8/10/2007

في إطار تبنى مركز ماعت للدراسات الحقوقية و الدستورية مشروعا يهدف لدمج المسجونين والمعتقلين وأسرهم في المجتمع – ونشر ثقافة السلام – قام مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية ويمثله الأستاذ ايمن عقيل وبعض منظمات المجتمع المدني وهى ( مؤسسة عالم واحد للتنمية ورعايا المجتمع المدني ويمثلها الأستاذ ماجد سرور وجمعية التنمية الإنسانية بالمنصورة ويمثلها الأستاذ محمد محي والمؤسسة المصرية لتنمية الأسرة وتمثلها الأستاذة هالة عبد القادر ) بزيارة تفقدية لسجن القناطروجاءت هذه الزيارة بعد موافقة وزارة الداخلية على الطلب الذي تقدم به مركز ماعت للسماح لمنظمات حقوق الإنسان المعنية بأوضاع السجون والسجناء وإعادة دمجهم وتأهيلهم للمشاركة في حفل الإفطار الجماعي الذي أعدته الوزارة للأمهات السجينات.

وقد أوضح السيد اللواء/ سمير سلام مساعد وزير الداخلية ومدير مصلحة السجون أن السياسة العقابية التي تنتهجها إدارة السجون في التعامل مع السجناء في أحد جوانبها تهدف إلى إعادة تأهيل المسجونين داخل السجن حتى يتسنى لهم إيجاد فرص عمل بعد خروجهم ، الأمر الذي حدا بإصدار قرار جمهوري عام 1978 بإنشاء صندوق للتصنيع تخضع ميزانيته لرقابة وزارة المالية ، ومن خلال هذا الصندوق تم عمل العديد من المشاريع داخل السجن التى تخدم أهداف الدولة العقابية في إعادة التأهيل ، وفى هذا الإطار شمل البرنامج تفقد معرض الأثاث الذي قام السجناء بتصنيعه وكذلك ورشه ومصنع الأخشاب المنشأ بداخل السجن و مدرسة يوسف عباس الصناعية الثانوية للسجناء و التي تشرف عليها وزارة التربية و التعليم وتمنح شهادات معتمدة، و المكتبة ، و مصنع الملابس، ومزرعة الإنتاج الحيواني ، هذا بالإضافة إلى زيارة معرض المشغولات الخاص بالسجينات اللاتي قمن بإعداده.

و اختتمت الزيارة بحفل الإفطار الجماعي الذي تضمن لقاء المسجونات مع أزواجهن وأبنائهن و الذي تخلله عرض برنامج ترفيهي .

أسوار السجن … هي المرحلة الأولى و الرئيسة في عملية إعادة دمج السجناء و أسرهم في المجتمع لاسيما وأن السياسة الردعية التي تنتهجها المؤسسة العقابية تنعكس على مجموع القيم المجتمعية والخلقية التي ينتقل بها السجين إلى خارج أسوار السجن ، والقدرة على الاندماج في مرحلة ما بعد قضاء العقوبة وتقبل المجتمع لاستمرارية تواجد تلك الفئة فعليا في المجتمع يعد أحد المؤشرات الواضحة على مدى نجاح السياسة العقابية في أداء دورها التأهيلي ،لاسيما إذا كانت تلك السياسة تتوافق مع ما كرسته المواثيق الدولية و الدستور المصري لحماية حقوق السجناء .

ولا شك ان الدور الرقابي لمؤسسات المجتمع المدني يمثل نقطة ارتكاز هامة لضمانة حماية الحقوق و الحريات العامة ، الأمر الذي يشكل دفعا لتكامل تلك السياسات من خلال إبراز جوانبها الايجابية لتثبيتها كنموذج جيد يمكن استكمال تطويره بالإضافة إلى إبراز جوابها السلبية التي لابد من تلافيها لخطورتها لاسيما إذا كانت تمس بشكل مباشر الحقوق الإنسانية . وانطلاقا من ذلك و بالإضافة إلى تبنى المركز مشروعا يهدف بشكل خاص لإعادة دمج المسجونين والمعتقلين وأسرهم في المجتمع ، تم رصد تقيمي عام لأوضاع السجناء في سجن القناطر من خلال ما تم مشاهدته فى تلك الزيارة .

بداية فان قبول ثقافة رقابة مؤسسات المجتمع المدني لدى المؤسسات الرسمية لاسيما المؤسسات العقابية من خلال فتح أسوار السجون لوصول الرقابة المجتمعية إليها – شكلت إحدى الايجابيات الهامة في تلك التجربة

والتي يمكن التركيز عليها و إبرازها خاصة وأنها تدعم عملية الشفافية في التعامل من ناحية- كما أنها تعد احد الحلول الفعالة والفاعلة للأزمة الحقوقية التى قد يعانى منها المجتمع المصري في بعض ظواهرها كما هو الأمر مع ظاهرة التعذيب في أماكن الاحتجاز على سبيل المثال .

هذا بالإضافة إلى أنها تمثل دعوة للمشاركة في عملية إعادة البناء والتأهيل التي يحتاج إليها المسجونين وأسرهم ومن هذا فإذا كانت تلك التجربة بدأت بشكل استثنائي فان المركز يأمل أن تقنن بشكل دوري وان تفتح مثل هذه الزيارات في باقي السجون .

هذا بالإضافة إلى أن إدارة السجن تسمح للسجناء بالزيارة كل 15 يوم خلال شهر رمضان الأمر الذي يدعم عملية التواصل المجتمعي مع العالم الخارجي ويشكل دفعة معنوية جيدة للسجين في استكمال فترة عقوبته. ولكن يجب أن تعمم مثل هذه الزيارات ليستفيد منها كل المسجونين ..

صندوق التصنيع الذي أنشأته الدولة داخل السجن قد يساهم في الحقيقة في بناء مشاريع إنتاجية لها أثرا فعال في استيعاب وتوجيه الطاقة الموجودة لدى السجناء ، كما انه يمثل هامش ربح ( ولكنه قليل ) قد يستطيع من خلاله بعض السجناء مساعدة ذويهم ، إلا أن تلك المشاريع يواجهها تحدى حقيقي متمثل في إدارتها وتسويقها بشكل تقنى حيث رصد المركز تواضعها مقارنة بالطاقة التي تستوعبها السجون من نزلاء ، هذا بالإضافة إلى حالة الفتور التي لوحظت على عمالتها ربما لضآلة عائدها لاسيما وأن دخل الفرد فيها لا يتجاوز على الأكثر مائتي جنيه ، لهذا فان المركز يطالب المسئولين بمزيد من الاهتمام والرعاية لهذا الصندوق الذي يمكن تطويره من خلال الاستعانة بخبرات خاصة في إدارة تلك المشاريع .

وكذلك هناك احد السلبيات الهامة التي يجب علاجها والتي تتمثل في الدور الذي تقوم به إدارة الرعاية اللاحقة حيث أنها لا تستطيع أن توفر فرص عمل حقيقية للمفرج عنهم وبالتالي يكون المفرج عنه مهيأ للعودة للجريمة مرة أخرى . ويأتي ذلك بعد أن يكون قد تعلم مهنه وحرفة داخل السجن ولا يمكن الاستفادة منها خارج السجن

وطبقا لما جاء على لسان معظم السجناء بسجن القناطر انه يوجد حالة تكدس في عنابر السجن ، فمساحة الغرف تتراوح من 25 إلى 30 متر، يودع فيها من 15 إلى 18 سجين اي أن المساحة المتاحة لكل سجين لا تتجاوز المترين ، كما أن بعض السجناء أشار إلى سوء تهوية عنابر السجن ،وفى الحقيقة أنه لم تتاح للمركز زيارة العنابر والغرف حيث لم يشملها برنامج الزيارة .

حق السجناء في التعليم و الإطلاع أحد الحقوق الهامة التى أكدت عليها المواثيق الدولية لأنها أحد المحاور الأساسية والمهمة في عملية إعادة تأهيل السجين ، وفى هذا الإطار رصد المركز تواضع مكتبة السجن لاسيما مع قلة أعداد الكتب المتاحة وعدم تنوعها خاصة وأنها لم تضم ثمة كتب حقوقية ، الأمر الذي يجعل السجين بمعزل عن إدراك حقوقه التي خولها القانون له بالإضافة إلى عدم وجود سياسة ترويج ثقافية مهيكلة يمكن من خلالها رفع الوعي والثقافة لدى السجناء من خلال دورية عقد الندوات المتنوعة ، تنظيم لقاءات دورية مع شخصيات ثقافية ، أو إلقاء محاضرات مرتبطة بموضوعات مختلفة .

أحد أهم السلبيات التي رصدها المركز بداخل هذا السجن تمثلت في انتشار النقود السلعية ( السجائر) كبديل عن النقود ، فطبق لما ذكره مسئولي هذا السجن أن الإدارة تمنع تداول النقود و أن تعامل السجناء يتم من خلال الكوبونات منعا لانتشار السرقات ،الأمر الذي ساهم بشكل غير مباشر في انتشار ظاهرة التدخين بما يشكل خطورة على صحة السجناء ،و الحقيقة أن نتاج تلك السياسة خطيرا الأمر الذي نرى فيه أهمية أعادة النظر في مسالة السماح بتداول النقود .

سجن القناطر أحد السجون المشهورة بأوضاعها الجيدة مقارنة بباقي السجون المصرية. دعوة المنظمات الحقوقية لزيارتها تعد تجربة محمودة خاصة إذا تمت مستقبلا بشكلا دوريا و متنظما ولم تقتصر على أحد السجن فقط بل شملت كافة أمكان الاحتجاز .. أقسام الشرطة …فروع أمن الدولة.. معتقلات …السجون وغيرها.

وأخيرا يجب أن يكون إصلاح السجون وتأهيل المسجونين وإعادة دمجهم في المجتمع مرة أخرى والعمل على إصلاحهم رسالة يؤمن بها كل القائمين على تنفيذ العقوبة حتى لا تهدم بعض التصرفات والسلوكيات الفردية ما تحاول أن تحققه المؤسسة العقابية .

إتاحة الفرصة لوصول الرقابة المجتمعية لتك الأماكن تشكل ضمانة فعالة لحماية الحقوق و الحريات ، كما أن نقل الحقائق وترسيخ الشفافية في التعامل يسهم في إيجاد حول فعالة لكثير من الأزمات التي تنعكس نتائجها على المجتمع كافة، ولا يجب على المؤسسات الرسمية تحمل أعبائها بمفردها ،فالمسئولية مشتركة.

تجربة زيارة سجن القناطر وأن بدت خطوة متواضعة. وبموضوعية تقيمها لا يعد تقيما لكافة السجون المصرية ، إلا أنها نهجا صحيح نحو مزيد من الشفافية نرجو تكراره .

المنظمات المشاركة
  1. مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية
  2. عالم واحد للتنمية ورعاية المجتمع المدني
  3. جمعية التنمية الإنسانية بالمنصورة
  4. المؤسسة المصرية لرعاية الأسرة