29/10/2006

الإخوة الأعزاء، سيداتي وسادتي،

نجتمع هنا، مرة أخرى، بمناسبة الذكرى الواحدة والأربعين لاختطاف واغتيال القائد التقدمي المغربي، الشهيد المهدي بن بركة

ومرة أخرى، فإن هذا التجمع بباريس وفي نفس المكان الذي اختطف فيه والدي، يتزامن مع تجمعات أخرى في المغرب.

إن 29 أكتوبر، الذي أصبح يعتبر “يوم المختطف”، هو في الواقع يوم التكريم والإجلال لكل ضحايا الاختفاء القسري، وخاصة هؤلاء الذين يشخصون الاختطاف والاغتيال السياسي.

وككل سنة، وكعادتنا في نفس هذا الموعد، فإننا نحاول دائما تسجيل مدى التقدم في البحث عن الحقيقة، أو بالأحرى، نحاول تقييم الوضع والكشف عن العقبات المتوالية للحيلولة دون أن تأخذ العدالة مجراها.

وككل سنة فإننا، بهذه المناسبة الأليمة، نعلن عزمنا الأكيد على أن نظل في منتهى اليقظة والتعبئة في ميدان النضال من أجل إظهار الحقيقة وتحقيق العدالة وذلك من أجل ا لاستجابة لعدة متطلبات:

  • تكريم المهدي بن بركة وتثمين فكره التقدمي وعمله النضالي، وفي نفس الوقت دحض كل المحاولات الساعية لإقبار ذكرى هذا الزعيم اليساري التقدمي وتهميش دوره في تاريخ المغرب المعاصر.
  • الكشف عن مصير المهدي بن بركة، والعثور على جثمانه، وتحديد المسؤوليات السياسية وراء اختفاءه، وفضح المجرمين القتلة والحيلولة دون إفلاتهم من العقاب.
  • متابعة النضال والتضامن مع ضحايا سنوات الجمر بالمغرب ومع عائلاتهم، وبصفة خاصة مع عائلات المختطفين، وذلك من أجل معرفة الحقيقة الكاملة حول اختفاءهم، وعما إذا كانوا أحياء أو في عداد الأموات.

    أيها الأخوات والإخوة،

    في أكتوبر 2005، أي منذ حوالي سنة، عبرت باسم عائلتي عن قلقنا فيما يخص عمل هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلق بقضية اختطاف واغتيال المهدي بن بركة، وقلت بصفة خاصة “… إن هيئة الإنصاف والمصالحة أعلنت عدة مرات في بداية مهمتها وبمحظ إرادتها أنها ستهتم اهتماما خاصا بملف اختطاف واغتيال المهدي بن بركة. واليوم، وبعد مرور 18 شهرا على قيام هذه الهيئة، فهل قامت بما تعهدت به من التزامات بالنسبة لهذا الملف؟ وبصفة عامة بالنسبة لكل الملفات الخاصة بالاختطاف؟ إن الكشف عن الحقيقة برمتها في قضية المهدي بن بركة، وكذلك بالنسبة لكل الملفات ألأخرى الخاصة بالاختفاء القسري والتي تراوح مكانها، مع تحديد كل المسؤوليات، إنما يعتبر الحد الأدنى لضمان ألا يتكرر ما حصل في سنوات الجمر في بلادنا”.

    وبعد نشر التقرير النهائي لهيئة الإنصاف والمصالحة، عبرنا عن خيبتنا وصرحنا بأنه:”… بعد انقطاع دام عدة شهور مع هيئة الإنصاف والمصالحة نسجل أن القرارات والتوصيات الخاصة باختطاف واغتيال المهدي بن بركة في تقرير الهيئة لا يتناسب مع التصريحات السابقة للهيئة عند تأسيسها. فتقديم الأحداث بشكل مختصر وناقص ومغرض أدى في نهاية الأمر إلى تشويه الحقيقة التاريخية وأفضى تبعا لذلك إلى قرار الهيئة باستحالة التقدم في البحث عن الحقيقة، وبإحالة متابعة هذه المهمة إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في المغرب وهو الهيئة التي ليست لها الصلاحيات الضرورية للقيام بذلك”.

    واليوم، ونحن في نهاية أكتوبر 2006، وعلى إثر لقاء مع محامينا الأستاذ موريس بيتان مع أعضاء من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، تعهدت اللجنة التي تحملت مسؤولية متابعة قرارات وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ضمن هذا المجلس بمساءلة السلطات المغربية. ومن جانبنا، فإننا آخذنا علما بذلك، ونحن مستعدون كما فعلنا مع هيئة الإنصاف والمصالحة أن نزود المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بكل العناصر الضرورية للوصول إلى معرفة الحقيقة.

    سيداتي وسادتي،

    علمتم من خلال الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى أن قاضي التحقيق الفرنسي المكلف بملف المهدي بن بركة السيد باتريك رماييل،

    قد قدم للسلطات القضائية المغربية إنابة قضائية دولية جديدة، طلب فيها الاستماع لـ:

  • ميلود التونزي (المعرف طيلة فترة القضية تحت الاسم المستعار العربي شتوكي).
  • بوبكر الحسوني (الممرض في وقت حادث الاختطاف والاغتيال وقد كانت مهمته في ذلك الوقت ليست معالجة المعتقلين، وإنما العناية بهم للاستمرار في التعذيب).
  • حسني بنسليمان، المسؤول الحالي عن الدرك الملكي والذي كان ملحقا بمكتب أوفقير سنة 1965.

    وبالإضافة إلى ذلك طالب قاضي التحقيق الفرنسي بالتنقيب في النقطة PF3، وهو أحد الأماكن المحتملة للاعتقال السري والتصفية الجسدية للمجرمين الفرنسيين الفاعلين في قضية المهدي بن بركة.

    يجب الإشارة إلى أن هذه الإنابة القضائية لم تتضمن سوى نفس المطالب التي كان قاضي التحقيق الفرنسي قد قدمها للسلطات القضائية المغربية في 29 نونبر 2005، وهي التي كان قدمها قبل ذلك في 21 مارس 2005، والتي قدمها عدة مرات ابتداء من سنة 1999. إلا أن كل ذلك لم يأت بالنتائج المرجوة، إذ أن المطالب المهمة الموجهة للسلطات المغربية في إطار ألإنابة القضائية لم يتم في أحسن الأحوال سوى تنفيذ جزء ضئيل منها. مع العلم أن الاستعجال وعدم التماطل واجب ضروري في هذا الحالة، فالشهود يشيخون والوثائق يمكن أن تختفي. إلا أن تماطل السلطات المغربية المتناقض تماما والمضاد للتصريحات المتعددة للملك محمد السادس، بالإضافة إلى فشل هيئة الإنصاف والمصالحة بالنسبة لهذا الملف وللملفات ألأخرى الخاصة بالمختطفين، وكذلك ما استخلصته منظمات حقوق الإنسان، من انبعاث للممارسات التي اعتقدنا أنها اندثرت وانتهت للأبد، كل ذلك يجعلنا نشك في فعالية الإرادة الخاصة لطي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب بطريقة كريمة تحترم من خلالها ذكرى الضحايا وكرامة وعزة نفس عائلاتهم، كما يتم من خلالها الحيلولة دون إفلات المجرمين من العقاب.

    أيها الإخوة والأخوات

    بمزيد من الحزن والأسى نعبر أمامكم عن عواطفنا تجاه هؤلاء الذين فقدناهم في الشهور الأخيرة. لقد تركنا الدكتور عمر الخطابي الإنسان المناضل الوفي لمعتقداته وأفكاره والتزاماته الإنسانية والتقدمية. لقد كان دائما بجانبنا وشارك معنا في الاحتفالات بمناسبة الذكرى الأربعين لاختطاف واغتيال المهدي بن بركة. وقد كان لوجوده طعم خاص نظرا لما يمثله من صلابة وتمسك بموافقه النبيلة.

    كما فارقنا أيضا Pierre Vidal – Naquet ، المناضل ضد الظلم والذي كافح باستمرار من أجل أن تظل ذاكرة الشعوب حية ومستيقظة، لقد كان هو الآخر دائما ملتزما معنا في نضالنا من أجل الحقيقة والعدالة، وضد التزوير والتهميش والإهمال والنسيان.

    إننا هنا وباسمكم أحيي ذكرى هذين المناضلين التقدميين، وإن أعظم تكريم لهما ولأمثالهما هو أن نظل صامدين من أجل ألا ينتصر القتلة والمجرمون والمفسدون، وتنمحي ذاكرة هؤلاء الذين استشهدوا في ميدان الدفاع عن الحقيقة والعدالة وحقوق الإنسان.