4/2/2007

على غير كثير من التوقعات ،وفى ثانى احتجاج تلقائى على الأوضاع المتردية لفقراء العمال فى شركات الغزل بوسط الدلتا.. قام شباب العمال بشركة إندوراما شبين الكوم (غزل شبين الكوم سابقا ) باعتصام مباغت عصر الثلاثاء الماضى 30 يناير 2007 مطالبين بحقوقهم فى حوافز الإنتاج وأنصبتهم فى أرباح الشركة عن الشهور المنقضية من السنة المالية 2006/2007 .

  • فقد كان توقيع الشركة القابضة للغزل والنسيج عقد بيع 70% من مبانى الشركة وملحقاتها ومرافقها وآلاتها فى 24ديسمبر 2006 بمبلغ مائة وعشرين مليون جنيه لشركة إندوراما التى يملكها أحد المستثمرين الهنود (سابع أكبر غزّالى العالم) قد أثار حفيظة العمال رغم الاحتفاظ بنسبة 12% للمساهمين من العاملين ، 18% للشركة القابضة ،وأعاد للأذهان ذكرى مظاهراتهم السابقة التى اندلعت لنفس السبب يوم الإثنين العاشر من أكتوبر 2005 واستمرت يومين .. أعقبهما يومان إجازة إجبارية وانتهت باستئناف العمل دون استجابة الشركة القابضة للغزل والنسيج بالعدول عن بيع الشركة.
  • ففى الثالثة عصر الثلاثاء الماضى خرجت الوردية الأولى ( ألف عامل ) من عنابر الإنتاج والورش تملؤها مشاعر الغضب والإستنفار من تزايد أعداد العاملين الهنود الذين يرطنون الإنجليزية فى مختلف أقسام الشركة وإداراتها بعد أيام قليلة من توقيع عقد البيع النهائى والذين توافدوا لمقر الشركة مجموعة تلو أخرى حتى بلغوا حوالى المائة فرد.
  • هذا وشرع العمال فى رفع هتافات تتهم مسئولى شركتهم والشركة القابضة واللجنة النقابية ورئيس النقابة العامة للغزل والنسيج (الجوهرى) بالتفريط فى الشركة وبيعها.. بالذات وهى من أهم شركات الغزل فى مصر وحققت وتحقق أرباحا سنوية كبيرة منذ إنشائها حتى اليوم .. ولاتقترض تقريبا من البنك ،وطالبوا بحوافز الإنتاج وبأنصبتهم فى الأرباح.
  • وحيث تَوافق خروجهم من العمل مع دخول عمال الوردية الثانية اشتعل الموقف وتصاعد الاحتجاج..وعلا الزئير والهتاف..وقرروا فى التوّ واللحظة الإضراب عن العمل والاعتصام داخل أسوار الشركة لحين الاستجابة لمطالبهم.
  • ولأن احتجاجهم فى أكتوبر 2005 لم يتجاوز التظاهر، ولم يسفر عن أية نتائج إيجابية، ولأن موعد تسليم الشركة للمستثمر الهندى قد أزف ولم يتبق عليه سوى أقل من يومين حيث كان مقررا أن يتم صباح أول فبراير2007 ، ويُخشى أن تتبخر وعود الشركة القابضة فى صرف مستحقاتهم إذا ما تم تسليم الشركة لمالكها الجديد دون استلام حقوقهم.
  • ولأن هناك سابقة فى التنكيل بعمال شركة صغيرة مجاورة حدثت فى نوفمبر 2006 بخفض أجورهم الشهرية من ثلاثمائة جنيه إلى مائتين أسفرت عن فصل خمسة عشر عاملا بخدعة غادرة عقب تظاهر احتجاجى على خفض الأجور، ولأن الواقعة تمت أمام عيونهم فى مبنى مجاور لعنابرهم داخل أسوار شركتهم،ولما كان صاحب الشركة الصغيرة(300 عاملة وعامل) مستثمرا باكستانيا ، ولأن احتجاج العمال فى الشركة الصغيرة كان مُبَرَّرا ومشروعا بل وقانونيا فالمرتبات تم خفضها بمقدار الثلث بلا مقدمات ودون أسباب مقنعة وبلا إخطار.
  • ولأن الاحتجاج كان فريدا فى نوعه خصوصا فى مدينة ريفية راكدة حيث أغلب المحتجين كانوا من العاملات، ولأنهن استجبن لرغبة المستثمر الباكستانى فى قبول التفاوض تجنبا للصدام المرتقب. ولأن تلك الاستجابة أسفرت عن اختيار 15 عاملا من زملائهن أنابوهم فى المفاوضة ، ولأن حُسْن النية قوبل بإجراء تعسفى غادر ألقى بالمفاوضين العمال على قارعة الطريق، وبدلا من الاستجابة لمطالبهن صدر قرار فورى بفصل العمالالخمسة عشرة من الشركة.
  • ولأن مستثمر الشركة المجاورة باكستانى بينما مستثمر شركتهم هندى ، فما الذى سيمنع الهندى من تقليد جاره الباكستانى.؟

لقد تجمعت كل هذه الوقائع والذكريات فى لحظة واحدة وتكفلت الأسعار الملتهبة حتى الاحمرار بإشعالها، وأجّجها ضيق ذات اليد وعدم مساواتهم بزملائهم فى شركات المحلة، بينما فجرها حصول المحلاوية على بعض مطالبهم وحقوقهم على الملأ بالاحتجاج الجماعى الذى وقع منذ أسابيع معدودة وملأت أخباره الصحف.

  • لذلك طالب العمال فى مناقشاتهم مع موظفى الإدارة واللجنة النقابية وغيرهم بأرباح تصل إلى أجر مائة وخمسة وثلاثين يوما، خصوصا مع سريان شائعة قوية لكن غير مؤكدة تفيد بصرف أعضاء اللجنة النقابية لهذه الأرباح ومنعها عن العمال.
  • كما طالبوا بمساواتهم بعمال المحلة.
  • هذا وتفيد الأنباء الواردة من الشركة أن إدارة الشركة قد حاولت تهدئةالعمال بصرف جزء من الأرباح (كسلفة تحت حساب الأرباح لحين الانتهاء من إعداد ميزانية الشهور السبعة المنقضية من السنة المالية 2006/2007 ،لكن على ما يبدو أن استخدام عبارة سلفة فى العرض المقدم من الشركة قد أثارت العمال أو لم يفهموا مغزاها فأدت لنتائج عكسية أهمها أن إدارة الشركة تراوغهم وتستنفذ طاقتهم بغرض فض الاعتصام .. هذا من ناحية.
  • ومن ناحية خرى فإن انعدام الثقة فى إدارةالشركة بل وفى اللجنة النقابية قد أفضى لرفض العمال القاطع لأية مقترحات أو حلول تصدر عنهما لأنهم اعتبروها مجرد خدع تستهدف التنصل من الاستجابة لمطالبهم وإنهاء اعتصامهم بمثل ما حدث من المستثمر الباكستانى فى الشركةالمجاورة.
    ” هذا وتفيد بعض التقديرات لعدد من العمال القدامى أن أجهزة الأمن قد أمرت إدارة الشركة بوقف العمل عدة أيام ، وطالبت العاملين الهنود بمغادرةالشركة والمدينة فورا وإرجاء تسليم الشركة للمستثمرالهندى لحين إنهاء الاعتصام ..واستئناف العمل.
  • كما أبدى عديد من الموظفين فى إدارات الشركة تخوفهم من احتمال قيام المستثمر الهندى بإحلال موظفين جدد ممن يجيدون اللغة الإنجليزية محلهم نظراً لأن مجموعات الهنود التى تواجدت فى الشركة خلال الأسابيع الأخيرة لا تتحدث اللغة العربية.
  • من جانب آخر وردت أنباء من مصادر قريبة من جهات أمنية بأن الأمن يعد لفض الاعتصام بالقوة إذا لم ينهى العمال اعتصامهم حتى يوم السبت 3 فبراير الجارى .. تمهيداً لتقديم بعض عمال الشركة – ممن يرى الأمن أنهم قادة الاعتصام – بتهم تعطيل العمل بالشركة مما أدى لعدم تسليمها لمشتريها فى الموعد المقرر ،والتسبب فى تكبد الدولة لتعويضات وربما لتطبيق الشرط الجزائى الخاص بعدم التسليم فى المواعيد المقررة فى العقد.
  • بينما أفاد بعض العمال المعتصمين أن المياه قد تم قطعها عن الشركة صباح الجمعة 2/3/2007 فى محاولة لدفعهم لأداء شعائر صلاة الجمعة خارج مقر الشركة فى المساجد المحيطة بما يتيح لقوات الأمن منع العمال من العودة للاعتصام.
  • وبرغم كل ذلك فإن العمال مصرون على الاستمرار فى اعتصامهم وإضرابهم عن العمل حتى تلبية مطالبهم بالكامل ، بل وأفاد بعضهم بأنهم متيقظون للمحاولات التى قد تستهدف إيجاد مبرر لفض اعتصامهم بالقوة ، ويحرصون على الحفاظ على جميع محتويات الشركة سليمة كالآلات والأقطان والخامات والغزول فى المخازن ..لأنها فى نهاية المطاف شركتهم التى بنوها بعرقهم كما أنها مصدر رزقهم .

لقد أدرك العمال أن استمرار اعتصامهم نظيفا ضرورى لتفويت الفرصة على الذين يصطادون فى الماء العكر.. محاولين إفشال احتجاجهم أو تشويهه “بالقلة المندسة” والتى عادة ما تكون هى الحل الأخيرأمام المتنصلين من حقوق العمال وذلك للخروج من مأزق عدالة مطالب العمال ونظافة احتجاجهم فضلا عن اعتبار هذا الأسلوب فى الحصول على الحقوق عادة يلجأون لها إذا ما ضاقت بهم السبل.

بشير صقر