22/5/2007

ينعي مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ببالغ الحزن والأسى، المناضل الحقوقي ورجل الدولة المغربي البارز إدريس بن زكري، الذي وافته المنية فجر أمس بعد صراع طويل مع المرض، والذي يمثل رحيله خسارة فادحة لأحد أبرز رموز النضال من أجل الحرية وحقوق الإنسان في العالم العربي. وقد بعث مركز القاهرة برسالة تعزية إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وإلى عدد من أبرز الشخصيات والمنظمات الحقوقية المغربية.

لقد مثّل الراحل -الذي أسندت إليه في السنوات الأخيرة رئاسة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان- نموذجًا للعطاء والتضحية من أجل تكريس القيم النبيلة لحقوق الإنسان. دفع عبره سبعة عشر عامًا من عمره داخل أحد السجون السرية، فيما عرف بالمغرب “بسنوات الرصاص”، التي شهدت انتهاكات جسيمة طالت الآلاف من المواطنين المغاربة.

كما ساهم بن زكري بجهود هائلة في تأسيس حركة حقوق الإنسان بالمغرب، حيث كان واحدًا من مؤسسي المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ونائبًا لرئيسها، قبل أن يطلق مبادرته بتأسيس منتدى الحقيقة والإنصاف، الذي طرح على جدول أعمال الدولة المغربية بقوة أهمية معالجة ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي شهدتها المغرب في الفترة من 1956 حتى منتصف التسعينات، وشملت صنوفًا مختلفة من التعذيب، والاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والتصفية الجسدية للخصوم السياسيين.

وقد دفعت الجهود التي بادر بها المنتدى، برئاسة بن زكري، بالتعاون مع عدد من المنظمات المغربية، والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، إلى حفز الدولة المغربية إلى تشكيل هيئة مستقلة للمصالحة والإنصاف، أسندت رئاستها إلى الراحل إدريس بن زكري.

وقد مثلَّت هذه الخطوة وما انتهت إليه من نتائج حدثًا غير مسبوق في العالم العربي، في مضمار التوصل لتحقيق العدالة الانتقالية، وإحداث قطيعة حقيقية مع ذلك النمط من الانتهاكات، ومؤشرًا واضحًا على توافر الإرادة السياسية للإصلاح لدى الدولة المغربية، عبر ما شهدته فعاليات هذه الهيئة من جهود مضنية، لمدة 18 شهرًا، لكشف وتوثيق الحقيقة في الجرائم التي شهدتها هذه الحقبة، وإعلانها لدى الرأي العام، وتنظيم جلسات استماع علنية مفتوحة للضحايا وذويهم، وإذاعتها تليفزيونيًا، وتبني حزمة من الإجراءات لتعويض الضحايا ماديًا ومعنويًا، واستخلاص الدروس وتقديم الاقتراحات بالتعديلات التشريعية التي يتعين المضي فيها؛ للحيلولة دون تكرار هذا النمط من الجرائم والانتهاكات الجسيمة.

إن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، يقدر حجم الخسارة الفادحة التي منيت بها حركة حقوق الإنسان في المغرب، وفي العالم العربي، برحيل المناضل إدريس بن زكري، لكنه يدرك أيضًا أن القيم والمبادئ التي كرَّس لها بن زكري حياته، ستظل تضيء الطريق لكل المتطلعين والمناضلين من أجل تعزيز حقوق الإنسان في عالمنا العربي.