6/1/2010
توثيق : ع .م. ع
بتوقيع اتفاق السلام الشامل تفاءل الناس خيراً اذ كفل الدستور الانتقالي لسنة 2005 م، الذي جاء كاحدي ثمرات توقيع اتفاقية السلام الشامل،حرية الصحافة وحق التعبير، إلاَّ ان هذا الحق المكفول بالدستور انتهك بصورة فظيعة.فمنذ السادس من فبراير من العام (2008)، يحضر – يومياً- وفي أول كل مساء، ضباط من جهاز الأمن إلي مكاتب الصحف، ويطلبون من رؤساء التحرير أو مديري التحرير، أو من ينوب عنهم أن يقدموا لهم مواد الصحيفة كاملة قبل مثولها للطبع. ويقوم ضباط جهاز الأمن بقراءة الصحيفة كاملة، وينزعون منها مواد صحفية معدة للنشر، و يأمرون بإستبدالها بمواد أخري بديلة لتلك التي تم نزعها من الصحيفة..و في أغلب الأحيان يرفض ضباط الأمن المواد البديلة، ويعملون علي تعطيل الصحف ومنعها من الصدور.
وإذا لم يراجع ضباط الأمن الصحيفة بكاملها، لن يسمحوا لها بالذهاب للمطبعة ، إذ أن هنالك رجال أمن آخرين يتواجدون بالمطابع . وهناك يطلبون إذن طباعة .وما لم يكن هناك إذن طباعة، لن تتمكن الصحيفة من الصدور في اليوم التالي .
و يُلزِم ضباط الأمن رؤساء أو مدراء تحرير الصحف ، أو من ينوب عنهم، بالتوقيع علي تَعهُد تقتضي صيغته عدم نشر أي مادة صحفية تنزعها الرقابة في أي مكان آخر،خصوصاً المواقع الإلكترونية ، التى درجت بعض الصحف على نشر المواد التى ينزعها الرقيب الأمنى فيها،من الصحف، ويصبح لزاماً على رؤساء التحرير أو من ينوب عنهم التوقيع علي هذا التعهد كل مساء.
في أواخر العام 2008م، اشتدت وطأة الرقابة علي الصحافة المكتوبة، خصوصاً وقد شهد العام 2008 صدور بعض الصحف المعارضة ، وتزايدت حدة الرقابة الي بلغت حداً جعل الصحفيين السودانيين يفكرون في آلية جديدة لمقاومة هذه الانتهاكات.
** الصحفيون يقاومون الرقابة الأمنية :
في خضم النضال ضد كافة اشكال الرقابة الأمنية السابقة للنشر (القَبْلِيَّة) المفروضة علي الصحف السودانية ، وكأحد الابتكارات النضالية لشعبنا الخلاق في مثل هذه الظروف تكونت شبكة الصحفيين السودانيين طارحةً في اولي اولوياتها مناهضة الرقابة الأمنية السابقة للنشر،والوقوف بحزم ضد ممارسات الأمن القمعية ضد الصحفيين ومؤسساتهم الصحفية.
وقد تطورت المعركة بين الصحفيين المناهضين للرقابة وبين النظام الي أن بلغت اوجها في شهر نوفمبر 2008.
بدأت الأزمة بتلقي رؤساء الصحف إخطارا من المسئولين بالأمن بتعليمات مستديمة تفيد بتسليم صفحاتهم قبل طباعتها لمراجعتها لدي مكاتب الأمن ، ثم اعطاءالإذن لطبعها ، غير أن الصحفيين رفضوا هذا الأمر بوصفه إهانة لهم. وذكر رؤساء صحف سودانية إن ضباط أمن يزورونها ليلاً ويقرؤون المواد التي ستنشر في اليوم التالي، ويصدرون تعليمات لرؤساء التحرير بإلغاء مقالات حساسة ونقدية وكلها ذات طابع سياسي ومطلبي.
وعلى خلفية تلك التعليمات قررت صحف : الميدان ، أجراس الحرية ، خرطوم مونيتر، رأي الشعب الاحتجاب عن الصدور يوم الثلاثاء( 11/11 /2008 م)احتجاجاً علي الرقابة السابقة للنشر(القبلية) التي يفرضها جهاز الأمن والمخابرات علي الصحف ، وكانت الأجهزة الأمنية قد منعت سابقا صحيفة أجراس الحرية من الصدور لمدة ثلاثة أيام، مع طلب مثول مسئولي الصحيفة أمام أجهزة الأمن للتحقيق.
** صحف تتوقف عن الصدور احتجاجاً :
أعلنت صحف أجراس الحرية، ورأي الشعب، والميدان، وسيتزن، وخرطوم مونتر عن توقفها عن الصدور احتجاجاً علي ممارسات الأمن القمعية تجاه الصحف والصحفيين، وقد نفذت الاعتصام فعلياً : ( الميدان ، وراي الشعب ، وأجراس الحرية، وخرطوم مونتر)، وأصدرت الصحف المتوقفة عن الصدور بيانا موجها للشعب السوداني جاء فيه :” ظلت العديد من الصحف السودانية الصادرة بالعربية والإنجليزية, اليومية والأسبوعية، تتعرض لحملة شرسة من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني، بفرض وممارسة رقابة يومية على كل ما يكتب بالصحف، من أخبار وأعمدة ومقالات.
وتصل الرقابة القبلية إلى حد نزع الأخبار، وحجب الأعمدة، وإزالة صفحات بأكملها، إلى جانب منع الصدور، ومصادرة الصحيفة، وحرقها بالنار بعد طباعتها! وليس هناك أي أسباب أو مبررات، أو حتى معايير واضحة من قبل الحكومة وجهاز الأمن والمخابرات، الذي يقوم بتنفيذ هذه الأعمال التي تعيق عمل الصحفيين وتشكل انتهاكا ًواضحاً للدستور الانتقالي، (لعام 2005) ولاتفاقيات السلام الموقعة، سواء مع الحركة الشعبية، أو قوى المعارضة الأخرى.
لذلك احتجاجاً على ما تتعرض له من مضايقات تعيق أداءها، وتعرضها للكثير من الخسائر المادية، دخلت صحف (أجراس الحرية، ورأي الشعب، والميدان وخرطوم مونيتر و سيتزن) إلى جانب العديد من الصحفيين، والكتاب، ومنظمات المجتمع المدني، في اعتصام لمدة ثلاثة أيام وإضراب عن الطعام ليوم واحد، تجلت فيه قيم تضامن ووحدة وصلابة الصحفيين، بمختلف الصحف. ”
وتابع البيان ” وإن استمرار الرقابة بكل أشكالها على الصحف يحجب المعلومات والحقائق عن سائر المواطنين، ويطعن في جدية ومصداقية الحكومة ، ويؤكد يومياً إصرارـ المؤتمر الوطني ـ على التمسك بالسلطة، وعدم احترامه حرية النشر والتعبير، وانتهاكه حقوق الإنسان، وعدم رغبته في إحداث أي تحوُّل ديمقراطي حقيقي بالسودان، مما يجعله مهدداً لاستقرار ووحدة البلاد. إن التراجع الخطير في الحريات العامة، وحرية الصحافة، ومنهج تعامل الأجهزة الأمنية، يساهم في تخريب النسيج الاجتماعي ويهدد الوحدة الوطنية، وينذر بحرب أهلية متصاعدة، تؤدي لتعميق الأزمة السودانية. ويبقى المدخل لتصحيح مسار الحياة السياسية والتشريعية في السودان في تعديل كل القوانين المتعلقة بالحقوق والحريات، لتتماشى مع الدستور، وفي مقدمتها قانوني (الأمن والصحافة.) معا لرفع الرقابة الأمنية عن الصحف ولتبقى أقلام الصحفيين نوراً يبدد الظلمة”.
** الأحزاب والمجتمع المدني.. مشاركة في الاحتجاجات :
وتضامنت قوى عديدة من المجتمع المدني والأحزاب السياسية مع نضال الصحفيين ضد الرقابة،حيث شارك الأستاذ محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني في اعتصام الصحفيين وخاطب حشداً لصحفيين مضربين عن العمل بمقر صحيفة أجراس الحرية بالخرطوم يوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2008 م.
وقال نقد لدي مخاطبته للصحفيين: إن هذه الرقابة جائرة وليس لديها ما يسندها من قانون أو دستور، وأكد رفض حزبه لكل أشكال الرقابة والقيود المفروضة علي العمل الصحفي وانتهاك حرية التعبير.
وبالمقابل فقد تضامنت قوي اقليمية وعالمية مع الصحفيين السودانيين ،وقد أستنكرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بشدة المنهج القمعي الذي تنتهجه الحكومة السودانية في حق الحريات الصحفية وحرية الرأي والتعبير، وادانت التمادي في الخروقات التي تطال حريات الصحافة وحقوق الصحفيين، وطالبت السلطات في السودان باحترام المواثيق والعهود الدولية التي تنص على حريات النشر والتعبير وحقوق الصحفيين.
وترك احتجاب صحف ( الميدان ، واجراس الحرية ، ورأي الشعب ، وخرطوم مونتر )عن الصدور واعتصام الصحفيين اثره البالغ علي مسيرة الحريات الصحفية في السودان وقد دعمت قوي دولية عديدة نضال الصحفيين وطالبت الحكومة السودانية رفع القيود علي حرية التعبير، وحدا هذا الاعتصام بشبكة الصحفيين السودانيين أن تنظم اعتصاماً ووقفة احتجاج أمام البرلمان احتجاجاً علي التدخلات الأمنية في وقمع الصحفيين ومؤسساتهم الصحفية وانتهاك حقهم في التعبير.
** مجلس الصحافة يلزم الصمت حيال الانتهاكات :
مع تزايد حدة الرقابة الأمنية السابقة للنشر ، حاول الصحفيون ان يلفتوا انتباه مجلس الصحافة والمطبوعات (وهو مجلس مُعين، يعمل علي منح التراخيص للصحف ، ويمنحه قانون الصحافة الحق في حماية حرية الصحافة) الي هذه الانتهاكات الجسيمة ضد حرية الصحافة وحرية التعبير ، فتقدمت صحيفة (الميدان ) بمذكرة احتجاج مكتوبة لرئيس المجلس ضد اجراءات الرقابة الأمنية على الصحف بتاريخ 11 نوفمبر 2008 ، جاء فيها : ” أسمح لنا أن نتقدم لمجلسكم المحترم بمذكرتنا هذه، والتي نعبر فيها عن أملنا في تحمّلكم مسؤوليتكم التاريخية في الوقوف ضد الرقابة الأمنية على الصحافة السودانية، لاسيما وأن هذه الرقابة تشكل انتهاكاً صارخاً للدستور القائم في البلاد، ولكافة المواثيق الدولية التي أصبح السودان طرفاً فيها، بل إن قانون الصحافة الساري، وأياً تكن التحفظات عليه، لا يعطي جهاز الأمن سلطة الرقابة على الصحف.
إنّ الرقابة الأمنية (قبلية وبعدية ومباشرة وغير مباشرة) تجد معارضة مبدئية من المجتمع الصحفي، ونتطلع صادقين أن ينحاز مجلسكم للوقوف ضدها بحزم.”
وتابعت المذكرة : ” وإذ يفترض في مجلس الصحافة أن يدافع عن حرية الصحافة والتعبير، وأن يسعى لتطوير المهنة، التي تشكل الرقابة الأمنية أكبر حجر عثرة في استقرارها ونمائها، فإننا نناشد مجلسكم بالوقوف ضد الرقابة الأمنية، وإعلان ذلك، والتقدم بالنصح لرئاسة الدولة، التي يتبع لها جهاز الأمن ومجلس الصحافة، للإنصات لصوت العقل والحكمة ورفع الرقابة الأمنية عن الصحف فوراً”.
** اعصامات واحتجاجات ضد الرقابة :
تحرك الصحفيون السودانيون دفاعا عن حريتهم وحرية ممارستهم للمهنة حيث قام اكثر من مائة وخمسين (150) صحفياً وصحفية يوم الاثنين 17 نوفمبر 2008 م ، بتنفيذ اعتصام سلمي أمام مبنى البرلمان السوداني بدعوة من شبكة الصحفيين السودانيين . رفع فيه الصحفيون شعارات تندد بالرقابة وتصفها بأنها ” انتهاك للدستور” وتطالب بحقوق الصحفيين في النشر وممارسة الحرية التي كفلتها لهم المادة (39) من الدستور الانتقالي الذي انبثق عن اتفاقية السلام الشامل الموقعة في 2005.
و لم تكتف السلطة بتجريد الصحفيين من حريتهم الصحفية بل جاء رد فعل السلطات الأمنية عنيفا حيث قامت قوات الشرطة باعتقال ثلاثة وستون (63) صحفياً وصحفية من أمام مبنى البرلمان بالخرطوم ، وكذلك رفضت قوات الأمن المتواجدة أمام البرلمان السماح للصحفيين والصحفيات بدخول مبنى البرلمان الأمر الذي دفع بعض النواب إلى مخاطبة التجمع واستلام المذكرة من أمام البرلمان ،حيث خاطبهم ياسر عرمان رئيس كتلة الحركة الشعبية بالبرلمان،وفاروق أبوعيسي ممثل كتلة التجمع الوطني الديمقراطي ، وممثل لكتلة الشرق، وممثل لكتلة دارفور بالبرلمان ،و بعد مخاطبة المتجمهرين واستلام المذكرة حضرت عربات الشرطة و اعتقلت (25) صحفية و(38) صحفياً حيث تم احتجازهم بقسم شرطة أم درمان جنوب لمدة تسع ساعات بعدها تم إطلاق سراحهم بالضمان الشخصي.
ومن أبرز الصحفيين الذين تم اعتقالهم : الدكتور مرتضي الغالي رئيس تحرير صحيفة أجراس الحرية وأستاذ الإعلام بالجامعات السودانية ، والأستاذ فيصل محمد صالح الكاتب الصحفي واستاذ الاعلام بالجامعات، والكاتب الصحفي الاستاذ الحاج وراق.
وعقب إطلاق سراح الصحفيات والصحفيين عقدت شبكة الصحفيين السودانيين مؤتمراً صحفياً بصحيفة الصحافة أوضحت فيه تفاصيل ما حدث وأعلنت فيه أكثرمن تسع صحف الإضراب، والتوقف عن الصدور صبيحة يوم الثلاثاء ( 18/11/2008 م ) احتجاجاً على الرقابة وتعرض الصحفيات والصحفيين للاعتقال والمعاملة التي لا تليق بكرامتهم ومصادرة حقهم في التعبير.
** أكبر توقف احتجاجي للصحف ضد الرقابة الامنية :
الخبر الرئيسي الذي تناقلته كل وسائل الاعلام في العالم صبيحة يوم الثلاثاء الثامن عشر من نوفمبر 2008 م ، كان هو خبر إحتجاب تسعة صحف سياسية سودانية (يومية واسبوعية عربية وانجليزية) عن الصدوراحتجاجاً علي الرقابة والممارسات الأمنية القمعية ، و تضامناً مع شبكة الصحفيين السودانيين عقب توقيف (63) صحفياً وصحفية من منسوبيها أمام مبنى البرلمان بسبب إحتجاجات على الرقابة المفروضة على الصحف , والدعوة لسن قانون جديد لوسائل الاعلام يضمن حرية الصحافة، وقال مراقبون ان هذا الحدث كان اكبر توقف احتجاجي لصحف سودانية عن الصدور منذ ما قبل الاستقلال.
والصحف التسعة التي اعلنت توقفها عن الصدور احتجاجاً علي الرقابة هي : ( الميدان ، وأجراس الحرية ، ورأي الشعب ، والسوداني ، والصحافة ، والأحداث ، والأخبار ، وخرطوم مونتر ، والأيام ).
** تضامن عالمي واقليمي واسع مع الصحفيين السودانيين :
تضامنت قوي اقيلمية ودولية عديدة مع نضالات الصحفيين السودانيين ضد الرقابة الأمنية ،وكانت في طليعة المنظمات الاقليمية الداعمة للصحفيين السودانيين : الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان، وعالمياً وقفت هيومن رايتس ووتش ، ومراسلون بلا حدود ، ومنظمة العفو الدولية ، ومنظمة المادة 19 ، واللجنة الدولية لحماية الصحفيين وقفة صلبة بجانب نضال الصحفيين السودانيين ، كما كان لمركز الخرطوم لحقوق الانسان وتنمية البيئة القدح المعلي في فضح ممارسات الرقابة الأمنية علي الصحف.
** عـــ 2009 ــام القهر والرقابة :
شهد مطلع العام 2009 م ، هجمة شرسة علي الحريات الصحفية في السودان ، وتشديداً في قمع حرية الصحافة والتعبير سيما وأن الرقابة السابقة للنشر التي يفرضها جهاز الأمن الوطنى والمخابرات ، علي الصحف السودانية،ظلت متواصلة بلا إنقطاع منذ فبراير 2008 م .. وعلي الرغم من أن دستور جمهورية السودان الإنتقالي لسنة 2005 م، يكفل الحق في التعبير،وعلي الرغم من مصادقة السودان علي عدد من المواثيق والعهود الدولية والإقليمية التي تضمن الحق في التعبير عن الرأي بحرية ودون قيود، إلاَّ أن الرقابة الأمنية ظلت متواصلة وتتزايد حدتها وشراستها يوماً بعد يوم.
** الأيام المُظلِمة :
شهد يوم الثلاثاء 10 فبراير 2009 م، أفظع حالة أنتهاك لحق التعبير في مطلع هذا العام ،وذلك بتعطيل صحيفة (الميدان)،عن الصدور بسبب إجراءات الرقابة الأمنية السابقة للنشر. وقالت الصحيفة في بيان لها بتاريخ 11 فبراير : ( قام الرقيب الأمني بحذف كلمة الميدان وهي تمثل رأينا كل أسبوع في أهم القضايا التي تشغل بال الوطن والمواطنين.. وقد درج الرقيب الأمني مراراً علي استهداف هذه الكلمة طيلة الشهور الاخيرة. كما قام ايضاً بحذف أربعة أخبار .. وهي أخبار سياسية تناولتها العديد من الصحف الأخري .. علاوة علي حذف الخط الرئيسي من الصفحة الأولي .. والتعليق السياسي بكامله وهو يمثل رأينا حول النزاع في دارفور وتداعياته الراهنة والمخرج الأمثل لحل هذه القضية .. كل ذلك بالصفحة الأولي .. وقد طالت هذه الهجمة ست صفحات أخري ما بين حذف مواد بالكامل “اربعة مواد” أو حذف عدد من الفقرات المهمة والمؤثرة في العديد من المواد المعدة للنشر مما أفقدها معناها ومغزاها ).
بلغت جملة المواد المحذوفة من هذا العدد من صحيفة الميدان (16) مادة مما تعذر معه صدور الصحيفة.وتشتكي إدارة صحيفة الميدان من تحامل ضباط الأمن عليها، إذ أرسلت الصحيفة في يوم 11 فبراير خطاب إحتجاج مفتوح إلي مدير جهاز الأمن والمخابرات، تعبر فيه عن رفضها للرقابة الأمنية ، وتوضح فيه تحامل مندوب الأمن المكلف بممارسة الرقابة علي الصحيفة. وأورد الخطاب : ( نود الإحاطة بأن المندوب المكلف من قبلكم بالرقابة القبلية علي صحيفة الميدان يتحامل علينا كثيراً وبصورة واضحة جداً .. . لدرجة أننا أصبحنا لا ندري علي أي المعايير يتم السماح أو عدمه بنشر المواد في الصحف. ذلك أن الرقيب المعني يقوم وبتعسف شديد بحذف العديد من المواد من صحيفة الميدان بدعوي أن النشر فيها محظور في حين أن نفس هذه المواد تنشر في صحف أخري .. وبين أيدينا العديد من الأمثلة علي ما ذهبنا إليه) .
في صباح يوم الأحد 15 فبراير 2009 م ، حكمت محكمة جنايات الخرطوم شمال ،برئاسة القاضي مدثر الرشيد ، علي المحامي كمال عمرعبد السلام، القيادي بحزب المؤتمر الشعبي المعارض ،و – هو كاتب مداوم بصحيفة رأي الشعب – بالسجن لمدة ستة أشهر ، في قضية نشر ، رفعها ضده جهاز الأمن والمخابرات الوطني .. تحت المادة ( 159 ) إشانة السمعة .وجاء الحكم علي خلفية هذه القضية، وكان عمر قد كتب مقالاً في العام 2007م، نشرته صحيفة ( رأي الشعب)، قال فيه : إن جهاز الأمن إستبعد من عضويته أبناء دارفور ، ودلل علي ذلك بعدد من الشواهد…. وكان المتهم الأول في هذه القضية رئيس تحرير صحيفة (رأي الشعب) الذي مثُل بدلاً عنه مدير التحرير الذي برَّأته المحكمة. وقضي كمال مدة شهرين في سجن امدرمان قبل الإفراج عنه.
تواصلت الرقابة السابقة للنشر التي يفرضها جهاز الأمن علي الصحف ، وزدات حدتها بصورة أكثر ضراوة مع إرهاصات قرار المحكمة الجنائية الدولية.
وبدأ المسئولون في أجهزة الدولة بنشر تهديداتهم في وسائل الإعلام الرسمية، وإرسال إشاراتهم للصحفيين بالكف عن الخوض في أمر المحكمة الجنائية سلباً أو ايجاباً. وتكاملاً مع هذا النهج الرسمي للدولة، أمر ضباط الأمن الذين يراقبون الصحف مديري تحرير عدد من الصحف بقرار الكف عن الكتابة في موضوع المحكمة الجنائية.وقد حذفت موضوعات تفوق ال (20) موضوعاً من صحف : (الميدان) و(أجراس الحرية) تتناول موضوع المحكمة ( في مدة اسبوع واحد ).
في هذا الجو المشحون بالتوترات والتهديدات ، وفي يوم 25 فبراير 2009 تحديداً تم تجميد الحسابات المصرفية لمركز الخرطوم لحقوق الإنسان وتنمية البيئة.
وفي يوم 26 فبراير 2009 م أعلن المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول صلاح عبد الله «قوش»، عن تحذير شديد اللهجة للمؤيدين للمحكمة الجنائية الدولية. وقال، إن كل من يحاول إدخال يديه لإنفاذ مخططاتها : «سنقطع يده ورأسه وأوصاله، لأنها قضية لا مساومة فيها» حسب تصريحاته.
في يوم 1 مارس 2009 م ، ألقي جهاز الأمن والمخابرات الوطني القبض على الصحفي التونسي الأصل، بريطاني الجنسية زهير لطيف الذي يعمل في محطة فرانس 24 التي تبث برامجها بالعربية ،وصحيفة (الحياة) بدعوي مخالفته قوانين الهجرة، وإشتراكه فيما وصف بأنه أنشطة لا يشملها التفويض الممنوح له .
وقبل أيام من هذه الحادثة في 28 فبراير 2009 م ،أبعدت السلطات السودانية أيضا الصحفية الكندية من أصل مصري ،هبة علي ،لإرسالها تقارير عن أزمة دارفور وصناعة السلاح في السودان .(8)
في يوم 4 مارس 2009 م ،أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارها الخاص بتوقيف الرئيس عمر البشير ، ومنذ هذا التاريخ ، شددت الأجهزة الأمنية إحكام قبضة الرقابة القبلية ، علي كل ما ينشر بالصحف الصادرة في الخرطوم ، خصوصاً ما يكتب حول المحكمة الجنائية، بل وأعلنت الأجهزة الأمنية والشرطية بواسطة قياداتها بطرد كل من يتحدث عن المحكمة الجنائية أو يؤيدها من السودان وإعتباره منزوع الجنسية، إن كان مواطناً سودانياً.
وكان أول رد فعل علي قرار المحكمة الجنائية ، بتوقيف الرئيس السودانى عمر البشير ،هو إبعاد عشر منظمات دولية عاملة في المجال الإنساني من السودان ،وإغلاق ثلاث منظمات وطنية ومصادرة ممتلكاتها، وتضمن ذلك إغلاق مركز الخرطوم لحقوق الإنسان وتنمية البيئة في الرابع من مارس عقب إعلان قرار المحكمة بربع ساعة.و منعت الصحف من نشر الرأى الآخر حول إبعاد المنظمات الدولية و إغلاق الوطنية .
وترك إغلاق مركز الخرطوم لحقوق الإنسان وتنمية البيئة أثره علي مسار حرية التعبير و الصحافة و حقوق الإنسان في السودان ، حيث كان المركز يعمل علي تدريب وتأهيل الصحفيين علي مهارات العمل الصحفي وحقوق الإنسان وحرية التعبير و الصحافة ، ويستضيف شبكة صحفيون لحقوق الإنسان (جهر)، التي تعمل في مجال رصد وتوثيق إنتهاكات حق التعبير وحقوق الإنسان ، كما يعمل المركز أيضا علي تقديم العون القانوني للصحفيين الملاحقين من قبل السلطات.
بإغلاق مركز الخرطوم لحقوق الإنسان وتنمية البيئة قصدت الحكومة السودانية،أن تضرب خط الدفاع الأول للمدافعين عن حقوق الإنسان.وأرادت بذلك أن تشل حركة حقوق الإنسان، والمدافعين عن حرية التعبير في السودان. وقد أدي إستهداف ومضايقة نشطاء وقيادة المركز إلي إضطرار قيادته لمغادرة البلاد قسراً فى 17 و 18 فبراير، فى ذروة حملة أمنية من التضييق و الإستدعاءات و التحقيقات و الإعتقالات الأمنية ، وصلت مرحلة التعذيب النفسى و البدنى .
يوم الخميس 12 مارس 2009 م ، أوقفت نيابة أمن الدولة بالخرطوم المواطن موسي رحومة البالغ من العمر «29» عاماً بتهمة طباعة كتاب عن دارفور بعنوان (دارفور فى أجندة القوى الوطنية) وذلك بموجب شكوى تقدم بها جهاز الأمن والمخابرات فى مواجهة الرجل، قالت فيها إن الكتاب يحوى معلومات مغلوطة عن دارفور الغرض منها تهديد السلام العام والإنتقاص من هيبة الدولة. يوم الثلاثاء 17 مارس 2009 م ، لم تصدر صحيفة (الميدان) وتسبب في تعطليها عن الصدور بشكل مباشر إجراءات الرقابة المسبقة التي يمارسها ضباط الأمن علي الصحف.
في يوم الخميس 19 مارس 2009 م، تم حبس كل من الكاتب الصحفي بصحيفة (أجراس الحرية) الحاج وراق ، و الصحفي عادل الباز رئيس تحرير صحيفة (الأحداث) علي خلفية قضية نشر. و أثر حكم سابق بتغريم الكاتب الصحفي الحاج وراق مبلغ 20 مليون من الجنيهات السودانية. و بعد إستنفاذ مراحل التقاضي أمام القضاء، أصدرت محكمة الخرطوم شمال
قراراً يقضي :إما بسداد المبلغ كاملاً صبيحة 20 مارس، أو بتنفيذ أمر قبض في الحاج وراق ليذهب الي السجن.
وفي ذات اليوم الخميس 19 مارس 2009 م ، منع جهاز الأمن الوطنى والمخابرات صحيفة
( أجراس الحرية ) من الصدور لنشرها خبر محاكمة الحاج وراق . و خبر آخر يتعلق بتغطية مؤتمر صحفي لمستشار الرئيس مصطفي عثمان إسماعيل عندما نعت الشعب السوداني ب(الشحاذين). وقد أرسل جهاز الأمن خمسة من ضباطه الي المطبعة ، نفذوا إيقاف الطباعة ، دون الحصول على إذن قضائى .
يوم الجمعة 20-03-2009 ، منع جهاز الأمن – مرة أخري – صحيفة (أجراس الحرية) من الصدور، وذلك لليوم الثاني علي التوالي ، وقد جاء هذا المنع على خلفية خبر أوردته الصحيفة يتعلق بـ(صاحب شركة بيع بالتقسيط يتعرّض لإحتيال من تنظيم سياسي حاكم).. وكانت تفاصيل الخبر تقول : (قالت شركة أعمال عبد الرحمن محجوب التجارية للبيع بالتقسيط أنها تعرضت لعملية نصب وإحتيال من قبل أفراد ينتمون لمنظمة شبابية تتبع للمؤتمر ).
في صباح يوم الثلاثاء 14/4/ 2009 م ، لم تصدر صحيفة ( الميدان) ، وذلك ،وفقا لما ورد في بيان الصحيفة : ( نسبة للتدخل السافر لمقص الرقيب الأمني بحذف عدد كبير من المواد مما أدي لتعطيل الصحيفة عن الصدور) وقالت الصحيفة في بيانها أنها باتت محل إستهداف الرقابة، حيث أورد البيان: ( وقد أصبحت هذه الإجراءات الرقابية الأمنية السابقة للنشر، تستهدف صحيفة الميدان منذ فترة ليست بالقصيرة، وبصورة متعسفة وتنطوي علي تحامل واضح، وفي إنتهاك صريح لحقنا في حرية التعبير والنشر الذي كفله الدستور الإنتقالي وكافة العهود والمواثيق الدولية.).
وهذه هي المرة الثالثة التي يتم فيها تعطيل صحيفة ( الميدان )عن الصدور بسبب الرقابة السابقة للنشر وإجراءات رجال الأمن والمخابرات المتعسفة تجاها. ووفقا لبيان الصحيفة فقد حذف الرقيب الأمني (17) موضوعاً بكامله من العدد، مما تعذر معه صدور الصحيفة.
في يوم السبت 25 أبريل 2009م منع جهاز الأمن والمخابرات صحيفة (أجراس الحرية ) من الصدور، وقال الدكتور مرتضي الغالي ، رئيس تحرير الصحيفة ، وصحفيين وإداريين بالصحيفة، لوكالات أنباء ، ان جهاز الأمن بات يستهدف الصحيفة بصورة واضحة ويعمل علي تعطيلها بكل السبل ، ومن بينها حذف مواد معدة للنشر .
و في يوم 26 أبريل 2009 م أصدر المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق صلاح عبد الله “قوش” توجيهاً بايقاف صحيفة (الوفاق) لمدة إسبوع ،وتوقيف رئيس تحريرها عن الكتابة لمدة مماثلة،. و(الوفاق) وهي صحيفة – يعتبرها كثيرون – مقربة من حزب المؤتمر الوطني الحاكم،تم توقيفها علي خلفية نشر رئيس تحرير الصحيفة مقال تحريضي في إفتتاحيتها يوم 25 – أبريل 2009م ، أثار فيه الكراهية ضد ياسر عرمان القيادي بالحركة الشعبية لتحرير السودان.
وفي يوم الثلاثاء 5 مايو 2009 م، تم تعطيل صحيفة ( الميدان) عن الصدور للمرة الثالثة منذ مطلع هذا العام ، وذلك أيضاً بسبب إجراءات الرقابة السابقة للنشر التي يمارسها جهاز الأمن والمخابرات علي الصحف السودانية ، فقد حذف مراقبو الأمن (13) مادة من المواد المعدة للنشر .وقالت الصحيفة في بيانها : ( يجئ هذا التعطيل متزامناً مع الإحتفالات باليوم العالمي لحرية الصحافة ، كتعبير واضح علي عدم إحترام الحكومة السودانية وجهاز مخابراتها لحرية الصحافة والتعبير والنشر، فقد إعتدي الرقيب الأمني علي تسع صفحات من ستة عشر صفحة من صفحات العدد الذي كان يحتوي علي ملحق خاص بمناسبة أول مايو (عيد العمال العالمى ) .وأضاف البيان الصادر يوم الثلاثاء 5 مايو : ( أمام هذه الإجراءات المتعسفة والرقابة الصارمة لم يكن أمامنا من خيار سوي عدم صدور الصحيفة صباح اليوم).
في ذات اليوم ، الثلاثاء 5 مايو 2009 م ، تعرض الصحفي يوسف الجلال و الصحفية عبير عبدالله ، المحرران بصحيفة (الأحداث) اليومية السياسية، إلي محاولة إعتداء وتهديد من بعض الأطباء، أثناء أدائهما مهمتهما الصحفية بمستشفي أمدرمان التعليمي ،
يوم الأربعاء 6 مايو 2009 م ، لم تصدر صحيفة (أجراس الحرية) وساهم في ذلك بصورة مباشرة ضباط جهاز الأمن والمخابرات الذين يباشرون مهمة الرقابة علي الصحيفة، فقد حذفوا من العدد المعني أكثر من (15) موضوع ، مما أدي إلي تعذر صدور الصحيفة، وقال د.مرتضي الغالي رئيس تحرير صحيفة أجراس الحرية لـ (لجنة حماية الصحفيين) “إنها المرة التاسعة التي يتم فيها تعطيل الصحيفة عن الصدور منذ يناير2009”.
في يوم 5 مايو 2009 م ، أصدرت شبكة صحفيون لحقوق الإنسان (جهر) بياناً أدانت فيه الإجراءات الرقابية المتعسفة التي يمارسها جهاز الأمن الوطنى والمخابرات ضد حرية الصحافة والتعبير في السودان عموماً ، وخصوصاً تلك المتحاملة علي الصحف المعارضة، وعلي وجه التحديد صحف (أجراس الحرية) و(رأي الشعب) و (الميدان).
وإستنكرت (جهر) التعطيل المتعمد، الذي تتعرض له هذه الصحف باستمرار.وطالبت الدولة بالإضطلاع بدورها في حماية الدستور، واتفاقية السلام اللذين يكفلان حرية الصحافة والتعبير ، ويحددان مهام جهاز الأمن بأنه:( جهاز لجمع المعلومات وتحليلها وتقديم المشورة للجهات المعنية).
وقالت (جهر) :إن السلطات الممنوحة لجهاز الأمن في الوقت الراهن تعيق عملية التحول الديمقراطي ، والتداول السلمي للسلطة. ومن شأنها أيضاً أن تعمل علي إفشال الإنتخابات القادمة . كما إن الإنتهاكات المتواصلة لحرية التعبير في السودان، تدلل علي عدم جدية الحكومة في الإلتزام بانفاذ التحول الديمقراطي، وتشكك في مصداقيتها تجاه الإنتخابات القادمة.
في يوم 19 مايو 2009 م ، إعتصم حوالي (70) صحفي داخل مقر المجلس الوطني (البرلمان) بأمدرمان ،إحتجاجا علي مشروع قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009 م ، الذي كان من المقرر إجازته في جلسة هذا اليوم .وفي ذات الجلسة – التي كان مقرراً فيها إجازة مشروع قانون الصحافة ،إنسحب من الجلسة حوالي 168 نائباً برلمانياً ، تضامنا مع الصحفيين. وعقدوا مؤتمرا صحفياً لتوضيح موقفهم من القانون .وقد تم تأجيل إجازة مشروع القانون في تلك الجلسة .و قد أُجيز المشروع لاحقاً فى 10 يونيو 2009م.
وفي يوم الثلاثاء 26 مايو 2009 م ، لم تصدر صحيفة (الأخبار) ، وبحسب مصادر بالصحفية ،فإن حذف عدد كبير من المواد المعدة للنشر بواسطة الرقابة المسبقة ساهم في تعطيل الصحيفة .
وفي يوم الخميس 4 يونيو 2009 م ، إعتقلت الإستخبارات العسكرية بمدينة جوبا الصحفي عادل بدر للمرة الثانية ، وإحتجزته لمدة خمسة أيام بدون تحقيق وبدون توجيه أية تهمة له وقد تم اطلاق سراح بدر بعد خمسة أيام، وقد تحدث بدر عقب الافراج عنه إلي (شبكة صحفيون لحقوق الانسان) ، قائلاً :
انه لم يتعرض لمعاملة سيئة، ولم تُحقق معه الجهة التي إعتقلته ، وقد تم إطلاق سراحه بعد أن تدخل مسئولون من حكومة الجنوب.
يوم 10 يونيو 2009م لم تصدر صحيفة ( أجراس الحرية ) ، بسبب إجراءات الرقابة الأمنية السابقة للنشر ، التي عمدت إلي تعطيل الصحيفة لمرات متعددة ومتكررة .
** إجازة أسوأ قانون في تاريخ الصحافة السودانية :
في يوم 10 يونيو 2009 م ، أقر المجلس الوطني (البرلمان) مشروع قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009 م ، والذى يعتبره الصحفيون الأسوأ في تاريخ السودان، و الذي قوبل بانتقادات عنيفة من الصحفيين السودانيين والمجتمع المدني داخل السودان وخارجه؛ وعلي الرغم من تلك الاحتجاجات والإنتقادات إلاَّ أن القانون مر من داخل المجلس الوطني (البرلمان) وأُعتُمِد كقانون للصحافة.
وقد أجرى المجلس الوطني تعديلات تسقط عقوبة السجن للصحفيين التي وردت بمشروع القانون؛ إلاَّ أنه توجد قوانين أخرى ستجعلها سيفًا مسلطًا على رقاب الصحفيين. وكان مجلس الصحافة يمتلك صلاحية فرض غرامات مالية باهظة على الصحف والصحفيين تصل إلى 50 ألف جنيه سوداني (أي ما يعادل نحو 21 ألف دولار أمريكي)، وقد أسقطها القانون الجديد إلاَّ أنه ترك الباب موارباً لفرض الغرامات وترك تقديرها للقضاء.
القانون الجديد منح مجلس الصحافة صلاحية إصدار قرارات إغلاق الصحف لمدة ثلاثة أيام دون تفويض من القضاء، ومن المثير للقلق أن هذا المجلس الذي يتكون من (21) عضوًا، يقوم رئيس الجمهورية بتعيين (6) منهم من بينهم الامين العام ؛ مما يفسح المجال لمزيد من سيطرة الدولة على مجلس الصحافة.
ولم يقدّم القانون الجديد تنظيمًا لآليات تدفق المعلومات بين الجهات الرسمية والصحفيين الذين يقع علي عاتقهم البحث عن المعلومات و الإعتماد بشكل كامل على مصادرهم الذاتية، في بيئة معادية لحرية تدفق المعلومات.
وبموجب هذا القانون يوكل للسلطات الحكومية القدرة على فرض القيود على الصحافة لإعتبارات الأمن القومي والحفاظ على النظام العام”.
و لم يخلو القانون من العبارات الفضفاضة التي تحتمل تأويلات وتفسيرات عدة من قبيل حظر نشر كل ما من شأنه “إثارة الفتن الدينية أو العرقية أو العنصرية أو الدعوة للحرب أو العنف”، والتأكيد أن على الصحف “إحترام وحماية الأخلاق العامة، والقيم الدينية”.
وقد إنتقدت جهات عديدة ، دولية واقليمية ووطنية هذا القانون ، من بينها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان ، ولجنة حماية الصحفيين ، وهيومن رايتس ووتش ، والمادة 19، وشبكة الصحفيين السودانيين ، وشبكة صحفيون لحقوق الانسان (جهر) القانون مؤكدة أنه يتناقض مع الدستور الإنتقالي لجمهورية السودان لسنة 2005م، ويتنافي مع كافة المواثيق والعهود الدولية المصادق عليها من قبل جمهورية السودان، كالعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية ، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان.
وفي ذات السياق طالبت (شبكة الصحافيين السودانيين) و(جهر) بإلغاء القانون ، وعقدت الشبكتان لقاءات متعددة جمعت صحفيين و نشطاء حرية تعبير و حقوق إنسان ، إلى جانب نشطاء سياسيين من كل ألوان الطيف السياسي والأحزاب السياسية .وفي المقابل كان يوازيها فى الضفة الأخرى في ذات الوقت إجتماعات ولقاءات أخري بين مدير جهاز الأمن وبعض رؤساء تحرير الصحف ،إنتهت تلك اللقاءات إلي إتفاق أعلن عنه أمام الملأ، بأن إجراءات سوف تتخذ عاجلاً لوضع حد للرقابة علي الصحف .لكن شيئاً من ذلك لم يحدث كما ورد ببيان شبكة الصحفيين السودانيين . وقد شاركت شبكة الصحفيين السودانيين وشبكة صحفيون لحقوق الانسان (جهر) – ضمن آخرين- في صياغة مسودة لقانون الصحافة والمطبوعات الذي أودعته كتلة التجمع الوطني الديقراطي منضدة المجلس الوطني(البرلمان).وأبدت الشبكتان ملاحظاتهما حول المسودة التي صاغتها (مؤسسة إتجاهات المستقبل) وأدرجت هذه الملاحظات في المسوده .
وكان مجلس الوزراء قد أجاز في مطلع شهر أبريل ، مسودة قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009 ،التي أعدها المؤتمر الوطني والحركة الشعبية. وأودعها منضدة المجلس الوطني في 20 أبريل 2009 في دورته الطارئة التي بدأت في الثاني عشر من أبريل 2009.
وقد ووجه مشروع القانون بإنتقادات عنيفة لمخالفته للدستور الإنتقالي لجمهورية السودان لسنة 2005م، وتعارضه مع كل المواثيق والعهود الدولية ، وإنتهاكه لأحد أهم مبادئ القانون الدولي الإنساني ، وهو الحق في التعبير.
فى ذات الوقت أعلنت شبكة الصحفيين السودانيين رفضها لمشروع القانون ،وقالت في بيان لها:
ترفض الشبكة مشروع القانون الذي أعده الشريكان في سياق مطالباتها المتكررة بضرورة تحرير الصحافة من الوصاية وتركها لتقوم بدورها المهني والأخلاقي بمسؤولية وشرف.
وإذ تري أن المشروع يتعارض تعارضاً جوهرياً مع الدستور الإنتقالي وتطالب المشرعين من أعضاء المجلس والقوي السياسية بالعمل الفوري علي إلغائه وإستبداله بمشروع قانون أكثر ديمقراطية، يتماشي مع الحقوق والحريات التي تضمنها الدستور الإنتقالي والمواثيق والعهود الدولية والإقليمية التي صادق عليها السودان.
وأعلنت الشبكة رفضها لمشروع القانون الذي يحرم الصحافة من أداء وظائفها الأساسية ،لأنه ينتهك حق الحصول علي المعلومات الذي نص علية الدستور الانتقالي، وإتفاقية السلام التي تَعتَبِر إنتهاك حقوق الإنسان، إنتهاك للإتفاقية نفسها.كما ورد في البيان الذي أصدرته شبكة الصحفيين السودانيين. وعلي إثر المعارضة القوية التي وجدها مشروع قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009م ، من المجتمع الصحفى بأكمله ، وكنتاج للإحتجاجات المتعددة للصحفيين السودانيين التي نظمتها شبكة الصحفيين السودانيين، و آخرين ،أعلنت الكثير من القوي السياسية ، ومنظمات المجتمع المدني ،تضامنها مع الصحفيين، وإنسحبت كتلتا الحركة الشعبية لتحرير السودان والتجمع الوطني الديمقراطي بالمجلس الوطني، من الجلسة الخاصة بالتداول حول مشروع قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009م، والذي تمّت إجازته في مرحلة السمات العامة.
وشهد المجلس الوطني (البرلمان) منازعات بين الكتل البرلمانية حول الجهة التي وضعت مشروع القانون المثير للجدل، فيما قابلت شبكة الصحفيين السودانيين القانون بجملة من التحفظات، وتجمّعت أعداد من الصحفيين داخل البرلمان وسلّموا مذكرة إحتجاج للكتل البرلمانية المختلفة.
وقد نجحت شبكة الصحفيين فى تنظيم وقفة إحتجاجية داخل وخارج مبنى البرلمان, شارك فيها أكثر من 70 صحفى سودانى ، من العاملين فى الداخل والخارج، إحتجاجا علي إجازة القانون الذي يعتبره الصحفيون معيق لعملهم ومنتهك لحقوقهم.
في يوم الإثنين الأول من يونيو، وتحت شعار : (معاً ضد إيقاف الصحف )، نظمت شبكة الصحفيين السودانيين يوما تضامنيا مع صحيفة ( ألوان)، الموقوفة بأمر جهاز الأمن الوطنى والمخابرات منذ 15 مايو 2008 م، عقب نشرها خبر عن إختفاء طائرة عسكرية مقاتلة تتبع للجيش السوداني في أعقاب هجوم حركة العدل والمساواة علي أمدرمان في 10 مايو 2008م .
يوم الخميس 25 يونيو 2009 م ، إعتقلت سلطات الأمن بمدينة جوبا الصحفي آيزاك واني ، أثناء تغطيته لأعمال المجلس التشريعي بالجنوب، وقال واني لموقع (سودان تريبيون) إن السلطات إحتجزته لمدة خمسة أيام عقب كتابته أخبار ومقالات عن الوضع بالجنوب ، و عن إنهيار بنك النيل التجاري بالجنوب.
في يوم السبت 27 – يونيو 2009 م ، لم تصدر صحيفة (أجراس الحرية) بسبب إجراءات الرقابة السابقة للنشر، وقد تم حذف العديد من المواد مما تعذر معه صدور الصحيفة .
وفي يوم الإثنين 29 يونيو،إستدعت نيابة المال العام بكوستي الصحفي راشد أوشي مراسل صحيفة (السوداني ) اليومية، وكان الإستدعاء علي خلفية حصوله علي مستند خاص بقضية الدواء الدوار، وهو قيد التحقق من الأمر لدي وزير الصحة بالولاية .ولم يقم بنشر أي معلومات حينما استدعته السلطات.
صباح يوم الثلاثاء 28 يوليو 2008م ، إحتجبت صحيفتي (الميدان) و (أجراس الحرية) إحتجاباً قسرياً ، عن الصدور بسبب إجراءات الرقابة السابقة للنشر التي يفرضها جهاز الأمن والمخابرات علي الصحف السودانية (بحسب بيان جهر).وقد حذف مندوبو الأمن مساء الإثنين 27 يوليو 2009 م ، من صحيفة (الميدان) عشر مواد بكاملها ، ومن صحيفة (أجراس الحرية ) تسع مواد بكاملها ، بالإضافة إلي التدخل في السياسة التحريرية للصحيفتين.وحذف عدد من الفقرات المهمة والمؤثرة مما أفقد المواد معناها ومغزاها. وقد أدي هذا التدخل من قبل مندوبي الأمن وحذف هذا الكم الكبير من المواد المعدة للنشر من الصحيفتين الي تعطيلهما عن الصدور .
يوم 29 يوليو 2009 م، احتجزت الشرطة مراسلي كل من وكالة أنباء رويترز وقناة الحرة وصحف الميدان وأجراس الحرية أثناء تغطيتهم لمحاكمة الصحفية لبني الحسين ، وذلك عقب اشتباك الشرطة مع ناشطين وصحفيين تجمهروا امام المحكمة فرقتهم الشرطة بالقوة عقب تأجيل المحاكمة.
وأعربت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان عن تجديد مساندتها التامة للصحفية لبني وكافة النساء السودانيات اللاتي يتعرضن للاضطهاد والعنف بحماية قانونية ، مطالبة بتعديل المادة 152 من قانون العقوبات التي من شأنها تكريس العقوبة على فتيات أخريات، معتبرة أن هذه المادة تخالف الدستور وتتجاوز الحريات.
يذكر أن لبنى قد أحيلت إلى المحاكمة بتهمة ارتداء ملابس “تخدش الحياء والذوق” حيث رأت الشرطة القائمة على تنفيذ قانون النظام العام في ملابس (لبنى) خطراٌ على المجتمع وقيمه السمحة !! والعقوبة لهذه الجريمة هي الجلد 40 جلدة وبشكل علني وذلك وفقاً لنص المادة (152) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 بتهمة “ارتداء ملابس مُضايقة للشعور العام”، وهو ما اعتبر انتقاما من شخص الصحفية لكتاباتها المعارضة للنظام السوداني وللمتشددين الإسلاميين بالسودان.
** المحكمة الدستورية تجيز الرقابة علي الصحف !
في يوم 2 اغسطس 2009 م أمر القاضي عبد الله الأمين البشير ، رئيس المحكمة العليا ، بشطب الطعن الدستوري، والدعوى الدستورية ، التي تقدمت بها صحف (الميدان ، وأجراس الحرية ، وراي الشعب) ضد جهاز الأمن والمخابرات الوطني لممارسته الرقابة السابقة للنشر عليها وتعطيلها من الصدور.
وكان المحامون : نبيل أديب عبد الله ،وعلي محمود حسنين، وكمال عمر عبد السلام ، وأميمة أحمد المصطفى، وخنساء أحمد علي قد تقدموا بعريضة طعن دستوري ضد جهاز الأمن والمخابرات الوطني (بتاريخ 14 سبتمبر 2008م) بحجة أنه وفي تواريخ مختلفة فرض رقابة مسبقة على النشر لمواد مختلفة في صحف سودانية عديدة بينها ( الميدان ، واجراس الحرية،و راي الشعب) .. وان تلك الرقابة ترتب عليها منع نشر تلك المواد وأوردوا تدعيماً لدعواهم الأسباب الآتية: أولاً: خرق حريتي التعبير والنشر وقالوا في هذا الخصوص بأن الرقابة المسبقة وحظر النشر بعد ذلك يخرق الحق الدستوري للطاعنات وفقاً لأحكام المادة 39 (1) من الدستور.
ثانياً: منع النشر ينتهك حق الطاعنات في نشر المعلومات. .. ثالثاً: منع النشر يشكل إخلالاً بالمحكمة العادلة.
.. رابعاً: منع النشر ينتهك حرية الصحافة… خامساً: الحظر المسبق للنشر، ورغم أن هذا المبدأ يخضع لاستثناءات إذ لابد أن يكون هناك ما يمكن الدولة من حماية مصالحها في الدفاع ومن ذلك مثلاً نشر معلومات عن التحركات العسكرية في زمن الحرب.
والتمسوا في عريضتهم إعلان أن كافة أشكال الرقابة المسبقة على النشر الصحفي التي يمارسها جهاز الامن والمخابرات الوطني هي أعمال تتعارض مع الدستور كما طالبوا بمنح الطاعنات كل على حده تعويض اسمي قدره 10.000 جنيه لما حاق بهم من ضرر.
** رُفِعَت الرقابة وبقيت القيود :
في يوم 27 سبتمبر 2009 م ، أعلن الرئيس عمر البشير رفع الرقابة عن الصحف ، وان كان في قراره هذا محمدة فهو قد اثبت فعلياً ان هنالك رقابة صارمة كانت تُمارس علي وسائل الاعلام ، اذ ان الجهات التي كانت تمارس الرقابة كانت تنكر ان هنالك رقابة علي الصحافة ووسائل الاعلام !! وقد اصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان بياناً رحبت فيه بالقرار الذي أعلنه الرئيس “عمر البشير” برفع رقابة الدولة المسبقة على الصحافة المكتوبة والتي تقوم بها أجهزة المخابرات مساء كل يوم في قاعات تحرير الصحف لحذف المواضيع التي تعتبرها السلطة حساسة جدا، وهو ما يعتبر خطوة جيدة فى سبيل حرية الصحافة فى حال تنفيذ القرار بنصه دون تغييرات او ممارسات حكومية تعرقل تنفيذه.
وكان جهاز الامن قد دعا عددا من رؤساء التحرير الي اجتماع بخصوص رفع الرقابة على الصحف فى السودان ، وقدم لرؤساء التحرير ميثاق مكتوب وطلب التوقيع عليه بغية رفع الرقابة ، الا ان بعض الصحف لم توقع علي الميثاق لانه مفروض عليهم ولم يكونوا طرف في صياغته ، وبالمقابل وقع عدد كبير من رؤساء التحرير عليه ، و سوف يطبق ميثاق رفع الرقابة على الصحافة المكتوبة فقط ولن يشمل التلفزيون. او الاذاعة المملوكتين للدولة وحزبها المسيطر.
وقد أبلغ عدد من الصحفيين السودانيين في اتصالهم بالشبكة العربية ان “الحكومة تحاول تحسين صورتها بأي ثمن أمام الرأي العام خاصة مع اقتراب إجراء اول انتخابات عامة رئاسية وتشريعية تشهدها السودان منذ اكثر من 20 عاما, وان الحكومة تريد الظهور بمظهر الداعم للحريات وسط حرج دولى واسع وضغوط عالمية عقب قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب فى دارفور” .
وطالبت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان الحكومة السودانية بالجدية فى تنفيذ القرار برفع الرقابة على الصحافة وتوسيعه ليشمل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والا يكون القرار مجرد “وعود انتخابية” و معربة عن أملها في أن يكون القرار بداية مرحلة جديدة لإقرار الحريات الأساسية التي غابت طويلا عن السودان وعلى حرية التعبير والتظاهر والتجمعات السلمية والسماح للتيارات المعارضة بالعمل دون عراقيل.
** الأعتداء علي الصحفيين أثناء تأدية عملهم :
صباح الاثنين 7 ديسمبر 2009 ، ، قامت الشرطة بإطلاق أطنان من الغاز المسيل للدموع ، و مارست تعدياً و عنفاً بالهراوات و السياط و أعقاب البنادق ، لتفريق مواطنين ، تجمعوا أمام البرلمان ، ليمارسوا حقهوقهم المشروعة التى يكفلها الدستور الإنتقالى لعام 2005 م، و المواثيق الدولية ،و ليعبروا عن أمانيهم و أشواقهم فى التحول الديمقراطى ، لوطن، عانى من الحروب و الأزمات .
وبحسب بيان لشبكة صحفيون لحقوق الأنسان ” فقد تم إعتقال مئات المواطنين ، و الزج بهم فى حراسات الشرطة ، و تعرضوا للإهانة و الإذلال و العنف المادى و المعنوى ، بطريقة وحشية ، تؤكد أن الدولة البوليسية ، ما زالت مصرة على المضى فى طريق كبت الحريات و إنتهاك حقوق الإنسان، غير عابئة بشعارات و مطلوبات التحول الديمقراطى المنشود”.
و كان من بين المعتقلين عشرات الصحفيات و الصحفيين و نشطاء/آت حرية الصحافة والتعبير ،و قد منعوا من ممارسة حقهم كمواطنين و مهنيين . و حُرمِت معظم القنوات الخارجية من التغطية الخبرية ، و صُودرت أشرطة التسجيل ، و هو سلوك ، ليس بجديد على أجهزة الأمن السودانية . وأورد البيان قائمة باسماء الصحفيين والصحفيات الذين تعرضوا للإعتقال التعسفى و الضرب و الإذلال ، و هم يمارسون حقهم فى التعبير و يقومون بواجباتهم المهنية تجاه نشر الأخبار و المعلومات و الحقيقة ، عبر أقلامهم و تغطياتهم الصحفية :
- بطرس يعقوب ، صحيفة أجراس الحرية.
- أتيم سايمون ، صحيفة الاخبار .
- قمر دلمان ، صحيفة أجراس الحرية.
- هنادي عثمان ، صحية الرأي العام.
- درة قمبو ، صحيفة الأحداث.
- فريق تغطية تلفزيون جنوب السودان.
- فريق تغطية قناة الجزيرة.
وعبرت شبكة ( صحفيون لحقوق الإنسان) ، عن رفضها لهذه الإعتداءات السافرة بحق حرية التعبير ، وطالبت بتقديم مرتكبي الانتهاكات ضد المتظاهرين الي المحاكمة.
وفي يوم الأثنين 14 ديسمبر 2009 م – وفي اعقاب فض المظاهرة السلمية لتحالف قوي المعارضة ، اعتقلت الشرطة (118) مواطناً ، وأساءت معاملتهم اثناء الاحتجاز ، بحسب بيان آخر لشبكة جهر . ووأوضح البيان ” اعتقلت الشرطة عدد كبير من الصحفيين والصحفيات ، ونشطاء/ات حرية التعبير ،أثناء قيامهم بواجبهم المهني في تغطية الأحداث ، ومن بين الصحفيين/ات المعتقلين :
- لوشيا جون أبوي ، قناة الشروق.
- هاشم حسن رحمة الله ، صحيفة صوت الأمة.
- آدم محمد بشر ، صحيفة صوت الأمة.
- ليلي الصادق ، صحيفة صوت الأمة.
- سارة عبدالحميد ، صحيفة صوت الأمة.
- محمد علي فزاري ، صحيفة صوت الأمة.
- رضا زكريا ، صحيفة صوت الامة.
- الفاضل الصادق، صحيفة صوت الأمة.
- رشان أوشي ، صحيفة التيار.
- فريق تغطية قناة العربية.
وتابع البيان : “حاصرت الشرطة دار صحيفة صوت الأمة ، واعتقلت عدد من صحفييها.كما اعتدت بالضرب علي مراسلي عدد من وكالات الانباء وصادرت أجهزة تسجيلهم وآلات التصوير الخاصة بهم. وهذا هو منهج معروف تنتهجه أجهزة الأمن والشرطة السودانية لإخفاء جرائهما والانتهاكات التي ترتكبها عن أعين العالم وصحافته “.
وأدانت شبكة صحفيون لحقوق الإنسان الانتهاكات التي ارتكبها الشرطة ضد المواطنين العُزَّل ، وقالت ان الحق في التجمع السلمي هو حق منصوص عليه في دستور السودان الإنتقالي .
واستنكرت بشدة الاعتقالات والمضايقات التي يواجهها الصحفيون والصحفيات في سبيل نقل المعلومات ونشرها وهو حق معلوم ، أيضاً ، كفله الدستور وكافة المواثيق والعهود الدولية.
وطالبت في بيانها وزارة الداخلية بكشف هوية افراد الشرطة الذين اعتدوا علي الصحفية لوشيا جون ، وتقديمهم للمحاكمة وعدم التستر علي هذه الجريمة. وتابع البيان :” نذكر رئيس اتحاد الصحفيين الذي يتصارع مع اعضاء حزبه علي منصب سياسي مرموق بأن يلتفت لانتهاكات حرية الصحافة وقمع الصحفيين اثناء تأدية مهامهم، وأن يوفر اتحاده الحماية للصحفيين والصحفيات للقيام بواجباتهم بدلاً من الاشتغال بتجميل وجه النظام”.
وانتقدت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين الاعتداءات علي الصحفيين السودانيين اثناء تأدية عملهم .
حجب المواقع الالكترونية :
تحجب الهيئة القومية للاتصالات، وهي هيئة حكومية، العديد من المواقع الإلكترونية داخل السودان ، فى فترات مختلفة . ومن بينها علي سبيل المثال موقع (اليوتيوب) . وقد تم حجب هذا الموقع بعد أن نشرت فيه صور لأفراد وضباط يتبعون لجهاز الأمن والمخابرات يقومون بتعذيب أطفال من دارفور، تم إعتقالهم إثر الهجوم الذي شنته حركة العدل والمساواة علي مدينة أمدرمان فى مايو العام الماضي. وعقب الإعلان عن قرار المحكمة الجنائية الدولية الخاص بتوقيف الرئيس عمر البشير حجبت الهيئة الموقع الإلكتروني للمحكمة الجنائية الدولية ، وكانت الهيئة تحجب موقعي اللادينيين العرب و العلمانيين العرب ،وقد تلاحظ عودتهما في الآونة الأخيرة، إلاَّ أنها عودة غير منتظمة . كما تحجب الهيئة موقع المصطفي دوت كوم ، وهو عبارة عن مكتبة إلكترونية تحتوي علي كتب لكتاب مشهورين ، وكتب حول التاريخ الإسلامي، وكتب مصادرة من الحكومات في الوطن العربي.
وفي الآونة الأخيرة عملت الهيئة القومية للإتصالات علي حجب بعض المواقع الحقوقية ،و بخاصة التى تنشر إنتهاكات حقوق الإنسان فى السودان ، بما فى ذلك دارفور. ويتعذر -أحياناً- الوصول لموقع الأمم المتحدة الذي يحتوي علي تقرير المقرر الخاص حول السودان – فى فترات مختلفة- و لم يتأكد ، إن كان هو الآخر تم حجبه بوسطة الهيئة أم لا. وكانت الهيئة القومية للاتصالات في السابق تقوم – بعد حجب الموقع – بوضع رسالة علي رابط الموقع توضح فيها أنها قامت بحجب الموقع المعين، الاَّ أنه تلاحظ في الآونة الأخيرة إختفاء هذه الرسالة.
شركات الإتصالات وإنتهاكـ الخصوصية :
درجت شركات الإتصالات على إنتهاكات الخصوصية ، بأشراف أقسام تابعة لجهاز الأمن و يديرها ضباط أمن،عبر التصنت على المستفيدين من الخدمة ، إذ تقوم الشركات العاملة في مجال الإتصالات والهواتف النقالة بتسجيل المكالمات بين المستفيدين من الخدمة ، مما يعد إنتهاكا للخصوصية . ويتضرر من هذا الإجراء الصحفيون ويتعرضون لكشف مصادرهم و التجسس على مكالماتهم .
مصادرة الأعمال الأدبية :
في أواخر شهر ديسمبر من العام 2008م، صادرت (إدارة المصنفات الأدبية والفنية) وهي هيئة حكومية ، رواية ( أماديرا) للكاتبة أميمة عبدالله ، وقد ألقت هذه الحادثة بظلالها السالبة علي حرية التعبير عن طريق الآداب والفنون. ولفتت الإنتباه لأهمية مراجعة قانون المجلس الإتحادي للمصنفات الأدبية والفنية ، وطبيعة تكوينه.
الإذاعة والتلفزيون :
وفي إطار الحديث عن حرية التعبير في السودان ، يتعذر الحديث عن الإذاعة والتلفزيون ، حيث تمتلك الدولة ( الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون ) وتوجه العاملين فيها بالإلتزام التام بتوجُهات الدولة ، و بما أن الهيئة القومية للاذاعة والتلفزيون تصرف علي العاملين فيها من أموال الدولة ودافعي الضرائب فيجب أن تكون الإذاعة والتلفزيون عبارة عن أجهزة خدمة عامة يستفيد منها الجمهور، إلاَّ أن الواقع يعكس خلاف ذلك، حيث تعمل الإذاعة والتلفزيون علي التبشير ببرنامج الحزب الحاكم فقط . وحتي الإذاعات الخاصة تضطر لعدم فتح أبوابها للجميع .وقد رفضت الحكومة في وقت سابق لإذاعة (مرايا إف إم ) التابعة للامم المتحدة ببث برامجها في الشمال وظلت محصورة فقط في جنوب السودان.
** خطوط حمراء :
طيلة سنوات الرقابة والأيام المُظلمة، تعتبر الموضوعات التي تتناول قضايا : دارفور ، و السدود ، والعنف الطلابي ، والمهجرين ، وخصخصة مشروع الجزيرة ، والفساد ، وتدني الخدمات ، وقانون الصحافة والمطبوعات ، وحقوق الإنسان ، والصحة ، وعنف الشرطة في فض التظاهرات، وقضايا التعليم والمناهج والكتب المدرسية ، والنازحين ، واللاجئين ،والمحكمة الجنائية الدولية ، وأوضاع السجون ، والتهجير القسري ، وتجاوزات جهاز الأمن والمخابرات ،والرقابة من الموضوعات التي يُمنع الخوض فيها وتناولها. وكذلك يمنع الأمن الكتابات التي تنتقد الحكومة، أو تلك التي تطالب بتحسين أوضاع الحريات.
** إدانات دولية واسعة لإنتهاكات حرية التعبير :
[… إن الرقابة عديمة الجدوى لأنها تبقى عاجزة أمام الواقع. فما الفائدة من إرسال عناصر من قوات الأمن إلى المطابع ومقرات المؤسسات الإعلامية؟ ،لا يسع المقص الرقابي أن يبدّل أي حرف من أي خبر يرغب في إخفائه. ولا يمكن تصحيح الأخطاء بمجرّد حجبها كما لا يمكن تسوية المشاكل بمجرّد طمسها. أما مراقبة الصحافيين، وتهديد رؤساء التحرير، وتعليق الصحف، فليست إلا تدابير حسبها أن تظهر من الحكومة وجهها القمعي، وأن تبرز نقاط ضعفها، وأن تخلق لها الأعداء. هذه هي الرسالة التي تأمل مراسلون بلا حدود توجيهها إلى السلطات السودانية].
بهذه العبارات القوية الشاجبة للممارسات الأمنية المنتهكة لحرية التعبير و الصحافة إبتدرت منظمة مراسلون بلا حدود رسالتها للحكومة السودانية المعنونة (إرفعوا الرقابة رأفةً بالسودان) ، وقال جان – فرانسوا جوليار وليونار فينسان ، الأمين العام والمسئول الإعلامي في مراسلون بلا حدود في رسالتهما : في خلال رحلتنا إلى الخرطوم والفاشر في مارس 2007، لاحظنا بإعجاب حيوية الصحافة في الخرطوم والآمال التي بعثها اتفاق السلام في العام 2005. وقد حرصنا في التقرير الذي أعددناه بعنوان “تحقيق حول الناشطين المنسيين في الأزمة” على التشديد على مدى “نشاط وتنوّع” المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية السودانية وتسليط الضوء على فضيحة صمت الإعلام الغربي عن هذا الواقع المهم في سودان اليوم.
** مفاجآت في انتظار مراسلون بلاحدود :
…” ولكن أحداث الساعة تكذّبنا. فقد بدأت المؤسسات الإعلامية الخاصة في الخرطوم تختنق، برزوحها تحت وطأة أجهزة أمنية مماحكة تقتحم مكاتبها ومطابعها. وتلي المداهمات والمصادرات، عمليات تعليق أو تدابير قسرية تتخذها أجهزة الدولة بسعيها الدائم إلى التسبب بتعثّر الصحف فارضة عليها العيش في الخوف وحارمة إياها من موارد ضرورية. إن الصحافيين أنفسهم لم يعودوا يتحمّلون الغلال التي تكبّلهم، فقد طفح كيلهم من التطفّل والحذر اللذين تفرضهما حكومتهم عليهم. وكأنهم مسؤولون عن المشاكل التي يعانيها السودان وينقلونها إلى السودانيين. وكأن معاقبتهم والتنكيل بهم كفيلان بتغيير وجه الحقيقة. فإن القرّاء وحدهم، وليس عناصرالأمن، مخوّلون بمحاكمة الصحف ومعاقبتها. يكفي ألا يشتروها.”
ويضيفا في رسالتهما المطولة للحكومة السودانية : “إن هذا السعي العبثي وراء الحقيقة الذي بات الخبز اليومي للمؤسسات الإعلامية في الخرطوم انطلق في السادس من فبراير 2008 إثر الإقدام سراً على إعادة فرض وسيلة بالية رحّب الجميع بإسقاطها في العام 2005. فمنذ العاشر من فبراير، باشرت قوات جهاز الأمن أداء وظيفة القمع لاغية مقالة نشرت في الصحافة. وفي الأيام التالية، عمدت إلى حظر صدور صحيفة رأي الشعب، وإخضاع رئيسي تحرير الأحداث والوطن لاستجواب مطوّل، وإجبار المسؤولين في كل من الميدان، و السودانى والوفاق، والرأي العام، على إلغاء أحد المقالات ليلاً… ولم تتوقف لازمة الأحداث منذ ذلك الحين. وفي الرابع من نوفمبر، قررت أسر تحرير أجراس الحرية، والميدان، ورأي الشعب، التعبئة طمعاً في حكمة مسؤولي البلاد” .
ويقولا :” في ظل هذه التطوّرات، لا يسعنا إلا التساؤل ما إذا كان السودانيون أقل قلقاً وما إذا كان السودان قد أفلت من قبضة الأزمة. بالطبع لا.
فلا فائدة من الرقابة، ذلك أن الخبر، الصحيح، سيبقى خبراً يتم التداول فيه على رغم أنف الصحف. لذا، تناشد مراسلون بلا حدود السلطات السودانية برفع هذه التدابير العبثية والمخالفة للدستور التي تجنّد الموظفين سدى، وتعاقب المواطنين المثقفين والمسؤولين بلا جدوى، أكانوا صحافيين أم قراء. فإن الرقابة تخدم من ينمو على دمال الشائعات والآمال المزيّفة بالحرية أكثر مما تخدم السودانيين المسؤولين والفخورين بالانتقاد والتعرّض للانتقاد والقادرين على مواجهة الواقع بوعي وإدراك. وها أن الأوان قد حان لإقصاء الرقابة العديمة الجدوى والعبثية والخطرة إلى أسحق أيام الماضي العقيمة”.
كانت هذه رسالة مراسلون بلا حدود للحكومة السودانية ، وبالمقابل فقد كانت كل المنظمات الدولية الداعية والداعمة لحرية التعبير وحقوق الانسان تنادي برقع الرقابة الأمنية السابقة للنشر عن الصحف السودانية ، وقد وثقت عبث الرقابة الأمنية بصورة ممتازة هيومن رايتس ووتش في تقريرها المعنون : ( معركة كل يوم : الرقابة والمضايقات بحق الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في السودان) والذي نشرته في مطلع العام 2009 ، وساهمت بصورة رئيسية من خلاله بالضغط علي الحكومة السودانية برفع الرقابة والتدابير الأمنية السابقة للنشر من الصحف السودانية. والفقرات التالية من هذا التوثيق كلها منقولة من تقرير(معركة كل يوم).
** القانون الدولي والسوداني المعني بحرية التعبير :
السودان مُلزم باحترام الحق في حرية التعبير وضمانه لكافة المواطنين بموجب القانون الدولي وبموجب الدستور الانتقالي. إلا أن بعض القوانين المحلية لا تتفق مع هذه الالتزامات. وتستمر الحكومة السودانية في استخدام قوانين تفرض الرقابة وغيرها من أشكال القمع على حرية التعبير والإعلام.
** القانون الدولي والدستور الانتقالي :
السودان دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وبموجب المادة 19 من العهد فثمة التزامات قانونية على الدول تتلخص في صيانة حرية التعبير والمعلومات:
لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها. .
ويسمح العهد الدولي للحكومات بفرض قيود معينة على حرية التعبير، إذا كانت هذه القيود بموجب القانون وضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. إلا أنه بموجب “مبادئ جوهانسبرغ” فلكي يصبح القيد مشروعاً وفي صالح الأمن القومي:
أن يكون الغرض الحقيقي منه حماية الدولة أو وحدة أراضيها ضد استخدام القوة أو التهديد بها، أو قدرة الدولة على الرد على مثل هذا التهديد باستخدام القوة، سواء من مصدر خارجي، كتهديد عسكري، أو مصدر داخلي، كتحريض على العنف لقلب نظام الحكم… وعلى الأخص فإن القيد الواجب المُبرر بناء على أسانيد الأمن القومي لا يصبح مشروعاً إذا كان غرضه الأساسي هو حماية مصالح لا علاقة لها بالأمن القومي، ومنها على سبيل المثال حماية الحكومة من الإحراج أو فضح الأخطاء.
والأعمال التي تتخذها السلطات السودانية، لا سيما جهاز الأمن الوطني، لا تستقيم مع المحاذير على القيود الواردة في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
كما أن السودان دولة طرف في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وورد في المادة 9 منه:
1 – من حق كل فرد أن يحصل على المعلومات .
2 – يحق لكل إنسان أن يعبر عن أفكاره وينشرها في إطار القوانين واللوائح .
وفي أكتوبر 2002 تبنت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إعلان مبادئ حرية التعبير في أفريقيا، ووردت فيه التزامات إيجابية على الدول الأطراف بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب فيما يتعلق بحرية التعبير، ومنها ضرورة عدم احتكار الدولة لنظام البث التلفزيوني والإذاعي.
كما ورد في الدستور الانتقالي لعام 2005 التزامات دولية تحمي حرية التعبير ووردت في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وفي الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. والمادة 39 من الدستور الانتقالي أكدت على: (1) لكل مواطن حق لا يُقيد في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول إلى الصحافة دون مساس بالنظام والسلامة والأخلاق العامة، وذلك وفقاً لما يحدده القانون. (2) تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفقاً لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي. (3) تلتزم كافة وسائل الإعلام بأخلاق المهنة وبعدم إثارة الكراهية الدينية أو العرقية أو العنصرية أو الثقافية أو الدعوة للعنف أو الحرب.
** القوانين المحلية :
هناك بعض القوانين المحلية السودانية التي تسمح بأعمال لا تستقيم والتزامات السودان بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بحرية التعبير. ويستخدم المسؤولون هذه القوانين للسيطرة على أنشطة الصحفيين والرقابة على الإعلام المطبوع.
والقانون الجنائي السوداني لعام 1991 يُجرم بعض أنشطة الصحفيين، ومنها “نشر الأخبار كاذبة” و”إشانة السمعة”، وتُستخدمان بكثرة من قبل السلطات السودانية لاتهام الصحفيين والمحررين بهذه الجرائم الخاصة بنشر معلومات تُرى على أنها تنتقد السلطات. مثلاً في نوفمبر 2007، تم الحُكم على كل من محجوب عروة، رئيس تحرير صحيفة السوداني، ونائبه الكاتب نور الدين مدني، بالحبس شهرين بعد رفض دفع غرامة 10 آلاف جنيه سوداني لكل منهما (5000 دولار أميركي) بتهمة إشانة السمعة. ووجه جهاز الأمن الوطني الاتهامات بعد أن نشرت الصحيفة مقالاً ينتقد قوات الأمن على اعتقالها أربعة صحفيين كانوا يحاولون تغطية موضوع عن مقتل متظاهرين في موقع سد كجبار في الولاية الشمالية وقامت الشرطة في المظاهرة بفتح النار على المتظاهرين.
وهناك أحكام قانونية أخرى لا علاقة مباشرة لها بالإعلام، لكن تستخدمها السلطات لعرقلة الكتابة المستقلة عبر التهديد بتبعات قانونية جسيمة وعقوبات مالية. وفيما لا يمنح القانون الجنائي سلطات مباشرة لجهاز الأمن الوطني فيما يتعلق بالإعلام، فإن قانون قوات الأمن الوطني لعام 1999 يمنح الجهاز سلطات موسعة في مجالات الرقابة والتقصي والتفتيش واحتجاز الأشخاص ومصادرة الممتلكات، واستدعاء الأشخاص واستجوابهم ومطالبتهم بالمعلومات والبيانات والوثائق أثناء أداء الجهاز لعمله (ومهامه فضفاضة التعريف لكنها تشمل الحفاظ على الأمن الوطني في السودان وحفظ تماسك الأراضي وأي مهام أخرى يكلف الجهاز بها رئيس مجلس الأمن الوطني). ويسمح قانون قوات الأمن الوطني لجهاز الأمن الوطني بإجراء الاعتقالات التعسفية والتحفظ على الأفراد في الحبس الانفرادي بمعزل عن العالم الخارجي وتمديد الاحتجاز دون مراجعة قضائية وتنفيذ عمليات تفتيش تعسفية. بالإضافة إلى أن القانون يمنح جهاز الأمن الوطني الحصانة من المقاضاة، بموجب المادة 33 (ب):
لا يجوز اتخاذ أي إجراءات مدنية أو جنائية ضد العضو أو المتعاون في أي فعل متصل بعمل العضو الرسمي إلا بموافقة المدير، ويجب على المدير إعطاء هذه الموافقة متى ما اتضح أن موضوع المساءلة غير متصل بذلك .
ويفسر مراقبو جهاز الأمن الوطني قانون قوات الأمن الوطني بصفته يهيئ لهم الرقابة على الإعلام عبر جملة من الإجراءات، منها الرقابة قبل النشر المباشرة، وتجميد أو حتى إغلاق الصحف جراء نشر معلومات تُرى على أنها حساسة أو تنتقد الحكومة، وتهديد الصحفيين والمحررين بالاعتقال والاحتجاز.
كما تسمح القوانين السودانية للحكومة بالرقابة المباشرة وغير المباشرة على الإعلام. وقانون الصحافة والمطبوعات لعام 2004 يهيئ الاختصاص والسلطات للمجلس القومي للصحافة ، وهو الجهة المسؤولة عن منح التراخيص للمؤسسات الصحفية المحلية والأجنبية، وتسجيل الصحفيين، والنظر في الشكاوى، وهذا عبر التحذيرات وفرض العقوبات والتأديب. والمادة 25 من القانون (ترخيص الصحف والدوريات والمطبوعات الإعلامية) تطالب جميع الصحف والمطبوعات بتجديد رخصتها سنوياً وكافة الصحفيين بالتسجيل لدى المجلس لكي يتمكنوا من مزاولة مهنة الصحافة. إلا أن المجلس ليس هيئة مستقلة، وتشرف عليه وزارة المعلومات والاتصالات ويحق للبرلمان التدخل فيه، الذي يهيمن أيضاً على موارده المالية.(وجاء قانون 2009 مشابه تماماً لقانون 2004)
وهذه القوانين تسمح للأمن الوطني وتُستخدم من قبله من أجل تبرير أي مسلك يخالف منهج العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ومبادئ جوهانسبرغ والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. وإلى جانب وضع حد للممارسات الخاصة بالرقابة على الصحف والمضايقات والإساءات بحق الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان، فعلى الحكومة السودانية أيضاً أن تصلح فوراً هذه القوانين بحيث تصبح متفقة مع التزامات السودان بموجب القانون الدولي ومبادئ حرية التعبير المذكورة في الدستور الانتقالي.