19/5/2005
زينب عثمان الحسين
الرئيسة السابقة للتجمع النسوي السوداني- في المنفى
في الغالب، المرأة مصدر كل ما يقول به الرجل أو يفعله. بشكل أكثر تحديداً، فالقرارات الأكثر أهمية، وحكمة وتأريخية حول الشئون المجتمعية أو السياسية جرى اتخاذها من قبل رجال كانت النساء يقفن باستمرار من خلفهم أو كمبادئات في الأساس، وبشكل خاص في ما يتعلق بالقرارات ذات الصلة بالأسرة، الأطفال، أو العلاقات بين الجنسين على كافة مستويات التفاعل الانساني. مع ذلك، لا تجد المرأة حصة مساوية في المشاركة في القرارات الخطيرة، التي يتولاها الرجال عادة، كما هو الحال بالنسبة للحكم الانتقالي والسلام في السودان الآن.
الرجال، كما يعرفن النساء يقيناً، لا يسعدون بمزايا عواطف النساء، مواهبهن الفكرية، حكمتهن السياسية، وقدراتهن الجسدية التي يُعتبر التكاثر الإنساني أبرزها وأكثرها صقلاً. بايجاز، إن الرجل لا يضاهي المرأة قوّة. ذلك هو سبب تعجّل الرجال لإساءة معاملة النساء، لاسيما في الدوائر الحسّاسة من علاقات السلطة حيث يفني الرجال أنفسهم ليل نهار للاحتفاظ باليد العليا تجاه شركائهم الطبيعيين، النساء. دعونا نرى كيف تتمثل هذه العلاقة غير المتوازنة في ميادين المعارضة والحكومة في السودان…
منذ انطلاقة التجمع الوطني الديمقراطي، ظللن النساء صاحبات المبادرة في معظم القرارات الكبيرة أو في التوعية السياسية في المنفى أو الداخل. بوجودهن في مواقع العمل، المساكن، أو المواقع الاجتماعية الأخرى، دعمت النساء السودانيات التجمع الوطني الديمقراطي في أكثر اوقاته شدّة وصعوبة للنجاح في النضال لحمل ديكتاتورية الجبهة القومية الاسلامية على احترام الإرادة الحرّة للمواطنين.
مع ذلك، دفع رجال التجمع الوطني الديمقراطي شركاءهم، وبخاصة النساء في المنفى، بعيداً عن أية مشاركة ملموسة ومؤثّرة في عملية صنع القرار، لاسيما في اللحظات الحرجة لختام مفاوضات هامة أو توقيع اتفاقيات قومية. حالياً، فان لجنة مسودّة الدستور عظيمة الأهمية ربما تُجاز دون أي اهتمام من قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، التجمع الوطني الديمقراطي، الحكومة باتاحة تمثيل ديمقراطي كامل للمنظمات السياسية النسوية أو مجموعاتها الخاصة بالمجتمع المدني في هذه اللجنة الهامة.
إن تنحية السياسيات السودانيات جانباً على هذا النحو الشائن تمّت ممارستة باتقان من قبل الحكومة وحزبها الحاكم تجاه النساء المناصرات لهم. إن المنظمات الايديولوجية القمعية والقائمة على التمييز الجنسي التابعة للجبهة القومية الاسلامية تراجعت بدور المرأة ومساهمتها لتجعلها مقصورة على مراسم تشييع مناصري الحكومة الذين يموتون في الحرب الأهلية أو بعض العمليات الأمنية الأخرى.
مع ذلك، فالأكثر سوءاً هو أن هذه الأنشطة المراسمية جرى قصرها وتقييدها لتشمل مناصري الجبهة القومية الاسلامية دون سواهم. إن آلاف الأسر التي فقدت بنفس القدر أحباءها في مناطق مختلفة من البلاد بسبب الحروب التي أشعلتها الدولة، لم تنال على الاطلاق التعازي أو تحظى بمراسم تشييع شهيد.
إن أسر التايه ابوعاقلة، بريسه تابا، سميّة محمد موسى، وباق دينق أسوة بأسر الطيّار جرجس، د. علي فضل، ومجدي محجوب وكذا أسر ضباط وجنود الجيش الذين جرى اغتيالهم بيد حكام الجبهة القومية الاسلامية في 1989 و1990 جرى منعهم بفظاظة عبر اجراءات أمنية صارمة من التعبير عن مشاعرهم حول المغتالين من أفراد أسرهم.
لقد عايشت أسر النساء والأطفال المسترقين أيضاً فظائع شبيهة. إن كل هذه الممارسات القائمة على التمييز جرى رفضها من قبل الرأي العام السوداني، بما فيه الكثير من الكيانات الاسلامية والمسيحية داخل البلاد وخارجها. إلى الآن، لم يتسن لكاتبة هذا المقال الاستماع لصوت نسوي يرتفع بالاحتجاج على أحدث التصرفات الشريرة للنظام الحاكم بحق شعب السودان. لم يرتفع صوت الاتحاد النسائي السوداني، على نحو العادة. حتّى مجموعات المرأة التي ترعاها الحكومة وقادتها آثرن الصمت، وقد جرى إرغامهن بشكل أو آخر للتعبير عن الدعم الاعلامي للسياسات الحمقاء للحكومة في المجالات الوطنية والدولية، ولم ينطقن بكلمة حول المواجهة المتعجّلة غير المحسوبة الراهنة للنظام مع مجلس الأمن الدولي.
لقد كان الاحتجاج الجريء من قبل الاستاذة سارة نقدالله من حزب الأمة هو ما رفع من روحنا كنساء في المنفى حيث حملت سارة بشدّة على حكام الجبهة القومية الاسلامية في قناة الجزيرة نهاية هذا الاسبوع بسبب منعهم الأحمق لاحتفال حزب الأمة بالانتفاضة المجيدة للشعب السوداني في مارس/ابريل 1985 – الانتفاضة التي لعبت فيها النساء دوراً هاماً من البداية إلى النهاية للإلقاء بديكتاتورية مايو في المزبلة.
إن قضية انعتاق المرأة من كافة أشكال التمييز لهي مسألة تطوّر أكثر من كونها مسألة سياسية رغم ما للسياسة من أهمية. إن جميع النساء، غض النظر عن مواقفهن السياسية، يتعيّن عليهن توحيد جهدهن الجماعي لتعزيز هذه القضية الجوهرية لتقدّم الانسانية.
لعقود، ظللن النساء السودانيات يدعون أنفسهن لتأسيس جبهة ديمقراطية عريضة من أجل الإرتقاء بوضعهن، حماية حقوق أطفالهن، وممارسة الضغوط على الرجال المتحكّمين في شئون الدولة وغير ذلك من مسائل أخرى هامة بالنسبة لمجتمعنا بغية إتاحة مشاركة متساوية للنساء. هذه الحركة الواعية ما تزال الحاجة اليها قائمة: وبمثل هذه الجبهة تستطيع النساء، بالوعي والتنظيم المتواصل، ممارسة عملية صنع القرار في ما يتعلّق بهن من شئون، وكذا في ما يتعلّق باهتمامات المجتمع العامة، دونما وصاية أو سيطرة من الرجال على المستويات الوطنية أو الدولية.