17/12/2008

ورقة عمل مقدمة من مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان

تمهيد
علاقة حقوق الإنسان والتنمية البشرية كعلاقة الروح والجسد فلا يمكن الفصل بينهـما فلن تتحقق التنمية البشرية في مجتمع يفتقر إلى احترام حقوق الإنسان التي بدورها ستكون مصانة بالقطع في ظل المعدلات التنموية العالية ، كما أن المؤشرات والمعايير التي تقيس حالة حقوق الإنسان في مجتمع ما متضمنة في منظومة المؤشرات المتعلقة بحالة التنمية البشرية في نفس المجتمع ، إضافة إلى أننا يمكن أن ننظر إلى التنمية من منظور حقوقي باعتبارها حقا إنسانيا أصيلا كما أشارت إلى ذلك كثير من المواثيق الدولية .

وتستمد تلك العلاقة حيويتها من كون الهدف الأسمى لكافة الجهود التنموية هو تحقيق الرفاهية الاجتماعية ” Social Welfare ” . والتي لن تتحقق بإهدار كرامة الإنسان والحط من أدميته وانتهاك إنسانيته واقتحام خصوصيته والتضييق من هامش الحرية الذي يستحقه .

وقد اختلفت الرؤى حول علاقة التنمية بحقوق الإنسان طوال العقود الماضية، وخاصة في ظل الحرب الباردة بسبب التنافس بين إعطاء الأولوية للحقوق السياسية أو الحقوق الاقتصادية في الخطاب العام للدول، والمهـم هنا هو معرفة حقيقة العلاقة بين حقوق الإنسان والتنمية ورؤية المجتمع الدولي والأمم المتحدة لهذه العلاقة .

و مثلما أن العلاقة بين التنمية وحقوق الإنسان قديمة، فهي جديدة أيضا وتبقي دوما مطلبا آنيا لكل الأمم والشعوب ولكل الأفراد المشكلين لها. وكذا التأكيد على القضاء على مختلف الانتهاكات الواسعة والصارخة لحقوق الإنسان وخاصة الشعوب و الأفراد الذين عانوا من اضطهاد الاستعمار. وكذا الاستعمار الجديد , والتميز العنصري, ومختلف التهديدات الموجهة ضد سيادة الدول ووحدتها الوطنية والسلامة الإقليمية , كل هذا من شأنه أن يؤثر على التنمية بمختلف أنواعها و مسمياتها.

ومهـما يكن فإن العلاقة بين التنمية وحقوق الإنسان أساسها هو التأكيد على أن الإنسان هو الموضوع الرئيسي لعملية التنمية .وعليه لا بد أن يكون الإنسان هو المشارك الرئيسي والمستفيد الأساسي في العملية التنموية وعلى أن الحق في التنمية هو حق من حقوق الإنسان غير القابل للتصرف.

ويطلق لفظ ” المقاربة الحقوقية ” Rights Approach ” للتعبير عن تلك المعاني السابقة ، وهى تعنى إدماج المعايير الحقوقية في الأنشطة التنموية ، وتكمن أهـمية المقاربة الحقوقية في أنها تنظر إلى الموضوعات من زاوية حقوقية ، كما أنها تحلل المشروعات التنموية من نفس الزاوية وتنظر إلى الناس على أنهـم أصحاب حقوق وفاعلين في الموقف الإنمائي .

إذن العلاقة قائمة، والمفاهيم تتطور وتتغير وتتأثر بالمحيط الاجتماعي والسياسي والثقافي والأمني لكل من الحق في التنمية وكذا النظرة لمختلف حقوق الإنسان.

التنمية البشرية : رؤية حقوقية
أجمعت الأطر النظرية والتصورية التي صاغها الخبراء في مجال التنمية البشرية على تعريف التنمية الإنسانية باعتبارها عملية توسيع خيارات البشر إلى جانب ترسيخ منطق توسيع خيارات الناس بين البدائل المتاحة الأمر الذي يشير إلى الحرية كقاعدة مركزية في تحقيق التنمية البشرية.

والتنمية البشرية من منظورها الأصلي تعني حق البشر الأصيل في العيش الكريم ماديا ومعنويا وجسديا ونفسيا وروحيا مما يقود إلى نتيجتين رئيسيتين الأولى ترفض جميع أشكال التمييز ضد أي جماعات بشرية بغض النظر عن الجنس والنوع والأصل الاجتماعي و المعتقد.

أما النتيجة الثانية التي يقود لها حق الإنسان في العيش الكريم أن مفهوم” الرفاه الاجتماعي” في التنمية لا يقتصر على التنعم بالحياة بل يزيد على ذلك ليطال الجوانب النفسية والمعنوية في الحياة الكريمة مثل التمتع بالحرية واكتساب المعرفة والكرامة الإنسانية وتحقيق الذات النابع من المشاركة الفعالة في شؤون المجتمع .

وحقوق البشر من حيث المبدأ غير محدودة وهي تتنامي باطراد مع رقي الإنسانية و لكن النتيجة أن هناك ثلاثة استحقاقات أساسية هي العيش حياة كريمة وصحية والحصول على المعرفة إلى جانب توافر الموارد اللازمة لمستوى معيشي لائق ، وتلك المكونات الثلاثة ( الصحة والتعليم والدخل ) هي المكونة لدليل التنمية البشرية الذي تعتمد عليه المؤسسات التنموية الدولية في تصنيف المجتمعات وترتيبها .

وليس معنى ذلك أن هذه المؤشرات الثلاث فقط هي المشكلة لأبعاد التنمية الإنسانية ، ولكنها الأبعاد التي يمكن قياسها على مستوى الدول ، فهناك منظومة كبيرة من المعايير تتناول مختلف جوانب الحياة الإنسانية والتي يدخل في إطارها كل ما أشارت إليه أدبيات ومواثيق حقوق الإنسان وتشريعاته الدولية . فهي تشمل الحرية السياسية والاقتصادية بالإضافة إلى الاجتماعية وتوافر الفرص للإنتاج والإبداع ,وتتعدى التنمية البشرية ذلك لتصل إلى معاني سامية تتضمن استمتاع الفرد باحترام الذات وضمان حقوقه. و تقوم عملية التنمية البشرية على محورين أساسين الأول بناء القدرات البشرية الممكنة من التوصل إلى مستوى رفاه إنساني راق وعلى رأسها العيش الكريم لحياة طويلة وصحية واكتساب المعرفة والتمتع بالحرية لجميع البشر دون تمييز.

أما الجانب الثاني الذي تقوم عليه العملية التنموية فترتكز على التوظيف الكفء للقدرات البشرية في جميع مجلات الحياة بما فيها الإنتاج و وفعالية المجتمع المدني والسياسي في ظل تأكيد على أن توظيف القدرات يلزمه أفق واسع من الحرية بمعناها الشامل.

من هنا فان إيجاد مجتمعات تتمتع بمستوى مقبول من التنمية يلزمه توفر العديد من الأركان أهـمها إطلاق الحريات والتعبير والتنظيم وإيلاء اهتمام اكبر بالتعليم الراقي وتعميم البحث والتطوير بالإضافة إلى التحول الحثيث نحو نمط إنتاج المعرفة في البنية التحتية .

حقوق الإنسان والتنمية البشرية في المواثيق الدولية
اهتمت العديد من التقارير والمواثيق والمعاهدات الدولية بالربط بين حقوق الإنسان والتنمية البشرية ، فعلى سبيل المثال كانت العلاقة بين التنمية البشرية – كأهـم فروع التنمية الشاملة – وحقوق الإنسان القضية المحورية لتقرير التنمية البشرية لعام 2000م الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، وخلاصة ما جاء في هذا التقرير أن حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة، ولا يمكن أن تخضع للانتقاء وذلك لأن هذه الحقوق متشابكة ويعتمد بعضها على البعض، والأمثلة على ذلك كثيرة فمثلاً التحرر من الخوف والعوز يرتبط بحرية التعبير والمعتقد، وكذلك الحق في التعليم للفرد يرتبط بصحته، كما أن هناك علاقة وثيقة بين معرفة الأم للقراءة والكتابة وتمتع أطفالها بالصحة.

ويرجع الباحثون في قضايا حقوق الإنسان جذور العلاقة بين حقوق الإنسان والتنمية إلى الإشارة الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عبــارة “التحرر من العوز” كما هو موضح في ديباجة الإعلان، كما توجد أصول هذه العلاقة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك عندما تَمَّ الربط المباشر بين تقدم حقوق الإنسان وسياسات الحكومات لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتنفيذ برامج التعاون الاقتصادي والتكنولوجي الدولية ( المادة الثانية من العهد ) .

وقد استهدفت المواثيق الدولية أن تكفل برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية للفرد التمتع بحقوقه، وقد أرست القواعد الدولية نظاماً لمتابعة أثر التنمية على حقوق الإنسان والعكس، وذلك بمطالبة الدول بتقديم تقارير عن ذلك للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأمم المتحدة، وكذلك طالبت الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة، مثل منظمة العمل الدولية ومنظمة اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الفاو بأن تقدم تقارير حول أثر برامجها على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تقع في نطاق اختصاصاتها.

وأقرت الأمم المتحدة مبدأ هامًّا يقول: “إن تكافؤ فرص التنمية حق للدول بقدر ما هو حق للأفراد داخل الدول نفسها”، وقد اعتبرت أن الحق في التنمية هو حق غير قابل للتصرف وأن التنمية تمكن الإنسان من ممارسة حقوقه وأن الدول مطالبة بإتاحة تكافؤ الفرص للجميع ضماناً لوصولهـم إلى الموارد الأساسية وإلى التعليم والخدمات الصحية والغذاء والإسكان والعمل والتوزيع العادل للدخل.

و قد كان إعلان الحق في التنمية الذي اعتمد ونشر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 41/128 المؤرخ في 4 ديسمبر 1986 تجسيدا واضحا للعلاقة الوثيقة بين التنمية البشرية وحقوق الإنسان فقد جاء فيه أن التنمية عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهـم والأفراد جميعهـم على أساس مشاركتهـم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفى التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها،

وأن لكل فرد الحق ، بمقتضى أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن يتمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن فيه إعمال الحقوق والحريات المبينة في هذا الإعلان إعمالا تاما، كما أشار في ذلك إلى أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وأشار كذلك إلى ما يتصل بذلك من الاتفاقيات والقرارات و التوصيات والصكوك الأخرى الصادرة عن الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة فيما يتعلق بالتنمية المتكاملة للإنسان وتقدم وتنمية جميع الشعوب اقتصاديا واجتماعيا، بما في ذلك الصكوك المتعلقة بإنهاء الاستعمار، ومنع التمييز، واحترام ومراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وحفظ السلم والأمن الدوليين، وزيادة تعزيز العلاقات الودية والتعاون فيما بين الدول وفقا للميثاق ،

كما أشار إلى حق الشعوب في تقرير المصير الذي بموجبه يكون لها الحق في تقرير وضعها السياسي بحرية وفى السعي إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحرية، وحقها في ممارسة السيادة التامة والكاملة على جميع ثرواتها ومواردها الطبيعية مع مراعاة الأحكام ذات الصلة من العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان،

كما أوضح أن تعزيز التنمية يقتضي إيلاء الاهتمام على قدم المساواة لإعمال وتعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنظر فيها بصورة عاجلة وأنه لا يمكن، وفقا لذلك، أن يبرر تعزيز بعض حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها والتمتع بها إنكار غيرها من حقوق الإنسان والحريات الأساسية،

كما أكد على أن الإنسان هو الموضع الرئيسي لعملية التنمية ولذلك فانه ينبغي لسياسة التنمية أن تجعل الإنسان المشارك الرئيسي في التنمية والمستفيد الرئيسي منها، و أن الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف، وأن تكافؤ الفرص في التنمية حق للأمم وللأفراد الذين يكونون الأمم، على السواء.

دعم المجتمع الدولي والأمم المتحدة للقضية
دعم المجتمع الدولي بكافة مؤسساته الرسمية والأهلية قضية الربط بين التنمية وحقوق الإنسان، وتم هذا الدعم من خلال عدد من المؤتمرات العالمية منذ عام 1986م، وكان أهـم هذه المؤتمرات :
ـ المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في ” فيينا ” عام 1993م.
ـ مؤتمر السكان والتنمية “في القاهرة” عام 1994م.
ـ مؤتمر التنمية الاجتماعية في “كوبنهاجن” عام 1995م.

والملاحظ أن دعم المجتمع الدولي والأمم المتحدة لقضية التنمية وحقوق الإنسان، جاء في صورة تأكيد على عدد من المبادئ والأسس التي اعتبرتها الأمم المتحدة أساساً لتمتع الإنسان بعائد عمليات التنمية، حيث اعتبرت أن المشاركة والتعددية هـما أساس التنمية الاقتصادية، ودعت إلى تعزيز سياسات وبرامج المنظمات غير الحكومية كجزء من المشاركة الشعبية وإبراز حريات الرأي والتجمع وتكوين الجمعيات التي تناقش قضايا التنمية. ومن خلال دراسات الأمم المتحدة تبين أن أكثر القضايا إلحاحاً في عملية التنمية التي تؤثر على حقوق الإنسان، هي:
ـ تخفيف حدة الفقر.
ـ القضاء على مشكلة البطالة.
ـ تعزيز التكامل الاجتماعي.

وتبين أيضاً أن هناك ثلاث عقبات تحول دون إدماج حقوق الإنسان في عملية التنمية، وهي:
ـ أزمة الديون وما يترتب عليها من أعباء تقع في النهاية على عاتق الفرد.
ـ سياسات وبرامج الإصلاح الاقتصادي والأعباء التي تقع على عاتق الدول النامية لإنجاز هذه البرامج والسياسات التي – غالبًا – ما يكون لها آثار اجتماعية تنعكس على نوعية الحياة التي يعيشها الفرد.
ـ تذرُّع الحكومات بأسباب داخلية أو خارجية لتبرر عدم مراعاتها الحقوق والحريات الأساسية للأفراد.

خاتمة
من خلال الاستعراض السابق لمسألة العلاقة بين حقوق الإنسان والتنمية البشرية يمكننا أن نضع أيدينا على جذور تلك العلاقة ونتعرف على مدى مركزيتها ومحوريتها وضرورة أخذها في الاعتبار عند تخطيط وتنفيذ أي نشاط يستهدف أيا من المجالين الحقوقي والتنموي .

لذا وفى ضوء كل ذلك فإننا نوصى بـ :
1- ضرورة مراعاة البعد الحقوقي في صياغة استراتيجيات وخطط التنمية سواء على المستوى الحكومي أو على مستوى التنظيمات الأهلية .
2- ضرورة ايلاء الجهات المانحة الاهتمام الكافي لمدى تضمين البعدين الحقوقي والتنموي في كافة المشروعات التي تقوم بتمويلها .
3- لا بد أن تهتم مؤسسات البحث والمعنيين بتقييم برامج التنمية من الناحية العلمية بدراسة الأبعاد الحقوقية في تلك البرامج .
4- تطوير مؤشرات علمية وموضوعية يمكن استخدامها لتسهيل مهـمة قياس المكون الحقوقي في برامج التنمية والحكم على مدى جودته .
5- ضرورة التعاون بين المؤسسات الأهلية المعنية بحقوق الإنسان والمؤسسات المعنية بالتنمية لمزج وتبادل الخبرات بينها .
6- الاهتمام الإعلامي بمسألة الربط بين حقوق الإنسان والتنمية البشرية لتشكيل وعى عام بهذه القضية .

[an error occurred while processing this directive]