30 نوفمبر 2004
صاحب التطور العلمي والتكنولوجي الحديث تغيرات جوهرية فى السلوك الإنساني ، مما ساهم فى خلق وجوها للمسئولية لم تكن معروفة من قبل فى الأزمنة القديمة ، فالسرعة المستمرة فى استخدام التكنولوجيا العلمية ، والتقدم العلمي والفنى فى مجال الطب أدت الى زيادة المشاكل المتعلقة به ، خاصة مع اقتراب الأجهزة من جسد الإنسان للفحص و التشخيص والعلاج ، وهو ما يحتم ضرورة تغيير وتطوير التشريعات لحماية جسد الإنسان من التجارب والسرقة والتشويه المتعمد وغير المتعمد0
وعلى الرغم من ان ظاهرة الإهمال الطبي من الظواهر التي ظهرت فى المجتمع الدولي منذ زمن بعيد إلا أن الدول المتقدمة سرعان ما انتهجت سياسات قانونية وعلميه لعلاج المشكلة والحد منها محليا ، وهو ما اثر سلبا على نصوص وتشريعات حقوق الإنسان الدولية وأضفى نوعا من التجاهل القانوني للظاهرة على المستوى الدولي ، والاكتفاء بالقواعد الدولية التى شرعت فى الأساس لحماية جسد الانسان وحياته من بطش السلطات التنفيذية للدول فها هو العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية
والذى صادقت عليه مصر بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 536 لسنة 1981 فى 3 ذى الحجة سنة 1401 هــ ( أول أكتوبر 1981 ) ينص فى المادة السادسة منه على ان ” الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا0 ”
كما نص العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
والذي صادقت عليها مصر بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 537 لسنة 1981 فى 3 ذي الحجة سنة 1401 هــ ( أول أكتوبر 1981 ) فى المادة الثانية عشر منه على :
” 1- تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه.
2- تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق، تلك التدابير اللازمة من أجل:
-
- (أ) العمل على خفض معدل موتى المواليد ومعدل وفيات الرضع وتأمين نمو الطفل نموا صحيا،
-
- (ب) تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية ،
-
- (ج) الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها،
-
- (د) تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض. “
وبقراءة تلك النصوص الدولية نخلص الى ان الحق فى الحياة والمحمى بموجب المواثيق الدولية إنما ينحصر في حماية حياة الإنسان من بطش السلطات التنفيذية للدول ، دون فرض حماية واضحة لحياة الإنسان من التجريب والخطأ الطبي على جسد الإنسان
كما ان الحماية المنصوص عليها بالعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تفتقر إلى آلية المراقبة والعقاب الدولي لانتهاك الدول لتلك القواعد ، على عكس الحقوق المدنية والسياسية المحمية بالبروتوكول الملحق بالاتفاقية والناص على إنشاء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان لمراقبة تنفيذ أحكام الاتفاقية 0
أما على مستوى الدول الفقيرة ( ومنها مصر ) فان الأزمة لا تزال تتفاقم يوما بعد الآخر خاصة مع ضعف الرقابة على عمل الأطباء وانتشار التعليم الطبي العشوائي وغير المنظم مما يفرز بأطباء غير مؤهلين للتعامل مع الجسد الإنساني باعتباره كائن حي يتمتع بكافة الحقوق والواجبات ، و إنما افرز إلينا طبيب يتعامل مع حالة مرضية مجردة من حقوقها 0
ومع ضعف التشريعات الدولية التي تحمى حقوق الإنسان لن نجد فى تشريعنا المصري نصوص تتحدث عن خطا الطبيب بشكل مباشر مما يضطر الباحث الى الاجتهاد لتطبيق النصوص والأحكام القانونية العامة على أخطاء الأطباء ، والتي شرعت فى الأساس لمواجهة ظواهر اجتماعية ، فها هو الدستور المصري يضمن الحماية العامة لصحة المواطن المصري فى مواده التالية : ”
تكفل الدولة الخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية، وتعمل بوجه خاص على توفيرها للقرية فى يسر وانتظام رفعا لمستواها.
تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعي والصحي، ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعا ، وذلك وفقا للقانون.
لا يجوز إجراء أي تجربة طبية أو علمية على أي إنسان بغير رضائه الحر.
كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن وقع عليه الاعتداء. ”
اما على مستوى قانون العقوبات فلم نجد مواد تتحدث عن خطا الطبيب بشكل صريح وانما اكتفى بالقواعد العامة للمواد 238 ، 244 والناصين على :
المادة 238 من قانون العقوبات ( من تسبب خطا فى موت شخص آخر بان كان ناشئا عن إهماله او رعونته او عدم احترازه او عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنية او بإحدى هاتين العقوبتين ، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنية ولا تجاوز خمسمائة جنية او إحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالا جسيما بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطيا مسكرا أو مخمورا عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت علية الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك ، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين إذا نشا عن الفعل وفاة اكثر من ثلاثة أشخاص فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة فى الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنين0)
وكذا نص المادة 244 من قانون العقوبات ( من تسبب خطأ فى جرح شخص أو إيذائه بان كان ناشئا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائتي جنية او بإحدى هاتين العقوبتين ، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنية أو إحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالا جسيما بما تفرضه علية أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطيا مسكرا أو مخدرا عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك ، وتكون العقوبة الحبس إذا نشا عن الجريمة إصابة اكثر من ثلاثة أشخاص فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين 0 )
وأمام حالة القصور التشريعي الدولي والمحلى تصبح مسئولية الأطباء من اكثر الموضوعات التي تثير الجدل والنقاش والاجتهاد في مجال الفقه الجنائي والتطبيق القضائي وتظل مشكلة الابداع وحدود وصلاحيات الطبيب حائلا فى كثير من القضايا دون توقيع العقاب اتلفعلى على الطبيب المخطئ 0
مع كل ما تقدم من أسباب ثارت لدينا الأسئلة الآتية :
-
- هل هناك إهمال طبي في مصر أدى إلى نتائج سلبية واثر على سلامة جسد الإنسان بل وانتهك الحق في الحياة ؟
-
- ولماذا ندافع عن ضحايا الإهمال الطبي ؟
-
- ما هي اكثر الطبقات تضررا من الإهمال الطبي ؟
-
- ما هي الأسباب الحقيقة التي أدت إلى انتشار الظاهرة في مصر ؟
-
- ما هو دور المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية في التصدي للإهمال الطبي ؟
-
- هل هناك دور للدولة في تنشيط وتطوير وتشجيع الأطباء على ابتكار أساليب جديدة لارتكاب ابشع الجرائم الإنسانية والإفلات من العقاب ؟
-
- وما هي المرجعيات القانونية التي يستند لها المدافعون عن ضحايا الإهمال الطبي ؟
-
- من المسئول عن نقص المعلومات والإحصاءات الواضحة والسليمة عن حالة المستشفيات ودرجة كفاءة الأطباء المصريين ونتائج الأعمال الطبية وآثرها على المرضى ؟
-
- هل وصل الأطباء المصريين إلى حد التشبع العلمي ؟
-
- هل هناك فساد تعليمي وتدريبي وعملي للقطاع التمريضي ؟
-
- هل هناك نقص فى الوعي القانوني لدى الأطباء ساهم في انتشار الظاهرة ؟
الجمعية المصرية للدفاع عن ضحايا الإهمال الطبي
رئيس مجلس الإدارة
ايمن رابح