8/6/2006

يعرب برنامج مناصرة حقوق الإنسان بمصر عن بالغ إدانته الإهمال الطبي الجسيم المستشري بالمنشآت الطبية الحكومية وتكرار تعريض حياة المواطنين لخطر الموت .

فلم تكتف الدولة المصرية أن تضع المنشآت الطبية الحكومية – العامة والجامعية والمركزية في حضر البلاد وريفها الملاذ الوحيد لملايين المرضى الفقراء – مجرد أبنية خاوية من الدواء ومستلزمات العلاج الضرورية .. بل تركتها عامرة بالإهمال والفساد على حساب أرواح ملايين المصريين الفقراء ومصائرهم ومستقبلهم . فكم من مرضى فقراء ماتوا لأنهم لا يملكون نفقات علاجهم .. وكم من مرضى ماتوا لأن هناك أطباء لا يملكون ضمائرهم .

الدولة المصرية التي تكرس جلَّ جهدها وأجهزتها لتعظيم مكاسب وثراء قلة من الأشخاص على حساب مصالح الغالبية العظمى من أبناء الوطن .. وتتباهى بانتهاجها سياسة الخصخصة التي طالت حتى المرافق والخدمات الأساسية ، وتطنطن باعتبار ذلك إنجازاً حضارياً يلحقها بركب العولمة الأمريكية .. تنحي جانباً حق ملايين الكادحين الفقراء في الرعاية الطبية والعلاجية المناسبة وتغض الطرف عن وقوع الآلاف ضحية أخطاء وإهمال أطباء ومستشفيات .

ونقابة الأطباء لم تحرك ساكناً باعتبار أن هناك أخطاء طبية قد تؤدي إلى الموت .. لكنها تعتبر أخطاء مهنة يحاسب الطبيب عليها .. ولم يثبت بحسب ما يتوفر للبرنامج من معلومات أن واقعة واحدة راح فيها مريض ضحية إهمال طبيب .. عاقبت النقابة هذا الطبيب بشطبه من النقابة وقدمته للمحاكمة .
– إن العلاقة بين الأطباء وحياة الناس علاقة مباشرة لا تحتمل الإهمال أو عدم المسئولية .. لذلك فالمحاسبة يجب أن تكون بقدر الفعل .. ولا تقبل مجاملة أو تجميلاً .

تأتي صحيفة المصري اليوم صدور 17 / 5 / 2006 وبعنوان رئيسي :

3 وفيات في يومين بمرض أنيميا المتوسط بمستشفى أطفال المنصورة

وعنواناً فرعيّاً :

ممرضة تجر عملة زرع نخاع لطفل بنفسها
والطبيب المسئول لا يظهر إلا في الوقت الضائع

ثم تشر صحيفة الوفد في صفحتها التاسعة صدور 22 مايو 2006 وبعناوين بارزة :

إياد إسماعيل وندى فقدوا حياتهم بسبب الإهمال
مطلوب التحقيق في أسباب تزايد حالات الوفاة داخل قسم زراعة النخاع في مستشفى الأطفال الجامعي بالمنصورة

فبحسب ما أوردته المعلومات أن الطفل إياد أحمد ماهر البالغ من العمر عامين ونصف العام جاءت وفاته نتاج الإهمال المتوطن بالمستشفى يحكي والده المواطن / أحمد ماهر عبد الفتاح نصار – محاسب ببنك ناصر الاجتماعي ومقيم 2 شارع عزام – مدينة الزهراء – ثان المنصورة : أن نجلي إياد المولود بتاريخ 1 / 10 / 2003 اكتشفت إصابته بمرض أنيميا البحر المتوسط وعمره حوالي سبعة أشهر وبعرضه على الدكتور / يوسف الطنباري أستاذ أمراض الدم والأورام بمستشفى الأطفال الجامعي بالمنصورة أكد أن حالة الطفل تتطلب نقل دم شهرياً وهو ما بدأ بالفعل اعتباراً من 20 / 5 / 2005 واستمر حتى شهر أبريل 2006 وبدت الحالة مستقرة إلى أن صرح الدكتور / يوسف الطنباري أن الطفل يحتاج لزرع نخاع عظمي من أخته الكبرى ، وبعد أن ذاق الأمرين مع التأمين الصحي تم اعتماد المبلغ المطلوب وقدره 55 ألف جنيه نفقات إجراء العملية بوحدة زرع النخاع بمستشفى الأطفال الجامعي بالمنصورة .

وقد تبين أن الطبيب المسئول عن إجراء عملية زرع النخاع يدعى محمد سرحان أخصائي طب الأطفال وأمراض الدم – ويلقبونه بالباشا ؟؟ – والذي زعم قبل إجرائها أن جميع الأدوية والمستلزمات الطبية متوفرة بالمستشفى ونسبة نجاح العملية 80 % .

وبالفعل تم إيداع الطفل وحدة زرع النخاع اعتباراً من 1 / 4 / 2006 وبعد مرور أربعة أيام – فترة إعداده للعملية – بدأ الطبيب الملقب بالباشا طلبه شراء أدوية ومستلزمات طبية على نفقة والد الطفل رغم المبلغ المعتمد لعلاجه وقدره 55 ألف جنيه، وأوردت المعلومات المقدمة لبرنامج مناصرة حقوق الإنسان تفاصيل حول ذلك . يقول المواطن : واستمر تلقي نجلي للعلاج الكيماوي بعد تركيب القسطرة والبروتوكول العلاجي الكيماوي من تاريخ 20 / 4 / 2006 وحتى تاريخ فصل النخاع من المتبرع (كريمته ماهيتاب) وتم زرع النخاع لشقيقها إياد في نفس اليوم 6 / 5 / 2006 أي قبل وفاته بيومين .

ويؤكد المواطن : وفي غياب الباشا الطبيب وباقي أطباء الوحدة تمت عملية الفصل للمتبرع بمعرفة مجموعة من الفنيين المختصين بتشغيل جهاز الفصل وتم الزرع للطفل بمعرفة ممرضه رغم ما تتطلبه هذه العملية من دقة وبرغم خطورتها .

ويضيف : عملية الفصل تمت في مكان بالوحدة غير مهيأ وغير معقم أو مجهز لإتمامها بشكل علمي دقيق وملائم لخطورتها ، ثم ولاستمرار تغيب الباشا الطبيب تم الإبقاء على القسطرة بجسد الطفلة المتبرعة حتى اليوم التالي وليطلب الباشا على لسان الممرضات مزيداً من مستلزمات العلاج يفوق ثمنها آلاف الجنيهات على نفقة والد الطفل ؟؟

وتدهورت الحالة الصحية للطفل إلى أدنى مستوى لها بتاريخ 8 / 5 / 2006 وتعذر تلبية مطلب الباشا الطبيب إجراء تحاليل غازات وبوتاسيوم منذ الساعة التاسعة صباحاً لعدم وجود فنيين والأهم عدم متابعة الطبيب لحالة الطفل ، ولم يتم إجرائها إلا الساعة الحادية عشر مساء .. كما تعذر إيداع الطفل غرفة العناية المركزة بمبرر عدم وجود أسِّرة شاغرة .

لم يكتف محمد سرحان طبيب الأطفال الملقب ” بالباشا ؟؟ ” بإهماله وغيابه عن الوحدة وتركه إجراء عملية الفصل وزرع النخاع لممرضة وفنيين .. بل بالغ في إساءة معاملة والد الطفل ووالدته .. ورفضه الإجابة عن أي استفسار عن حالة الطفل أو عن مطالبه المبالغ فيها بشراء مستلزمات علاج على نفقة المواطن خارج الشيك المنصرف لحساب المستشفى.

ثم تنتكس حالة الطفل ولعدم وجود الباشا يتولى طبيب نائب محاولة إنقاذ حياة الطفل وليتم اكتشاف أن الطبيب الباشا قد تصرف في كمية الصفائح الدموية المحفوظة لحساب الطفل إلى آخر تفاصيل الإهمال التي أوردها المواطن .. ولينتهي الأمر بوفاة الطفل بحسب رأي أطباء من خارج الوحدة : حدوث نزيف حاد بالمخ .

ضحية أخرى من ضحايا الإهمال العمدي بوحدة زرع النخاع بمستشفى الأطفال الجامعي بالمنصورة هي الطفلة ندى السيد محمد حسن الفره البالغة من العمر 13 عاماً والتي لحقت بالطفل إياد في اليوم التالي مباشرة 9 / 5 / 2006 ..

يقول والدها المواطن / السيد محمد حسن الفره – كاتب حسابات بمديرية الشئون الاجتماعية بالمنصورة ومقيم 11 شارع التأمين الصحي – المحمودية – أول المنصورة .

دخلت ندى مستشفى أطفال المنصورة الجامعي يوم 26 / 3 / 2006 وتم عزلها مع والدتها بوحدة زرع النخاع لحين إجراء زرع نخاع ذاتي .

في اليوم التالي لإجراء عملية الزرع ارتفعت درجة حرارة ابنتي وبعد عشرة أيام أصيبت الطفلة بالتهابات شديدة بمنطقة الحوض ، ثم فوجئنا أن أطباء الوحدة يشخصون إصابة ابنتي بالسكر وتم إعطائها الأنسولين لينخفض مستوى السكر بالدم إلى أدنى معدلاته وبشكل مفاجئ ثم تصاب باحتباس البول لمدة يومين ولم يظهر الدكتور محمد سرحان طوال هذه الفترة إلا مرة واحدة .

تدهورت حالة الطفلة وفقدت النطق والحركة وتورم جسدها وأصبحت مجرد جثة هامدة على مدار ستة أيام .
واعتباراً من مساء 4 / 5 / 2006 دخلت الطفلة في غيبوبة تامة ، واستغثنا بالدكتور محمد سرحان لكنه لم يحضر ، لكن الدكتور نبيل حضر بعد ساعتين وطلب دخول ابنتي العناية المركزة فوراً .

محاولات يائسة جرت لإنقاذ حياة ابنتي وبحث عن صفائح دموية لم يتسن العثور عليها وكذلك تذكرة علاج ندى ابنتي التي فقدت ؟؟

ظلت ندى على جهاز التنفس الصناعي غائبة تماماً عن الوعي ونزيف دموي مستمر إلى أن فارقت الحياة مثلما فارقت وجوه الإهمال الكريهة مساء 9 / 5 / 2006 ..

يضيف المواطن لمندوب البرنامج : وقائع ما تعرض له إياد ووالده قريبة الشبه بما تعرضت له ابنتي ندى .. وقد تكون متطابقة حيث أن وحدة زرع النخاع مقبرة الأطفال المرضى ضحية الإهمال والفساد ..

إن ما قدمه البرنامج عبر هذا الإصدار من نماذج للإهمال الطبي الجسيم راح ضحيته أرواح أبرياء والمؤكد أن الكثيرين كان لهم السبق أو في الطريق للحاق بهم .

وقائع جديرة بإجراء تحقيقات عادلة ونزيهة وضرورة ملاحقة مرتكبي الجريمة .. وباعتبار أن ذلك بمثابة بلاغ للسلطات الحكومية المعنية في مستوياتها العليا وكذا النقابة العامة للأطباء يقتضي التحقيق فيه .