26/7/2008
استقبل مركز ماعت الدعوات الحقوقية ” المصرية والإقليمية والدولية ” بالتجاوب مع قرار مجلس الأمن رقم 1593 الصادر في مارس 2005 بإحالة قضية دارفور إلي التحقيق بالمحكمة الجنائية الدولية ، قبل أن يطلب المدعي العام في المحكمة من الدائرة الابتدائية الأولى إصدار أوامر قبض أخرى تطال الرئيس السوداني عمر حسن البشير نفسه حال وجود أسباب كافية للاقتناع بمسؤوليته عن جرائم الإبادة الجماعية المرتكبة في إقليم دارفور …، بحذر بالغ مع شعوره بوجود ازدواجية دولية في التعامل مع جرائم أبشع تنقلها وسائل الإعلام يوميا في مناطق صراع واحتلال واستيطان تهدر فيها دماء الأبرياء .
ويذكر المركز إن السودان لم يصادق على نظام روما الأساسي للمحكمة ، فيما تنص المادة 27 منه على أن ” رؤساء الدول والحكومات، ورجال الدولة أو أعضاء البرلمانات، والممثلين المنتخبين أو مسئولي الدولة لا يحق لهم، بصفتهم الرسمية، إعفاء أي شخص من المسئولية الجنائية ” ، واعتبرت بيانات حقوقية توجيه الاتهام للرئيس السوداني بارتكاب جرائم إبادة جماعية ، خطوة أساسية من أجل مكافحة سياسة الإفلات من العقاب لافتة إلي أن نظام روما الأساسي للمحكمة يؤكد عدم تمتع أي شخص بأي حصانة ضد جميع الجرائم الواقعة داخل دائرة اختصاص المحكمة ، كما وجهت اتهامات للحكومة السودانية بعرقلة انتشار البعثة الخاصة بالأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي في دارفور ومنع دخول المساعدات الإنسانية إلي سكان الإقليم .
وإذ يعتبر المركز ما تقوم به المحكمة الدولية من دور – مع افتراض نزاهته وحياديته – خطوة نحو إنجاز العدالة في أقاليم الصراع ، كما يرفض إفلات أي مسئول حقيقي عن أي جريمة من العقاب ، يلفت النظر إلي إن نغمة مسئولية الرؤساء العرب عن جرائم الحرب تكررت مرارا مع بعضهم ، ووجه المجتمع الدولي تحت ضغوط موجة الحرب علي الإرهاب كل طاقاته لتأكيد اتهام النظام العراقي المخلوع بقيادة الرئيس الراحل صدام حسين ، بامتلاكه أسلحة دمار شامل قبل أن تبرئه تقارير مخابراتية أمريكية من تلك الاتهامات التي بنيت عليها خطة الهجوم علي العراق واحتلال بغداد وتعيين نظام حكم بديل لشبعه ، وتنهار داخل حدوده حالة السلام المجتمعي التي سادت ولو نسبيا بين السنة والشيعة والأكراد فى عهد صدام حسين .
والمركز لا يشير في بيانه إلي إيجابيات أو سلبيات رئيس شهدت كل الأنظمة العربية والعالمية مشهد إعدامه البشع ، رغم النداءات الدولية والأممية بإلغاء عقوبة الإعدام في التشريعات العالمية ، إلا إن اتهاما جري توجيهه للرئيس المخلوع بارتكاب جرائم حرب بحق مواطني العراق الأكراد في حلبجة عام 1988 ، واستخدمه القادة السياسيون الأكراد لتنفيذ مآربهم في الانفصال عن العراق بعد ما سمي بحرب تحرير الكويت عام 1990 ، حين وظفوا شركات متخصصة بالعلاقات العامة لتضخيم حقيقة ما جرى في حلبجة ، وروجت تقارير مخابراتية وحقوقية علي السواء لأرقام ضحايا فلكية تتراوح بين 5 و 100 ألف شخص ، متجاهلة توقف الهجمات الكيماوية المتبادلة بين إيران والعراق في أغسطس 1988 ، وقرب القرية من الحدود الإيرانية واقتحام قوات طهران لها في مارس وإعمالها القتل في سكانها والقوة العراقية الموجودة بها .
ويشهد تقرير صدر عام 1990 عن معهد الدراسات الإستراتيجية بكلية الحرب العسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية أن إيران وليس العراق هو الذي أرتكب جريمة حلبجة ، كما أكد ذلك “ستيفن بلتير” الذي كان كبير المحللين السياسيين في وكالة الاستخبارات المركزية ومسؤولاً فيها عن مكتب العراق أثناء الحرب العراقية-الإيرانية .
إن تفعيل مهام المحكمة الجنائية الدولية لا يجري إلا في قضايا تحكمها دوافع سياسية ، فبعد تقسيم السودان إلي شمال وجنوب ووجود نوايا أمريكية بدفع البلاد إلي القبول بتقسيم علي 3 أجزاء ، تتزايد الادعاءات المساعدة علي خلق الفوضى في الجنوب العربي المهدد لمستقبل المياه وحق الشعب المصري في الحصول علي نسبة عادلة منها وفقا لاتفاقية 1929 التي وقعت عهد الملكية والاحتلال – وقعتها وزارة محمد محمود باشا – لضمان حق الشعب المصري في مياه النيل ، فيما تشير دراسات وتحليلات سياسية إلي مشروعات إسرائيلية مشتركة مع دول الحوض لتقليل أو التأثير علي حصة مصر المقررة وفقا لهذه الاتفاقية ، ومعها تزايدت حدة الصراع بدول الحوض وظهرت الحروب الأهلية والحدودية والصراعات المسلحة الداعية إلي التدخلات الخارجية في أغلب بلدان حوض النيل ، في حين لا تسيطر قوات دولية صراحة علي مسألة تواجد قوات محايدة بتلك المناطق ، وتكررت مخاوف من تغليب أعداد القوات الأمريكية تحديدا علي غيرها من الجنسيات .
إن حسم مسئولية الرئيس السوداني عما يحدث في دارفور من جرائم لا تنقلها إلا وسائل إعلام غير عربية ، أمر يدعو للشك والريبة خاصة في ظل وجود قوات أجنبية داخل دولة ذات سيادة وإهمال الحديث عن دورها بالإقليم وما حوله ، ومع ضعف وجود إفريقي أو عربي داخل دارفور أو غيره من مناطق الصراع المسلح ، لا يمكن حسم اتهامات دولية وإن صدرت من “محكمة” بحق مسئولين سودانيين أو غيرهم ، كما أنه من غير المقبول أن تناقش قضية دارفور في إطار عالمي يخضع لتأثيرات سياسية بعيدا عن تفعيل دور الكيانات العربية والإفريقية – الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي –
وعلي المجتمع الدولي أن يتذكر إن الرئيس العراقي الذي أعدم في مشهد بشع جرت محاكمته عبر محكمة تخضع لحكومة تابعة لاحتلال أجنبي وليس أمام الجنائية الدولية التي ينادي بحياديتها البعض الآن ، كما لم تحاكم ” الجنائية الدولية ” رؤساء وأنظمة مارست جرائم الحرب ومازالت في مناطق كثيرة مثل فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان .
إن الشرعية الدولية التي ننادي بها كمؤمنين بقضايا حقوق الإنسان وساعين إلي ترسيخ السلام في المجتمع الإنساني العالمي ، لا يمكن أن تدفعنا كنشطاء نحو الوقوع في خطيئة الحسابات السياسية والأهداف غير الإنسانية لقوي تسعي لحرمان العالم من الاستقرار ، كما إن حسابات تلك القوي تؤكد إن ما تنفقه علي الحرب في أي بقعة بالعالم يفوق بكثير ما تتيحه من معونات أو مساعدات ” إنسانية ” لضحايا مناطق الصراع والتوتر في العالم ، وعليه نرفض أي محاولات لتكرار النموذج الفلسطيني – والعراقي – في السودان الشقيق ، ونطالب بتحقيقات نزيهة في قضية دارفور تراعي ظروف وحالة الفوضى والغموض المحيطة بالمعلومات والأحداث هناك ، ولا تستبعد الوجود العربي الإفريقي – دون انتقائية – في التحقيقات المزعومة الجارية بشأن الإقليم السوداني .