25/3/2006

منذ سبعينات القرن الماضى قام نظام الحكم بتطبيق السياسة التى أطلق عليها “سياسة الانفتاح” ، فسارت البلاد فى طريق “الخصخصة” ، “والسوق الحرة” ، وازدهار كبار الرأسماليين الذين استولوا على القطاع العام ليعقدوا بها صفقات ، وليسيروا فى طريق المضاربة ، والسوق السوداء ، وتجارة العملات ، وغسل الأموال التى يحصلون عليها من تجارة المخدرات ، أو جنى المكاسب بوصفهم وكلاء للشركات الأجنبية المتعددة الجنسيات .

نتيجة هذه السياسات تضخم جيش العاطلين من خريجى وخريجات الجامعة والمعاهد العليا ، أو من الذين فقدوا عملهم بعد إحالتهم إلى المعاش المبكر ، أو من سكان الريف النازحين عن قراهم ، ومراكزهم نتيجة تقلص فرصهم فى حيازة قطعة من الأرض يستطيعون زراعتها . وبالتدريج زادت معدلات التضخم ، ومعدلات انخفاض قيمة الجنيه ، وتضاعفت تكاليف المعيشة ، واختفت مجانية التعليم ، ومجانية العلاج ، وارتفعت أسعار المواصلات ، والكهرباء ، والاتصلات ، وإيجارات السكن ، وانخرط ملايين من الرجال والنساء فى العمل العشوائى ، المؤقت بلا عقود ، أو ضمانات ، أو أجر يشبع أفواه أفرا د الأسر التى ينتمون إليها.

والآن بعد أن حدث كل هذا أصبح الملايين من العاملين والعاملات السابقين أو الحاليين الذين ظلوا يكدحون طوال السنوات فى المنشئات المختلفة مهددين بفقدان الضمانات الأساسية التى حصلواعليها بالجهود المضنية التى بذلوها ، أو مازالوا يبذلونها ، وبفقدان القروش التى دفعوها للتأمينات الاجتماعية وصندوق المعاشات ، شهرا بعد شهر ، وسنة بعد سنة . الآن أصبحوا مهددين بضياع ضمانات الحصول على معاش مناسب سيحيون به بعد أن أصبحو كبار السن ، أو بعد أن وصلوا إلى سن المعاش ، بضياع ضمانات التعويض عن الإصايات المرتبطة بالعمل ، أو المرتبطة بالعلاج والأجازات الصحية ضياعاً جزئياً وربما كلياً إذا ما أصرت السلطات على الأستمرار فى السياسات المستهترة بحقوق الناس ، الخادمة لأصحاب الأموال .

يحدث هذا لأن السلطة فى بلادنا دأبت على مراعاة مصالح الأغنياء على حساب المواطنين والمواطنات الفقراء ، بل على حساب الأطفال . فسمحت لهم بنهب مواردنا الطبيعية والإنتاجية . هكذا تراكمت عليها الديون بعد أن ظلت تصرف وتبدد أكثر مما يصلها من موارد ومن دخول . فلم تجد من وسيلة أسهل لسد العجز الذى تعانى منه ميزانياتها من الاستيلاء على أموال التأمينات التى يملكها الناس . أودعتها فى بنك الاستثمار القومى ثم تم تسليمها لوزارة المالية لتصبح فى قبضة الدولة تفعل بها ما تشاء. قررت أن تستولى على القروش والجنيهات التى دفعها العاملون والعاملات حتى لا يحتاجوا إلى غيرهم فى فترات الحياة الأصعب وحتى يستطيعوا الاحتتفاظ ببقايا الكرامة والقدرة على مواجهة مصاعب حياتهم المتبقية لهم .

الحكومة تؤكد فى كل تصريحاتها أنه لا خطر على هذه الأموال ، إنها تستثمرها وتديرها لصالح المنتفعين من التأمينات . إن مبلغ ال219 مليار جنيه يمكن بين يديها أن تدر أرباحاً مجزية لصندوق التأمينات . لكننا لم نعد نصدق هذه التصريحات بعد أن عودتنا على إخفاء الحقائق ، على قول مالا تستطيع أو تريد أن تقوم به, ففى كل يوم نواجه بإجراءات ، وقوانين ، وخطوات تؤدى إلى مزيد من الإفقار للشعب ، وإلى مزيد من الثراء للأغنياء الكبار داخل السلطة وخارجها . فى كل يوم نسمع الكلمات الوردية عن تشغيل العاطلين ، أو عن رفع المعاناة عن كاهل الشعب يتفوه بها مسئولون فى قمة السلطة .

يجب أن نتأكد بأنه لن يدافع عن حقوق الشعب سوى الشعب نفسه . لذلك لابد أن تحدث وقفة فى موضوع التأمينات ، وإلا ظن القائمون عليها أن الناس استسلموا مرة أخرى لما يحدث أو يمكن أن يحدث لهم . لابد أن يتحرك الرجال والنساء المؤمن عليهم دفاعاً عن حقوقهم ، أن يعقدوا الاجتماعات ، وينظموا التظاهرات وأشكال الاحتجاج الممكنة .

أن يجمعوا التوقيعات على هذا البيان أو على غيره من البيانات . أن يبعثوا بوفودهم إلى أعضاء مجلس الأمة وإلى المسئولين فى الحكومة . لابد ألا يخضعوا للكلمات المطمئنة المخدرة ليفاجأوا بأن أموال التأمينات التى هى ملكهم تبخرت من بين أيديهم . لابد أن يتحركوا ضد القوانين التى تعد لتقليص حقوقهم التأمينية ، وفرض أعباء جديدة يصعب احتمالها ,أن يطالبوا بما يلى:

1. حماية استقلال الهيئة القومية للتأمينات وإعادة أموالهما التى بلغت 219 مليارا من الجنيهات من وزارة المالية إلى سيطرة هذه الهيئة المستقلة كاملاً .

2. العمل على استثمار هذه الأموال عن طريق خبراء مصريين موثوق بهعلى ، ومعهم ممثلين لأصحاب المعاشات ، والمؤمن عليهم .

3. رفع الحد الأدنى للمعاش الشهرى فى جميع الأنظمة التأمينية بحيث يضمن للمؤمن عليه مستوى لائق وكريم فى حياته .

4. إضافة علاوة سنوية للمعاش تتناسب مع درجة التضخم ومع ارتفاع الأسعار بحيث لا تقل عن العلاوة التى تضاف لأجر الذين مازالوا فى الخدمة . 5. تخفيض سنوات الاشتراك اللازمة لنيل المعاش الكامل من 36 إلى 24 سنة على ألا يقل عن 80% من آخر أجر تقاضاه المؤمن عليه .

6. توسيع مظلة التأمينات الاجتماعية بحيث تشمل جميع المواطنين والمواطنات الذين يعملون .

7. ضمان حق المتعطل عن العمل فى معاش شهرى لا يقل عن الحد الأدنى للأجور إلى أن تتوفر فرصة عمل مناسبة له .

8. توفير الخدمات الثقافية والترفيهية وخدمات الرعاية الاجتماعية لأصحاب المعاشات . عتى أن يتم الصرف على هذه الخدمات من صناديق التأمينات الاجتماعية ، ومن استثمار أموالها لصالح أعضائها .

إن هذه المطالب الأساسية لن يتحقق جزء منها أو كلها إذا لم يحدث تحرك واسع دفاعاً عنها ، إن لم تتضافر الجهود فى سبيل نيلها ، وإن لم تركز الجهود على العاجل منها دون التغاضى عما هو أبعد مدى ويهم الذين لم تشملهم بعد مظلة التأمينات الاجتماعية .

ليقف الجميع وقفة قوية دفاعاً عن حقوقهم فى نظام للتأمينات الاجتماعية يدخل قدراً أكبر من الطمأنينة فى حياتهم وفى حياة الأسر التى يتحملون مسئولياتها .