7/12/2009

مقدمة
في تاريخ التأمين الصحي رحلة طويلة بدأت في منتصف الستينات من القرن الماضي حينما تأسست الهيئة العامة للتأمين الصحي عام 1964 وصدرت القوانين المختلفة وهدفها المعلن كفالة الحق في الرعاية الصحية التأمينية تدريجيا لجميع المواطنين. وكان المبدأ العام الذي يحكم هذه القوانين هو السعي نحو التوازن بين معياري كفاءة الأداء في تقديم الخدمات وشمول حزمة الخدمات وبين الإنصاف والعدالة في تحمل الأعباء المالية للعبء المرضي عبر صناديق التأمينات الاجتماعية والصحية للمشاركة في مخاطر المرض.

ومنذ منتصف التسعينات من القرن الماضي تجري محاولات متكررة لإصلاح النظام الصحي برمته، وفي المقدمة منه نظام التأمين الصحي الذي بات بعد خمسين عاما من تأسيسه يعاني من العديد من نقاط الضعف أبرزها عدم رضاء المواطنين عن مستوى تقديم الخدمات وكفاءة من يقدمونها، إضافة لنقص إتاحة الخدمات التأمينية في الريف مقارنة بالحضر واقتصار التغطية على ما لا يزيد عن 54% من إجمالي السكان.

وكانت مشكلة الإنفاق الصحي وما زالت هي جوهر التحديات القائمة، حيث أكدت الدراسات الموثقة من الجهات الرسمية ذاتها أن حجم الإنفاق الأسري على الخدمات الصحية من جيوب المواطنين سواء غير المؤمن عليهم أو المؤمن عليهم يتجاوز 60% من الإنفاق الكلي على الصحة، إضافة لتدني ما تخصصه الموازنة العامة للإنفاق على الرعاية الصحية وهو ما لا يتجاوز 5% من حجم مصروفات الموازنة العامة.

وفي السنوات العشر الأخيرة قدمت الحكومة عدة مسودات لقوانين جديدة للتأمين الصحي كانت في مجملها تفتقد الرؤية الشاملة لطبيعة التغيير المطلوب لإصلاح التأمين الصحي. فقد افتقرت تلك المسودات للدراسات الشاملة حول كيفية ارتباط نظام التأمين الصحي في مصر بقوانين التأمينات الاجتماعية التي صدرت في نفس الوقت تقريبا. كما خلت المسودات من فكرة التوزيع العادل لتكلفة العبء المرضي بين المواطنين من ناحية وبين موارد الخزانة العامة للدولة من ناحية أخرى، وهو الأمر الذي كان من الممكن تحقيقه بفرض ضرائب مباشرة أو غير مباشرة لتمويل هذا النظام بما يضمن معايير التكافل الاجتماعي والإنصاف والإتاحة في توفير الحماية الصحية التأمينية لشرائح المجتمع.

وفي العامين الماضيين كثفت الحكومة جهودها للانتهاء من مشروع جديد لما أطلقت عليه الحكومة (قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل) الذي يعد من الأهداف الكبرى في مسار المجتمع المصري نحو التنمية والعدالة. فالنظام الصحي يحتاج إلى إصلاح حقيقي وإلى نظام تأميني بديل شامل يحقق معايير العدالة والإتاحة والكفاءة والجودة ولا يتجاهل ارتباط التأمين الصحي بنظم التأمينات الاجتماعية بشكل عام.

في هذا السياق ـ وقبل التعرض للتعليق على آخر المسودات المنشورة للقانون الجديد ـ فإننا نشير إلى “إعلان المبادئ” الصادر عن لجنة الدفاع عن الحق في الصحة في نوفمبر 2009، والذي حددنا فيه المبادئ التي تحكم موقفنا من القانون ـ أي قانون ـ والمخاطر التي حذرنا من احتواء المشروع الحكومي عليها. وتؤكد هذه المبادئ على الآتي:
1- ضرورة تحديد المبادئ العامة والأهداف المطلوب تحقيقها من القانون الجديد، إضافة إلى المصطلحات والمفاهيم المستخدمة فيه بوضوح، وطرح مسودة القانون للمناقشة على نطاق واسع بين مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب المختلفة والنقابات والمواطنين قبل عرضه علي مجلس الشعب، وعدم تمريره مباشرة من مجلس الدولة إلى مجلس الوزراء دون عرضه كاملا على فعاليات المجتمع المختلفة. وقد امتنعت الحكومة حتى الآن عن الكشف عن مشروعها الجديد ـ وهو المشروع الذي يختلف كثيراً عن آخر المسودات المنشورة في 2007 ـ بما يعكس سلوكا غير ديمقراطي يفتقد إلى الشفافية، وهو ما دفعنا للتعامل هنا مع المسودة التي نشرتها صحيفة المصري اليوم غير كاملة، والتي قد تختلف قليلاً أو كثيراً عن الشكل النهائي للمشروع.

2- احترام حق المواطن في الصحة، بما يتضمن الحق في رعاية صحية تأمينية عادلة عبر المشاركة في تحمل مخاطر العبء المرضي، وحماية حقوق المواطن التأمينية الاجتماعية، وهي الحقوق التي كفلتها قوانين التأمينات الاجتماعية الحالية عبر أكثر من نصف قرن (قانون 79 لسنة 1975 وتعديلاته، قانون 112 لسنة 1980، قانون 108 لسنة 1976 وتعديلاته)، ورفض المساس بتلك الحقوق في ظل ما يتردد حول تعديلات لقوانين التأمينات الاجتماعية والمعاشات المعمول بها حالياً.

3- التأكيد على رفض تهرب الحكومة من مسئوليتها عن زيادة الإنفاق الصحي العام وضرورة الوصول به إلى النسب الموصي بها دوليا (من 7% إلى 10%). ونشير هنا إلى منشور إعداد الموازنة العامة الجديدة لعام 2010-2011، والذي على الرغم من أنه يحدد أهدافه في رعاية محدودي الدخل فإنه لا يتطرق إلى الرعاية الصحية باعتبارها من أهداف الموازنة الأساسية، ما يعكس اتجاه الحكومة لتحميل المواطنين عبء النظام التأميني الجديد.

4- التحذير من استخدام آليات الحزم التأمينية المتعددة تحت مسميات جديدة – خاصة ما أطلق عليه “حزمة الكوارث الصحية الشخصية” ـ والتي ستحرم المشاركين من حقوقهم التي كفلتها قوانين التأمينات الاجتماعية (في التأمين ضد العجز والمرض والشيخوخة والبطالة وإصابات العمل والوفاة).

5- أهمية الاعتماد على نسب الاشتراكات العادلة والثابتة في أي نظام للتأمين الصحي، ورفض فرض الرسوم والمدفوعات الإضافية بما يعوق إتاحة تلقي الخدمات، خاصة في مستوى المستشفيات (مثل تحميل المنتفع بجزء من تكلفة التحاليل والأشعة والعمليات الجراحية والإقامة بالمستشفيات)، ورفض اقتصار مساهمة الخزانة العامة في النظام التأميني الجديد علي دعم من تسميهم الحكومة “الفئات غير القادرة”، خصماً مما كانت الخزانة تدفعه فعليا للتأمين علي طلاب المدارس (قانون 99) أو للعلاج على نفقة الدولة.

6- التأكيد علي وقوفنا وراء نظام صحي متكامل وتأمين صحي شامل لا يغير من شكل ملكية المؤسسات الصحية العامة المختلفة تحت مسميات مختلفة. 7- التأكيد أيضاً علي وقوفنا وراء هيكل أجور عادلة لكافة أفراد الفريق الطبي (أطباء وممرضين وعاملين) بما يكفل لهم حياة كريمة، بوصفه حقاً طبيعياً لهم وفي الوقت نفسه وسيلة ضرورية لتحسين جودة الخدمات الصحية.

وبتطبيق هذه المبادئ على المسودة المنشورة في 21 أكتوبر فإنه يتضح لنا أن مشروع القانون الحكومي الجديد يحتوي على العديد من هذه المخاطر التي حذرنا منها. ونؤكد على ضرورة إدخال إصلاحات عميقة وتعديلات جوهرية على هذا المشروع كواجب وطني، سواء داخل مجلس الوزراء أو بعد إحالته إلى مجلسي الشعب والشورى. كما ندعو جميع القوى المجتمعية إلى رفض هذا المشروع إذا أصرت الحكومة على تقديمه بشكله الحالي.

التعليق على مشروع القانون
إلى جانب المخاطر الكبرى التي يحتوي عليها المشروع المنشور فإنه يحتوي على بعض الجوانب الإيجابية التي لا يمكن إغفالها قياساً إلى المسودات السابقة التي بلغت (15) مسودة، وهي إيجابيات تعكس عدة عناصر لعل على رأسها الضغوط التي مارسها المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان على الجهات التنفيذية لضمان التزامها بألا يكون إصلاح التأمين الصحي على حساب قدرة المواطن المصري على تحمل تكلفته. ومن بين هذه الجوانب الايجابية الآتي:
1. لأول مرة ربط مشروع القانون الجديد بين نظام التأمين الصحي وبين نظم وقوانين التأمينات الاجتماعية القائمة (قانون 79 لسنة 1975 بشأن التأمين الاجتماعي والقرارات المنفذة له، وقانون 108 لسنة 1976 للتأمين على أصحاب الأعمال، وقانون 112 لسنة 1980 بشأن التأمين على الفئات غير المشمولة بقوانين المعاشات). ويعبر هذا الربط عن الاحترام الواجب لتراث عريق من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لفئات عديدة من الشعب تمت تغطيتها بهذه القوانين عبر سنوات طويلة تتجاوز النصف قرن.

2. تراجع نص القانون ـ ظاهريا على الأقل ـ عن الإشارة إلى فكرة إنشاء (الشركة القابضة للرعاية الصحية) بفضل الضغوط الهائلة التي مارستها منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني لرفض هذه الفكرة، والطعن القضائي الذي أقامته مجموعة من المنظمات ضد قرار رئيس الوزراء والذي انتهى إلى وقف إجراءات إنشاء الشركة القابضة بكل ما تمثله تلك الإجراءات من إضفاء للطابع الربحي على نظام التأمين الصحي الاجتماعي القائم.

3. تناول القانون نسب الاشتراكات من المؤمن عليهم فعليا ومن الفئات الجديدة التي سوف يغطيها النظام الجديد بكثير من الواقعية والتوازن.

وعلى الرغم من الايجابيات السابقة إلا أنه مازالت هناك العديد من المخاطر القائمة في النص، والتي نسعى لتحديدها ومناقشتها على ثلاثة محاور: حزمة الخدمات الصحية التي يغطيها النظام التأميني، وآليات تمويل النظام الجديد، والجهة المسئولة عن تقديم الخدمات الصحية.

أولا: حزمة الخدمات الصحية التأمينية
تثير حزمة الخدمات الصحية التأمينية التي سيغطيها مشروع القانون الجديد العديد من التساؤلات، حيث يشير النص المنشور إلى أن هذه الخدمات ستتحدد وفقاً لما يصدر به قرار من رئيس مجلس الوزراء على أن تشمل مجموعة الخدمات التي تقدمها الهيئة العامة للتأمين الصحي حاليا وحتى صدور القانون، ويجوز عند الاقتضاء إعادة النظر في تلك الخدمات بإضافة خدمات جديدة.

والتفسير المباشر لهذا النص قد يبعث على التفاؤل، ولكنه في حقيقته يُخفي المقصود منه تماماً. فقد أشار النص إلى ما يقدمه التأمين الصحي حالياً وليس إلى ما تنص عليه قوانين التأمين الصحي الحالية (قانون 79 لسنة 1975 بشأن التأمين الاجتماعي والقرارات المنفذة له، وقانون 32 لسنة 1975، وقانون 99 لسنة 1992)، ما يجعل سلطة تحديد حزمة أو مجموعة الخدمات الصحية التأمينية المقدمة في يد السلطة التنفيذية تماما، ويسلب القانون أهم مكوناته المطروحة للمناقشة في المجلس التشريعي، حيث تُصادر السلطة التنفيذية سلطات تشريعية أصيلة، ذلك ما يعتبر تهديدا خطيرا لحقوق المشتركين في النظام التأميني في الموافقة على ما سوف يدفعون من أجله.

وفي السياق نفسه سوف تحدد السلطة التنفيذية (وزارات الصحة والمالية والتضامن) ما اصُطلح على تسميته بـ (حزمة الكوارث الصحية الشخصية) دون تحديد واضح لها في نص القانون. فالنص المنشور يكتفي بتعريفها على أنها أمراض طارئة وخطيرة وتهدد حياة الإنسان وتحتاج لموارد مالية ينتج عنها الاستنزاف الكامل لموارده أو يفوقها. والنص كما ورد يعكس عدم الدقة للتدليل على ما يقصد من ورائها: فهي طارئة وخطيرة وتهدد الحياة. وإذا افترضنا أن هذه الكوارث تقصد ـ على سبيل المثال ـ الفشل الكلوي، فهو مرض خطير ولكنه يحدث عقب سلسلة طويلة من المقدمات بما لا يمكن معه اعتباره مرضاً طارئاً. والأمر نفسه ينطبق على الفشل الكبدي، وهكذا. فهل سيغطي النظام التأميني الجديد هذه الأمراض؟ أم أنها ستعتبر من بين الكوارث الشخصية؟

كما يختلف تعريف القانون لهذه الكوارث الصحية الشخصية عما نصت عليه منظمة الصحة العالمية في هذا الشأن حيث تعرفها باعتبارها حالات ترتبط بقدرة الأسرة عن الدفع للرعاية الصحية. ويعتبر أي إنفاق صحي يزيد عن 40% من دخل الأسرة كارثيا، بغض النظر عن طبيعة المرض أو كونه مزمن.

كما أن هذه الكوارث الشخصية التي لا نعلمها لن تُغطى ماليا بالكامل في كل الأحوال، ما يجعلنا نتساءل عن قائمة محددة أو حزمة خدمات يعتبرها القانون من الكوارث الصحية الشخصية وما سيتكلفه المواطن إزاء العلاج منها وما سيتحمله صندوق التأمين كنسبة ثابتة أو جزئية من العلاج. والأخطر من ذلك كله هو أن النص يضعها خارج سلطة التشريع، ويخضعها تماماً لتقدير الوزارات المذكورة.

والملاحظ أيضا أن مشروع القانون أغفل الحديث عن حالات العجز المرضي بنوعيه الجزئي والكلي، واللجان الطبية التي تحدد نسب هذا العجز بموجب قوانين التأمينات الاجتماعية، بما يثير الريبة والشك بخصوص نية الحكومة تجاه هذه الحقوق الثابتة.

ثانيا: التمويل
يحدد القانون في الفصل الثالث – مادة 8 مصادر التمويل كالآتي:
الاشتراكات من مصادرها المباشرة للمؤمن عليهم اجتماعيا بموجب القوانين 79 لسنة 1975 و108 لسنة 1976 و112 لسنة 1980 بواقع 1%، 4%، 2% على التوالي من الأجر التأميني الشهري (الثابت والمتغير من الأجر) ومن متوسط الأجر التأميني الاجتماعي على التوالي. كما يحدد اشتراكات باقي أفراد الأسرة من أطفال وطلاب وزوجات (ربات بيوت) كمسئولية لرب الأسرة بواقع 0.5% من الأجر التأميني الشهري للعائل عن كل ابن، و2% للزوجة ربة البيت. كما يحدد اشتراكات المعالين لرب الأسرة غير الخاضع لقوانين التأمين الاجتماعي بنفس النسبة وهي 0.5% من متوسط الأجر التأميني الاجتماعي عن كل ابن، و2% من متوسط الأجر التأميني الاجتماعي عن الزوجة غير العاملة أو الزوج غير العامل. كما يحدد اشتراك أعضاء النقابات المهنية بواقع 5% (والمقصود الفئات غير الخاضعة لقوانين التأمين الاجتماعي والتي تمارس مهناً حرة – محامين، تجاريين، أطباء أو من يعملون لدى أنفسهم). ويحدد حصة أصحاب الأعمال بواقع 3%. أما عن صاحب المعاش فيشترك بواقع 1% من قيمة المعاش الشهري (أو 2% إذا كانت قيمة المعاش الشهري تزيد عن متوسط المعاش الاجتماعي الشهري). واشتراك الأرامل والمستحقين لمعاش الضمان الاجتماعي هو 2% من قيمة المعاش الشهري.

وتعد الاشتراكات وما تساهم به الخزانة العامة للدولة هما أساس وجوهر أدوات تمويل النظام بما لا يخل بالحق في إتاحة الرعاية الصحية، وهي متوازنة في مجملها كاشتراكات تخصم شهرياً (كنموذج للتمويل المختلط من الاشتراكات التأمينية ومن حصيلة الخزانة العامة للدولة لتوفير الاستمرار المالي للنظام)، فيما عدا أصحاب المعاشات والذين يعدون من الفئات الأولى بالرعاية ولا يجوز زيادة اشتراكاتهم بأي حال من الأحوال من 1% إلى 2% في القانون الجديد.

وتحدد نفس المادة مساهمة الدولة للفئات غير القادرة بقيمة 15 جنيها شهريا للفرد. وهنا يتضح وجود التباس في المفاهيم، حيث لم يتطرق القانون إلى تحديد المقصود بالفئات غير القادرة، بل يترك تحديدها للسلطة التنفيذية حيث يصدر قرار منفصل بشأنها من رئيس مجلس الوزراء بعد عرض وزير المالية ووزير التضامن الاجتماعي.

والمصطلح الأدق هو (الفئات الأولى بالرعاية الصحية)، والتي يجب تحديدها بالاعتماد على مؤشر الثروة والذي يعرف بدوره ـ وفقاً لتقرير صادر من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء ـ بأنه “مقياس تقريبي لمستوى معيشة الأسرة ويتم حسابه باستخدام بعض البيانات مثل ملكية الأسرة للسلع المعمرة وبعض الخصائص الأخرى المتعلقة بالمستوى الاقتصادي.” وتوجد أمثلة أخرى لدراسات عديدة صادرة عن مراكز البحوث الرسمية المختلفة حول شرائح المجتمع اقتصاديا ومدى ما تستطيع هذه الشرائح المساهمة به فعليا في نظام التأمين الجديد.

من ناحية أخرى، نلاحظ اتجاه الحكومة إلى الإبقاء على النسبة المتدنية لما ستساهم به الخزانة العامة في تمويل المشروع، بما لا يزيد فعليا عما تقدمه حاليا (في نطاق العلاج على نفقة الدولة والتأمين على طلاب المدارس) مع إعادة تقديمه تحت مسمى جديد وغير محدد هو (الفئات غير القادرة).

أما عن الرسوم والمدفوعات الإضافية، فإن المسودة المنشورة تقدم بديلين لتحديد قيمة هذه الرسوم والمدفوعات عند تلقي الخدمة (أي إضافة إلى الاشتراكات الثابتة):
البديل الأول: نسبة لا تتجاوز 30% من تكلفة الدواء والخدمة خارج المستشفى ونسبة 5% من التكلفة داخل المستشفى. البديل الثاني: رسوم تدفع عند تلقي الخدمة (5 جنيهات للممارس، و7 جنيهات للأخصائي، و10 جنيهات للاستشاري، و20 جنيهاً للزيارة المنزلية)، ورسوم خدمات داخل المستشفى بحد أقصى 50 جنيها أو 5% من التكلفة، و30% من قيمة الدواء خارج المستشفى بحد أقصى 40 جنيها، وثلث ثمن الأبحاث خارج المستشفى بحد أقصى 50 جنيها.

وما سبق في مجمله يمثل اضطرابا في فهم دور الرسوم الإضافية في نظم التأمين الصحي المختلفة التي تُفرض قانونا لعلاج عيوب سوء استخدام الخدمات، وهي تُفرض في ظل شروط مقننة للحد من سوء الاستخدام من قبل الأصحاء من المؤمن عليهم. لذا فهي تستخدم عند مدخل النظام فقط، أي في مقابل خدمات الرعاية الأولية والعيادية وبشكل لا يسبب إعاقة للوصول للخدمة من قبل مستحقيها الحقيقيين. ولأنها ليست شهرية أو سنوية فإن هذه الرسوم تفرض فقط عند تلقي الخدمات، ولا تستخدم في الخدمات السريرية وخدمات المستشفيات لأنها بذلك ستعوق إتاحة هذه الخدمات. كما أنها لا يجب أن تمثل النصيب الأهم في تمويل النظام التأميني الذي يجب أن يعتمد على التكافل بين الأغنياء والفقراء عن طريق نسب الاشتراكات الثابتة. فضلاً عن أن تحصيل هذه الرسوم يشكل إضافة للعبء الإداري المكلف مادياً لذلك يجب تقليصه قدر الإمكان. وجميع هذه المعايير الأساسية لا تنطبق على الرسوم والمدفوعات الإضافية التي يفرضها مشروع القانون الجديد.

ومن المخاطر الأساسية أيضاً في نفس المادة الإشارة إلى ضرورة زيادة الاشتراكات في الحدود الدنيا والقصوى، إضافة إلى الرسوم والمساهمات عن المؤمن عليهم بما يعادل نسبة معدل تضخم أسعار المستهلك سنويا، دون مراعاة لضرورة زيادة أجور المؤمن عليهم اجتماعيا بشكل سنوي بنفس نسب معدل تضخم الأسعار، وهو ما يعد من الشروط الضرورية لضمان عدالة توزيع أعباء التأمين. والمادة بشكلها الحالي تعني تحميل المشتركين بأعباء إضافية لا تتناسب مع مستويات الأجور والمعاشات الحالية وهو ما لا يجوز قبوله.

ثالثا: جهة تقديم الخدمة الصحية التأمينية
تنص المادة 3 من مشروع القانون على أن تنشأ هيئة اقتصادية عامة لإدارة المستشفيات التابعة لوزارة الصحة والمستشفيات التي يصدر بها قرار من رئيس الوزراء بعد تأهيلها.

ولم تتضمن المادة أي إشارة إلى مستشفيات الهيئة العامة للتأمين الصحي (وعددها 41 مستشفى) – وهي ليست تابعة مباشرة أو مملوكة لوزارة الصحة – ما قد يعكس اتجاها غير واضح للتصرف في هذه المستشفيات، ويثير مرة أخرى مخاطر البيع والخصخصة.

خلاصة عامة
إن المنظمات المنضوية في إطار لجنة الدفاع عن الحق في الصحة تكرر التأكيد على موقفها من ضرورة مشاركة كافة القوى المجتمعية في مناقشة نظام التأمين الصحي الجديد، وفي رفض العناصر السلبية والخطيرة فيه والتي تهدد بتحقيق تغطية تأمينية شاملة من حيث الاسم فقط دون أن تعني كفالة رعاية تأمينية عادلة وحقيقية. وإضافة إلى التوصيات الواردة أعلاه فإننا نؤكد أيضاً على الآتي:

  1. ضرورة استناد القانون إلى السلطة التشريعية في حقها الأصيل في الموافقة علي كل تفاصيله خاصة في محوري حزمة الخدمات التأمينية ونسب الاشتراكات.
  2. ضرورة الكشف عن النص الكامل أمام المجتمع بشفافية لمناقشته باستفاضة قبل عرضه علي الجهات التشريعية.
  3. ضرورة رفع نسبة مساهمة الخزانة العامة إلى المستويات الملائمة مجتمعيا بما لا يقل عن 10% من الموازنة العامة، انطلاقا من أهداف المجتمع في التنمية الصحية العادلة والشاملة والتي تكفل إتاحة الحماية التأمينية للجميع.
  4. ضرورة إيجاد أساليب أكثر عدالة لتمويل ما يطلق عليه الكوارث الصحية الشخصية وعدم تركها لتقدير السلطة التنفيذية المطلق، بما يهدد الحق في الحياة لفئات واسعة من المواطنين.

‫لجنة الدفاع عن الحق في الصحة