29/3/2007
دخلت مصر منعطفا تاريخيا في يوم 26/3/2007 – يشهد بتراجع الحياة الدستورية في مصر على اثر إقرار مجلس الشعب للتعديلات الدستورية التي انفرد باقتراحها وتمريرها الحزب الوطني وسط تجاهل تام لمعارضة كافة القوى الوطنية والشعب ، تلك التعديلات التي تخول لرئيس الجمهورية صلاحيات تفوق ما كان مقررا له من قبل ، كما جاءت صياغتها تفريغا لمضمون الرقابة القضائية الحقيقية على العملية الانتخابية ،هذا بالإضافة إلى ما ورد فيها بشأن مكافحة الإرهاب بصياغة تشكل انتهاكا للحقوق و الحريات التي عنى الدستور المصري بترسيخ احترامها فى الباب الثالث ، الأمر الذي يجافى كافة الاتفاقات الدولية الموقعة عليها مصر والمعنية بتفعيل ودعم احترام الحقوق و الحريات . وأكد العزوف الجماهيري عن المشاركة في الاستفتاء على عدم مشروعية تلك التعديلات وما لحقها من إجراءات، الأمر الذي حدا بكثير من القوى الوطنية إلى تبنى خيار المقاطعة .
وقد أكدت العديد من التقرير الأولية لمنظمات المجتمع المدني أن نسبة المشاركة تراوحت بين 2% الى3% وذلك بخلاف ما ورد على لسان السيد/ انس الفقى وزير الأعلام أن نسبة المشاركة شكلت 27.23 % الأمر الذي يأتي في إطار التسويق الحكومي لتلك التعديلات ، كما صرح بان المشاركة في القاهرة بلغت 20% ، والجيزة 21%، و الإسكندرية 24%، والقليوبية 7% ومطروح 23% ، وكفر الشيخ 35%، والغربية 20% والمنوفية 20% والدقهلية 15% والشرقية 25% ودمياط 21% بينما سجلت محافظة الإسماعيلية نسبة مشاركة عالية تراوحت بين 55% إلى 66% .
ووسط تخوف كبير من جانب الجهات الأمنية بشأن تحركات قوى المعارضة في هذا اليوم و تكريسا لما يحمله مضمون التعديلات الدستورية التي تم إقرارها من ترسيخ للدولة البوليسية ، شهد يوم الاستفتاء تواجدا امنيا مكثفا على مستوى مناطق وسط القاهرة التي تم تطويقها بحصارا امنيا مكثفا ، حيث انتشر جنود الأمن المركزي في ميدان التحرير وشارع رمسيس بالزى الرسمي و المدني تحسبا لاندلاع المظاهرات ، خاصة أمام مجمع التحرير الأمر الذي وصل إلى حد تفتيش الجمهور زوار المجمع، و منع المارة من الجلوس على المقاهي و إغلاق المحلات مما أدى إلى إصابة منطقة وسط البلد بشلل كامل ،كما قامت قوات الأمن بذات الممارسات في مناطق عديدة و حي الدقي إحداها .
وفى هذا الإطار قامت قوات الأمن باعتقال ما يقرب عن خمسين شخصا من حركة كفاية طبقا لما ورد على لسان منسق الحركة جورج اسحق ، كما أكد الدكتور جمال زهران رئيس كتلة النواب المستقلين في البرلمان انه تم اعتقال خمسة من المنتمين لجماعة الأخوان المسلمين مساء يوم الاستفتاء أثناء توزيعهم بيان يدعو لمقاطعة الاستفتاء على أبناء دائرة شبرا الخيمة قسم ثان .
هذا وقد شهد يوم الاستفتاء من حالة الاستياء العام بسبب إصرار النظام على تمرير تلك التعديلات، الأمر الذي حدا بكثير من القوى الوطنية إلى الخروج للشارع المصري وتنظيم المظاهرات ، فقد تظاهر عدد من أعضاء حركة كفاية أمام نقابة الصحفيين الأمر الذي انتهى بالاشتباك مع قوات الأمن واعتقال عدد من أعضاء الحركة ، كما نظمت نقابة المحامين وقفة احتجاجية ضد التعديلات الدستورية شارك فيها مجلس نقابة المحامين وأكد فيها سامح عاشور نقيب المحامين على أن تلك التعديلات لا تعبر عن إرادة المواطنين ولا تحقق اى مصلحة لهم و أنها تكبل حرياتهم ، وفى جامعة حلوان تظاهر طلاب الأخوان المسلمين و الاشتراكيين والثوريين ورددوا هتافات تطالب موظفي الجامعة و الطلاب بمقاطعة الاستفتاء . وفى الاسكندرية اقيم عزاء للدستور اما محكمة الحقانية فى المنشية .
هذا وقد لحق عملية الاستفتاء ذاتها انتهاكات كثيرة ، فعلى صعيد الدعاية الانتخابية فقد اشتعلت حرب المنشورات واللافتات بين المعارضة و الحزب الوطني ، ففي الوقت الذي دعت فيه بيانات القوى الوطنية إلى المقاطعة و الرفض بادر نواب الوطني لحث المواطنين على المشاركة في الاستفتاء ، ففي البحيرة وزعت جماعة الإخوان منشورا بعنوان ” ياضلالى” تضمن فقرات من مقال مجدي مهنا كان قد نشر في جريدة المصري اليوم ، كما طالبت أحزاب التجمع والناصري و والعمل والغد في بيان مشترك بمقاطعة الاستفتاء مؤكدين أن التعديلات المطروحة أعطت الحق لرئيس الجمهورية الحكم مدى الحياة ، وتمهد للتوريث واغتيال الحريات و تمثل تهديد للأمن واستقرار الوطن ، هذا بالإضافة إلى إنها تكرس لمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية ، وتلغى الإشراف القضائي على الانتخابات ،
كما أصدرت نقابة المحامين بيانا جاء فيه أن النقابة تسجل رفضها للأسلوب الذي تمت به هذه التعديلات، وطالب البيان تشكيل جمعية تأسيسية تتولى استقراء كافة التيارات السياسية الحزبية و المستقلة ثم تنهض بدورها في صياغة هذه التعديلات لتعرض بعد ذلك على الشعب في استفتاء عام ليتم التصويت عليه مادة مادة – وعلى الصعيد الأخر بادر نواب الحزب الوطني في عدة محافظات بالعمل على حث الجماهير للتوجه لمقار الاقتراع و الموافقة على التعديلات المقترحة ، ففي البحيرة قام النائب عادل شعلان عضو مجلس الشعب عن دائرة ادكو ورشيد بتعليق لافتات كتب فيها ” نعم للتعديلات الدستورية “، كما كتب اللواء على النجار مرشح مجلس الشورى بدائرة مركز وبندر دمنهور و المحمودية لافته حملت شعار ” صوتك أمانه .. إبداء الرأي واجب وطني “، ولم يقف الأمر عند حد وضع اللافتات بل تجاوز إلى وضع بعض المناوئين للحزب الوطني ميكروفونات على عربات تم التجول بها في شوارع بعض المحافظات لحث الجمهور على المشاركة في الاستفتاء مثلما حدث في إحدى دوائر حلوان أن قام عدد من مرشحي انتخابات مجلس الشورى القادمة عن تلك الدائرة الحريصين عن إعلان موقفهم الداعم للتعديلات باستخدام سيارات نصف نقل مزودة بميكروفونات وتحمل لافتات ضخمة موقعة بأسمائهم تجوب شوارع المنطقة لحث أهلها على الموافقة على التعديلات ، وفى تجاوز صارخ للقانون قام بعض أعضاء الحزب الوطني بتعليق لافتات على بعض المقار الخاصة بالاستفتاء ، مثلما حدث في بعض دوائر محافظة الغربية والإسكندرية حيث لوحظ وجود لافتات لتأييد التعديلات الدستورية مكتوب عليها ” نعم للاستفتاء” .
أما عن الانتهاكات التي شابت عملية الاقتراع فحدث ولا حرج ، فقد سجلت المشاهدات العديد من التجاوزات بدأ من تسويد البطاقات في كثير من الدوائر ، مثلما حدث بإحدى دوائر محافظة أسيوط ، و محافظة الدقهلية ، ومحافظة دمياط ، بالإضافة إلى ظاهرة التصويت الجماعي، حيث قام أعضاء من الحزب الوطني بحشد أتوبيسات من الموظفين ونقلهم لمقار اللجان ، مثلما حدث بدائرة الظاهر حيث قام نائب هذه الدائرة /هاني سرور بحشد العاملين بمصانعه في أتوبيسات ونقلهم لمقار الاقتراع للإدلاء بأصواتهم ، وهو الأمر الذي تكرر في معظم الدوائر منها دائرة حلوان والجيزة وجنوب سيناء والإسماعيلية ، مما يفسر زيادة الإقبال على المشاركة نسبيا بعد الساعة الثالثة مساءا ، أما على صعيد الرشاوى فقد شهد هذا الاستفتاء في عديد من الدوائر تلك الظاهرة و التي اتخذت فيها الرشوة إشكالا مختلفة مثل، النقود و المواد التموينية وجبات غذائية والبطاطين ، حلوي المولد ، فبينما وصل ثمن الصوت في عزبة ألهجانه بمدينة نصر جنيهين وكيس أرز ،بلغ 10 جنيهات في عزبة عزيز عزت بإمبابة .
كما رصدت العديد من التقارير حدوث ظاهرة غريبة وهى امتلاء صناديق الاقتراع في وقت مبكرا لا يجاوز ساعات قليلة من بدء الاستفتاء على الرغم من خلو تلك اللجان من ثمة مستفتون مثلما حدث في لجنة 48 بدار السلام ، وأحدى دوائر منطقة حلوان. هذا بالإضافة إلى الانتهاكات الأخرى مثل ما تم رصده من انتهاكات بشأن عدم استخدام الحبر الفسفوري ، والتصويت خارج الستائر ،بجانب الأخطاء التي شابت الكشوف .
وعلى صعيد الرقابة القضائية فنقلا عن لجنة تقصى الحقائق المشكلة بنادي القضاة لمراقبة الاستفتاء أن رجال القضاء من رؤساء اللجان تم منعهم من مباشرة المتابعة أو المرور على اللجان الفرعية التابعة لهم للوقوف على عملية الاقتراع ومعرفة المشاكل والصعاب ، كما كشفت عن أن قضاة آخرين جرى تغيرهم من رئاسة اللجان العامة قبل الاستفتاء أو أثنائه رغم صدور قرارات بانتدابهم فعليا للإشراف على تلك اللجان ، وهو الأمر الذي حدث مع المستشار رئيس الدائرة الثامنة بقويسنا بمحافظة المنوفية و الذي منع من المرور على اللجان الفرعية التابعة له حيث اتصل به رئيس المحكمة وطلب منه أن يلزم مقر لجنته ، لكن المستشار رفض تماما وترك العمل مغادرا اللجنة العامة إلى منزله ، مما أثار استياء القضاة . وفى هذا الإطار يمكن تفسير خلو اللجان الفرعية من ثمة رقابة قضائية على مستوى معظم الدوائر .
و تعد الطريقة التي تم الاستفتاء بها على أل 34 مادة جملة واحدة امرأ من اخطر الانتهاكات التي شابت هذا الاستفتاء لاسيما و أنها تجافى الأعراف الدستورية ، فكيف يتسنى للناخب أن يقرأ جملة تلك التعديلات مرة واحدة بعانية فائقة ، الأمر الذي يعد بمثابة تعمد لتغييب إرادة الناخب لاسيما وان تلك التعديلات لم يتم الإعلان عن صياغتها النهائية للشعب قبل موعد الاستفتاء بفترة كافية حتى يتسنى دراستها والوقوف على الرؤية التي تطرحها تلك التعديلات ، وهو الأمر المنوط بأجهزة الإعلام الرسمية والتي تجاوزته الحكومة مما أدى إلى حالة من الجهل بين المواطنين لماهية تلك التعديلات ، مما يشكل انتهاكا صارخا للمواثيق الدولية المعنية بترسيخ قيم المشاركة السياسية .
وانتهت عملية الاستفتاء وسط عزوف جماهيريا ملموس وهو الأمر الذي لم تستطع التقديرات الرسمية المعلنة إنكاره ، فقد سجلت المؤشرات الرسمية أن نسيبة المشاركة لم تتجاوز أل 27,23%، وعقب ذلك صدر قرار اللجنة العامة للانتخابات بإقرار النتيجة لصالح الموافقة على التعديلات الدستورية بنسبة تجاوزت حسب التقديرات الرسمية ال75% بقليل ، الأمر الذي يعنى إغلاق ملف تلك التعديلات نهائيا لصالح مؤيديها على الرغم من عدم المشروعية التي تطال هذه التعديلات بأكملها بدءا من انفراد الحزب الوطني باقتراحها وإرغام كافة القوى الوطنية والشعب عليها من خلال تمريرها تحت غطاء مشروع بما يملكه الحزب الوطني من أغلبية برلمانية من ناحية ، وبما تملكه السلطة التنفيذية المساندة لها من صلاحيات تخولها ممارسة القهر على إرادة هذا الشعب وهو ما تجلى في الترويع الأمني الذي مارسه الأمن على معارضي تلك التعديلات ومنعهم من حقهم في التظاهر و التعبير عن رأيهم من ناحية أخرى ، و أخيرا بما تملكه الفئة القادرة منها من سطوة ومال تدنو لها الرقاب أمام حالة من الفقر الذي صارت هي المعبر الفعلي عن أوضاع معظم أبناء هذا الوطن ، الأمر الذي يفسر انتشار ظاهرة الرشاوى الانتخابية في هذه الاستفتاء ، وفى ظل اليأس من كل إمكانية للتغيير صارت صورة هذا الاستفتاء هي لجان خاوية ، موظفين مأمورين من رؤسائهم وكل لهم أمر إدارة عملية تشكل مستقبل مصر ربما لأجيال ، متاريس أمنا طوقت شوارع هذا الوطن تحت زعم حفظ الأمن ، معارضين قيد الاعتقال ، شوارع خاوية سوى ممن يريدون للصورة أن تظهر أجمل ولو بالباطل. سيدي الرئيس أين الإصلاح من هذا المشهد!!!! ؟؟؟