29/5/2005

حسن شعبان

سؤال هام وخطير، يطرح نفسه على الساحة السياسية في مصر الآن .. من هو البديل الذي يمكن أن يكون رئيساً للجمهورية بدلاً من مبارك ؟

أليس هناك من بين سبعين مليون مصري واحداً فقط يصلح رئيساً للجمهورية ؟

إن بلدنا غنية برجالاتها، علماء ومفكرين ومثقفين وسياسيين وأساتذة في الجامعات المصرية، ولكن المناخ السياسي الاستبدادي الذي ساد لأكثر من نصف قرن .. لم ولن يسمح ببروز شخصيات سياسية قوية يمكن أن تشير إليها وتقول : أُعطي له صوتي ليكون رئيساً للبلاد !!.

الدستور المصري مثله مثل دساتير كل بلاد العالم ينص على أن الشعب مصدر السلطات .. لكن الاستفتاءات التي كانت تجري ونسبة ال 99.99 % التي سادت طوال عقود سابقة وحتى الآن أفقدت المواطن المصري إحساسه بأهمية صوته أو أنه فعلاً مصدر السلطات، ولهذا لم يعد يكترث، ولم يعد حريصاً على الإدلاء بصوته .. ما دامت النتائج محددة سلفاً .

إن سدنة النظام القائم الذين تشبثوا بأن الوقت غير ملائم لتعديل الدستور، وأن الظروف الحالية لا تحتمل أية تغييرات الآن، وليس أمامنا إلا الانتظار لما بعد التجديد لمبارك .. كان هذا موقفهم في الحوار الذي دار لأشهر مع قوى المعارضة الرسمية .. هم أنفسهم الأشخاص الذين إنبروا للدفاع عن عبقرية السيد الرئيس ومبادرته غير المسبوقة في تاريخ مصر السياسي، وأنه آن الأوان طالما أن الرئيس رأى ذلك

!! .. وللأسف فإن المعارضة الرسمية أفرطت في الجري وراء تعديل المادة 76 من الدستور، وتصورت للحظة أن هذا التعديل يمكن أن يسير في اتجاه خلق وضع ديمقراطي يسمح بانتخاب رئيساً للبلاد من بين أبناء الشعب المصري، ونسوا أن الذي يدرس ويقرر هو الحزب الوطني صاحب الأغلبية في البرلمان، وكان لابد أن يدركوا أن الأقوال والأفعال تسير في اتجاه إعادة إنتاج نفس النظام ونفس الرئيس، ولا بأس من أن يتقدم أحد قيادات المعارضة لتغطية الشكل الديمقراطي المزيف .. والنتيجة المقررة سلفاً هي أن يبقى الرئيس، لذلك ضربوا عرض الحائط بكل مقترحات المعارضة، وصمموا تعديلاً على مقاس ما يريدونه .. لقد سمعناكم .. ولكن نحن الأغلبية وعليكم احترام رأي الأغلبية !! .. إن طوعاً أو كرهاً !! ..

ولكن الموقف الشجاع الذي يستحق التقدير والتحية للأحزاب الثلاثة ” الوفد والتجمع والناصري ” جـاء مخيباً لآمال النظام وزبانيته، وخلق لهم موقفاً حرجاً، مما أثار هياج سدنة النظام، وراحوا يُجرحون موقف المعارضة الذي وصل إلى حد الاتهام بالعمالة .. ولم يعد يكفي برامج التليفزيون وصفحات الجرائد والمجلات، وإنما خرجت اللافتات والميكروفونات تطوف الشوارع لمبايعة الرئيس، وأرغمت المحلات لتعليق لافتات أمامها لمبايعته .. هذا بالإضافة إلى المبايعات بالجملة التي أطلقها السادة المحافظون باسم شعب المحافظة، والسيد رئيس اتحاد العمال باسم العمال في مصر .. !!

إن الإجابة على هذا السؤال يجب أن تنطلق من الحقائق الآتية :

  • أن الطبقة المالكة والحاكمة لن تفرط في مصالحها طواعية، ولن تتخلى عن مواقعها بسهولة .
  • أن بلدنا يمر بلحظة تاريخية صعبة ودقيقة، والنظام الحاكم بات يدرك جيداً مدى ضعفه وعدم مشروعيته .. وعدم قدرته على حل مشاكل الجماهير المتراكمة والتي أصبحت مستعصية والذي تسبب في خلقها في كافة مناحي الحياة ، مشكلات الصحة والتعليم والسكن، تدني مستويات المعيشة، تفشي البطالة، ارتفاع الأسعار .. الخ الخ .
  • أن النظام لم يعد يملك الآن في مواجهة التظاهرات السلمية، والإضرابات والاعتصامات في المصانع إلا استخدام القوة، ولم يعد لديه وسيلة إلا استعمال القمع المباشر لإسكات صوت المعارضة وتشويهها ومنعها من الوصول إلى جماهير الشعب.
  • أن الحركة المصرية من أجل التغيير حرّكت المياة الراكدة، وامتدت إلى أعضاء هيئات التدريس في الجامعات والقضاة؛ والبقية تأتي .. ولم يعد بالإمكان إيقاف ما يجري.

    ولنعود الآن للإجابة على سؤال ما العمل ؟

    إن الأمر يتطلب السير قدماً وبإصرار في اتجاه :

  • النضال من أجل انتزاع مطالب الحريات الديمقراطية .. إلغاء قانون الطوارئ وكافة القوانين المقيدة للحريات، إطلاق حرية تكوين الأحزاب وحقها المشروع في الاتصال بالجماهير بكافة وسائل الاتصال، حرية الاجتماع والإضراب والتظاهر السلمي، إطلاق حرية النقابات العمالية والمهنية .. الخ.
  • مساندة رجال القضاء في تحقيق مطلبهم المشروع والدستوري في الاستقلال عن السلطة التنفيذية.
  • مساندة أساتذة الجامعات في مطالبهم المشروعة في استقلال الجامعات ورفع يد الأمن، وانتخاب عمداء الكليات ورؤساء الجامعات .

    كل ذلك من أجل خلق مناخ ديمقراطي يسمح للمعارضة بطرح برامجها وتصوراتها للخروج من الأزمة الراهنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

  • طرح البرامج السياسية التي تدخل مباشرة في وضع حلول للمعضلات الحقيقية التي خلقها النظام القائم والتي تستهدف رفع مستوى معيشة الجماهير الشعبية المتدني، وقف ارتفاع الأسعار، توفير السلع والخدمات الضرورية للجماهير الشعبية، وقف بيع القطاع العام، حل مشاكل الزراعة المصرية ووقف طرد الفلاحين من الأرض، وقف الفصل التعسفي للعمال وعلاج مشكلاتهم الراهنة، وضع تصور لحل مشكلة البطالة المتفاقمة .. الخ .
  • تحديد فترة زمنية كمرحلة انتقالية، وبممارسة كل الفعاليات السابقة وتتاح لكافة الأحزاب بما فيها حزب الطبقة العاملة، حرية الاتصال المباشر بالجماهير، وإقامة المؤتمرات الشعبية لشرح البرامج والسياسات في كافة المجالات، وأن تعطي فرصاً متساوية ومتكافئة في وسائل الإعلام؛ وفي نهاية الفترة الانتقالية يتم الاحتكام إلى الشعب ليكون بحق مصدراً للسلطات، ويختار ممثليه في البرلمان وفي المجالس المحلية بإشراف قضائي كامل على كافة مراحل العملية الانتخابية .
  • اختيار حكومة انتقالية محايدة بالتوافق الوطني بين جميع الأحزاب والفعاليات السياسية تكون مهمتها محددة في تسيير هذه العملية والإشراف عليها .
  • الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية .

    إن توفر هذا المناخ الديمقراطي، وتهيئة الظروف المناسبة للمنافسة الحرة بين الأحزاب وتفعيل الممارسات الديمقراطية .. يمكن أن تسمح بظهور البديل الغائب الذي نبحث عنه، ويكون بحق الشعب مصدراً للسلطات .. ذلك هو السبيل الوحيد لانتشال البلاد من الأزمة الراهنة، وبناء مجتمع حُر ديمقراطي وحياة أفضل لجماهير الشعب المصري .