24/1/2007

إلى السيد الوزير الأول المحترم

السلام عليكم ورحمة الله

وبعد ، فقد قام المركز المغربي لحقوق الإنسان بتدارس التصريح الذي قدمه وزير الخارجية والتعاون محمد بنعيسى أمام مجلس النواب في الأسابيع الماضية الأخيرة أثناء رده على سؤال شفوي للفريق الاشتراكي بالمجلس ، والمتعلق بمصادقة الدولة المغربية على معاهدة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ، حيث أكد من خلاله على تعارض النظام الأساسي للمحكمة مع الدستور المغربي في مسألة الحصانة والتقادم والعفو وكذا مسألة المساس بالشروط الأساسية لممارسة السيادة الوطنية ،

وإن المركز المغربي لحقوق الإنسان إذ يستغرب لمضمون هذا التصريح الذي ينطوي على بعض التراجع على مستوى الخطاب الرسمي في مجا ل المنظومة الشاملة لحقوق الإنسان،

فإنه يطالب مجددا الدولة المغربية ب:

  • المصادقة على معاهدة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية خاصة وأن المغرب وقع على نظام روما الأساسي للمحكمة في 8 شتنبر 2000 ، ولا يخفى عليكم السيد الوزير الأول أن عدد الدول المصادقة حاليا قد وصل إلى 103 دولة ، وهو ما يؤكد عزم المجتمع الدولي على إرساء دعائم نظام العدالة الجنائية الدولية ومناهضة إفلات مرتكبي الجرائم الدولية من العقاب؛
  • تفعيل توصية هيئة الإنصاف والمصالحة التي تؤكد على ضرورة مصادقة المغرب على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية في سياق الضمانات القانونية لطي صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، وضمان عدم تكرار ماجرى ومناهضة الإفلات من العقاب والقيام بمجموعة من الإصلاحات لملاءمة التشريع الوطني مع معاهدة المحكمة الجنائية الدولية؛ وتعزيزا لما سبق ، فإن المركز يتقدم بالملاحظات الآتية بشأن التصريح المقدم من طرف وزير الخارجية والتعاون لتبرير عدم المصادقة على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية :
  • اعتبر وزير الخارجية أن المادة 99 من النظام الأساسي للمحكمة تمس السيادة الوطنية ، وهنا يجب التذكير بمبدأ التكاملية مع النظام القضائي الوطني ( المادة 1 من المعاهدة ) ، بحيث تعطي الأولوية للمحاكم الوطنية في المتابعة الجنائية ومحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية ، ولا ينتقل هذا الاختصاص إلى المحكمة الجنائية الدولية إلا في إطار إعمال مبدأ مناهضة الإفلات من العقا ب وفي حالات انهيارأو عدم وجود إرادة سياسية لمتابعة مرتكبي الجرائم الدولية .
  • إن المحكمة الجنائية الدولية تقوم على مبدأ عدم الاعتداد بالصفة الرسمية للشخص محل المتابعة الجنائية (المادة27) في حالة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة وجرائم الحرب ، وهي لاتتعارض نصا وروحا مع الدستور المغربي ، لأن مسألة تصديق المغرب على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية لا تتطلب تغييرا جوهريا لمرتكزات الدستور المغربي (الفضل23)، كما أن اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية لاتدعو إلى خلخلة البنيات الدستورية للدول الأطراف وما يترتب عن ذلك من تعجيز تام عن المصادقة ، ويمكن الأخذ بالعديد من نماذج الدول ذات الأنظمة الملكية التي صادقت على المحكمة الجنائية الدولية دون تعديل مقتضيات الدستور المتعلقة بحصانة الملك. كما هو الحال في إسبانيا وبلجيكا والأردن ، كما أن تجربة فرنسا التي ينص دستورها في الفصل 68 على حصانة رئيس الجمهورية من المساءلة إلا في حالة الخيانة العظمى ، وهذا الفصل مازال قائما في الدستور الفرنسي ورغم ذلك صادقت فرنسا على معاهدة المحكمة الجناية الدولية.
  • إن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها أثر رجعي واختصاصها مستقبلي، ولذلك لايسري اختصاصها على الجرائم التي ارتكبت قبل سريان الاتفاقية وإنما ينطبق فقط على الجرائم التي ارتكبت بعد مصادقة الدولة على معاهدة إنشاء المحكمة بعد ستين يوما من إيداع الدولة لوثيقة التصديق ( المادة 126)، كما ينص النظام الأساسي على أنه يجوز للدولة أن تختار تأجيل تطبيق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في مايتعلق بجرائم الحرب لمدة سبع سنوات ( المادة124).

إن المركز المغربي لحقوق الإنسان يعتبرأن مصادقة المغرب على معاهدة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية أضحت ضرورة ديمقراطية وحقوقية آنية لتجسيد سياسة الدولة في مكافحة الإفلات من العقاب وترسيخ دولة الحق والقانون، وتفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.

وسيقدم المركز المغربي مذكرة اقتراحات دستورية وقانونية في أفق المصادقة على المحكمة الجنائية الدولية.

وفي انتظار جوابكم ، تقبلوا السيد الوزير الأول فائق التقدير والاحترام