26/11/2005
شاء القدر أن أقوم بأعمال الرصد والمراقبة بدائرة ” قفط” بالقرب من مدينة الأقصر . وكانت هذه هي زيارتي الأولي لصعيد مصر ومنذ أن وطأت قدماي هذه البقعة الطيبة من الوطن لمست مناخا انتخابيا مختلفا فلا مواربه ولا مداراه والكل واضح في انتمائه لأحد المرشحين .
الهدوء يسيطر علي أجواء العملية الانتخابية رغم ازدحام دواوين ومقار كل مرشح بأنصاره ومؤيديه ولافتات الدعاية تغطي أرجاء الدائرة وفي صبيحة يوم الاقتراع شهدت اللجان إقبالا شديدا من الناخبين الذين وصلوا إلي مقار اللجان قبل الموعد الرسمي لافتتاحها وجرت عملية الاقتراع في اللجان بصورة منتظمة رغم تأخر وصول الحبر الفسفوري لبعض اللجان حتى التاسعة والنصف صباحا .
وقد سمح اغلب رؤساء اللجان بوجود مراقبين من منظمات المجتمع المدني فيما عدا بعض اللجان أبرزها اللجنة ( 16 ) بمدرسة ” قفط “الثانوية والذي رفض رئيسها دخولي وقرر انه لا يعترف بالرقابة ولا بالأحكام التي أقرت تلك الرقابة ولا بالتصريح الصادر من اللجنة العليا للانتخابات بأحقيتنا بالمراقبة واستدعي رجال الشرطة لإخراجي بالقوة . كما منع بعض رؤساء اللجان من يحملون التوكيلات العامة من المرور علي اللجان أثناء اليوم الانتخابي وقد شهدت الدائرة بعض المناوشات بين الشرطة والأهالي في مدينة ” قفط ” ولكنها لم تصل إلي حد المصادمات وتمت السيطرة عليها في حين شهدت قرية “الإشراف” صدامات عنيفة نتج عنها استخدام الشرطة للقنابل المسيلة للدموع والقبض علي مندوبي ووكلاء مرشح التيار الإسلامي” محمود يوسف” وتوقف العمل بتلك اللجان لمدة ساعتين حتى تمام السيطرة علي الموقف من جانب الشرطة ولكن الوقت لم يكن كافيا لإدلاء الناخبين جميعا بأصواتهم خصوصا انه لم يسمح بدخول الناخبين جميعا داخل مقر الجان خصوصا وان القنابل التي أطلقت للسيطرة علي الموقف قد تأثر بها الجميع بما فيهم القضاة ومعاونيهم وقد لازمهم هذا التأثر حتى الانتهاء من عملية الفرز . فقد كان يبدو عليهم الإرهاق والعصبية الزائدة من جراء ذلك .
ويجدر الإشارة أن هذه الدائرة قد شهدت قبل بداء العملية الانتخابية بثماني وأربعين ساعة ظاهرة وجود أعداد كبيرة من بطاقات الإدلاء بالرأي منتشره في جميع أنحاء الدائرة وقد تم إبلاغ القنوات الرسمية بذلك ونشر في الصحف القومية عنه أيضا .
ويلاحظ أن هذه الدائرة قد شهدت دخول عدد كبير من المرشحين وصل إلي 33 مرشحا ينتمون الي معظم التيارات السياسية ومن بينهم امرأة واحدة لأول مرة .
وقد رشح الحزب الوطني “انس دنقل” علي مقعد الفئات و”مصطفي النحاس” علي مقعد العمال ومن حزب التجمع “أحمد عثمان جاد” علي مقعد العمال ومن الإخوان المسلمين “محمود يوسف” علي مقعد الفئات وكثيرا من المستقلين أبرزهم الدكتور “شاذلي محمد علي ” علي مقعد الفئات وهو عضو مجلس محلي محافظة قنا وكذلك الصحفى “عبده مغربي” من جريدة صوت الأمة علي مقعد الفئات وعلي مقعد العمال برز وبشده “محمود الغزالي”.وقد بلغت نسبة إقبال الناخبين علي المشاركة ما يصل إلي 50% أو يزيد .
وقد أغلقت الصناديق في تمام الساعة السابعة و قام بعض رؤساء اللجان بالفرز في لجانهم الفرعية قبل الوصول إلي مقر اللجنة العامة للفرز الذي تم في مدرسة قفط الإعدادية الملاصقة لمركز شرطة قفط وقد سمح لبعض مراقبي منظمات المجتمع المدني لحضور الفرز الذي تم في مكان لا يصلح لإجراء هذه المهمة فقد كان المكان ضيقا ولا يسع جميع رؤساء اللجان ومعاونيهم وعددهم 3×163 لجنة = 489 رئيس لجنة ومعاون بالإضافة إلي المرشحين ووكلائهم وكثير من رجال الأمن رغم حظر القانون لوجودهم أثناء عملية الفرز .
وقد بدأت إجراءات الفرز بصورة عشوائية نتيجة الزحام والتكدس وعدم توافر الأماكن لجلوس رؤساء اللجان ومعاونيهم وقد حاول كل رئيس لجنة الانتهاء من فرز الصندوق الذي يخصه في اسرع وقت ممكن حتي يتثنى له مغادرة اللجنة والسفر إلي حال سبيله مما أدي الى وقوع أخطاء في كثير من نماذج الفرز وكان أهمها أن معظم نماذج الفرز رقم “48 ش” وصلت إلي المنصة وهي خاليه من البيانات الأساسية المتعلقة باسم رئيس اللجنة وتوقيعه ورقم اللجنة فما كان من السيد رئيس اللجنة العامة للفرز المستشار “محمد السيد عبد اللطيف” إلي التحدث بالميكرفون آمرا مأمور القسم بعدم السماح لاي من رؤساء اللجان وأمنائها بمغادرة مقر اللجنة إلا بتصريح منه شخصيا لإجبارهم علي استكمال تلك النماذج ومراجعة الأوراق الخاصة بكل لجنة .
وقد تبين أثناء الفرز أن غالبية رؤساء اللجان الفرعية كانوا قد تسلموا بطاقات إبداء الرأي أكثر من عدد الناخبين المقيدين في لجانهم ، كما لوحظ أن معظم النماذج الخاصة بالعملية الانتخابية قد امتلأت بالشطب والكشط وعندما ناقش احد المرشحين رئيس اللجنة في هذا الشأن وان نماذج اللجان أرقام 107 ، 108 بها شطب أكثر من مرة نهره السيد رئيس اللجنة ومعاونيه وأمره بالسكوت محذرا إياه من أن ذلك تشكيكا في نزاهة اللجنة واتهاما لها بالتزوير وان الأمر لا يعدو أن يكون إلا خطأ مادي . مع ملاحظة انه لم يعلن عن نتيجة كل صندوق ينتهي فرزة انتظارا لإعلان النتيجة المجمعة .
وقد انتهت عملية الفرز في تمام الساعة الثالثة ولم يتم إعلان النتيجة حتى الخامسة فجرا بعد أن اجري السيد رئيس اللجنة أكثر من اتصالا هاتفيا وآمرنا بالرجوع حتي نهاية السرادق وبقي هو ومعاونيه علي المنصة ليجروا اتصالاتهم الهاتفية مع قيامهم بالتعديل في النتائج النهائية ثم تم إعلان النتيجة النهائية في فجر يوم الاثنين الموافق 21/11/2005 والتي أسفرت عن الإعادة علي المقعدين بين “محمود الغزالي” عامل مستقل وحصل علي 10105 صوتا و”أبو الحسن الجزار” مستقل عامل وحصل علي 6146 وانس دنقل فئات وطني وحصل علي 4362 ومصطفي النحاس عامل وطني وحصل علي 4875 وكان الأقرب للإعادة في مقعد الفئات “محمود يوسف” مرشح الإخوان وحصل علي 3745 و”شاذلي محمد علي” وحصل علي 3532 صوتا وتم إعلان ذلك وانصرف الجميع0 وقبل أن أغادر مدينة الأقصر و في الساعة الثانية ظهرا اتصل بي احد الأهالي ممن تعرفت عليهم أثناء اليوم الانتخابي وابلغني أن الأطفال في شوارع المدينة وجدوا بطاقات الاقتراع ملقاه بجوار المدرسة وفي أماكن متفرقة من الدائرة وبدأ الأهالي مع المرشحين وأنصارهم يجوبون شوارع مدينة قفط وقراها للبحث عن هذه البطاقات والتي وجدوا منها عشرات الآلاف في ترعة الجنابيه والكلابية وقد التقطوا هذه الأوراق من علي جانبي الترع والتقطوا صورا فوتوغرافية للبطاقات العائمة علي سطح الترعة وقد قيل أن هناك أكثر من صندوق ملقي بالترعة وتذمر الأهالي وحضر رجال الشرطة وأقاموا كردون حول الترعة ومنعوا الأهالي من الوصول إلي الترعة وعندما زادت ثورة الأهالي تم عمل كردون حول البلد بأكملها خصوصا وان ثورة الأهالي قد زادت بعد عثورهم علي مظاريف العملية الانتخابية برمتها وبما عليها من جمع احمر وأختام .
ولم استطع الدخول إلي البلد بعد أن منعني رجال الشرطة من الدخول وتمكنت عن طريق أحد الأهالي من الدخول إلي البلد عن طريق الطرق الصغيرة من بين الحقول وقابلت بعض المرشحين وأنصارهم ونصحتهم باللجوء إلي الطريق القانوني واصطحبتهم إلي قسم الشرطة لإثبات هذه الحالة فامتنعت الشرطة عن ذلك وانتقلنا إلي النيابة فرفض السيد رئيس النيابة اتخاذ أي إجراء وأفاد أن هذا الموضوع اكبر من سلطته وعلينا اللجوء إلي المحام العامة بقنا – فتوجهنا إلي المحامي العام بقنا الذي لم يكن موجود بمكتبة وقام سكرتيرة بالاتصال به ثم أفادنا بالرجوع إلي النيابة لإثبات الحالة معللا بأنة قد تم الاتصال بالنيابة الجزئية بقفط لاتخاذ اللازم وبالرجوع لنيابة قفط امتنع وكيل النيابة مرة أخرى عن إثبات الواقعة بحجة عدم وصول اى تعليمات إلية من رئاسته بخصوص هذا الشأن وظلت المدينة محاصرة برجال الأمن المدججين بالسلاح مع وجود تعزيزات أخرى كالعربات المصفحة بعد خروج آلاف من الأهالي في مظاهرة سلمية نحو محكمة قفط الجزئية مرددين (زواروها زواروها ) و(باطله باطله ) و(لا لا للتزوير ) و(يا حرية فينك فينك التزوير بينا وبينك) ونظرا لسخونة الأجواء قام بعض المحامين بنصح الأهالي والمرشحين باللجوء لمحكمة القضاء الإداري بقنا بإقامة دعاوى لوقف إعلان النتيجة وإبطال العملية الانتخابية وتقدم المرشحون بحوالي 13 دعوى 0
وفى يوم 22/11 ومع وجود اعتصام من جانب المرشح “عبده مغربي” الذي افترش سلالم محكمة استئناف قنا رافعا شعار (يعيش عبده مغربي ويسقط طغاة التزوير ) وظل مضربا عن الطعام هو وأنصاره حتى تدخل الأمن لتفريقهم وألقى القبض على أكثر من أربعين شخص من أنصار المرشحين الذين كانوا متواجدين في انتظار صدور حكم القضاء الإداري 0
وأثناء متابعتنا لهذه الأحداث كنا على اتصال دائم بالأمين العام للمجلس القومي لحقوق الإنسان والذي كان يتابع الأحداث أولا بأول ونقل الصورة للجهات المعنية وقام مركزنا بإصدار بيانين حول تلك الوقائع في حينها وقد فوجئت بأحد الأشخاص يشق الصفوف ويسأل عن الراجل بتاع حقوق الإنسان ويقدم لي واحد من مظاريف العملية الانتخابية قائلا لي ( يا بيه أنا عارف انك واحد بتاع حرية وديمقراطية وحقوق إنسانية اللي انت شيفه ده من الإنسانية وسلم لي هذا المظروف وعاد من حيث أتى وسط الحشود) وبفحص هذا المظروف تبين انه خاص باللجنة الفرعية رقم(125) وعلية الجمع الأحمر وعلي الفور قمت بالاتصال بالأمين العام للمجلس القومي لحقوق الإنسان وأبلغته بما حدث و طلب مني التحفظ علي هذا المظروف والبطاقات وإحضارها لتقديمها إلي اللجنة العليا وعلية فقد عدت علي الفور إلي القاهرة حاملا معي هذه الأمانة وما أثقلها 0 و توجهت في صباح يوم 23 / 11/2005 إلي مقر المجلس القومي لحقوق الإنسان وقدمت هذا المظروف والبطاقات إلي المجلس الذي قام علي الفور بالاتصال تلفونيا بالمستشار / انتصار نسيم أمين اللجنة العليا لتحديد موعدا لتسليم هذه الأوراق وبالفعل توجهت ومعي مندوب من أعضاء الأمانة الفنية بالمجلس الي اللجنة العليا لتسليم الأوراق و والمظروف واتخاذ اللازم بشأنها .
وفي حديث غير رسمي مع احد أعضاء اللجنة العليا للانتخابات الذي أفاد أن أمر بطلان الانتخابات لا يخص اللجنة وإنما يخص القضاء وان اللجنة ليست هي الجهة المنوطه للفص في ذلك 0 هذا وقد أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها في الطعون المقدمة عصر يوم الخميس الموافق 24/11/2005 بعدم اختصاصها ولائيا بنظر تلك الطعون ومفاد ذلك أن الاختصاص سوف ينعقد في النهاية ( لسيد قراره) وبلغة الصعيد ( بعد خراب مالطه) وهو ما يقطع بالعوار التشريعي لاختصاصات وسلطات اللجنة الذي يجعل من السارق المتلبس بالسرقة مالكا لما سرقه وبالقانون فكيف بعد تلك المهازل والتزوير الصارخ واستبدال البطاقات والتجاوزات الثابتة يقينا والتي شابت العملية الانتخابية ننتظر مقولة ( سيد قراره)
وقلبي معكم يا أهل قفط ولكي الله يا مصر،،،،
مدير المركز
ايمن عقيل
مركز ماعت للدراسات القانونية والدستورية