5 ديسمبر / كانون الأول 2007
تونس
المرصد الوطني لحرية الصحافة و النشر و الإبداع في تونس – OLPEC
المصدر: المجلس الوطني للحريات بتونس
قضت محكمة الناحية بساقية الزيت من أحواز صفاقس برئاسة القاضي “حاتم واردة” يوم 4 ديسمبر 2007 بإدانة الصحفي سليم بوخذير من أجل “هضم جناب موظف والاعتداء على الأخلاق الحميدة وحتى عدم الاستظهار ببطاقة الهوية” وسجنه مدة عام واحد و تخطئته بـ5 دنانير.
وقد تولّى الدفاع عنه فريق من المحامين أكّدوا في مرافعاتهم على بطلان إجراءات التتبع وعلى تجرّد التهم المنسوبة لمنوّبهم وطالبوا في الأصل الحكم بعدم سماع الدعوى واحتياطيا بإعادة أعمال البحث في القضية من طرف حاكم الناحية لما له من صفة الضابطة العدلية على معنى أحكام الفصل 16 مجلة الإجراءات الجزائية.
يذكر أنّه بعد المحاولة الفاشلة في توظيف جهاز القضاء لإنزال العقاب بالصحفي عمر المستيري خلال الصائفة الماضية _ وقبله الصحفي توفيق بن بريك والصحفيتين سهام بن سدرين وأم زياد وغيرهم _ ها هو الدور يأتي هذه الأيام على الصحفي سليم بوخذير الذي أحيل بتهم هضم جناب موظف والاعتداء على الأخلاق الحميدة وحتى عدم الاستظهار ببطاقة الهوية: طبق أحكام الفصلين 125 و 226 مكرّر من المجلّة الجزائية والفصل 7 من قانون 22 مارس 1993.
وللعلم فإن الحالات المتقدّم ذكرها وغيرها ممّا لا يتّسع المجال للتفصيل فيه تتشابه باعتبارها تأتي ضمن نسق قمعي مدبّر، تتعامل في بدايته مع الصحفي الحرّ بالاعتداءات المادية بالشارع محاولة منها لإسكاته. ثمّ لمّا تيأس من تخلّيه عن ” تحدّيها ” بمواصلة الكتابة في المواضيع ” المحرّمة ” من صنف ملفّات ” الفساد ” و ” التعذيب ” وغيرها تلجأ إلى جهاز القضاء الذي وضعته تحت وصايتها الكاملة، فتفتعل له قضية وينزل به عقابا سالبا للحرّية تشفّيا منه.
والأستاذ سليم بوخذير مرّ بالطور الأول من تسلّط ميليشيات البوليس السياسي الذين اعتدوا عليه بالعنف الشديد عدّة مرّات على خلفية مقالاته التي كشف فيها عن مسؤولية أحد أصهار الرئيس التونسي في سقوط عدّة ضحايا خلال عرض ستار أكاديمي الذي نظّم بمدينة صفاقس في بداية الصائفة الماضية، كما شكّك في رواية السلطة المتضاربة حول الأحداث شهدتها الضاحية الجنوبية في أواخر السنة الماضية. وتناول في مقالاته مظاهر الفساد المرتبط برموز السلطة وبطانتها. وأمام إصراره على حرّية الكلمة كان عليه أن يمرّ إلى الطور الثاني، وهو إحالته على القضاء لإنزال عقاب يسلبه حرّيته ويسكت قلمه لحين. و هو الدّور المنوط بالقضاء التابع.
ولوضع هذه المحاكمة في سياقها الظّرفي، فإنّ إيقاف سليم بوخذير حصل لمّا كان في طريقه إلى العاصمة عائدا إليها فجر يوم الاثنين 26 نوفمبر 2007 من صفاقس بناء على طلب مركز الشرطة بخزندار حيث يقيم عادة للحضور في ذلك اليوم قصد استكمال إجراءات الحصول على جواز السفر الذي كان مبرّر الإضراب عن الطّعام الذي استمرّ عليه لمدّة خمس عشر يوما بداية من غرّة نوفمبر 2007 بمعيّة الأستاذ محمّد النوري وقد قرّرا اثنتاهما تعليقه بعد حصولهما على وعد من وسطاء موفدين من السلطة بالاستجابة لمطلبيهما خلال أيام.
إلاّ أنه تبين من مراجعة مسلسل الأحداث التي سبقت سفره إلى تونس والطريقة التي أوقف بها السيد سليم بوخذير أن السلطة كانت تتربّص به شرّا وقد قرّرت افتعال قضيّة عدليّة تتولّى إخراجها كمسوّغ ” قانوني ” لتنفيذ مخطّط كيدي في التشفّي منه عبر الاعتداء على حريّته وإيداعه السجن.
وللتدليل على ذلك تكفي الإشارة إلى ما تضمّنه ملفّ القضيّة عدد 07 / 53894 التي أحيل فيها السيد بوخذير من قرائن تؤكّد مسعى الافتعال والتلفيق لدى السلطة وكذلك ما شاب بيانات المحاضر المكوّنة لأوراق ملفّ القضيّة المذكور من تضارب وتناقض.
1 – النية المبيّتة في إيقاف السيد بوخذير
يكفي المرء الاطّلاع على البيانات الخاصّة بساعة فتح محضر البحث عدد 1452 ومقارنتها بالوقائع الثابتة وبما ورد من بيانات المحاضر المكوّنة لملفّ القضيّة للقول بثبوت تلك النيّة لدى السلطة إذ نصّ به على أنّ الساعة هي الرّابعة فجرا _ وهو زمن لم يكن فيه السيد سليم بوخذير قد أوقف، إذ جرى إيقافه حوالي الساعة الرابعة والنصف بل إنّ محضر الاحتفاظ عدد 1452 / 4 قد نصّ به على أنّ ساعة الاحتفاظ كانت السادسة صباحا، في حين أنّ محضر استنطاقه الذي رفض الإمضاء عليه نصّ به على الساعة الرابعة والنصف صباحا.
وهذه المعطيات المتضاربة والتي تقطع بأنّ ساعة فتح محضر البحث ضد السيد بوخذير كانت سابقة لزمن إيقافه تؤكّد أنّ قرار إيقافه كان سابقا للحادثة المفتعلة التي وردت روايتها بالمحاضر، والتي رفض السيد بوخذير التصديق عليها لمخالفتها للواقع.
2 – ظروف إيقاف السيد بوخذير
يفنّد السيد بوخذير رواية ناظر الأمن المساعد نورالدين الغطاسي كما وردت بالمحضر عدد 1452 (والتي زعم فيها أنّ الحادثة تمّت بحضور مساعده لا غير) بالقول إنّه كان محلّ متابعة من طرف البوليس السياسي الذي استمرّ على تعقب سيارة الأجرة التي استقلها إلى مستوى الحاجز الأمني الذي يوجد بالكيلومتر 11 بطريق تونس، إذ تمّ الإشارة إلى السيارة بالتوقف من طرف العون الذي يحمل الزي النظامي الذي كان دوره يقتصر على المطالبة ببطاقة الهوية ثم يتدخل فريق من البوليس السياسي الذي كان يتعقب سيارة الأجرة والذي كان داخل سيارة كبيرة يركبها حوالي 10 أعوان. وما يؤكد صحة رواية السيد بوخذير التناقض الذي تضمّنته محاضر البحث.
2-1- التناقض في خصوص عدد الأعوان الذين تولّوا إيقاف السيد بوخذير
جاء بالمحضر عدد 1452 أنّ الحادثة حصلت بين السيد بوخذير من جهته وناظر الأمن المساعد نورالدين الغطاسي التابع لفرقة الطريق العمومي والذي كان رفقته زميله رقيب الأمن الوقتي سالم عبد العزيز من جهة أخرى، في حين جاء بمحضر سماع “الشاهد” شكري التريكي عدد 02/1452 حرفيا: “وقد طلب منّا الأعوان” بصيغة الجمع، أي أنّ الأمر لا يتعلق بعونين اثنين وإنّما بمجموعة. وقد كرر ذلك بالقول حرفيا: “وقد تفوّه بعبارات جارحة للأعوان”.
كما جاء بمحضر سماع الشاهد الثاني “مصطفى قويعة” قوله حرفيا: “حيث تفوّه نحو الأعوان” بصيغة الجمع أيضا. وهي قرائن تؤكد أنّ السيناريو كان معدّا سلفا ولا يتعلق الأمر بحادثة عفوية.
3 – الطعن بالتدليس في المحاضر
لقد جاءت محاضر البحث وسماع الشاهدين خالية من التنصيص على من تولى كتابتها على خلاف ما يجري عادة، عدى محضر الاحتفاظ عدد 1452/4 الذي نصّ به على الاستعانة بكاتب. إذ نصّ به على ما يلي: “وبمساعدة العون، الكاتب مفتش شرطة أوّل عبد اللطيف بن حسين”. إلاّ أنّه بالتأمّل في المحضر المذكور لا نجد أثرا لإمضاء الكاتب المذكور إذ حمل إمضاء ضابط الشرطة أوّل فتحي الميساوي فقط ! وهو ما يصيّره باطلا لمخالفته أحكام الفصل 155 من مجلة الإجراءات الجزائية التي اقتضت ألاّ يعتمد المحضر إلاّ إذا كان من الوجهة الشكلية محررا طبق القانون. كما أنّ هذا الأمر يعزّز ما صرّح به السيد بوخذير من أنّه لم يستنطق من طرف المدعو فتحي الميساوي وإنّما حضر بمركز الشرطة بساقية الزيت المدعو طارق العرفاوي وهو ينتمي إلى سلك البوليس السياسي والذي أكرهه على الجلوس أرضا بعد نزع جمازته بالقوّة من طرف عديد الأعوان الذين رافقوه أثناء البحث (وقد تعرف على أحدهم وهو المدعو “مراد” الذي يعمل يتونس العاصمة) واعتدى عليه بالعنف الشديد لكما وصفعا. وكال له عدة شتائم وفحش القول واتّهمه بأنّه جاسوس يتردد على السفارة الأمريكية وخاطبه بالقول “لا سبيل لأن يعيش الخونة بيننا” واستظهر له بمقال كان ظهر بنشرة تونس نيوز الالكترونية، مرسل عن طريق الفاكس، وتوجّه إليه قائلا: “هذا المقال لك صدر بصحيفة “الموقف” تتطاول فيه على رئيس الدولة وتنعتنا فيه باللصوص” وهذا يكفي لإحالتك من أجل جناية. وقد رفض السيد بوخذير الجواب عن أسئلته.
وهذا كلّ ما حصل ولم يسأل إطلاقا عن موضوع التهم التي أحيل من أجلها كما أنّه لم يمثل أمام الضابط الأوّل فتحي الميساوي الذي زعم أنّه حرر لوحده المحاضر (عدى محضر الاحتفاظ كما سبقت ملاحظته).
4- في بطلان سماع الشهود
اقتضت أحكام الفصل 61 من مجلة الإجراءات الجزائية: “كل شخص استدعي بوصفه شاهدا ملزم بالحضور وأداء اليمين”. كما اقتضت أحكام الفصل 64 من ذات المجلّة ما يلي: “على الشاهد أن يحلف قبل أداء الشهادة على أن يقول الحق كل الحق وألاّ ينطق بسواه ويقع إنذاره بأنّه إذا شهد زورا استهدف للتتبع…” كما أوجبت أحكام الفصل 65 من المجلة المذكورة سؤال الشاهد إن كان يوجد بينه وبين أحد الحضور وجه من أوجه التجريح. وهو الأمر الذي لم يحصل إذ تمّ سماع الشاهدين في قضيّة الحال دون أن يكونا قد أدّيا اليمين بقول الحق، كما أنّه لم يقع غنذارهما من شهادة الزور ولم يسألا إن كان يوجد وجه من أوجه التجريح يمكن أن يثيرها السيد بوخذير. بما يجعل الشهادة باطلة ولا يمكن بالتالي الاعتداد بها من طرف القضاء. وتأتي الإخلالات المتقدم بسطها لتؤكّد المسعى الكيدي ونهج التلفيق الذي اعتمدته السلطة البوليسية في محاولتها إذاية السيد بوخذير وجرّ القضاء المتذيّل لها لإنزال عقوبة سالبة لحريته. وما رفض قاضي الناحية الإفراج عنه على فداحة الإخلالات التي شابت إجراء إيقافه، إلاّ قرينة على مسايرة القضاء لرغبات السلطة وإذعانه لطلباتها في التشفي من خصومها.
5 – إيقاف السيد بوخذير صورة من الاحتجاز التعسفي
اقتضت أحكام المادة 12 من الدستور: “يخضع الاحتفاظ للرقابة القضائية. ولا يتمّ الإيقاف التحفظي إلاّ بإذن قضائي ويحجّر تعريض أي كان لاحتفاظ أو لإيقاف تعسفي”. كما اقتضت أحكام الفصل 199 من مجلة الإجراءات الجزائية: “تبطل كل الأعمال والأحكام المنافية للنصوص المتعلقة بالنظام العام أو للقواعد الإجرائية الساسية أو لمصلحة المتهم الشرعية”. كما نصّت المادة 9 من افعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنّه: “لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا”. ونصّت المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ما يلي: “لكلّ فرد حق في الحرية والأمان على شخصه. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلاّ لأسباب ينصّ عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه”.
ومثلما سبق ملاحظته فإنّ محضر الاحتفاظ عدد 1452/4 قد خلا من إمضاء كاتبه مفتش الشرطة أوّل عبد اللطيف بن حسين كما خلا من التنصيص على تاريخ بداية الاستنطاق ونهايته يوما وساعة مثلما اقتضته أحكام الفصل 13 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية، بما يصيّره باطلا. وهو ما يجعل الاحتفاظ بالسيد بوخذير من قبيل الاحتجاز التعسفي الفاقد لكلّ مسوّغ قانوني.
6- انعدام ضمانة الحياد في الأبحاث التي تولتها الشرطة
يلاحظ أنّ كلّ من المتشكّي ومن تولى إجراءات البحث في القضية المحال فيها السيد بوخذير ينتمون جميعهم إلى سلك البوليس بما يجعل الأمر مفتوحا على كل التجاوزات لانعدام الحياد. وقد اقتضت أحكام الفصل 16 بفقرته الثانية من مجلة الإجراءات الجزائية أن “ينتزع الملف من أيدي أعوان البوليس والحرس ليقع تعاطي حاكم الناحية بنفسه أعمال البحث وهي الضمانة المفقودة في صورة الحال. لذلك طلب لسان الدفاع إعادة الأبحاث من طرف حاكم الناحية المتعهد بالنظر في القضية.
عبد الرؤوف العيادي