21/6/2009

أعطت الانتخابات الجماعية التي شهدها المغرب يوم 12 يونيو 2009 ، صورة متباينة تميزت ببعض التقدم في مجال الشفافية ، لكن مع استمرار بعض جوانب الضعف، ونسبة من الامتناع ” واللامبالاة المثيرة للقلق .الشيء الذي يعتبر انعكاسا لأزمة خطيرة في نظام التمثيلية الذي يثير مسألة الإصلاحات السياسية القادرة على تقوية المؤسسات الديمقراطية .

تتجلى الجوانب الإيجابية في تعددية المشهد السياسي ، وحملة انتخابية حرة – مع تسجيل المنع حزب النهج الديمقراطي وحرمانه من التعبير عن رأيه- وإدارة انتخابية كفأة وإطار قانوني مناسب على العموم.

كما أن النتائج الرسمية نشرت بشكل أكثر تفصيلا من السابق، كما سمح للملاحظين مرافقة العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها.

إلا أننا كواحدة من منظمات المجتمع المدني المنخرطة في الملاحظة الانتخابية ، سجلنا عددا مهما من حالات شراء الأصوات ، واستعمال وسائل الإدارة العمومية ، وتدخل أعوان أو رجال السلطة ، وعدة ممارسات غير مشروعة أو مخلة بالاحترام.

إن نظام الاقتراع ، ومعه الامتناع الملحوظ عن التصويت ، يعمل على تسهيل مثل هذا النوع من الممارسات . بمعنى أن عددا محدودا نسبيا من الأصوات يكفي لخلق الفرق في النتائج ، وضاف أيضا إلى الجانب السلبي من هذه الحصيلة ، التقطيع الانتخابي الذي يضخم بشكل كبير تمثيل الناخبين القرويين في خرق واضح وفاضح لمبدأ المساواة في الأصوات ن والذي تستفيد منه بعض الأحزاب بشكل غير عادل ن ويكشف العدد المرتفع لأوراق التصويت الملغاة في نفس الوقت ، عن اتساع التصويت الاحتجاجي وعن النقص في توعية الناخبين بإجراءات التصويت، كما لم يتمكن الملاحظون الوطنيون من الاستفادة في إطار قانوني محدد سلفا ، مما اضطرهم إلى الارتكاز على اتفاقيات توضع لأجل ذلك حسب المناسبة .

ضعف المشاركة :

على صعيد طنجة مثلا ، لم يصوت في هذه الانتخابات سوى أقل من 37 %من الناخبين المسجلين، وبالنظر للعدد الهام من الناخبين المحتملين ، والذين لم يقوموا حتى بتسجيل أنفسهم في اللوائح الانتخابية ، بل وحتى المسجلين والذين لم يسحبوا بطائق الناخب الخاصة بهم ، عرضة” للعبث الإنتخابي ” ، يضاف إلى ذلك العدد الكبير من الأصوات الملغاة . وقد برز الامتناع عن التصويت بصفة خاصة في المجال الحضري ، مما يظهر أزمة الثقة التي كشفت عنها استطلاعات الرأي التي قام بها مكتب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان – فرع طنجة – ، والتي أظهرت ، من خلال آراء غالبية المستجوبين أن النسق السياسي يتميز بهيمنة ” الملكية التنفيذية ” حيث أن السلطة التي تمارسها في الواقع تظهر أقوى بكثير من تلك التي يكرسها الدستور لفائدتها وليس لبرامج الأحزاب السياسية وللجماعات المحلية سوى اثر محدود في ظل مناخ سياسي تتخذ فيه القرارات الكبرى من طرف السلطة التنفيذية.

الإدارة الانتخابية:

أبانت وزارة الداخلية المكلفة بأغلب جوانب المسلسل الانتخابي ، عن شفافية أكبر بمناسبة هذه الانتخابات غير أن الجهود التي بذلت في مجال التوعية لم يشمل بشكل كاف أساليب الاقتراع ، وإجراءات التصويت . وهكذا ، فإن ما يقارب 12 % من الناخبين عبروا عن اختيارهم للوائح العادية ، وأغفلوا اللائحة الإضافية ، كما لاحظنا أن مدخل مكاتب التصويت لم تعلق عليها أرقام وأسماء أصحاب البطائق المتخلى عنها لتسهيل عملية التصويت . كما أن رؤساء المكاتب أبانوا عن نوع من التحفظ في شرح إجراءات التصويت او التعامل الإيجابي مع الملاحظين.

إن هيمنة الجهاز التنفيذي على إدارة الانتخابات سيبقى مسألة متنازع فيها مادام أنه لاتتم استشارة الفاعلين الرئيسيين في المسلسل الانتخابي.

الحملة الانتخابية :

في سياق يتسم بالتعددية ،فإن الحملة تميزت مع ذلك بضعف في الأنشطة العامة ، وغياب الجدل والمواجهة بشكل حقيقي على مستوى الأفكار تسمح بتنوير الناخبين حول المشاريع المجتمعية التي تحملها الأعداد الكثيرة للهيئات السياسية المتنافسة.

وقد صدرت عدة شهادات وادعاءات تشير إلى عمليات لشراء الأصوات والفساد الانتخابي ، وهو ما يتطلب بحثا معمقا في الوقت الذي أبان فيه النظام القضائي عن حزم حقيقي خلال الفترة ما قبل الانتخابات، فإن متابعة الشكاوي التي تبلغ عن حالات الفساد الانتخابي كانت ضعيفة بعد إجراء الاقتراع .

الملاحظة الانتخابية :

يسمح القانون للأحزاب السياسية بتعيين ممثلين عنهم في كافة مكاتب التصويت، وكذلك في المستويات العليا للإدارة الانتخابية ، ولهؤلاء الممثلين مبدئيا صلاحية تسلم نسخ رسمية من المحاضر على كافة هذه المستويات، وهو ما يعتبر عنصرا مهما في الشفافية يوفر أساسا للطعون المحتملة في النتائج ، ولو انه ظهر من الصعب جدا على الأحزاب السياسية تأمين تغطية فعلية ونوعية لجميع مكاتب التصويت ، من جهة أخرى ليس لهم أية إمكانية لمتابعة مسلسل اتخاذ القرار من طرف وزارة الداخلية التي تشتغل في هذا المجال بشكل غير علني . على العكس من ذلك ، لا يوجد أي إطار تنظيمي يحكم الملاحظة غير الحزبية ، بالرغم من المطالب المعبر عنها منذ أمد طويل من طرف منظمات المجتمع المدني . وقد تم الترخيص بإنجاز ملاحظة وطنية بهذه المناسبة عهد بتدبيرها إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.

توصيـات :

  • لايوجد أي التزام دولي يقضي بتفضيل نظام معين للاقتراع ، إلا أن أنظمة انتخابية أخرى تستحق أخذها بعين الاعتبار بالنسبة للمغرب ، مادام النظام المطبق حاليا يجمع بين السلبيات والتعقيدات سواء بالنسبة للناخبين أو للإدارة الانتخابية ، مع إيجابيات قليلة بالمقابل . بصفة عامة ، هناك نظاميين أخرى للاقتراع يفترض مناقشتها في المغرب.
  • يجب مراجعة تحديد الدوائر الانتخابية من أجل ضمان المساواة بين الناخبين ، ومن اجل المساهمة في إقرار شفافية أكثر في هذا المجال ، يجب أن يضع القانون معايير محددة تؤطر التقطيع الانتخابي ، بالاسترشاد مثلا بالقواعد المطبقة بالنسبة للتنظيم الإداري : التوازن الديمغرافي ، التقارب الترابي واحترام التقسيمات الإدارية.
  • إن عدة دول تطمح لتحسين شفافية الانتخابات التي تنظمها، أحدثت لجانا انتخابية مستقلة، تختلف اختصاصاتها بشكل ملموس ، انطلاقا من دور الإشراف وصولا إلى تنظيم المسلسل الإنتخابي برمته. كيفما كان النموذج المعتمد، يبدو من الأساسي أن تتطابق اختصاصات ووسائل أي لجنة انتخابية مع المسؤولية الممنوحة لها.
  • يبدو من الأساسي تقوية الرقابة الفعلية على تمويل الحملات الانتخابية، بتمديد إجراءات تأطير والإشهاد على صحة الحسابات بواسطة الإلزام بنشر النفقات المبذولة من طرف الأحزاب والمرشحين.
  • يجب توفير إطار قانوني واضح للملاحظة الوطنية غير الحزبية، يسترشد بإعلان المبادئ المتعلق بالملاحظات الدولة للانتخابات الذي أعد تحت إشراف الأمم المتحدة، خاصة من أجل توضيح قواعد وشروط اعتماد المنظمات المعنية والملاحظين المنتمين لها بصفة فردية.
  • إن جهود تحسين الناخبين يجب أن تركز بشكل أقوى على شرح أسلوب الاقتراع وإجراءات التصويت. من المطلوب وضع موجز لهذه المعلومات وكذا بيان إجمالي للوائح المرشحين المتنافسين رهن إشارة الناخبين في مدخل وبجوار مكاتب التصويت بشكل مضبوط بصرامة لمنع كل تلاعبات .
  • يتعين نشر النتائج المفصلة لكل مكتب تصويت على الخط وفي الصحافة من طرف وزارة الداخلية في كل مرحلة لإرسال النتائج ، يجب تعليق نسخة من محاضر الإحصاء خارج المكاتب المعنية ( مكتب التصويت، المكتب المركزي، لجنة الإحصاء بالعمالة أو الإقليم ، اللجنة الوطنية للإحصاء )، مع توضيح تفاصيل نتائج المستوى الأدنى ، كما أن احتساب الأصوات يجب أن يعمل على التمييز بين الأوراق الصحيحة والباطلة.
  • يجب أن يبت المجلس الدستوري بسرعة في كل المنازعات المتعلقة بالانتخابات قصد تجنب التأخير الكبير الذي يجعل الطعون المقدمة بعد الانتخابات عديمة الأثر والجدوى. ومن الا فضل أن يبتعد المجلس الدستوري عن المقاربة المفرطة في الشكلانية كلما ظهرت شكوك معقولة حول نزاهة المسلسل الانتخابي./.

عن المكتب بوشيبة محمد الطيب

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
فرع طنجة