطرف الأول , فنشبت بينهما مشادة كلامية تحولت إلى مشاجرة بالأيدي والسلاح الأبيض أصيب خلالها ثلاثة من الأسرتين تم نقلهم إلى المستشفى , ومازالت النيابة تواصل التحقيق …!

وشهدت قرية ميت كنانة بطوخ معركة استخدمت فيها الأسلحة البيضاء والشوم بين عائلة ” الديب ” وعائلة ” موجع بسبب الخلاف على حدود الأرض الزراعية وأسفرت المشاجرة عن مقتل شوقي عبد الناصر الديب وإصابة 11 آخرين , تم القبض على المتهم عيد سالم موجع والبحث عن باقي المتهمين .

وفى جزيرة الدهب نشبت معركة بين مجموعة من الأشخاص استخدمت فيها الأسلحة النارية وتبين أن المشاجرة نشبت بين عائلتين بسبب النزاع على ملكية 4 آلاف متر بمنطقة جزيرة الدهب حيث أراد كل من الطرفين إثبات ملكيته لها مما أدى إلى إطلاق الأعيرة النارية التي أسفرت عن إصابة 9 من العائلتين بإصابات بالغة وتم نقل المصابين إلى المستشفى وأبلغت النيابة للتحقيق …!

وفى قرية الزابو بالواحات لقي وجيه مصطفى صالح مصرعه وأصيب شقيقه عارف إصابات بالغة فى مشاجرة بسبب الخلاف على قطعة أرض مع كل من خالد هاشم وشقيقه حمادة وأحمد عبد المنعم مهدى حيث قام الأخير بقيادة سيارة والده رقم 409405 ملاكي جيزة ودهس المجني عليه وجيه مصطفى متعمدا فلقي مصرعه فى الحال كما أصيب شقيقه , تم القبض على المتهمين وتواصل النيابة التحقيق …!

القتل لأئفه الأسباب واستباحة دماء ذوي الرحم , ظاهرتان جديدتان علي الريف المصري كشفت عنهما حوادث العنف بين الفلاحين في الأشهر الأخيرة وهو الأمر الذي يجب أن نتوقف عنده كثيرا لأنه يشير بوضوح عما أحدثته سياسات الحكومات المتعاقبة من تشويه لشخصية الفلاح التي كانت تتسم دوما بالسماحة والأصالة .