29/1/2009

في تقرير هو الثامن لها، تابعت اللجنة السورية لحقوق الإنسان رصد حالة التراجع في أوضاع حقوق الإنسان في سورية، مشيرة إلى أن الفترة التي يغطيها التقرير، وهي الممتدة من كانون الثاني/ يناير وحتى كانون الأول/ ديسمبر 2008، “شهدت منعطفات حادة في مسيرة تراجع حقوق الإنسان في سورية إلى مستويات متدنية جداً لم تشهد البلاد نظيراً لها منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي”. وخلال العام المنصرم، تحولت جلسات المحاكمات في محكمة أمن الدولة العليا إلى سرية ابتداء من منتصف العام ولم يعد باستطاعة العالم متابعة وقائع الظلم الفادح الذي توقعه هذه المحكمة التي تعوزها الشرعية الدستورية والقانونية بحق المواطنين.

والتقرير الذي يقع في 54 من الحجم المتوسط، هو ثامن تقرير للجنة يوثق لحالة حقوق الإنسان في سورية في عهد الرئيس بشار الأسد الذي وصل إلى السلطة عام 2000.

مجزرة سجين صيدنايا:

في هذا العام، ارتكبت السلطات مجزرة في أكبر سجن بالبلاد في ظروف غامضة ذهب ضحيته عدد غير معلوم من المعتقلين مما يعيد إلى الأذهان المجازر التي ارتكبت في حقبة القمع الرهيب. ففي صباح 5/7/2008 وصلت قوة تعزيزية إضافية وبدأت حملة تفتيش بطريقة استفزازية مهينة رميت خلالها نسخ من المصحف الشريف على الأرض وديس عليها، مما أثار المعتقلين الإسلاميين. وذُكر أن عدد القتلى وصل إلى خمسة وعشرين دون أن تتمكن اللجنة من تحديد هوياتهم فعلاً.

وحاول بعض أهالي المعتقلين التماس الزيارة أو الاطمئنان عن أبنائهم، لكن لم يُسمح بالزيارات منذ ذلك الوقت.

وتواردت بعد ذلك أنباء عن تسليم جثث بعض المعتقلين في سجن صيدنايا لأسرهم، لكن لم تعلم اللجنة أن أحداً من معتقلي سجن صيدنايا قد أفرج عنه حياً منذ ذلك التاريخ. ووردت أنباء عن تصفيات في السجن قُدّرت بـ127 معتقلاً منذ بداية الأحداث، وذُكر أنه تمت إعادة توزيع للمعتقلين في مهاجع السجن وأقسامه ونقل آخرين إلى سجون أخرى. ولا يزال ما حدث في صيدنايا غامضاً، ويُعتقد أن مجزرة رهيبة على غرار مجازر سجني تدمر المزة قد وقعت.

القانون 49 لعام 1980:

واستمرت السلطات برفع وتيرة استهداف أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وأبنائهم والقريبين منهم والحكم عليهم بقسوة بموجب القانون 49 لعام 1980 الذي يحكم عليهم بالموت. والذين طالهم القانون في هذا العام كان معظمهم أبناء لأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين أو مؤيديهم هاجروا مع أسرهم إلى المنفى الاضطراري هرباً من الموت أو أنهم ولدوا في المنفى، ولا علاقة لهم بالإخوان، وعندما عادوا اعتقلوا وتعرضوا للتعذيب ثم الحكم عليهم بالإعدام قبل تخفيض العقوبة إلى 12 سنة سجن مع الأشغال الشاقة والتجريد من الحقوق المدنية. واعتقل هذا العام ثلاثة عشر مواطناً عند عودتهم إلى البلد، وآخرون انقطعت أخبار محاكماتهم بعدما تحولت جلسات محكمة أمن الدولة العليا هذا الصيف إلى سرية.

أما المهجرون القسريون الذين اضطروا للنزوح عن بلدهم بسبب القانون 49/1980 أو نتيجة الملاحقة لأسباب سياسية فهم يعدون بعشرات الآلاف ويتوزعون على ثلاثة أجيال. وهؤلاء يعيشون في الغربة في أوضاع مأساوية، بينما لا يسمح لهم النظام السوري بعودتهم دون تعريضهم للاعتقال والمحاكمة. ونبهت اللجنة إلى أن الأوضاع تضيق تدريجياً على المهجرين القسريين في البلدان المجاورة، فلقد لقي عدد كبير من القاطنين في العراق صنوفاً من المعاناة التي تراوحت ما بين الاعتقال من قبل القوات العراقية والأمريكية إلى القتل من الميليشيات الطائفية، واضطر معظمهم إلى مغادرة العراق. والذين اتجهوا نحو سورية ألقي القبض عليهم وحوكموا، والذين اتجهوا نحو اليمن يعيشون في ظروف معيشية صعبة، مع صعوبة ففي الحصول على الإقامة. كما سُجل ترحيل عدد من المهجرين القسريين من بعض بلدان الجوار وتشديداً في شروط الإقامة مما جعل بعضهم يفقد عمله والبعض الآخر يفكر في الرحيل من غير أن يجد البديل.

ولم يتمكن عدد كبير من المهجرين القسريين وأفراد أسرهم الحصول على جوازات سفر من السفارات السورية وخصوصاً المولودون في بغداد بسبب وضع شروط لا يستطيعون الوفاء بها.

وشهدت العطلة الصيفية نوعاً مختلفاً من المعاناة، فكثير من النساء والأولاد الذين يستطيعون زيارة البلد أخضعوا للتحقيق والاستجواب بشكل مكثف تجاوز ما يحصل في المرات السابقة، بغية الحصول على المعلومات عن الزوج أو الوالد أو الأخ، ثم طلب منهم الحصول على إذن بمغادرة البلاد من الفروع الرئيسية في العاصمة، وبعضهم لم يسمح له بالعودة حتى تحرير هذا التقرير.

ولا تزال السلطات السورية تتجاهل ملف المفقودين الذين مضى على اعتقالهم واختفائهم في السجون ما يقارب ثلاثة عقود. ويبلغ عدد المفقودين سبعة عشر ألف مواطن سوري يُعتقد أن السلطات السورية قامت بتصفيتهم جسدياً أو نتيجة تفشي الأمراض الفتاكة والأوبئة في السجون. ويُعتقد انهم دفنوا في حفر جماعية أو طرحوا مع النفايات. وتفرض السلطات الأمنية حظراً على الحديث في هذا الموضوع، ومن يتحدث به من ذوي المفقودين يعاقب بقسوة بالغة. كما أن بعض أسر المفقودين لا تزال تلقى المعاناة والمحاربة في معيشتها، وتخضع أسر أخرى لابتزاز عناصر المخابرات مالياً حيث يوهمونها بأن صاحب العلاقة ما يزال على قيد الحياة وباستطاعتهم ترتيب زيارة له أو تبشيرها بقرب الإفراج عنه لقاء مبالغ مالية.

المعتقلون الإسلاميون:

وقد تصاعدت وتيرة استهداف الإسلاميين من كل الاتجاهات تحت مسميات عديدة في الوقت الذي فتحت الأبواب مشرعة للتشيع العابر للحدود، حيث صدرت عشرات الأحكام في هذا السياق. وتطلق السلطات السورية لنفسها العنان في الاعتقال والتعذيب وإصدار الأحكام المتعسفة أكثر مما تفعله مع الملفات الأخرى، مستفيدة بذلك من المناخ الدولي في محاربة الإسلاميين عموماً تحت يافطة الحرب على الإرهاب الفضفاضة ومن شراكتها مع بعض القوى الكبرى حيث تقوم السلطات السورية بالوكالة عنها بالتعذيب والتحقيق وتزويدها بقوائم أسماء مشكوك في صحتها. وتلعب الأجهزة الاستخبارية السورية لعباً مزدوجة تتيح لها الظهور بمظهر الممانع في نفس الوقت الذي توقع فيه شركاءها الممانعين في الشرك المنصوب لهم بعناية كما حصل في الحالة العراقية وفي حالة فتح الإسلام.

وتحظر السلطات السورية النشاط الديني المنفتح على المجتمع، وتلاحق كل من تجد عنده حركة بهذا الاتجاه، وتخضع المعتقلين الإسلامين عموماً لأقسى أنواع التعذيب وتحكم عليهم بأقسى أنواع العقوبات.

معتقلو إعلان دمشق ونشطاء المجتمع المدني:

وأقدمت السلطات السورية هذا العام على اعتقال ومحاكمة قادة إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي المعارض، فقد أصدرت محكمة الجنايات حكمها بالسجن لسنتين وستة أشهر، بتهمتي إضعاف الشعور القومي ونقل أخبار كاذبة من شأنها توهين نفسية الأمة، على اثني عشر من قيادات الإعلان وإعضاء مجلسه الوطني. وفي سياق متصل، رفضت السلطات الأمنية السورية تنفيذ قرار محكمة النقض بإعفاء الكاتب الإصلاحي ميشيل كيلو والناشط محمود عيسى من ربع مدة الاعتقال على خلفية التوقيع على إعلان بيروت – دمشق.

في هذه الأثناء، قادت السلطات السورية حملة شرسة لتشويه سمعة المعتقلين ونشطاء إعلان دمشق وشككت في وطنيتهم وسخرت لذلك وسائل الإعلام التابعة لها وبعض الأشخاص المرتبطين بأجهزة الأمن.

وصعدت السلطات السورية من وتيرة هجومها على نشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني، فاعتقلت العشرات وأعادت اعتقال آخرين اعتقلوا سابقاً في خطوة لإخماد النشاط الحقوقي والمدني. وكل هذه الاعتقالات عشوائية، لأنها لا تستند إلى مذكرة توقيف حسب الأصول ولا إلى القواعد الناظمة المبررة للاعتقال.

وإلى جانب ذلك، دأبت السلطات السورية على احتجاز مواطنين كرهائن عن ذويهم أو أقاربهم للضغط عليهم ليسلموا أنفسهم أو ليقلعوا عن معارضة النظام. كما يندرج في إطار استهداف النشطاء والمعارضين المنع من السفر، حيث كثرت أسماء الممنوعين من السفر لتبلغ الآلاف، وتعددت القوائم من الجهات الأمنية والمخابراتية المختلفة بسبب النشاط في الشأن العام أو على خلفية تقارير مزيفة أو بسبب القرابة من معتقلين أو مهجرين أو نتيجة التجريد من الحقوق المدنية بعد الاعتقال.

الأكراد:

وارتفعت وتيرة استهداف النشطاء الأكراد والحكم عليهم أمام محاكم غير منصفة ثم أصدرت السلطات في الثلث الأخير من العام المرسوم التشريعي 49 لعام 2008 الذي يحدد ملكية واستخدام الأراضي في المناطق الحدودية مما يجعل الأكراد أكبر المتضررين منه.

ويعتقل الناشطون الكرد عموماً بتهمة الانتماء إلى جمعية سرية تهدف إلى سلخ جزء من سورية وضمه إلى دولة أجنبية، أو إثارة الشغب والحض على النزاع بين عناصر الأمة.

المعتقلون العرب:

وعلى صعيد آخر، استمرت السلطات السورية في اعتقال وإخفاء عشرات المواطنين العرب من دول الجوار مثل العراق والأردن وفلسطين والسعودية ولبنان، وعدم الاعتراف بهم إلا في حالات محدودة جداً. فلبنان ما يزال يطالب بالكشف عن مصير 650 معتقلاً اختفوا في السجون السورية من ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، في حين اعترفت السلطات السورية مؤخراً في هذا العام بوجود 46 لبنانياً. وبينما تقول اللجنة الوطنية للدفاع عن المعتقلين الأردنيين إن في السجون السورية أكثر من 250 معتقلاً أردنياً، فإن السلطات السورية لم تعترف بعدد المعتقلين الأردنيين في سجونها. أما بالنسبة للفلسطينيين، فهم يعيشون داخل المجتمع السوري ويستهدفون بنفس الأسلوب الذي يستهدف به المواطن السوري. ولا تزال ترد أخبار بين حين وآخر عن اعتقال سعوديين زائرين لسورية بتهمة الانتساب للتيار السلفي الذي تصفه السلطات السورية عادة (بالوهابي التكفيري المتشدد) أو بقصد الابتزاز المالي. ولقد دأبت السلطات الأمنية السورية على اعتقال المعارضين الأحوازيين، وبينهم نساء، وتسليمهم لإيران، على الرغم من تمتعهم جميعاً بحق اللجوء السياسي من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين/ مكتب دمشق.

التعذيب في السجون السورية:

ويستخدم التعذيب بصورة روتينية السجون ومراكز التحقيق في سورية، ولا سيما في فترات التوقيف الأولى عندما يكون المعتقل قيد التحقيق، بينما الإهانة وإساءة المعاملة الحاطة بالكرامة البشرية مستمرة طيلة فترة السجن. وهناك مؤشرات عديدة إلى عودة أسلوب التصفية الجسدية تحت التعذيب أو الإعدام وخصوصاً عندما يكون صاحب العلاقة إسلامياً أو كردياً. وقد وثقت اللجنة عدداً من الحالات، منها حالة ياسر السقا وأحمد رمضان وعبد الإله البيطار ومواطن من آل “سنو” وأحمد موسى الشقيفي، والمعتقل الفلسطيني جميل عبد الله أحمد الحنايشة. كما أوردت اللجنة أسماء بعض ضحايا مجزرة صيدنايا، ومنهم: زكريا عفاش ومجد مجاريش ومحمود أبو راشد وعبد الباقي خطاب وأحمد شلق ومؤيد العلي وخالد بلال ومهند العمر وخضر علوش وآخرون. واستلمت أسرة المعتقل الأردني في السجون السورية جميل عبد الله شحادة جثته بعد أن قتل في سجن صيدنايا ولا يعلم إن كان قد مات تحت التعذيب أو في المجزرة التي حصلت قبل ذلك.

ولم تتوقف السلطات السورية هذا العام عن إطلاق النار على المواطنين لأتفه الأسباب وقتلهم، ومن هذه الحالات: إطلاق النار على مجموعة من الأكراد كانوا يحتفلون بعيد النيروز في مدينة القامشلي فأردي ثلاثة منهم قتلى، هم محمد زكي رمضان وأحمد محمد حسين ومحمد يحيى خليل، إضافة إلى خمسة جرحى. وقتل المجند إدريس موسى أثناء أدائه الخدمة الإلزامية. وسلمت جثة المواطن الكردي المجند شيار يوسف علي إلى ذويه بعد أن قتل في ظروف غامضة، وذُكر أن شاباً آخر من منطقة عين العرب/كوباني قتل معه في نفس الحادثة. ولقي محمد خليل عمران، العنصر في الشرطة العسكرية، مصرعه نتيجة إعدامه ميدانياً على يد رئيسه المباشر في فرع “مشروع دمر للشرطة العسكرية”. وقتل الناشط الحقوقي سامي معتوق وصديقه جوني سليمان برصاص دورية أمنية أثناء تواجدهما أمام منزل أحدهما.

ومما يقوي النوازع “العدوانية” لدى عناصر الأمن؛ القوانين التي تحميهم من المساءلة والمحاكمة، فقد صدر عن رئيس الجمهورية مرسوم بحصر قرار ملاحقة عناصر الشرطة والأمن السياسي والجمارك المتهمين بممارسة التعذيب بالقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة رغم إنهم يتبعون إدارياً لوزارة الداخلية وليس للجيش.

التضييق على مؤسسات المجتمع المدني:

بينما استمرت وزارة الشؤون الاجتماعية في رفض ترخيص منظمات حقوق الإنسان التي تقدمت بطلبات للترخيص منذ سنوات عديدة، قامت السلطات السورية بتحجيم العديد من مؤسسات المجتمع المدني المستقلة والناجحة في عملها، مثل الأندية الرياضية والجمعيات الأهلية والاجتماعية والخيرية، كما قامت بالتدخل في إدارة بعض الجمعيات الخيرية الناجحة وحل مجالس إدارتها المنتخبة وتعيين مجالس بديلة. ويتصدى لهذه الأعمال غير الدستورية وغير القانونية كل من وزير الأوقاف ووزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل والأجهزة الأمنية.

وبعدما أصبح نادي الكرامة الحمصي نجماً متألقاً في عالم كرة القدم على المستوى الإقليمي والدولي بفضل تضافر التعاون بينه وبين جمهوره ومدربه محمود عويط، الأمر الذي لم يرق للسلطات السورية التي دعت فجأة إلى تغيير مجلس الإدارة والضغط على كثير من اللاعبين لترك النادي بمن فيهم المدرب.

وقامت وزارة الأوقاف بمصادرة المعاهد الدينية المستقلة، وطلبت أن يكون التبرع عن طريقها، وتم تهديد بعض المتبرعين عن طريق بعض الجهات الأمنية. وتقوم وزارة الأوقاف حالياً بمنع جمع التبرعات لبناء المساجد.

الصحافة والإعلام والانترنت:

وتضخمت قائمة المواقع الإلكترونية الاخبارية والحقوقية والدينية والحوارية المحجوبة في سورية، حتى طال المنع مواقع مقربة من السلطات السورية. وقامت السلطات بوضع القيود في كل الاتجاهات، فطلبت من مقاهي الانترنت الاحتفاظ بالمعلومات الشخصية الكاملة لروادها على مسؤوليتهم، وشددت رقابتها على الانترنت، وألقت القبض على كثير من المدونين من أصحاب الرأي الآخر وحكمت عليهم بتهم نشر أكاذيب وتوهين نفسية الأمة وإضعاف الشعور القومي. وإلى جانب ذلك، ظل الإعلام بأنواعه الثلاثة، المقروء والمسموع والمرئي، حكراً على الحكومة.

وقد احتلت سورية المرتبة 159 من أصل 173 دولة شملها تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود العالمي لحرية الصحافة للعام 2008 الذي أصدرته في تشرين الأول/أكتوبر 2008.

الحصول على نسخة من نوع ادوبي اكروبات ريدر. (حجم الملف: 1687ك.ب)
http://www.shrc.org/data/aspx/014ARLREP.aspx

اللجنة السورية لحقوق الإنسان