30/12/2005

ارتكبت وزارة الداخلية المصرية، التي يرأسها مجرم محترف اسمه حبيب العادلي، جريمة بشعة فجر يوم الجمعة 30 ديسمبر 2005. قتلت جحافل الأمن المركزي، عمدا مع سبق الإصرار والترصد، وباعتراف زبانية الداخلية، 20 من اللاجئين السودانيين المعتصمين في ميدان مصطفى محمود بالمهندسين في هجوم جبان شنته غدرا في الفجر على المعتصمين المسالمين. وحتى لا يكون هناك شك، فإن هذه جريمة ارتكبها النظام المصري بكامله وبإشراف أكبر رأس فيه: بالتحديد محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية. ذلك أن الشخص الذي فاوض المعتصمين أعلن، بكل وقاحة، أن لدى الشرطة المصرية تفويضا وأمرا من “السيد الرئيس” لفض الاعتصام “مهما تكلف الأمر”. وهل يمكن أن يتكلف الأمر شيئا غير أرواح بشر بلا ثمن اسمهم اللاجئين السودانيين؟

مجرمو الداخلية، تحت إشراف مجرمي النظام، ارتكبوا جريمة لا يمكن تصنيفها بأقل من “جريمة ضد الإنسانية”. فقبيل احتفالات رأس السنة، وبعد أعياد الكريسماس بقليل، وفي جنح الظلام، وفي عز برد الشتاء، انتهزوا فرصة الأعياد والإجازات وحاصروا معتصمين مسالمين لم يمارسوا أي نوع من أنواع العنف على مدى ثلاثة أشهر هي مدة اعتصامهم، ثم هاجموهم بخراطيم المياه والهراوات وأوسعوهم ضربا ودهسا، فقتلوا عشرين (والأغلب أن عدد القتلى أكبر بكثير) وأصابوا العشرات، كل ذلك وسط استغاثات النساء والأطفال التي وصلت – كما يؤكد شهود العيان – إلى عنان السماء.

إذا كان لديك شك فيما نقول افتح تليفزيونك وشاهد إحدى الفضائيات. سترى ما يثير لديك الرغبة في القيء من مزيج العنصرية والسادية. السودانيون الأبطال يسحلون على أرض الشارع، ورجال الأمن يضربونهم ضربا مجانيا ساديا، كما لو أنها من التسالي العابرة أن تهين البشر وتنكر آدميتهم وتسحق أرواحهم وأجسادهم دون أن تطرف لك عين.

كان السودانيون يدافعون عن حقهم في الحياة. هؤلاء هم من هربوا من نير حرب أهلية بشعة بالسودان، هؤلاء هم من هربوا من الجوع والدم والتهجير ودفعهم حظهم العثر إلى “أرض الكنانة”. فماذا حدث لهم؟ تواطؤ قذر بين النظامين السوداني والمصري ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين. المفوضية، ذيل الساسة الانتهازيين القذرين، توقفت عن قبول طلبات اللجوء بعد اتفاقية الشمال والجنوب السودانيين على اعتبار أن توقيع رجال السياسة – الذين يشنون الحروب فيدفع الفقراء الثمن – على بضعة أوراق وسط كاميرات الفضائيات أنهى المأساة، والمهمة الآن هي تعبئة كل لاجئ وإرساله إلى “وطنه” في التو واللحظة!!

ماذا يمكننا أن نسمي هذا؟ لا يمكن تسميته بأقل من الإجرام المنظم. بشر بلا ثمن، وسادة متغطرسون يقررون ويأمرون فتتحطم حياة الآلاف في لحظة. المفوضية، ممثلة الأمم المتحدة راعية حقوق الأمريكان، تعامل اللاجئين كعبء لابد من التخلص منه. يبدو أنها كانت، بغلقها لملفات اللاجئين السودانيين، تكافئ الأطراف المتصارعة في السودان على امتثالهم للراعي الأمريكي الذي أمر بإنهاء الحرب، ولكنه لم يأمر بإنهاء اضطهاد فقراء الجنوب والغرب والشرق، أو بإنهاء الذل والاستعباد والقمع!!

صورت المفوضية، ومعها النظام المصري المتواطئ، اللاجئين السودانيين على أنهم خارجين على القانون يتحايلون ليحصلوا على بضعة دولارات من الأمم المتحدة. تلك النظرة العنصرية الحقيرة كان هدفها ببساطة تأليب الرأي العام ضد اللاجئين. فهل يعقل أن يرضى بشر عاقلين أن يعيشوا في الشارع ثلاثة أشهر، معظمها في برد الشتاء، في محاولة للحصول على “لقب” لاجئ، وهو لقب لو تعلمون عظيم؟!

لقد غذت الصحافة، وغذى النظام المصري، النزعة العنصرية ضد السودانيين. حاولوا، وللأسف نجحوا إلى حد كبير، أن يبنوا سدا منيعا بين السودانيين الذين يعانون الاضطهاد، وبين المصريين الذين يعانون الفقر القمع والذل. أصبحنا نسمع عبارات من أمثال “لماذا لا يعود هؤلاء إلى بلدهم؟” .. “إنهم يسرقون وظائفنا” .. “بدلا من أن نساعدهم الأفضل أن نساعد أنفسنا”. هذه عبارات رددها عدد من فقراء مصر وكادحيها. وهي بالقطع العبارات التي سهلت لجهاز الأمن أن يرتكب جريمته. فجدار الصمت والعداء الذي تم خلقه بين كادحي مصر وكادحي السودان سمح للمجرمين أن يرتكبوا جريمتهم. حتى قوى المعارضة ونشطاء التغيير سقط كثير منهم في الامتحان ولم يفعلوا ما يتوجب على أي مناضل من أجل الحرية والعدل فعله: التضامن مع كل مضطهد.

لكن فلنعلم أن النضال من أجل حقوق السودانيين – النضال ضد جريمة الأمن الذي قتلهم عمدا مع سبق الإصرار والترصد – هو الطريق الوحيد لنيل حريتنا. لا يظن أي كادح مصري، ولا يظن أي مناضل من أجل الحرية، أن هذه معركة لا تعنيه. النظام المصري وصحافته الصفراء نجحا في تقسيم المضطهدين وفي جعلنا نتفرج (كأنما نشاهد فيلما مسليا) على مقتل نساء وأطفال مسالمين لا جريمة لهم إلا المطالبة بالحقوق. فلو استسلمنا لتلك العنصرية اللعينة التي تغذيها الأنظمة والحاشية وحملة المباخر، لأتى بلا شك علينا الدور، حين يقوم الأمن بسحلنا بينما يتفرج علينا المضطهدون الآخرون كأننا مشهد خيالي في فيلم المساء والسهرة.

ليس هناك أدق من الحكمة البليغة التي تقول: “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”. سياسة “فرق تسد” تفلح دائما في شق صفنا وفي تسهيل قمعنا. ولذا، فالطريق إلى النصر يبدأ بموقف صلب بسيط لا مساومة حوله: “كل مضطهد أو مظلوم في العالم هو رفيقي، وكل قضية ظلم في العالم هي قضيتي”. نحن فلسطينيون حين يتعرض الفلسطينيون للقمع .. نحن عراقيون حين يتعرض العراقيون للعسف .. نحن سود حين يسحق السود .. نحن أقباط حين يضطهد الأقباط .. ونحن سودانيون حين يقتل السودانيون بلا جرم في شوارع القاهرة المخملية.

معركتنا ضد العنصرية – ضد اضطهاد وقمع اخوتنا السودانيين – هي امتحان لنا. امتحان يكشف معدننا كمناضلين من أجل العدل والحرية والمساواة، من أجل الاشتراكية الثورية. المجرم ضد الإنسانية حبيب العادلي لابد أن يرحل ويحاكم على جرائمه. زبانية الداخلية لابد أن يدفعوا ثمن ما اقترفته أيديهم. واخوتنا في الإنسانية اللاجئين السودانيين لابد أن يستعيدوا كرامتهم ويحصلوا على حقوقهم كاملة.

القصاص من القتلة .. الحرية والعدل للمضطهدين .. هذا هو مطلبنا .. وهذا هو ما سنقاتل من أجله

مركز الدراسات الاشتراكية