2/6/2009
يأمل مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن ينطوي خطابكم الموجه للعالمين العربي والإسلامي على خطوات عملية تؤكد عزم الإدارة الجديدة على التعامل الجاد مع المشكلات التي ألهبت مشاعر متزايدة بالغبن وامتهان كرامة الشعوب والأفراد والأقليات العرقية والدينية في تلك المنطقة من العالم، وهو ما انعكس سلبا على المكانة الأخلاقية للولايات المتحدة الأمريكية في هذه المنطقة.
ومن هذا المنطلق فإن مركز القاهرة يغتنم هذه المناسبة لطرح بعض الأفكار التلغرافية على الإدارة الأمريكية في سياق إعادة نظم علاقتها بالعالمين العربي والإسلامي.
أولا: لقد كان رائعا تأكيدكم في خطابكم السابق من تركيا، أن أمريكا ليست في حالة حرب مع الإسلام، وقد حان الوقت لأن تترجم الإدارة الأمريكية هذا البيان العام إلى سلوك عملي، يؤكد بالفعل التخلي عن العداء والشك في المسلمين والعرب بالجملة.
على سبيل المثال، باتخاذ التدابير والإجراءات المناسبة من أجل وضع حد للممارسات التمييزية والحاطة بالكرامة، التي يكابدها الأشخاص من أصول عربية أو إسلامية في المطارات الأمريكية. إن الرسالة التي تحملها هذه الممارسات هي نقيض إعلانكم في تركيا، فهي تقول نحن نعتبركم جميعا أعداء إلى أن يثبت العكس.
ثانيا: ينبغي أن تدرك الإدارة الأمريكية الجديدة أن إخفاق الإدارة السابقة في معالجة القضية الفلسطينية على أسس عادلة، قد شكل أكبر مصدر للشعور المتزايد بامتهان الكرامة، لدى الشعب الفلسطيني وسائر الشعوب في العالمين العربي والإسلامي. ولا شك أن تبني الإدارة الأمريكية الجديدة حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، جنبا إلى جنب إسرائيل هو خطوة في الاتجاه الصحيح. ولكن من الضروري أن تترجم الإدارة الأمريكية هذا التوجه النظري إلى مواقف عملية، يأتي على رأسها التخلي عن الدعم المطلق الذي تقدمه الولايات المتحدة على الصعيد السياسي والدبلوماسي لإسرائيل، ولجرائم الحرب والعدوان التي يرتكبها النموذج الوحيد الباقي في العالم لنمط الاحتلال الاستيطاني والعنصري، وتبني سياسات حازمة وفورية تضع حدا للتوسع الاستيطاني، الذي يلتهم كل يوم أرضا جديدة، بما يستحيل معه مستقبلا تنفيذ حل الدولتين الذي تدعون إليه.
ثالثا: إن تعزيز واحترام حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية في هذه المنطقة من العالم، يشكل مدخلا رئيسيا نحو تعميق الشعور بالكرامة لدى شعوب العالمين العربي والإسلامي، وأنهم ليسوا استثناء من كل شعوب العالم. ومع أننا نقر بأن هذا الهدف الأسمى يظل رهنا بنضالات هذه الشعوب ذاتها، وتضحياتها لنيل تلك الحقوق والحريات، فإن الانحياز لتجسيد وتمثل قيم حقوق الإنسان والديمقراطية في إطار السياسة الخارجية للولايات المتحدة، والتوقف عن دعم النظم التسلطية الحليفة في العالمين العربي والإسلامي، من شأنه أن يعطي قوة دفع كبيرة لهذه النضالات، نظرا للحساسية التي تبديها أغلبية النظم الحاكمة في هذه المنطقة تجاه مواقف المجتمع الدولي منها، مقابل عدم اكتراثها بالرأي العام الوطني في بلادها.
السيد الرئيس..
لقد ذاق آباؤكم وأجدادكم مرارة الشعور بامتهان الكرامة بسبب اللون أو الأصل العرقي، في ظل هيمنة أيديولوجيات عنصرية، تعتبر شعوبا وجماعات بشرية بعينها غير مؤهلة للتمتع بذات الحقوق التي يتمتع بها البيض وغيرهم.
إن شعوب هذه المنطقة مازالت أسيرة لجملة من الذرائع المشابهة التي تروج لها أنظمة الاستبداد، والتي تنطلق من جذور ذات الفلسفة العنصرية، متسلحة بدعاوى الخصوصية السياسية أو الثقافية أو الدينية، لكي تحرم مواطنيها –شعوبا وأفرادا وجماعات عرقية أو دينية- من التمتع بذات الحقوق التي تتمتع بها الشعوب والأفراد والجماعات في سائر أرجاء العالم.
إن تواطؤ المجتمع الدولي مع هذه المزاعم، لا يخلو من تبني نظرة عنصرية، هي نفسها التي عانى منها “السود” في بلادكم لنحو قرن من الزمان. إن العالمين العربي والإسلامي هما أفضل اختبار لمصداقية مقولتكم الحكيمة “بأن المفاضلة بين المصالح والقيم هو خيار زائف”.