19/9/2007

قرية ” مضحكة ” قرية مصرية بعيدة عن المدن بمسافات طويلة تعيش فى سلام وهناء وينعم شعبها بالامان والسكينة ، وفى يوم هل عليهم ” مهيطل البرادعى ” كان يمتطى حمار أسود بذيل مقطوع وعين واحدة ، استقبله الفلاحين بالصوانى المملوءة بالبطاطس والباذنجان أكل وشبع وبرطع حماره فى أراضى الكل وأهل ” مضحكة ” مشغولون بالبطولات الزائفة عن عبد العاطى الذى ياكل عشرين رغيف بيتى وخمس كيلو لحم كلاب فى طقة واحدة دون ان تهتز له بطن ، أو يتسابقون بحميرهم العرجاء فى جرن ” مضحكة ” ، ويعطى حكيمهم ” هيصة ” نيشان القمح الهزيل للفائز .

كانت أمسيات ” مضحكة ” جميلة ومبهجة أمام الجامع وفى المضياف ، خاصة مع توافر طعامهم من حقولهم وعدم احتياجهم لأى نوع من انواع الغذاء من خارج القرية ، فيكفى ” بن مضحكة ” رغيف وبصلة وشوية جرجير ومعلقة مش مخمر ، وكان يوم العيد فى اى منزل من منازل مضحكة حين تذبح ” ست مضحكة ” فرخة أو وزة ، ومع ذلك كان الرضا بالحياة ” نعمة مضحكة “يجعلها من أسعد القرى المصرية ومع وصول ” مهيطل ” بحمارته السوداء ومذياعه الرخيص وخطبة الرنانة وكلامه الغريب حول حقوق الانسان وقصصه عن فلان بقرية أبو فلان وكيف تحررت وحصلت على حقوقها فى المسكن الملائم والرعاية الصحية والتعليمية والرأى والتعبير والتنظيم والتجمع ، كان يحكى بفخر عن تجارب الاخرين وكان يعطى الأمل والحلم للمواطنين بامكانية تحقيق ذلك، بعدها بدءت تنفجر الاحتياجات الجديدة لاهالى القرية …. نريد جمعية …. نفابة …. حزب … نريد سنترال …. دش … تليفزيون ….. منزل ملائم …. فرصة عمل لائقة …. أجر عادل ، ومهيطل يعلن كل يوم من جرن جديد بمذياعه الرخيص ولغته الغريبة …. كيف يعيش المواطنين فى البر الأخر والمدن المجاورة ؟ ومن هطل ” مضحكة ” أن صدقه بعض الشباب والشيوخ وبدوا فى تنظيم حملات وند\وات وأصدروا بيانات وتقارير وحالوا الذهاب للقرى الأخرى للتنسيق معهم للحصول على حقوقهم الانسانية والتمتع بحياة كريمة مثل باقى البشر فى المدن والعالم الأخر .وهنا بدءت تظهر المشاكل وغاب الأمان الذى كان سمة “مضحكة ”

وتطاول الرجال على النساء وتهافتت النساء على الأفندية التى يحكى عنهم ” مهيطل ” ، وبدأ البؤس يدخل حياة ” مضحكة ” بعد أن علموا – كيف أن أوضاعهم وحياتهم متدهورة وأنهم مصنفون فى العالم بالجوعى وأنهم مهددون بالمرض والموت خلال سنوات قليلة قادمة، وان احتياجاتهم التى يحلمون بها لا تكفيها دخولهم المحدودة ، فتظاهر بعضهم واعتصم أخرون واسس عقلائهم جمعيات ونقابات وأحزاب وصحف كى يطالبوا بحقوقهم ويحسنوا حياة المواطنين . وحتى ذلك الوقت لم تكن هناك مشكلة فأهل ” مضحكة ” علنياتهم ويحبون الحياة ، وفى سبيل ذلك يتجنبون المشاكل … أو ممارسة أى نشاط يمكن ان يعكر صفو حياتهم …. خاصة إذا كان هذا الحوار عن حضور بعض العساكر المدججين بالسلاح الى منازلهم ، وهو ما حدث بالفعل بعد أن ذاع صيت ومطالب ” مضحكة ” بالحرية والحياة الكريمة .

فيحكى أنه وبعد انتشار الخبر عن الاحوال الجديدة ” بمضحكة ” كان مأمور المركز التابعة له القرية نائماً هو وعساكره يسمعون الاناشيد الوطنية ويأكلون من ميز الحكومة المدعم باللحوم والسمن والسكر والعسل، إلا أنه فجأة جاءته إشارة بأن ” مضحكة ” تعلن عن رغبتها فى تحرر شعبها من القهر والخوف والفقر ، وانها بدأت رحلة نضالها الطويل نحو الحرية ، ولأن مأمور السجن لا يعرف إلا القيود ، الأمر الذى جعله يسرع بجمع عساكره وقيوده وبنادقه وتحرك نحو القرية كى يحاصرها ويمسك بزمام الأمور فيها ويسيطر على كل أوضاعها … وحين نزل المأمور صرخ عساكره على أهل القرية . فقاموا من نومهم مفزوعين وهرولوا نحو جرن القرية ، كان المشهد غريب على النساء والأطفال والشيوخ …. لماذا كل هذه الحشود الامنية ؟ هل وقعت حريقة بالقرية ؟ هل حدثت جريمة قتل ؟ …. هل هناك من ارتكب خطأ أو حماقة من أهل ” مضحكة ” ؟ لكن المأمور لم يمهلهم التأمل والتفكير فقد نزل عساكره دفعة واحدة … بعصيانهم الغليظة على اهلها المسالمين … حتى أصابوهم جميعا خلاف قتل بعضهم …. ثم طالبوهم المأمور بأن يخرجوا كل الطعام والمحاصيل والحيوانات من منازلهم وزرائبهم ويسلموها لرجاله …. ودون ان يعطى الوقت للاجابة هجم العسكر على البيوت وأخذوا كل طعام ومحاصيل وحيوانات الاهل … ومواطنى ” مضحكة ” ما بين مصاب وقتيل ومريض أما الأطفال والعجائز والنساء فكانوا ينظرون لأنفسهم ولبعضهم البعض باستسلام ودهشة وصمت لم يعرفوه طوال حياتهم ….

لماذا يحدث كل هذا ؟ نحن لم يدخل قريتنا العساكر منذ مئات السنين …. ماذا حدث ؟ هنا ظهر مرة أخرى ” مهيطل البرادعى ” بحمارته السواد ذى العين الواحدة … بعد أن اشبعه المأمور ورجاله ضرباً وبصوته المجروح والمكسور صرخ فى الأهالى الضحايا …أنه الحلم … لقد حلمتم بحياة أخرى فكان هذا جزاءكم يا شعب ” مضحكة ” …. لقد حلمتم بحياة أفضل تنعمون فيها بالغذاء الكافى النظيف والسكن الملائم والحياة الكريمة الامنة … لقد حلمتم بالتخلص من القهر والعيش بحرية …. فكان هذا جزاؤكم . وكان نصيب ” مهيطل ” جراء هذا الصراخ القتل من رجال المأمور حيث انطلقت رصاصات من كل اتجاه صوب صدره ولسانه لكى تخرسه للأبد …. لكن شعب ” مضحكة ” الملقى على الأرض ما بين مصاب وقتيل قد نظر الى بعضه البعض ونظر الى نفسه ، ونسى الحلم سريعاً …. نعم نسى الحلم سريعاً … فقاموا جميعاً فى لحظة واحدة منكسرين وخائفين طالبين عفو المأمور وغفرانه … وهو فى علياءه ومن فوق حصانه ينظر يميناً شمالاً بمسدسه المحشو بالطلقات الحية ليطلق عليهم النار ويثير الفزع فيهم وشعب مضحكة المستكين يطلب المغفرة والرحمة لأنهم تجاسروا وحلموا بحياة أفضل .

وهنا صرخ ” هيصة الحكيم ” فى وجه المأمور …. نحن شعب مضحكة ننعم بحياة أفضل …. نحن نعيش مع أسرنا ومواشينا وتمتلىء بطوننا بالطعام الكافى ونلبس أفخر الثياب …. ونسكن أفخم المنازل فمنازلنا جيدة التهوية وبها صرف صحى وبرحة ولا يوجد بها ناموس وننعم بصحة جيدة وينعم أولادنا باللعب فى الاجران والتعليم الجيد ….. نحن شعب مضحكة ننعم بالحرية يا سيدى الرئيس ! …. فلا نحتاج الى أحزاب أو جمعيات أو نقابات أو صحف أو فضائيات لأننا نعيش حالة ” شورى جماعية ” ولا نحتاج لكل هذه الوسائل التى ستربك حياتنا …. يا سيدى المأمور نحن شعب ” مضحكة ” نعيش أفضل حياة بسببك أنت … وقد فوضنك عنا لتدير كل شئوننا دون تدخل أحد منا …. فأنت نعم الرئيس ونعم الأمل … فأغفر لنا حلمنا …. أعفو عنا … ولن نخطىء أبداً .. لن نحلم أبداً .

نحن شعب ” مضحكة ” لا نستحق حكمك العادل … لا نستحق الحياة فى ظل مجدك ففى زمانك لا يوجد سرقات ولا مفسدين ولا نهب ولا اعتقال ولا تعذيب ولا جوعى ولا مرضى … فأنت المنزة عن الخطايا فاغفر لنا خطايانا …. فلن نحلم أبداً . وهنا أنبرى المأمور يميناً يساراً فلم يجد أحد … والله لم يجد أحد … فداس بحصانه جثث المواطنين وأنطلق بعد أن أفرغ رصاص مسدسه فى رأس ” هيصة الحكيم ” الذى طلب الرحمة … لأنه تجرأ وطلب المغفرة وبعدها ولسنوات طويلة غرقت ” المضحكة ” مرة ثانية فى الزمن المنسى … تنعم بالجهل والمرض والجوع …. بعد ان غنى الشاعر مع أهلها للحلم المفقود والشعب المضحكة .

المركز يقدم الدعم القانونى مجاناً ويتلقى كافه
الشكاوى المتعلقة بحقوق الفلاحين والعمال
والصيادين والمرأة والأطفال فى الريف
المصرى وذلك على العنوان التالى :
122 ش الجلاء برج رمسيس القاهرة
تليفون وفاكس / 25750470
البريد الإلكتروني:Lchr@thewayout.net – lchr@lchr-eg.org
Website : www.Lchr-eg.org