22/3/2005
بقراره المصادقة على بناء 3500 وحدة سكنية استيطانية في معاليه ادوميم، اكد وزير الدفاع الاسرائيلي على النوايا الحقيقية الاسرائيلية اللا سلامية، والممعنة في سرقة الأرض الفلسطينية تحت سمع وبصر العالم بأسره للقضاء على أي مستقبل للشعب الفلسطينية بدولة مستقلة في حدود الرابع من حزيران كما أقرته الشرعية الدولية. فالخطة الاستيطانية المساة “اي-1” ستخلق تواصلا جغرافيا استيطانيا بين مستوطنة معاليه ادوميم والقدس، مما يعني بكلمات أخرى بسيطة فصل شمال الضفة عن جنوبها، وإكمال تطويق القدس بالمستوطنات وعزلها بالكامل عن محيطها في أراضي الضفة الغربية.
فمن الناحية القانونية، حري التأكيد على أن المادة 52 من اتفاقية لاهاي لعام 1907 تنص على أن ضم الأراضي المحتلة لأراضي دولة الاحتلال يعد محرما ومخالفا للأعراف والمواثيق الدولية. كما أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة تحظر قيام قوات الاحتلال بنقل مواطنيها إلى الأراضي المحتلة.
كما أن الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1995 تدعو إلى منع أي طرف من الأطراف من اتخاذ أي خطوة تغير من وضع الضفة الغربية وقطاع غزة التي تترتب عليه محادثات الوضع النهائي باعتبار الضفة الغربية وقطاع غزة منطقة موحدة يحافظ على سيادتها خلال الفترة الانتقالية.
وتمعن إسرائيل في بناء جدار العزل والضم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، رغم قرار محكمة لاهاي الصادر في 9 تموز 2004 الذي اعتبر “المستوطنات التي أقامتها إسرائيل انتهاكا للقانون الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة – تشييد الجدار والنظام المرتبط به ينشئان “أمرا واقعا” على الأرض وارد جدا أن يصبح واقعا دائما – خطر أن يصبح الوضع بمثابة ضم بحكم الواقع – تشييد الجدار يعوق بشدة ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير ومن ثم فهو خرق من جانب إسرائيل لالتزاماتها بهذا الحق.”
وأضافت المحكمة قائلة في قرارها “تشييد الجدار والنظام المرتبط به لا يمكن تبريرهما بالضرورات العسكرية او بمتطلبات الأمن القومي او متطلبات الأمن العام.” كما ان “اسرائيل ملتزمة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بجميع الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين الذي تأثروا بتشييد الجدار.”
ومن جملة الممارسات الاسرائيلية في القدس، قضية تسريب الممتلكات والعقارات الفلسطينية لجهات يهودية، كان آخرها تسريب فندقين وأكثر من 27 محلا تجاريا تقع في ساحة عمر ابن الخطاب داخل باب الخليل. ناهيكم عن جملة أخرى من الممارسات والاجراءات الاحتلالية الأخرى التي تستهدف الوجود العربي الفلسطيني في القدس مثل:-
هدم المنازل، حيث جرى هدم أكثر من 2000 منزل فلسطيني في القدس منذ احتلال اسرائيل للقدس حسب مركز بيتسيلم لحقوق الانسان. (هذا العام ولغاية الآن تم هدم 5 منازل بضمنها عمارة من 7 طوابق تضم 24 شقة في حي الصوانة حسب احصائيات مركز القدس لحقوق الاقتصادية والاجتماعية.. وهناك اكثر من 200 إخطار لهدم منازل في مناطق متفرقة من المدينة منها 78 منزلا في صور باهر). وفي العام الماضي تم هدم 120 منزلا. كما أن البلدية رصدت خمسة ملايين شيكل لتمويل هدم منازل الفلسطينيين في القدس. وعادة ما يقوم مفتشو البلدية بمداهمة المساكن العربية بحثا عن تراخيص البناء. هذا ناهيكم، عن مصادرة الأليات والمعدات المستخدمة في ما تعتبره إسرائيل بناء غير مرخص.
مصادرة الأراضي، حيث بدأت إسرائيل ومنذ بداية احتلالها للقدس في العام 1967 وحتى العام 1996 بمصادرة ما يقارب من 23،500 دونما في إطار ما يسمى قانون تنظيم الأراضي والكسب للمصلحة العامة الذي يعود للعام 1943 (حسب إحصاءات بتسيلم، سياسة تمييز، القدس، 1995(. ويشار إلى أنه طرأ مؤخرا تزايدا كبيرا على قرارات المصادرة للأراضي الفلسطينية في القدس لاستكمال بناء الجدار في محيط المدينة.
فرض الاغلاق على المدينة المقدسة، حيث أن إسرائيل أقدمت مباشرة عقب توقيع اتفاقيات أوسلو في العام 1993، على فرض إغلاق شامل على مدينة القدس، مما عنى حرمان أبناء الضفة الغربية والقطاع من الدخول اليها. إغلاق مؤسسات القدس، بعيد انتفاضة الأقصى، جرى إغلاق العديد من المؤسسات المقدسة مثل بيت الشرق، الغرفة التجارية، مركز المشاريع الصغيرة، مؤسسة الرفاه ولجنة التراث وغيرها، مما اثر بشكل كبير على سكان القدس الذين كانوا يستفيدون من خدمات هذه المراكز.
منع بعض النشيطين المقدسيين من دخول الأقصى: خلال الانتفاضة الراهنة، دأبت قوات الاحتلال على منع بعض النشيطين الفلسطينيين من دخول الحرم الشريف، في حين تستدعي البعض الآخر وتحتجزهم في المسكوبية لحين الانتهاء من صلوات الجمع، بحجة المحافظة على الهدوء والنظام خلال صلوات الجمع.
خلال الانتخابات الرئاسية الفلسطينية السابقة، جرى إغلاق مكاتب التسجيل للانتخابات ووضعت قيود على عدد المشاركين في الاقتراع في مقر البريد. ففي هذا الصدد، حصر الاحتلال عدد المقترعين في القدس بـ (6000 فقط) في حين أن من يملك حق الاقتراع في المدينة المقدسة يصل لغاية 130 ألف. وادعت الحكومة الاسرائيلية أن قدرة بريد القدس الاستيعابة تصل فقط إلى 3600 شخص فقط.
سحب الهويات: شرع بتطبيق هذه السياسة منذ العام 1995 (عهد وزير الداخلية الاسرائيلي حاييم رامون من حزب العمل)، حيث تم سحب هويات ما يقارب من 6000 ألف عائلة مما يعني حرمان ما يقارب 20 ألف مقدسي من حق المواطنة الدائمة حسب القوانين الاسرائيلية.
تجميد طلبات لم الشمل: منذ 12 أيار 2002 تم تجميد جميع طلبات لم شمل الأسر المقدسية، مما سبب المعاناة والحرمان من الحقوق، إضافة إلى تشتيت شمل مئات الآلاف من الفلسطينيين في القدس.
معاملة الفلسطينيين كمواطني العام 1948: في شهر كانون ثاني عام 2005، شرع الاحتلال بمعاملة المقدسيين كمواطني العام 1948، حيث حذرت عليهم الدخول لمناطق السلطة الفلسطينية بدون تصاريح. وفي هذا الاطار، تم منع المئات المقدسيين من الدخول إلى رام الله بسياراتهم.
مداهمة مطاعم ومحال بحجة ارتباط أصحابها مع فتح والسلطة: في شهر كانون ثاني عام 2005، داهمت قوات كبيرة من قوات الاحتلال الاسرائيلي العديد من المطاعم والمكاتب والمحال التجارية الفلسطينية التي يملكها أشخاص كانت لهم ارتباطات ببيت الشرق في إطار محاربة ما يسمى نشاط السلطة في القدس. وخلال المداهمات تم فرض العديد من الضرائب على أصحاب المحال المذكورة. ويذكر أن عام 2004 شهد حملات ضرائبية متصاعدة، حيث تم رفع قيمة ضريبة الممتلكات (الارنونا)، وجرى حجز المئات من سيارات المواطنين المتخلفين عن دفع ما يسمى بضريبة التلفزيون، علما أن سلطات البث الاسرائيلية لم تكن تبعث باخطارات للمواطنين بدفع تلك الضريبة منذ العام 1997.
زيادة البطالة وسط الشبان: منذ انتفاضة الأقصى، تشددت أجهزة الأمن الإسرائيلية في منع الأسرى المحررين من منطقة القدس، من العمل في سوق العمل الإسرائيلية، حيث أصدرت تعليمات لأرباب العمل الإسرائيلي بضرورة إبراز طالب العمل لما يسمى (شهادة حسن سلوك) كشرط ضروري لتوظيفه. وهذا الأمر محرم على الأسرى المحررين الذين اتهموا بارتكاب ما يسمى مخالفات أمنية حسب القانون الاسرائيلي.
تطبيق قانون أملاك الغائبين: في كانون ثاني عام 2005، جرى الإعلان عن تطبيق قانون أملاك الغائبين (1950) لمصادرة الممتلكات المقدسية التي تعود لمواطنين قاطنين في الضفة الغربية، علما أنه جرى التراجع عن تطبيقه لاحقا بفعل الضغوط الدولية.
مصادقة شارون على مخطط جدار الفصل في محيط القدس: في 14 آذار 2005، وإبان زيارة كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة لاسرائيل، صادق شارون على المخطط الجديد لجدار العزل والضم في محيط القدس والذي يضم مستوطنة معاليه أدوميم، جنوب القدس ومنطقة مسجد بلال بن رباح (قبر راحيل). علما أن المسار الجديد للجدار سيؤدي إلى عزل 200 ألف فلسطيني. كما أن المسار الجديد للجدار سيبقي عشرات الآلاف من الأسر المقدسية خارجه، خاصة في مناطق: العيزرية، ضاحية البريد وبيت حنينا. وكانت بلدية الاحتلال قد أنشأت جهازا خاصا للتعامل مع أولئك المستبعدين المقدسيين بغية تقديم الخدمات لهم – حسب ادعاء البلدية.
يستخلص من كل ذلك، أن الاحتلال الاسرائيلي يسير وفق إستراتيجية ورؤية واضحة لما يريده في مدينة القدس منذ احتلالها في العام 1967، وخلال اتفاقات السلام ولغاية الآن. وفي المقابل لا نجد أي إستراتيجية فلسطينية واضحة في مدينة القدس. ففي مقابل خلق الحقائق الاسرائيلية، لا نجد خلقا للحقائق الفلسطينية. وهناك غياب كامل مستغرب لأغلب الفصائل الفلسطينية في القدس. بل الأنكى من ذلك، أن الأنشطة والفعاليات والمؤتمرات التي تتعلق بمدينة القدس نجدها تتخذ من رام الله مقرا لها، حيث بات المقدسي يعتقد أن الزمن الذي تشكل فيه القدس عاصمة الفعل والأداء والنضال الفلسطيني، قد ولى إلى غير رجعة.
ومن حق أي مقدسي أن يساءل السلطة الفلسطينية عن الحقائق التي فرضتها على أرض الواقع على مدار 10 سنوات من عمرها. وبدورنا، نرى أن دور السلطة لم يتجاوز البيانات الخطابية والمؤتمرات والتصريحات والمناشدات التي لا تسمن ولا تغني ولا تحقق أي من المصالح القومية الفلسطينية العربية في القدس.
وعليه، نرى أن موضوع القدس يتعين أن يعود ليعتلي أولى أولويات المفاوض الفلسطيني، فلم يعد يجدي السكوت على الممارسات والاجراءات التي يقوم بها الاحتلال الاسرائيلي في القدس، ليل نهار، على مرأى ومسمع العالم أسره. ولقد آن الآوان لاطلاق حملة دبلوماسية حتى تكون علاقة الدول مع إسرائيل محتكمة إلى مدى التزام الأخيرة بقرارات الشرعية الدولية.