8/5/2005

رغم أن تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان لم يضف معلومات جوهرية جديدة عما تتضمنه تقارير المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية من انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر، إلا أن التقرير يكتسب أهمية سياسية استثنائية، لأنه صادر عن هيئة أنشأتها الدولة واختارت أعضاءها، ولكن المحك الرئيس للحكم على قيمة هذا التقرير، هو مصير ما انتهى إليه من استنتاجات، وتوصيات؟

فهل سيكون مجرد تقرير إضافي ينضم إلى باقي التقارير المصرية والدولية الصادرة على مدار 20 عاما؟! هل سيؤدي التقرير إلى انتهاج سياسات حكومية جديدة في المجالات التي رصدها التقرير، وعلى رأسها انتشار وباء التعذيب في مصر بشتى صوره، والتحقيق الجاد في الجرائم الخطيرة الأخرى التي أشار إليها؟! أم ستكتفي الحكومة باستخدام التقرير في حملاتها الدعائية لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي؟! .

أعاد التقرير التأكيد على ما تضمنته التقارير غير الحكومية المصرية والدولية من شيوع صور مختلفة لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر تتمثل في جرائم التعذيب ، والاعتقال التعسفي ، والمحاكمات غير العادلة، والاختفاء القسري ومصادرة الحق في تكوين وإدارة الجمعيات، والنقابات المهنية والعمالية، وغيرها من مجالات رصدها التقرير .

لكن المساهمة الهامة لهذا التقرير لا تقلل من شأن عدد من الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها، وعلى رأسها: إعادة تبني دفاع الحكومة غير المقنع عن نفسها أمام لجان الأمم المتحدة، فيما يتعلق باتساق الدستور والتشريع المصري مع حقوق الإنسان

خاصة وأن هذا الدفاع بطبيعته يتناقض نصا وروحا مع الجرائم والاتهامات الخطيرة التي تضمنتها الأقسام الأخرى من التقرير، فضلا عن أنه لا يستقيم مع مطالبة المجلس بتعديل جملة من التشريعات لأنها لا تتسق مع مبادئ حقوق الإنسان، بل يقوّض أسس هذه المطالبات، طالما أن تقرير المجلس ذاته يشير إلى أن التشريع المصري يتسق مع مبادئ حقوق الإنسان(!).

كما أن تناول التقرير لعدد من القضايا الهامة جاء مبتسرا للغاية، ومن أبرز هذه القضايا: وضعية وضمانات استقلال القضاء في الممارسة، حرية إنشاء ونشاط مؤسسات المجتمع المدني، وبخاصة المنظمات غير الحكومية والنقابات والإعلام، فضلا عن الأحزاب السياسية.

وكذلك ما يتعلق بالمسألة القبطية، والدور الرقابي الذي تمارسه المؤسسة الدينية، على حرية الفكر والإبداع الأدبي والفني، ودور مناهج التعليم الأزهري في بث أفكار منافية لحقوق الإنسان وروح الإسلام ذاته.

إن رسوخ التقييم السلبي للمجلس لدى أوساط الرأي العام المصري قد انعكس على فتور استقباله للتقرير، والتركيز على جوانبه السلبية، وإغفال جوانبه الإيجابية، رغم أن الأخيرة هي ثمرة الموقف النقدي البناء الذي اتخذته عدد من فعاليات الرأي العام، وعلى رأسها منظمات حقوق الإنسان وبعض الصحف الحزبية والمستقلة، وعدد متزايد من أعضاء المجلس القومي ذاته.

إن التقرير لا يكفي وحده لتغيير صورة المجلس القومي لدى الرأي العام المصري -بصرف النظر عن الوزن النسبي لإيجابيات وسلبيات التقرير- الأمر سيتوقف على الأثر العملي للتقرير، حيث يصعب توقع أن يقبل الرأي العام التعامل مع المجلس باعتباره منظمة جديدة، تضاف للمنظمات غير الحكومية، بينما هو لا يملك أهم أسلحة هذه المنظمات، أي تعبئة الرأي العام المحلي والدولي، ويصمت حينما يجب أن يتكلم.