14/1/2009

أخطر وجوه العدالة على الإطلاق هي العدالة حسب الطلب ، و أقبح وجوهها هي العدالة المشروطة التي لا ترى إلا بعين المصالح و تزن الأمور بمكاييل عديدة حسب الأهواء والأيديولوجيات ، ويبدو أن المنظمات الدولية تتبنى في السنوات الأخيرة هذا النوع من العدل منهجا لها في ظل سيطرة دول وأطراف بعينها على القرار في هذه المنظمات وتوظيفه بما يخدم أطماعها التوسعية والاستعمارية في شكلها الجديد غير عابئة بالأساس النبيل والهدف السامي الذي قامت من أجله هذه المنظمات .

ويرى مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية أن ما تردد مؤخرا في بعض وسائل الإعلام من اتخاذ المحكمة الجنائية الدولية قرارا يقضي بتوقيف الرئيس السوداني الحالي عمر البشير أبرز مثال على ازدواجية المعايير التي تعانيها المنظمات الدولية ، وكانت مصادر مطلعة قد أكدت لبعض وسائل الإعلام أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت قراراً فعلياً باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، فيما تحاول فرنسا احتواء الأزمة.

وأفادت المصادر وفق ما أوردته صحيفة “المصري اليوم” بأن الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية انتهت إلى الأخذ بمذكرة الادعاء التي قدمها المدعى العام للمحكمة، لويس مورينو أوكامبو، بشأن اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور، وأصدرت قراراً فعلياً باعتقاله ، و لكن هيئة المحكمة وقيادات الأمم المتحدة رأت أن يتم تأجيل هذا الإعلان لعدة أيام، نظراً لما تشهده المنطقة من توتر شديد بسبب العدوان “الإسرائيلي” الدموي على غزة .

وهكذا تتجاهل المنظمات الدولية جريمة حرب ترتكب يوميا على مدار ثلاثة أسابيع متصلة وتغض الطرف عن المذابح التي ارتكبتها ولا زالت ترتكبها إسرائيل في حق المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتتذكر فقط البشير ودار فور ، وكأنها تريد صرف نظر العالم عن حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على أهالي غزة وتحويل الأنظار إلى قضية أخرى لا تزال محل خلاف وجدال ، و هناك بالفعل جهود دولية وإقليمية جادة تبذل في سبيل حلها ، بينما تفشل هذه المنظمات ذاتها بكل أجهزتها عن ردع إسرائيل رغم صدور قرار من مجلس الأمن – وهو أكبر هيئة معنية بحفظ السلم والأمن الدوليين – يلزمها بذلك ورغم عشرات التقارير الحقوقية التي ترصد حالات الانتهاكات اليومية لإسرائيل التي وصلت إلى حد ضرب مدارس وكالات الإغاثة الإنسانية وتعطيل عمل تلك المنظمات وقطع طرق إمداد سكان غزة بالمساعدات الطبية والغذائية اللازمة ، ورغم أن نسبة القتلى من الأطفال والنساء تصل إلى 50% من إجمالي الشهداء ، إلا أن كل هذه المآسي التي ينفطر لها قلب الإنسانية لم تحرك ساكنا لدى المنظمات الدولية ، ولا لدى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ليقدم مذكرة على غرار مذكرة البشير توصي باعتقال ومحاسبة قادة الحرب والسياسيين الإسرائيليين على ما يرتكبوه من جرائم ، وكأن امتداد نظر المحكمة ومدعيها العام لا يصل إلا إلى السودان ، وأذانهم لا تسمع أهات و أنات أطفال ونساء غزة .

ورغم أن مركز ماعت للدراسات الحقوقية يدين الانتهاكات الإنسانية في كل مكان ، كما أن محور رسالته هي إقرار السلام المجتمعي والعالمي ، إلا أنه في ذات الوقت يدين ازدواجية المعايير التي تحكم توجهات المنظمات الدولية في كثير من القضايا ، ويحذر من عواقب ذلك على السلام المجتمعي والعالمي ، كما يدعو المركز كل الأطراف الحكومية والأهلية المعتدلة والمنصفة إلى اتخاذ مواقف ايجابية إزاء هذا التمييز المتعمد في توجهات المنظمات الدولية ، حتى لا تدفع الإنسانية كلها ثمن هذا التحيز من أمنها وسلامتها .

مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية

[an error occurred while processing this directive]