2005
رغم الإفراج عن معتقلي قلعة مكونة ثم تازمامارت في 1991، ظل ملف الاختفاء القسري مقفلا من طرف السلطات العمومية، ولم يفتح إلا في أكتوبر1998 حيث عُرِضَ على أنظار المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وقد أصدر هذا الأخير تقريراً عرف انتقادات شديدة اللهجة. لاسيما وأنّه لم ينص إلا على 112 حالة، من ضمنها 56 حالة وفاة في ظروف غامضة. وفي أبريل 1999 أعترف المجلس الاستشاري ب 44 حالة اختطاف قسري من بين لائحة 112 شخصا المعلن عنها، كما خلص إلى كون الملف أُقفل.
وفي غشت 1999 تم الإعلان عن تأسيس هيأة للتحكيم لجبر الضرر بدون مساءلة أومحاسبة.
علماً أنه منذ ستينات القرن الماضي والمغرب يعرف الوثيرة بالأساس فيما بين 1970 و1980. فخلال هذه الفترة آلاف المعارضين اختطفوا من طرف زوار الليل واحتجزوا بمعتقلات سرية وغير شرعية، وظل ذويهم بدون أي خبر عنهم يجهلون جهلاً كلياً مآلهم. وأغلب هؤلاء تعرضوا للتعذيب والتنكيل والانتهاكات الجسيمة والتوقيع مكرهين على محاضر وقدموا لمحاكمات غير نزيهة مطبوعة بجملة من الانتهاكات وموجهة بتعليمات. وبعض هؤلاء أخلي سبيلهم بعد مدّة، قد تطول أو تقصر، بدون محاكمة.
لكن إذا كانت هذه الممارسات قد خفت وتيرتها فيما بين 1980 و1990، فإن جملة من المغاربة ظل مصيرهم غامضاً. فِعلا، عرفت البلاد منذ بداية تسعينات القرن الماضي تدشين دستوريين، الأول في 4 سبتمبر1992، حيث أكد الدستور الجديد على تشبث المغرب، بحقوق الإنسان كما هي معارضة عليها دولياً. والحدث الثاني متعلق بالتعديل الدستوري لسنة 1996 والمتعلق بإحداث غرفتين وانتخاب أعضائهما.
وقبل ذلك تم إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في 8 مايو1990 وكانت مهمته تقديم استشارات للملك في مجال حقوق الإنسان، وعُيّن كرئيس له إدريس الضحاك، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للقضاء، وكان يضم 43 عضواً من ضمنهم 5 وزراء وممثلي الأحزاب السياسية وممثلي المنظمة والعصبة المغربيتين لحقوق الإنسان دون أن تكون ممثلة فيه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. وقد لعب هذا المجلس الاستشاري دوراً مهماً فيما يخص التعديلات التي عرفها قانون المسطرة الجنائية آنذاك.
وفي سنة 1993 تم إحداث وزارة مكلفة بحقوق الإنسان، وفي ذات السنة صادق المغرب على معاهدة مناهضة التعذيب ومعاهدة مناهضة التمييز ضد المرأة مع بعض التحفظات ومعاهدة المحافظة على حقوق الطفل.
وفي سنة 1996 صادق المغرب على البروتوكولين المتعلقين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إلا أن السيادة المطلقة ظلت لصالح القوانين الداخلية في هذا المجال عموماً.
وعموماً يمكن القول أن وضعية حقوق الإنسان بالمغرب عرفت تحسنا وتطوراً نسبياً ملحوظاً، حيث تم التخلي على جملة من المعتقلات السرية التي كانت آلة من آليات أكل البشر والموت البطيء على امتداد ما يناهز أربعة عقود. وأغلب هذه الأماكن لازالت أراضيها تحتضن قبور مجهولة وباطنية لجثمان أناس فقدوا حياتهم من أجل التغيير ومن أجل غد أفضل. إلا أن منظمة العفو الدولية وجملة من الجمعيات والهيآت الحقوقية سجلت جملة من الخروقات منذ 2002، وهي سنة انطلاق إستراتيجية التصدي للإرهاب، آنذاك برز مكان آخر ذكر البعض بأهوال سنوات الرصاص، إنه مركزالإحتجاز الكائن بتمارة والذي تديره مديرية مراقبة التراب الوطني (الديسطي). وكان هناك أكثر من شاهد عيّان صرّح بتعرضه للتعذيب وللممارسات مثل تلك التي سادت خلال السنوات الرصاصية بعد اختطافه وإيداعه بمركز تمارة وحسب مجلة Confluence Méditerranée ( عدد 51، خريف 2004)، تعرض جملة من الأشخاص المحتجزين بمركز تمارة إلى التعذيب وإلى الإستنطاق وهم مكبلي الأيدي ومعصوبي العينين أو معلقين في وضعية غير آدمية.
وعموماً، بالرغم من التطورات التي عرفتها البلاد في مجال حقوق الإنسان لازال ملف الإختفاء القسري مفتوحاً ومازال كل حقائقه لم تكشف بعد، ولازالت عائلات المختفين تطالب بالحقيقة، كل الحقيقة، ولا شيء إلا الحقيقة للتمكن من إقفال هذا الملف نهائياً
إدريس ولد القابلة