27/12/2004
صفحة جديدة يسجلها التاريخ لقوة إرادة المواطن الفلسطيني ورغبته الشديدة في عيش حياة كريمة يرسمها هو ويقرر تفاصيلها. هذا أقل ما يمكن أن يقال حول العملية الديمقراطية التي شهدها ستة وعشرين موقعاً محلياً جرت فيها انتخابات المجالس المحلية في مرحلتها الأولى في الضفة الغربية يوم 23\12\2004.
فقبيل ذلك اليوم لم يتوقع أي مراقب للوضع الفلسطيني، بكل تعقيداته وظروفه الاستثنائية، أن تتجاوز نسبة التصويت في تلك الانتخابات 81% من أصحاب حق الاقتراع، وأن تصل نسبة المقترعين من الاناث حوالي 49% وهذا بحد ذاته مؤشر ايجابي فيما يخص حجم وقوة مشاركة المرأة في صنع القرار السياسي والتنموي.
ونحن إذ نحيي النساء الفلسطينيات على هذه المشاركة الفاعلة في التصويت، فاننا أكثر من ذلك ننحني مرة لكل امرأة قررت أن تخوض الانتخابات كمرشحة وفازت، وننحني مرتين لكل امرأة خاضت هذه المعركة الديمقراطية ولم يكتب لها النجاح.
ولعل هذه التجربة تقدم برهانا جديدا للحركة النسوية والقوى السياسية أن المرأة الفلسطينية ستبقى فاعلة وعلى قدر المسؤولية سواء كانت ممثلة في مواقع صنع القرار أو لم تكن. ان نجاح النساء في حصد 17% من مقاعد المجالس المحلية والبلدية في تلك الانتخابات، ما هو الا تاج نجاح يزين رأس الحركة النسوية الفلسطينية التي عملت عقوداً طويلاً لأجل انصاف النساء، كما أنه مصدر فخر للمجتمع المدني الذي نجح من خلال تحالفه وعمله المشترك بالضغط من أجل اقرار مبدأ التدخل الايجابي لصالح النساء. وهو أيضاً رسالة للمجلس التشريعي الحالي الذي أقرهذا المبدأ بعد طول نقاش وأخذ ورد.
لقد جادلنا الكثيرون أن هذه “الكوتا” تسيئ لمبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وتخوفت بعض النساء من أن تقلل “الكوتا” من فرصهن في الفوز على اعتبار أنهن سجلن قبل اعتمادها قانونيا وأردن الفوز دونها.
ولطالما قلنا أن التدخل الإيجابي لصالح النساء ما هو الا اجراء مؤقت من اجل انصاف النساء اللواتي ظلمن باسم شعار المساواة لأن المساواة أمام القانون لابد أن يسبقها انصافا مجتمعيا وسياسيا للنساء حتى تتحقق، تحديدا اذا ما تذكرنا هنا أن مجتمعنا ما يزال مجتمعا أبويا يتحكم الرجل في مقدراته التنموية.
لقد أثبتت تجربة الثالث والعشرين من ديسمبر الحالي أن من تخوف من تكاسل النساء بسبب هذه الكوتا قد أخطأ التقدير، حيث تنافست النساء وبشدة كي يحققن الفوز دون “كوتا” وقد نجحت بعضهن في حصد أعلى الأصوات، وهذا إن دل على شئ، فانما يدلل على الثقة في قدرة النساء على القيادة.
ومع ذلك فاننا ندرك أن العملية لم تكن سهلة على النساء وأن التحدي كان كبيرا للتصدي للتحالفات السياسية والعائلية التي تقلل من فرصهن، ولكننا ندرك في الوقت نفسه أنها التجربة الأولى اللازمة دوما لاستخلاص العبر استعدادا للجولات القادمة. في النهاية نهنئ الفائزات في عضوية المجالس المحلية ونشد على أيدي اللواتي لم يحالفهن الحظ، ونتمنى النجاح للمقبلات على خوض التجربة. كما نتقدم بالتحية الى كل من ساند ودعم النساء من قوى سياسية ومؤسسات أهلية ونواب واعلاميين.