8/12/2005
لا يمكن اعتبار الدولة طرف عادي مثله مثل باقي الأطراف فعندما تدب الفوضى وتحدث أعمال بلطجة وتشهر الأسلحة البيضاء والسوداء في وجوه المارة ويحبس المرشحين في غرف مغلقة وتحاصر قرى ومدن بالكامل ويسقط جرحى وقتلى إما برصاص قوات الأمن أو اختناقاً بفعل الغازات المسيلة للدموع، عندما تستخدم كل هذه الأساليب وغيرها الكثير لمنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم إلا إذا تأكد ولاؤهم وتصويتهم لصالح المرشح الوطني أو المرشح الأكثر فتونة أو الأكثر بلطجة وبلطجية أو الأقرب إلى السلطة أو الذي هناك ضوء أخضر بأن يمر، عندما يحدث كل هذا وتدعي الدولة بأجهزة أمنها بأنها غير مسئولة عما حدث وبأن هذه الفوضى سببها المرشحين وأن ما جرى عبارة عن تنافس لا علاقة لها به، فإن هذه الدولة يجب أن تحمل عصاها وترحل فوراً، لأنها ببساطة ليست أهل وغير قادرة على القيام بوظيفتها التي وجدت أصلاً من أجلها وهي حماية أمن وأرواح المواطنين وحفظ النظام، وإذا كانت متواطئة وتحرس وتحمي بل وتمارس بنفسها أعمال البلطجة والمنع والضرب والقتل فهذه ليست دولة ولكن عصابة تقود عملية سطو مسلح على مقاعد برلمان المفترض فيه أن يقوم بعد أيام قليلة بمهام التشريع وسن القوانين والتصديق على اختيار الحكومة الجديدة وباختصار تسيير شئون أمة بالكامل !!!
إن المدان أولاً وأخيراً فيما حدث بجولة الإعادة للمرحلة الثالثة من انتخابات مجلس الشعب المصري هو الدولة وجهاز أمنها مهما كانت تفاصيل ما جرى من أحداث.
وهذا هو المؤشر الرئيسي الذي استطعنا أن نرصده من جملة الأحداث البشعة والمؤلمة والمهينة لكرامة المواطنين بل وكرامة الأمة المصرية بأكملها.
أما المؤشر الثاني والذي أصبح جلياً بعد انتهاء المرحلة الثالثة من الانتخابات فهو انعدام أية رغبة في حدوث أي تغيير حقيقي وأي إصلاح سياسي من قبل القائمين على أمر هذا البلد، وبمعنى أدق وأوضح مفيش نية للتغيير والشعار يبقى الحال على ما هو عليه؟
أما المؤشر الثالث فهو عدم وجود خلاف حقيقي أو جوهري في السياسات والتوجهات الرئيسية للدولة بين الأطراف الأساسية الثلاث المتصارعة على كراسي البرلمان وهم الوطني أ، الوطني ب، الإخوان المسلمين، لذلك شاهدنا تبادل التحالفات وممارسة لعبة الكراسي الموسيقية بين الأطراف الثلاثة دون غضاضة ودون أن يعني ذلك أي تغيير في سياسة ذلك المرشح أو ذاك، فقط حسبة مصالح وقوى وأوزان قبلية أو مناطق نفوذ أو قدرات مالية… إلخ، من عوامل ومؤشرات لا تستطيع أن تخرج منها بأي تغيير سياسي أو مبدئي يحدد هذا التحالف أو ذاك.
أما المؤشر الرابع فهو غياب، بل قل اختفاء الظواهر الصوتية للمعارضة التي اشبعتنا ضجيجاً وصراخاً عن التفاف الشعب المصري حولها وقناعته بصحة مواقفها ورؤاها وما إلى ذلك من حديث، حيث اتضح في العملي أنها حتى لا ترى بالعين المجردة وأنها لا تعدو أن تكون حفنات قليلة من المثقفين والسياسيين المنعزلين عن الواقع وعن مشاكل ومعاناة الجماهير الحقيقية. وأن ارتباط الجماهير ببعض رموز المعارضة سواء اليسارية أو الليبرالية أو الناصرية هو مجرد ارتباط بأشخاص وليس بأفكار، أشخاص لهم وجود حتى عند هؤلاء الجماهير بما يقدمونه لهم من خدمات وليس بما يحملونه من أفكار سياسية.
أما المؤشر الخامس والأخير الذي خرجنا به من يوم الأربعاء الأسود 7 / 12 / 2005 فهو أن ما حدث دليل حي على موت السياسة في أقدم دولة عرفها التاريخ الحديث المكتوب، حيث لم يصل إلى مسامعنا جميعاً كلمة واحدة عن خلاف بين هذا المرشح أو ذاك حول أسلوب حل مشاكلنا المستعصية أو توجه الناخبين لهذا المرشح دون غيره لأنه يحمل برنامجاً محدداً لحل مشاكل البطالة أو تطوير التعليم والقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية أو غيرها من آلاف المشاكل التي يعاني منها المواطن المصري البسيط، وكانت المعارك والسنج وغيرها العديد من الآلات الحربية الجديدة هي اللغة الوحيدة المعتمدة في اختيار أهم ممثلين للأمة سوف يحددون مصيرها أو المفترض أن يفعلوا ذلك في السنوات الخمس القادمة.
غرفـــــــــــة عمليـــــــــات مراقبـــــــة
الانتخابات البرلمانيـــــــة بالجمعيـــــــة
المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية