15/12/2007
أعاد طرح مشروع قانون دور العبادة الموحد فتح الملف القبطى من جديد وما يحتويه من مشكلات أصبحت مع مرور الزمن أزمات ، ونحن هنا بمناقشة المشروع نطرح حلولاً لمعالجة الأزمة سواء على المدى القريب أو البعيد ، ويرجع مشروع القانون الأزمة إلى طريقة التعامل وخاصة فى مثل هذة القضايا ، وكأنه إعصار تسونامى جديد سيكتسحنا جميعا ، فأولا نريد أن لا نفرط فى زيادة الحساسية عند مناقشة هذه القضية أو حتى نخاف فى التطرق لكل جوانب الموضوع وهو الخطأ الشائع الذى يقع فيه الجميع .
حيث كانت هناك فعلاً محاولات لمعالجة الأمر لكن بات كلها بالفشل ، وان كان هناك استجابة ضعيفة من القيادة السياسية ( وهذا خطا آخر) ، وترجع تلك الاستجابة لضغوط مجتعمية تتحول بسببها إلى أزمات يتهم فيه وجه مصر المتسامح إلى تطرف وأحيانا اضطهاد ، ولا ننكر هنا إن هناك ثقافة متشددة أصبحت سائدة فى المجتمع وخاصة فى الأوساط الشعبية ، وكأن المسلم أو المسيحى لا يثبت إيمانه الحقيقى ألا ببناء مسجد أو كنيسة ، رغم المعاناة التى تعيشها الأمة المصرية ، لدرجة إن دور العبادة من كثرتها أصبحت خاوية وبالتالى بنائها ليس للحاجة .
إننا هنا نناقش مشروع قانون مطروح على البرلمان وفقط ، ويجب إن يتعامل الجميع على هذا الأساس دون النظر إلى من سيطبق عليه هذا القانون ، فالمفترض فى القاعدة القانونية عموميتها وتجردها ، والتعامل على أساس إننا فى دولة مدنية يحكمها الدستور والقانون تلك مقدمة لابد منها ، ونحن بدورنا سننظر لمشروع القانون من منظوراً حقوقى نسعى فيه للحفاظ على حقوق الإنسان وما يتضمنه من حرية العقيدة وإقامة الشعائر والحفاظ على آمننا القومى .
فكانت أول التشريعات التى تنظم بناء دور العبادة الخط الهمايونى ، وتوالت بعدها قرارات صادرة من السلطة التنفيذية انتهت حديثاً بصدور بعض القرارات الجمهورية ، ويلاحظ فى هذا الأمر إن طبيعة القرارات تتأثر بالمناخ الثقافى لكل عصر ، ورغم تدخل السلطة السياسية لحل بعض الأزمات ألا إنها تؤكد دائما الحاجة لحوار مجتمعى يكون للقانون الكلمة العليا ، والدليل على ذلك يتمثل فيما جرى بمنطقة العياط وأحدى محافظات الوجه القبلى فالجميع يعانى ، وبالتالى فالمعالجة التشريعية هنا بداية حقيقة على الطريق الصحيح ، فالدولة المدنية ومفهوم المواطنة المنصوص عليه فى الدستور ، لابد وان يطبق ، وهذا أول اختبار حقيقى لتفعيل تلك المبادئ بعيداً عن الشعارات والقبلات ، حيث لن يتحدث احد عن حساسية الأمر بل سيطبق القانون على من يرفض تطبيقه أو يتحايل عليه ، فالاعتبارات غير الموضوعية من حلول سياسية أو أمنية أو حتى العلاقات الشخصية التى وصلت إلى حد البكاء ، لهو أمر محزن ويؤكد إن الأزمة وصلت إلى منتهاها وذلك لتأخير تدخل القانون .
ومن هنا فدور المجتمع المدنى لا يتلخص فى المناقشة والأبحاث ، بل عليه واجب نشر ثقافة حقوق الإنسان والدولة المدنية كثقافة بديلة تحل مكان الثقافة البدوية المنتشرة الآن ، وعلى نفس المستوى نشارك فى صياغة القانون الجديد ونسعى لتحقيق مبادئنا فى احترام الدستور والقانون والتى أصبحت معيار جديد لمعرفة مدى تقدم الأمم ، ونسعى لتحديد الأطراف المسئولة ليتحمل كلاً منهم مسئوليته .
وليست الإطراف المعنية هنا الجهات الرسمية فقط بل الأفراد وحاجتهم ، فالأمر يحتاج الآن إلى تشريع ينظم هذا الأمر ويحدد الأفعال المشروعة والمجرمة ولا نترك المجال للأهواء الشخصية والموافقات الأمنية وغيرها من الاعتبارات التى تفتقد للمعايير الموضوعية وبعيدة عن الفكر المسئول وعن احتياجات وأمن الوطن .
ونحن فى صدد بحثنا سوف نتناول البحث على محورين الأول يتعلق بالقوانين والقرارات المنظمة التى تستند إليها الجهات الرسمية لإصدار قرارات بهذا الشأن فى الوقت الحالى ، أما المحور الثانى فيتعلق بمشروع القانون المقدم من المجلس القومى لحقوق الإنسان والتعليق عليه ، وأخيراً رؤيتنا لتعديل مشروع القانون .
المحور الأول :- القوانين والقرارات المنظمة التى تستند إليها الجهات الرسمية لإصدار قرارات بهذا الشأن (تعليق) .
أولاً:ـ الخط الهمايونى : أصدره السلطان العثمانى عبد المجيد خان ( 1839 – 1861 ) فى سنة (1856) وفى دراسة للدكتور شريف دوس ذكر إن تقرير الحريات الدينية الصادر عن مركز الأهرام الاستراتيجية والسياسية سنة (1995) فى تقييم القيمة القانونية للخط الهمايونى :
- إن الخط الهمايونى مثل اى خطاب يصدر عن رئيس دولة ليس له صفة التشريع الملزم خلافاً للفرمان ، ويؤكد ذلك انه ليس مصافاً فى مواد ونصوص منطبقة كما هو الشأن فى التشريعات .
- إن الوقائع المصرية وهى الجريدة الرسمية المتخصصة لنشر القوانين والتشريعات ، كانت قد بدأت فى الصدور (1830) اى قبل صدور الخط الهمايونى ، وبالتالى فان لم تكن قد نشرته فى حينه ، فأنه لا يكون قد اكتسب صفة التشريع الملزم ولا يفترض علم الكافة به ، وهذا النشر لم يقم دليل عليه حتى الآن .
- إن مصر كانت وقت صدور الخط الهمايونى (1856) ولاية تابعة للدولة العثمانية ، إلا أنها كانت تتمتع باستقلال تشريعى بالرغم من التبعية السياسية ، الأمر الذى يكون معه ذلك الخط مجرداً من قيمته التشريعية .
- إن صدور القرارات الجمهورية الحديثة بالترخيص ببناء وتجديد كنائس وملحقاتها ، فأنها من الناحية الفعلية تلتزم بمضمون الخط الهمايونى فى هذا الصدد من قيود إلا أنها من حيث الظاهر لم تشر إليه .
ثانياً :ـ قرار العزبى باشا ( وكيل وزارة الداخلية ) فبراير(1934) : بعد استقلال مصر وصدور دستور (1923) وفى وزارة عبد الفتاح يحى باشا ، صدر قرار العزبى باشا تضمن القرار مجموعة عشرة شروط اقل ما توصف بها ، أنها مجحفة ، فهى عبارة عن أسئلة وهى ( الملكية ، وأماكن المساجد والأضرحة ، ومكانه وسط المسلمين أو المسيحيين ، والمانع إذا كان المكان وسط المسلمين ، وعن اقرب كنيسة لنفس الطائفة ، ومقدار المسافة إذا وجدت كنيسة أخرى ، وعدد أفراد الطائفة ، وعن رأى مصلحة الرى والسكة الحديد ، وعمل محضر رسمى بالتحريات ، ورسم بيانى عمليا بمقياس واحد على الألف ) ويستند القرار إلى الخط الهمايونى ، ورغم هذا الإجحاف إلا انه صدر حكم ( للفقيه القانونى عبدالرازق السنهورى ) من مجلس الدولة فى القضية رقم (615) لسنة (5) قضائية فى (16/12/1952) ” إن اشتراط ترخيص فى إنشاء دور العبادة على نحو جاء ما فى الخط الهمايونى ، لا يجوز إن يتخذ ذريعة لإقامة عقبات لا مبرر لها دون إنشاء هذه الدور مما لا يتفق مع حرية إقامة الشعائر الدينية ”
ثالثاً :ـ دستور (1971): وبعد سلسلة من الأحداث التاريخية صدر الدستور الدائم سنة (1971 ) وعقب إصداره شهدت هذه الفترة أحتقان طائفى ، كانت للقيادة السياسية دوراً فيه إلا أن الأمر فى التسعينات اختلف ولو قليلاً فصدرت بعض قرارات جمهورية ظاهرها الحل ولكن فى مضمونها الخوف من المواجهة الحقيقية للأزمات التى كانت السبب فى إصدارها ، ويتضح ذلك فى طريقة تطبيقها كحلول وقتية بعيدا عن الرؤية للإنهاء المشكلة ، بالإضافة لعدم النظر للمادة السادسة من الدستور التى تكفل حرية العقيدة وإقامة الشعائر الدينية وهذة القرارات هى :ـ
- القرار الجمهورى رقم (13) لسنة (1998) : بتفويض المحافظين بإصدار قرارات خاصة بترميم الكنائس وملحقاتها القائمة .
- القرار الجمهورى رقم (453) لسنة (1998) : منح الجهة الإدارية المختصة بشئون تنظيم كل محافظة ، حق إصدار التراخيص للترميم دور العبادة .
- القرار الجمهورى رقم (291) لسنة (2005) : بتفويض المحافظين بإصدار تراخيص البناء أو إجراء توسعات فى الكنيسة .
ورغم أنه يظهر تقدم فى كل قرار إلا أنها قرارات لحل الأزمة فى وقتها ، بعيداً عن رؤية حقيقية تواجه المشكلة على كافة مستوياتها الشعبية والرسمية والتشريعية والدينية .
المحور الثانى :- مشروع المجلس القومى لحقوق الإنسان ( تعليق) .
جاء مشروع المجلس القومى لحقوق الإنسان المطروح للمناقشة فى ثمانى مواد نص فى مادته الأولى على جميع الأفعال التى من الممكن إن تنفذ فى دور العبادة وذلك بعد الحصول على الموافقة من الجهة الإدارية ، وفى مادته الثانية نص على عدم إجازة التراخيص بتغيير دار عبادة لمنشات أخرى أو العكس ـ بمعنى أدق محاولة لسد ثغرات القانون ـ وذكر تعريفات المصطلحات القانونية التى ستذكر فى مواد القانون ، وجاء فى مادته الثالثة الشروط المطلوبة لإقامة دار العبادة من مستندات وأوراق ورسوم ثم النص على وجود لائحة تنفيذية .
وجاء في مادته الرابعة ما على الجهة الإدارية القيام به تجاه الطلب المقدم من معاينات ، وذكر مدة قانونية لابد إن تلتزم بها الجهة الإدارية ، ففي حالة البناء أربعة شهور وفى حالة الترميم والتدعيم شهرين من تاريخ الطلب المقدم المستوفى الشروط ، ونص على موافقة الجهات الإدارية ، وذكر صراحة على موافقة الجهات الأمنية .
وأوضحت مادته الخامسة إن قرار الإنشاء يصدر من المحافظ واعتبار انقضاء المدة المذكورة فى المادة الرابعة بمثابة موافقة على طلب الترخيص ، إما حالة الرفض فلابد وأن يكون القرار مسبب ، وبذلك يحق للطالب الطعن على القرار إمام المحكمة المختصة ، وأوضحت مادته السادسة المحكمة المختصة والحالات التى تتدخل فيها فى حالة حدوث منازعات مرتبطة موضوعياً بالقرارات الصادرة فى تطبيق إحكام هذا القانون .
وذكر بمادته السابعة على إنشاء دائرة خاصة للفصل فى تلك المنازعات بمحاكم القضاء الأدارى ، وأوضحت المادة الثامنة على أنه يطبق علي المخالف لنصوص هذا القانون الأحكام الواردة فى نص المادة ( 22) من القانون رقم (106) لسنة (1976) والتى بعد الإطلاع عليها وجدت أنها تذكر مواد أخرى يجب الالتزام بها فى نفس القانون سابق الذكر بعقوبات جديدة.
إما فيما يخص التعليق على مواد هذا القانون فتتلخص فى التالى :
أولاً:ـ فمن وجهة نظرنا تبين إن مناقشة الموضوع تم بحساسية شديدة ومحاولة النص على أعمال بعيدة عن طبيعة البناء وكأنها فرصة لن تأتى ثانية ، ومحاولات مستميتة لسد جميع الثغرات التى قد تحدث بعد إقرار القانون ، وكعادة النظرة الحكومية لابد من لائحة تنفيذية لتطبيق القانون ، ويعنى ذلك زيادة الروتين ، فماذا لو ذكر القانون كل الخطوات المطلوبة للأعمال الإنشاء؟؟!! ، رغم أنها مذكورة فى القانون رقم (106) لسنة (1976) وكأن هناك هدفاً أخر !!!
ثانياً :ـ المادة الرابعة المذكور فيها الموافقة الأمنية ، والسؤال المطروح هنا أيعد موافقتها قرار أدارى !! وبالتالى لابد أن يكون القرار مسبب ، وبذلك يحق للطالب الطعن فيه إمام المحكمة المختصة ، أم ستعتبر جهة سيادية تمارس سلطاتها ؟؟!! وبذلك ينتفى فى المشروع حق التقاضى وهو المكسب الحقيقى فى المشروع إذا أردنا الإصلاح حقا ، إن سبب الأزمة أساسا هو التدخل الأمنى ليس ذماً فى الجهاز الأمنى ، بل لان طبيعة الأمر مختلفة يحتاج إلى قانون ومؤسسات مدنية تقوم بدورها القانونى وليس بموافقة الأمن .
ثالثاً :ـ إن إخضاع موافقة الإنشاء بقرار من المحافظ وهو معين من السلطة السياسية ، وبالتالى يرجع صدور القرار إلى مدى سعة صدر النظام السياسى ، وهو الخطأ الذى نعانى منه الآن ، فلو كانت السلطة السياسية لديها القدرة على التعامل مع هذا الملف لانتهت منه بقرار جمهورى ، لكننا نرى جميعا الواقع المؤلم !!
رابعا :ـ النص على عقوبات المذكورة فى المادة ( 22 ) من قانون رقم (106) لسنة (1976) فبالنظر إلى هذة المادة وجدنا أنها تنص على أثنى عشر مادة معاقبة عليها ، بالإضافة لعقوبة السجن من ثلاث إلى خمس سنوات بالمادة (24) وعقوبات بالغرامة فى المادة (12) مكرر والمادة (15) التى تنص عن وقف الأعمال إذا وجدت مخالفات وهى مواد منصوص عليها فى المادة (22) بالقانون سابق الذكر ، كل هذة المواد والروتين الحكومى يؤكدان على فكرة واحدة عقلية المركزية الشديدة .
رؤيتنا:
نعلم إن هناك مشاريع أخرى مطروحة من أفراد مثل مشروع الأستاذة الدكتورة / ليلى تكلا ومشروع الأستاذ / محمد جويلى لكن مشروع المجلس يعد أول مشروع مقدم من مؤسسة قومية ، لذا يعد هو الأهم والأكثر تأثيراً على صناع القرار . إما عن رؤيتنا تتلخص فى إن تلغى المواد القانونية والقرارات الجمهورية المنظمة لهذا الشأن واعتبار إن دور العبادة منشات عادية بعيداً عن طبيعتها الدينية ، فيكون مشروع القانون ثلاث مواد الأولى إلغاء كل المواد القانونية والقرارات الجمهورية السابقة ، والمادة الثانية تطبيق أحكام القانون رقم (106) لسنة (1976) على المنشات آيا كان غرضها طالما لا تمس أمننا القومى ، والمادة الثالثة ينشر ذلك فى الجريدة الرسمية .
إن ذكر الأمن القومى فى هذا الشأن ليس حجة لمنع إقامة دور العبادة ، فمفهوم الكلمة تعنى إن نلبى حاجات المجتمع ، وبالتالى فالأمر يتعلق بحرية العقيدة وإعلاء مفهوم المواطنة والعمل من جديد لتأسيس الدولة المدنية ، ويتضح هنا دور المجتمع المدنى وأهميته ، وزيادة مشاركة الفئات الضعيفة والمهمشة فى المجالس النيابية وإعادة إدماجها فى المجتمع ، والتركيز على مبدأ عادلة الفرص والوصول للمناصب على معيار الكفاءة وليس أهل الثقة ، وبالتالى تلك الحقوق تكون مكتسبة بالدستور والقانون وليس على أساس التمييز الايجابى أو حتى مفهوم الكوتة بل ليست على أساس حقوق الأقليات ، فأمننا القومى يتحقق بذلك .
أن أكثر المستويات تأثيراً وتعقيداً لحل تلك الأزمة ليست التشريعية وان كانت مهمة ، بل المستوى الشعبى ، وخاصة إن هناك مواجهات وصلت إلى حد العنف ، ويعنى ذلك أمور كثيرة أهمها افتقاد الأفراد للثقة فى المؤسسات الدستورية والمدنية فى حل الأزمة بعيدا عن العنف ، وأيضاً مدى حاجتنا لتمثيل الأقباط فى البرلمان بعيدا عن رجال الدين الرسمين وغيرهم ، أما الأمر الثانى هو الثقافة الدينية المتشددة لكلا الطرفين ، فيجب علينا جميعا إن نحافظ على الدولة المدنية ومؤسساتها واحترام الدستور والقانون وان كانت بوليسية ، بعيداً عن الحياة فى دولة دينية وان كانت ديمقراطية يكون فيها تتداول السلطة بين رجال الدين الواحد .