8/8/2007

زادت وتيرة ارتكاب جرائم التعذيب في العشرات من أقسام ومراكز الشرطة في الفترة الأخيرة حتى باتت خبرا يوميا نطالعه على صفحات الصحف المعارضة والمستقلة .

وقد رصدت صحيفة (المصري اليوم) 16 قضية تعذيب داخل أقسام الشرطة في شهر يوليو الماضي فقط ، وتنوع الأساليب التي تم اتخاذها مع الضحايا بين الضرب وهتك العرض والتعليق والصعق بالكهرباء وإطفاء السجائر والحرق وأخيرا القتل .

ومن هذه الحالات :

  • قيام الضابط علاء موسي معاون مباحث قسم سيوة وآخرين بحرق المواطن يحيي عبد الله في قسم شرطة سيوة من خلال سكب الكحول الأحمر على جسده وإشعال النار فيه ، لإجباره على الاعتراف بجرائم سرقة لم يرتكبها بعد قوله له ” انت شكلك كده حتتعبنا ، ثم أضاف الضابط : ” خده يا قدري ظبطه ” وهو ما ظهر في صعقه بالكهرباء وتعليقه، ثم الضغط عليه وإجباره على السفر للجماهيرية الليبية .
  • حالة تعذيب 5 مواطنين بنفس القسم كانوا متورطين في نفس القضية السابقة وهم مصطفى بكرين سليمان ، وعبد الله السنوسي عبد الكريم ، واحمد إبراهيم السنوسي ، وياسر جمال درويس وأبو الحسن ناصر رسلان .
  • مقتل المواطن نصر عبد الله الصعيدي قي قرية تلبانه في الدقهلية بعد قيام شرطة مركز المنصورة باحتجازه رهينة لحين حضور أخيه . بعد قيامهم بالاعتداء على أسرته وعليه شخصيا وسحله حتى مركز الشرطة ، وقيام الضابط محمد معوض معاون مباحث المركز وبعض أمناء الشرطة بتعذيبه في مقر المركز حتى توفي من أثر التعذيب . و أسفر ذلك عن غضب أهالي القرية لمصرع جارهم . وقد أكد الشهود ضرب النقيب معوض القتيل بكعب سلاحه على مؤخرة رأسه وأكملها المخبر أحمد عبد العظيم بخشبة .

وتؤكد هذه الجرائم أن التعذيب يمارس في مصر بشكل منتظم من قبل قوات الأمن .. وأنه بات ظاهرة منهجية في مقار أقسام ومراكز الشرطة أما لإجبار المواطنين على الإدلاء بمعلومات أو الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها ـ كما وصفته اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ولجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة في تعقيبها على تقرير الحكومة المصرية بخصوص التقرير الدوري عن حالة حقوق الإنسان في نصر عام 1996 ـ حيث يستخدم بشكل اعتيادي ومنظم من قبل ضباط المباحث والشرطة عموما وليس حوادث فردية تعبر عن حالات استثنائية. أما لإجبار المواطنين على الإدلاء بمعلومات أو الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها.

وتطرح تلك الجرائم تساؤل يخص مسئولية وزير الداخلية عن تفشي هذه الظاهرة في الإدارات التابعة للوزارة وشيوع أدوات التعذيب داخل كافة أقسام الشرطة والذي يمارس فيما يسمي بالعرض على وحدة المباحث بديلا عن أساليب التحقيق القانونية والفنية وهناك غرفة تسمى الثلاجة تتم فيها ممارسة طرق التعذيب في هذه الأقسام التي باتت سلخانات بشرية.

وقد وصل هذا باعتقاد لدى الكاتب فهمي هويدي بأن الذين يقدمون للمحاكمة بسبب التعذيب من رجال الشرطة لا يحاسبون لأنهم داسوا على كرامات الناس وانتهكوا حقوقهم الإنسانية ، وإنما يحاسبون لأنهم فشلوا في تغطية جرائمهم أو أنهم أفرطوا بأكثر من اللازم في عمليات التعذيب التي يقومون بها !!

يؤكد هذا الاستنتاج قيام الشرطة باستخدام سلطاتها المعطاة لها في القانون خارج القانون ودون إتباع الإجراءات الخاصة بها في كثير من الحالات، فيما يخص مثلا إطلاق النار العشوائي دون التنبيه وفي أماكن غير مميتة من الجسد. وهو ما تؤكده حالات أخرى منها وفاة أحد الأطفال بمدينة العريش أثناء تظاهرة جماعية قام به بعض أهالي سيناء احتجاجا على قيام المحافظة بإزالة منازلهم على الحدود المصرية الفلسطينية ، ومقتل أكثر من ثلاثة مواطنين من اللاجئين السودانيين أثناء محاولتهم الهروب إلى داخل الحدود الفلسطينية بعد إطلاق النار عليهم من جانب الشرطة المصرية بسيناء .

المذهل أن هناك محاولة من جانب عدد من الأطراف لتغييب تطبيق القانون ، فحتي الآن لم يتم ضبط وإحضار الضابط محمد معوض معاون مباحث مركز المنصورة.

وفي هذا السياق تعرب المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان عن قلقها من تزايد حالات التعذيب في العامين الأخيرين كما تعرب عن إدانتها للضغوط التي تمارس من قبل أعضاء بمجلسي الشعب والشوري على الأسرة واقناعها بقبول ” الدية” من الضابط ، في مقابل تعهد النواب بأن يقدم الضابط المذكور طلبا لنقله من المركز. إلى جانب ذلك وبالتأكيد تمارس الضغوط الأمنية بإرهاب العائلة لدفعهم إلى التنازل عن المحضر الذي حرروه ضد الضابط المذكور ، والتي سبق أن مورست ضد عشرات الضحايا الذي أبلغوا عن ما وقع عليهم من تعذيب .

تؤكد كل الوقائع السابقة أننا بإزاء ظاهرة تحتاج إلى مواجهة غير تقليدية من أكثر من جانب، في هذا السياق تدعو المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان إلى الآتي :

  • قيام مجلس الشعب والمجلس القومي لحقوق الإنسان بالتعاون مع منظمات حقوق الإنسان بتكوين لجنة تقصي حقائق لجرائم التعذيب داخل أقسام الشرطة للتعرف على أسبابها وطرح حلول جذرية لإنهاءها .
  • ضرورة أحداث تغيير تشريعي بقانون العقوبات بتغيير تعريف جريمة التعذيب ليتلاءم مع التعريف الوارد في اتفاقية مناهضة التعذيب والتي وقعت عليها الحكومة المصرية . وتشديد العقوبة على مرتكبي جريمة التعذيب.
  • استحداث تغيير في قانون الإجراءات الجنائية يضمن حضور محام بشكل وجوبي أثناء اجراءات الاستدلال التي تقوم بها أجهزة الشرطة عند القبض على أي مواطن واحتجازه في قسم الشرطة .
  • قيام النائب العام بتشكيل لجنة خاصة تضم عددا من رؤساء ووكلاء النيابة للتحقيق في جرائم التعذيب . والتحرك الفوري والمفاجئ لتفتيش أقسام ومراكز الشرطة .
  • تقديم حماية كافية بدنية وقانونية لضحايا جريمة التعذيب ولأسرهم من الضغوط الأمنية التي تمارس ضدهم خلال فترة التحقيق في شكاواهم .