11 نوفمبر 2004

” أناديكم أشد على أياديكم
أبوس الأرض تحت نعالكم وأقول أفديكم…
أنا ما هنت في بلدي ولا نكّست أعلامي
وقفت في وجه ظلامي يتيما عاريا حافي
فمأساتي التي أحيا نصيبي من مآسيكم”
توفيق زياد

فجرا، تحت أضواء ساطعة، بغرفة طولها عشر أمتار وعرضها خمس أمتار أين يتكدس 81 من أبناء بلدي مع البرد والذباب والجرب و” بو فراش” والحزن والقهر والذل :
زهير 22 سنة إستيقظ مختنقا لأنه مريض بضيق التنفس ولم يجد ما يسكن ألمه، كذلك محمد علي 45 سنة لأنه يحس بآلام نفسية حادة، والحارس الصغير 20 سنة الذي ينتظر أوامر سيده “الكبران” الذي يسامر ثلة ضاحكة حول الممشى. فهم أعين و”صبابي” أعوان و! حراس السجن خدامي المدير عبد الطغمة البوليسية الحاكمة…

في هذه “اللاحياة” المعبرة بكل سطوع عن النهج والممارسة الإجرامية لحكام البلاد، وبعد تفكير عميق، وبكل حزن ونقمة أعلن إضراب جوع وحشي، عاريا، حافيا وملتحفا ” زاورة” السلطة المتعفنة.

أقول أنني حزين لهذا القهر لأنني تواعدت فيما سبق مع نفسي أن لا أعود إلى هذا الشكل النضالي، لما لحقني من أذى صحيّ، بدنيّ ونفسيّ أعاني منه إلى حد اليوم، وذلك جراء خوضه مرتين (الأولى من يوم 3 إلى 16 ماي 2000 عندما وقع سجني تعسفا، والثاني من 3 إلى 23 فيفري على إثر محاولة إغتيالي في وضح النهار من طرف البوليس السياسي بسبب كتابتي إفتتاحية العدد الاول من “قوس الكرامة” بعنوان “بن علي 13 سنة، يكفي !.”

وأنا أبدأ إضرابي أقبّل عذرا رأس كل من حبيبتي وزوجتي ورفيقتي طريحة الفراش مرضا أحلام بالحاج وأمي الحنون الصامدة شويخة (76 سنة ) وابني العزيز يوسف (8 سنوات) وابنتي الغالية مريم (سنة ونصف) وإخوتي الإناث والذكور وصديقاتي وأصدقائي ورفيقاتي ورفاقي في تونس بكل الجهات والقطاعات ومعهم إخوتي الشجاعات! والشجعان في الجزائر وكل المغرب الكبير والوطن العربي وفرنسا وسويسرا وفي كل العالم…

وأريد أن أحيّي أخي ورفيقي محمد نجيب المسجون مثلي والذي بالرغم من سنه وحالتة الصحية مازال صامدا شامخا في يومه 38 من إضراب الجوع المفتوح الذي يخوضه.

عذرا يا أهلي ويا شعبي ويا صديقاتي ويا أصدقائي في كل العالم، عذرا على إختياري هذا الشكل النضالي الذي أمقت… فبدم الشهداء وأطفال فلسطين ومقاومي العراق وكولمبيا، بدم الفاضل ساسي وكمال السبعي وفتحي همان والزغدودي وعمران والدغباجي والحامي وبن غذاهم وبن بو العيد وحسيبة والمهدي (في الذكرى الـ50 لثورتنا جميعا) والخطابي وعرابي ودلال المغربي وآية وغيفارا وهوشيمنه وتروتسكي وروزا وفهد العراق ومكثاريس وسبارتاكوس ولوممبا ومالكم إكس وأبو ذر والأهوازي !

بدم كل هؤلاء الشهداء الذين ملئوا قلبي وروحي لم تترك لنا هذه السلطة الجبانة، سلطة البوليس الفاسد والشُعب المتعفنة والسماسرة الرأسماليين سوى النضال بقوى أجسامنا إلى حدّ الموت إن لم نحقق حرّيتنا وكرامتنا…

لقد اخترت هذه! الطريق لانني
1- من أبناء هذا الشعب الذي أُغتُصب فرجويّا للمرّة السابعة ! من شعب يُغتصب قهرا يوميا. ينظم له إغتصاب مبهرج ومتلفز للمرّة السابعة! الاولى مع إنقلاب 7 نوفمبر 87 والثانية – وبتزكية تقريبا من كل القيادات السياسية والجمعياتية والنقابية ( بما في ذلك الحركة السلفية ” النهضة”) – في مهزلة إنتخابات 89، والثالثة وبمشاركة ( بعض الديمقراطيين) على رأسهم محمد الشرفي في مسخرة إنتخابات 94، والرابعة في مسخرة إنتخابات 99 والخامسة بمأساة استفتاء ماي 2002، وانتهت بالسابعة الأخيرة : اغتصاب، قهر وذل وهمّ يوم 24 أكتوبر 2004 حيث حصل الديكتاتور المومياء على 94? وحزبه على المقاعد الكاملة للدوائر، وأعطى شركائه نسب ومقاعد حسب ترتيب ولاءهم.

2- حطّمتُ رقما قياسا في المحاكمات : ففي أقل من شهر ونصف يقع إحالتي على المحكمة في 6 قضايا كلهم حول ملفات مفبركة ووسخة على شاكلتهم وذلك لسبب بسيط وهو أنني انتمي لمجموعة :” قوس الكرامة” المتفاعلة مع مجموعات ثورية أخرى. كان موقفها يتمثل في مقاطعة مهزلة الإنتخابات، وكانت السلطة تخشى – بما عرفنا به من كف! احية وعمليّة – أن ننظّم تلك المقاطعة بشكل علني ونشط.

3- لا يمكن أن أبقى في السجن مكتوف الايدي أنتظر “رحمة” الحاكم القمعي، فقد تركت إبنايا مع أمّهم حبيبتي وهي طريحة الفراش تصارع لحد اليوم مرضا من أخبث وأخطر الأمراض.

4- لأنني إنتظرت أخذا بنصائح ” العقلاء والواقعيين جدّا” يوم المحاكمة، لعلّ القضاء يعبّر عن إستقلاليّته ويطرح القضايا المفتعلة ضدّي وضدّ أخي ولوممبة ويتمّ إطلاق سراحنا، غير أنّ ما حصل كانت الواقعية السافرة لهذا القضاء، إذ أثبت في الجلسة وما حولها هو بإتجاه المتّهمين والدفاع وخاصّة بتمسّكه بتركي أنا وأخي بالسّجن، أثبت لنا و”للواقعيين والعقلاء ” أنّه قضاء أعمى تقوده عصى وخوذة البوليس حاكم البلاد وسيّد كلّ سلطها الفاسدة.

لذا، أعلن عن هذا الإضراب ولي قناعة بأنّ الطريق الوحيد الممكنة الآن للحريّّة هو النضال والتضحية، وحتّى إن مُتنا فسنموت أحرارا، مناضلين من أجل قضايا شعبنا، من أجل مبادئنا وأخلاقنا الثورية الشعبية والثورية الاشتراكية.

إن ما خطّه أحد المساجين على حائط الزنزانة يزيد! من غرامي وثباتي : ” أفضّل أن أعيش حرّا في جهنم على أن أعيش عبدا في الجنّة” فما بالكم وأننا عبيد في جهنم سلطة بن علي وبوليسه وشُعبه وحثالة البرجوازية العميلة.

عش عزيزا أو مت وأنت كريم!
الجرأة على النضال، الجرأة على النّصر!
إلى الأمام وحتما سينتصر شعبنا حرّا وعزيزا!!!
السجين المجاهد من اجل الحياة جلال بن بريك الزغلامي
مدير مجلّة قوس الكرامة