26/2/2007

حول دلالات الاحتجاجات العمالية الأخيرة وأسبابها نظمت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان بالتعاون مع مركز أبن رشد للتنمية ندوة بعنوان (الاحتجاجات العمالية الأخيرة .. الأسباب والنتائج ) بمقر المركز وذلك يوم السبت 24/2/2007 ، وأدار الندوة د. احمد ثابت مدير مركز أبن رشد للتنمية كما تحدث فيها كل من فايز الكرتة (نائب رئيس النقابة العامة للصناعات الهندسية الأسبق) وكمال أبو عيطة الناشط السياسي وأمين العمال بحزب الكرامة “تحت التأسيس” ، ويسري بيومي عضو مجلس الشعب عن كتلة الإخوان المسلمين . وشريف هلالي مدير المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان حيث القي المتحدثون باللائمة على اتحاد عمال مصر بسبب هيمنة الدولة على مقاديره ، كما طالب المتحدثين بإعادة النظر في سياسة الخصخصة معتبرين أنها السبب الأساسي في تردي أحوال العمال . وناقش الحاضرين مبدأ التعددية النقابية ، ووافق أغلبهم علي هذا المبدأ في ظل تبعية التنظيم الرسمي وغياب استقلاله . وانتقدوا أيضا التشريعات الصادرة منذ السبعينات وهي تأتي في صف صاحب العمل وضد العمال .

في البداية تحدث د. أحمد ثابت مشيرا إلى تردي أحوال العمال المصريين بسبب حرمانهم من حقوقهم الأساسية ، وهو ما يأتي بسبب تراكم الديون على الشركات التي يعملون فيها ، كما أدت سياسات النظام إلى حرمانهم من بعض الحقوق الأخرى مثل تعيينهم بشكل كامل ، واستمرار نظام العقود المؤقتة التي تجبر العامل على تقديم استقالته ، هناك أيضا عملية فساد منظم قامت بها الحكومة من خلال بيع أراضي الشرطات ومخازنها وكثير من فروعها بحجة سداد ديونها ، لكن يتم ذلك لصالح بعض رجال الأعمال ، وقد أوضحت هذه الإضرابات الأخيرة مدى الفساد المنتشر الذي وصلت إليه عدد من القيادات النقابية ، وقد برز ضمن مطالب العمال مطلب عزل اللجان النقابية المنتخبة أخيرا ، وهو ما يعكس أن هذه اللجان لا تمثل إرادة العمال ، والسؤال هو إلى أين تتجه هذه الاحتجاجات؟. نحن أمام احتجاجات واسعة وخارج نطاق القاهرة الكبرى ، وفاجأت الحكومة بسبب اتساع هذه الجبهة . هؤلاء العمال ينتمون لكثير من المناطق التي يعملون فيها .
من جانب آخر التعديلات الدستورية المزمع صدورها سوف تعصف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين المصريين ومنهم العمال .

ثم تحدث فايز الكرتة قائلا أن هذه الاحتجاجات تمثل فرصة لتقييم المسار الذي ترتب على كافة السياسات التي تمت في الفترة الماضية ، وتكشف هذه الاحتجاجات عن أخطاء سابقة متراكمة منذ سنوات ، ولو خلصت النوايا كان يجدر بنا مراجعة سياسات الخصخصة وهذا النزيف الذي ترتب عليه انهيار في كل مناحي الاقتصاد فضلا عن العملية الإنتاجية ، كل اضرابات الفترة الأخيرة تكشف عن كم الفساد الذي وصل إلى البناء الهيكلي للتنظيم العمالي ، الأصل في الحركة النقابية أنها تخضع لجمعيتها العمومية ، في ظل النهج الاقتصادي الحالي ، يسعى النظام ويصر على سيطرته الكاملة على اتحاد عمال مصر ، هذه التنظيمات أتت بطريقة غير ديمقراطية ، وجاءت في معظمها بالتزكية وهي تنظيمات لا علاقة لها بعمالها حيث تمثل طبقة عازلة بين العمال والإدارة بالمخالفة لمنطق هذه التشكيلات التي يجب أن تكون تعبيرا صادقا عن رغبات العمال . ما تم من وقفات احتجاجية في مواقع العمالية بالمحلة وشبين .. لو وجدت تنظيما عماليا قويا لغيرت النظام السياسي ، دلالات هذه الاحتجاجات أنها تمثل مؤشر وتعكس الفشل الذريع للحركة النقابية في شكلها السلطوي المرتبط بنظام الحكم ، ماذا يمكن أن يحدث ؟

جميع المواثيق الدولية تقر بالحق في إنشاء جميع التنظيمات النقابية المستقلة وأحكام المحكمة الدستورية تقر ذلك ، تنظيمات يكون ولاءها الوحيد للعمال ، ولذا من المهم السعي إلى خلق رأي عام لإيجاد مؤسسات نقابية مستقلة ، وعلينا أن نفكر في مبدأ التعددية النقابية . العمال الآن في أسوأ حالاتهم المعيشية نتيجة سياسات الخصخصة والتعليم والصحة وانتشار البطالة ، الحل يرتبط بثلاثة عناصر : أولها توافر الفكرة وخلق الكادر العمالي الواعي لدوره وقيادة نقابية مخلصة . وخلق مشروع نهضوي للحركة العمالية النقابية في مصر . لابد من تسييد التنظيمات النقابية المستقلة التي يجب أن تخضع لجمعياتها العمومية , كما تحدث عن التشريعات والقوانين التي صدرت في مصر ، وهي منذ عام 1974 تأتي ضد العمال ، وفي صف صاحب العمل، منذ القانون 203 لسنة 1991 حتى قانون العمل الموحد ، ومن المثير للسخرية أن تقوم الحكومة بعمل تخفيضات على الجمارك طالت الكافيار والملابس الجاهزة ، وفي نفس الوقت رفعت الضريبة على مستلزمات الإنتاج !! النظام يشجع القطاع الخاص ، ما يحدث هو تشجيع لفئة قليلة من رجال الأعمال ..

كما أكد(الكرتة) أن قضية بيع القطاع العام لا يجب أن تكون قضية العمال بمفردهم بل يجب أن تكون قضية المجتمع بالكامل ، وأنتقد طريقة التصدي لذلك والتي ركزت على الشكل القانوني أكثر من اللازم ، وكان من المفترض أن تكون المواجهة أكثر من ذلك وخاصة أن البيع تم بالمخالفة لنصوص الدستور ، كما أكد أن التنظيم النقابي الحالي أمر ميئوس منه ، الوضع اليوم يختلف عن السابق في كثير من دول العالم هناك أكثر من تنظيم نقابي ، أيضا العلاقة إجبارية بين العامل ونقابته ، بالمخالفة للمبادئ الدولية والداخلية التي أقرت حرية التنظيم التي أقرت أن تكون هذه العلاقة تعاقدية ، ولذلك أرى أن وحدة الحركة العمالية داخل الاتحاد الحالي ميئوس منها ، ويجب أن يقر الجانب الاختياري للعامل في اختياره للانتماء للتنظيم العمالي ، وعلينا أن نتحاور على السبل الممكنة لتحقيق الهدف ، ولا خوف من مبدأ التعددية النقابية .

فيما تحدث النائب يسري بيومي منتقدا منهج التزاوج بين المال والسلطة الحادث الذي نحياه الآن .
فما من قانون الا وتحس منه تحقيق مصلحة رجال الأعمال . من جانب آخر هناك تسييس للحركة العمالية ، ولا أمل في التنظيم العمالي الحالي ، وكلنا شهدنا مظاهر التزوير في الانتخابات العملية الأخيرة . وكان ذلك سببا في المظاهرات والاحتجاجات العمالية الأخيرة , معظم الإضرابات حدثت في القلاع الصناعية الكبرى ، كما أشار (بيومي) إلى دور صندوق النقد والبنك الدولي في تفكيك أصول الدولة المصرية ، أيضا انتقد اتفاقية الكويز التي أثرت سلبا في قطاع الغزل والنسيج ، وطالب بيومي من القوى الوطنية أن يكون لها أجندا واحدة تعلي مصلحة الوطن . أيضا استمرار الخصخصة إحدى أسباب ما حدث ، وفي سياقها تمت تخسير شركات القطاع العام التي مثلت قلاعا صناعية ضخمة . أيضا هناك غياب للشفافية من جانب النظام فيما يتعلق بسياسات الخصخصة . وفيما يتعلق بتقييم الشركات .

الإحصائيات الحكومية في حجم القطاع العام غير واضحة ومرتبكة الأرقام . وطالب بوقفة مع سياسات الخصخصة لكي نحافظ على ما تبقى من شركات ، لكن للأسف نحن أمام حكومة فاقدة الأهلية لا تملك إرادة سياسية وتستمر في البيع بدءا من شركة المراجل البخارية حتى بنك الإسكندرية ، ونسمع فيها بوجود تجاوزات مالية ، نتيجة غياب الشفافية وهو ما أدى لغياب الثقة بين النظام والعمال . كما تساءل (بيومي) عن الأشخاص الذين بيع لهم القطاع العام ، وأين الريع الناتج عن ذلك ؟ وأين سيذهب ؟ كما أكد مجددا على وقف سياسات الخصخصة وإعادة تقييمها.

حال القطاع الخاص ليس أفضل كثيرا ، خاصة في ظل إغلاق كثير من شركاته في المدن الجديدة .
في هذا السياق تحدث الناشط السياسي كمال أبو عيطة ، مشيرا إلى أن المفترض أن ينحاز المشرع دائما إلى الطرف الضعيف في أي علاقة ، في الأحوال الشخصية على التشريع أن يراعي مصلحة الصغير ، في علاقات العمل أن يراعي مصلحة الطرف الضعيف وهو العامل ، لكننا نرى كثير من التشريعات التي ظهرت في مصر بداية من القانون 43 لسنة 1974 المعروف بقانون استثمار المال العربي والأجنبي ، انحازت لرب العمل ، وفي كل تشريع يصدر من هذا البرلمان الذي أتي معظم أعضائه بالتزوير ، يضيف مكسب جديد لصالح صاحب العمل . في الستينات حدث اتساع لرقعة الطبقة العاملة ، تميزت هذه الفترة بتحقيق مكاسب لهذه الطبقة ، لكن ما حدث أخيرا في ظل انفتاح السداح مداح ، بموجب ذلك يستطيع أي رأسمال أو أي مستثمر أن يأتي إلى مصر ويخرج مكاسبه إلى الخارج ، وفي ظل إعفاء المستثمر الأجنبي من الضرائب ، لا يعفى العامل المصري من أي شئ . أيضا لا نعلم أين تذهب عوائد الخصخصة ، هناك رقم حساب في البنك المركزي خاص بإيداع هذه الأموال ، منذ عامين كان هذا الحساب صفر !!

أيضا ما من عملية بيع حدثت إلا وكان عائدها أقل من سعر أرض الشركة المباعة !!! أيضا كان لما حدث في الانتخابات النقابية الأخيرة والتي حفلت بالتزوير والضغوط سببا رئيسيا في هذه الاحتجاجات المتوالية ، ونلاحظ أنها تمت بعد شهور قليلة من انتهاء هذه الانتخابات . وهذه الإضرابات لن تكون الأخيرة ولم تنته. حيث قام العمال بتعليق إضراباتهم لحين تحقيق مطالبهم . والاستجابة لشروطهم .

وفيما يتعلق بمبدأ التعددية النقابية ، كنت مؤيد لوجود تنظيم نقابي واحد طالما كان مستقلا وديمقراطيا ، لكن علينا أن نفكر الآن في مبدأ التعدية النقابية ، ولكن للأسف قوى المجتمع ممنوعة من التعدد ، الفلاحين لا يوجد لهم تنظيم نقابي يدافع عن مصالحهم .

وعلينا أن نلاحظ أن الإضرابات الأخيرة كانت ضد عدد من الفئات منها الإدارة ، وصاحب العمل وكذلك النقابات الرسمية ، ونبه لمحاولات النظام السياسي السيطرة على كامل التنظيم النقابي بما فيها اللجان النقابية بعدما كان يسعى إلى السيطرة على الاتحاد العام ومجالس النقابات العامة ، وهو يسعى للسيطرة على اللجان النقابية لتجفيف منابع العمل النقابي ، كما جرى استخدام فزاعة الإخوان المسلمين في الانتخابات العمالية الأخيرة للقضاء على التنظيم النقابي واستبعاد المعارضين ، ولذلك منع الآلاف من الترشيح. كما تمت هذه الانتخابات تحت إشراف وزارة القوى العاملة وهي جهة غير محايدة بالتأكيد ، وفي لجنتي النقابية كنت مرشحا وحصلت على أصوات كثيرة ، ومع ذلك جعلوا ترتيبي الـ 12 ، في اللجنة التي يتكون مجلسها من 11 عضوا !! وعلينا أن نطالب بالتعدد النقابي ، وقد نص برنامج حزب الكرامة على تبني مبدأ تعددية التنظيم النقابي .

ولنترك التنظيم الحالي ولنشكل اتحاد جديدا من خلال مؤتمر لعمال مصر للوقوف ضد سياسات الخصخصة ، وتردي أحوال العمال السيئة .

وعلينا أن نتذكر أن قانون العمل الموحد الذي كان د. أحمد البرعي خرج من جمعية رجال الأعمال ، قال أن تعدد التنظيم النقابي مشروع ولا يوجد في القانون المصري ما يعارضه ، من جهة أخرى أكثر الأماكن يتم فيها اضطهاد العمال هي المدن الصناعية الجديدة ، وهم ممنوعين من تكوين لجان نقابية ، ويتم تشغيلهم بشروط قاسية منها التوقيع على استمارة 6 ، وكتابة شيكات على أنفسهم حتى يستطيع صاحب العمال فصلهم في أي وقت ، في ظل التعددية النقابية يمكن إحياء هذه الجسد الميت ، وعلينا بناء التنظيم النقابي المستقل، ومصر وقعت على عدد من اتفاقيات العمل الدولية والتي أصبحت جزءا من التشريع الداخلي وهي تتيح للعمل هذه الحق ، وقوام هذا التنظيم العمالي الجديد 50 الف عامل تم استبعادهم من الانتخابات الأخيرة .

من جهة أخرى أنتقد (أبو عيطة ) استبعاد قانون العمل الموحد فئات اجتماعية كثيرة من نطاق حمايته مثل خدم المنازل وبعض الفئات مثل “البوابين ، الفراشين … “.

من جهته أكد شريف هلالي أن هذه الإضرابات المتوالية قد أعطت مساحة كبيرة من التفاؤل لدى النخبة السياسية المصرية بسبب التحركات العمالية الواسعة ، ورأت فيها دلالة إيجابية في اتساع المطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعي، كما أتت هذه الإضرابات ولم تضع في ذهنها الشروط القاسية التي يتضمنها قانون العمل في شأن الإضراب خاصة في موافقة ثلثي مجلس النقابة العامة عليه .. أيضا يلاحظ أن رد فعل الدولة كان لأول مرة غير صدامي بسبب أتساع الحركة العمالية ، وحاولت من خلال أدواتها التسويف والمماطلة في مطالب العمال ، كما حاولت إيقاف عدوى هذه الاحتجاجات سواء من خلال الضغوط الأمنية أو تحقيق بعض المطالب المحدودة . ويلاحظ ثالثا غياب أي تواجد للأحزاب المصرية في تنظيم وتفعيل هذه الاحتجاجات ، وتثبت هذه الاحتجاجات أيضا مدى الاستيعاب الحكومي لقيادات التنظيم الرسمي من خلال أعطاء مناصب لهم في قيادة الحزب الوطني أو مجلس الشعب كما تكشف أيضا ابتعاد هذا التنظيم عن التمثيل الحقيقي لمطالب الحركة العمالية ،

وأخيرا دار النقاش حول مبدأ التنظيم النقابي حيث رأي الناشط الحقوقي صابر نايل أن هناك جدل تاريخي حول مبدأ الوحدة أو التعدد للتنظيمات العمالية ، مثلا بعض قطاعات اليسار المصري ترى أن التعدد له مخاطره ، لأن العمال يمثلون طبقة ويعبرون عن مصالح اقتصادية وبرنامج اقتصادي وليس سياسي ، هذا البرنامج الاقتصادي لا يمكن الاختلاف عليه .

لكن بسبب ارتباط النقابات الحالية بالدولة يمكن التفكير في خلق لجان عمالية تدفع جماهير العمال للضغط على النقابات لتفعيل دورها ، كما أن هناك صعوبات تتعلق بالمرجعية السياسية للأشخاص القائمين على للنقابات المتعددة ، وبذلك سيتم تسييس البرنامج الاقتصادي للطبقة العاملة ، والاستخدام السياسي لها . مما يؤدي للتفتيت العمال .