9/4/2005

في التاسع من نيسان عام 1948، قام مناحيم بيغن، الذي رئس حكومة اسرائيل في العام 1977 عن حزب الليكود، بقيادة مجموعة من عناصر الارغون بمهاجمة قرية دير ياسين العربية لارتكاب مذبحة بشعة بحق القرويين الفلسطينيين الآمنين، مما أدى لازهاق أرواح 250 فلسطينيا، من الرجال والنساء والأطفال. كما جرى إلقاء جثث قسم كبير منهم في الآبار.

وقد انضم الى عصابة الأورغون في ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين، التنظيمين الارهابيين: عصابة ستيرن بقيادة اسحق شامير، الذي خلف مناحيم بيغن في رئاسة الوزراء في اوائل الثمانينات، إضافة الى عصابة الهاغاناة بقيادة دافيد بن غوريون، مع العلم ان تلك العصابات اليهودية الارهابية شكلت ما يسمى بجيش الدفاع الاسرائيلي.

وفي معرض تعليقه على مجزرة دير ياسين، كتب مناحيم بيغن، الذي قاد تنظيم الارغون الارهابي منذ 1938 ولغاية إقامة اسرائيل، يقول: “ساعدتنا الأسطورة في دير ياسين على وجه الخصوص في حماية طبريا واحتلال حيفا.. كل القوات اليهودية تقدمت عبر حيفا مثل السكين الذي يقطع الدهن. بدأ العرب بالهرب بفزع وهم يصرخون دير ياسين. وتملك الفزغ من العرب في انحاء البلاد وبدأوا بالهروب للنجاة بحياتهم.

ولم تقتصر مذابح عصابة الأورغون على القرويين الفلسطينيين، وإنما شملت أيضا جنود الانتداب البريطاني، حيث كانت تعلق جثث الجنود المفخخة في الأماكن العامة. ولا يغيب عنا دور الأورغون في تفجير مبنى فندق الملك داوود في القدس عام 1946، مما أدى الى مقتل 97 بريطانيا. هذا في حين ان تنظيم ستيرن الارهابي بقيادة اسحاق شامير قام بإغتيال ممثل الأمم المتحدة في فلسطيني الكونت برنادوت في العام 1948.

يشار إلى إن العام 1948 كان حافلا أيضا بالعشرات من المجازر التي ارتكبتها العصابات الارهابية اليهودية بغية إرهاب الفلسطينيين ودفعهم للهرب وترك أراضيهم وممتلكاتهم حتى يتسنى للصهاينة الاستيلاء عليها.

فمن المجازر التي شهدها ذلك العام، نذكر على سبيل المثال، مذابح: منصورات الخياط في 18 كانون ثاني 1948؛ قيصارية – 15 شباط؛ وادي عارة – 27 شباط؛ خربة ناصر الدين 12 نيسان؛ حوشا 15 نيسان؛ الوعرة السودا – 18 نيسان؛ حيفا – 21 نيسان؛ الحوسينية – 21 نيسان؛ بلد الشيخ – 25 نيسان؛ عين الزيتون – 2 آيار؛ العباسية – 4 آيار؛ بيت دراس – 11 آيار، البرير – 12 آيار؛ أبو شوشه – 14 آيار؛ الكبري – 21 آيار؛ الطنطورة 21 آيار؛ قزازه – 9 تموز، ليدا – 10 تموز؛ أسدود – 28 تشرين اول، الدوايمة – 29 تشرين اول؛ عيلبون 29 تشرين اول؛ الجش – 29 تشرين اول؛ مجد الكروم 29 تشرين أول؛ صفصف – 29 تشرين اول؛ عرب السمنية – 30 تشرين اول؛ صليحة – 30 تشرين اول، سعسع – 30 تشرين اول؛ الخيصاص – 18 كانون اول.

حري التذكير انه خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين (1922 – 1947) تم تطهير 213 قرية وبلدة فلسطينية من ساكنيها البالغ عددهم 413،794 نسمة او ما نسبته 52% من اللاجئين.

وخلال حرب العام 1948، تم تطهير 264 مجمعا سكنيا من سكانه البالغ تعدادهم 339،272 أي ما مجموعه 42% من عدد السكان اللاجئين. وبعد التوقيع على اتفاقيات الهدنة، تم تطهير 54 تجمعا سكانيا من ساكنيه البالغ عددهم 52 الف أو 6% من عدد اللاجئين.

ونرى انه من الضرورة بمكان ذكر شهادة أحد الجنود المشاركين في مذبحة الدوايمة التي تم اقترافها في 29 تشرين اول 1948، والتي نشرت في صحيفة دافار الاسرائيلية في 9 حزيران 1979:-

“قتلوا ما بين 80 الى 100 عربي من النساء والأطفال. لقتل الأطفال، قاموا بتكسير رؤوسهم بالعصي. ولم يكن هناك أي منزل بدون جثث. اقتيد رجال ونساء القرية الى البيوت بدون غذاء او طعام. وبعدها جاء المخربون ليفجروا المنازل بالديناميت. أمر احد القادة أحد الجنود باحضار امرأتين الى منزل كان على وشك تفجيره.. وتفاخر جندي آخر أنه اغتصب امرأة عربية قبل أن يقوم بقتلها. وأجبرت امرأة عربية آخرى مع طفل حديث الولادة على تنظيف المكان لعدة أيام وبعدها قاموا بقتلها مع طفلها. القادة المثقفون وذوي الأخلاق الحميدة ممن اعتبروا الرجال الجيدين.. اضحوا مجرمي القاعدة.. وهذه لم تكن عاصفة المعركة، وانما طريق الانفجار والتصفية.. كلما كان هناك عرب اقل كلما كان ذلك أفضل.”

هذا واقتبس المؤرخ الاسرائيلي الشهير بني مورس في كتابه “ميلاد مشكلة اللاجئين،” مما قاله يوسف نخماني، العضو الرفيع في العصابة اليهودية الارهابية، هاغاناة، ومدير الصندوق القومي اليهودي في طبريا، اضافة الى مسؤوليته عن الاستيطان في الجليل ووادي جرزيل، حيث كتب في صحيفته الجورنال يقول: “في صالحة التي رفعت العلم الأبيض، قاموا بارتكاب مجزرة حقيقية، قتلوا الرجال والنساء، حوالي 60 الى 70 شخصا، حيث أنجزوا هذه الدرجة من تلك الوحشية سمة النازيين؟ لقد تعلموا منهم.”

وما بين 1948 ولغاية الآن ارتكبت العشرات من المجازر بحق مئات الالاف من الفلسطينيين في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها تحت سمع وبصر العالم الذي لم يحرك ساكنا إلا بما يرضي أميركا وإسرائيل. وكنا قبل أيام قد شهدنا إحياء ذكرى مجزرة مخيم جنين التي ارتكبت في الفترة الواقعة ما بين 3 الى 12 نيسان من العام 2002، والتي قضى فيها على الأقل 100 فلسطيني من بين مجموع عدد سكان المخيم البالغ تعدادهم 14 الف مواطن. وحري التذكير بتصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي، أريئيل شارون الذي يتحمل المسؤولية عن مجازر مخيمات صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982، حيث قال لصحيفة يديعوت احرونوت قبيل المجزرة وتحديدا في 5 آذار 2002: “يجب ضرب الفلسطينيين ويجب ان يكون ذلك بقسوة.
يجب ان نوقع بهم ضحايا حتى يشعروا بالثمن الباهظ.”

وخلال ارتكاب المجزرة بحق المخيم الذي اخضع لنظام منع التجول وجرى مهاجمته بالدبابات والمدافع والطائرات، نقلت صحيفة هآرتس عن رئيس حزب العمل الاسرائيلي شمعون بيرس وصفه للهجوم على المخيم بأنه مجزرة وأعرب عن قلقه من الرأي العام العالمي.

غير أن لجنة تقصي الحقائق التي أوفدتها الأمم المتحدة الى الأراضي الفلسطينية، وبضغط من الأميركيين، لم تخلص الى محاسبة مرتكبي هذه المذبحة. هذا برغم ان سائق الجرافة العسكرية، موشيه نيسيم قال في مقابلة مع يديعوت احرونوت بتاريخ 31 آيار 2003 مع العلم انه حصل على ميدالية الشرف من جيش الاحتلال الاسرائيلي: “كان هناك الكثير من الاشخاص في المنازل التي شرعنا بتدميرها.. ان متأكد ان الناس ماتوا في تلك المنازل، لكن كان من الصعب رؤية ذلك.. كنت استمتع برؤية كل منزل يهوي.. واذا كان ثمة شيء ضايقني، فهو عدم محو المخيم عن بكرة ابيه.”

يشار الى ان منظمة العفو الدولية قد دعت في تشرين ثان عام 2002 الدول المتعاعدة على معاهدات جنيف الى محاكمة “المسؤولين عن جرائم الحرب” في مخيم جنين.

وأمام كل هذا التاريخ الطويل من المذابح بحق الشعب الفلسطيني، والتي يتحمل مسؤوليتها أكثر من مسؤول اسرائيلي، ومنهم من هم في مواقع متقدمة في سلطة الاحتلال مثل آريئيل شارون، قائد الوحدة 101 التي ارتكبت في العام 1953 مجزرة قرية العوجا وقبيا مرورا بغزة وبيروت وليس انتهاءا عند المجازر التي ارتكبت خلال السنوات الأربع الماضية… فطوال كل تلك الفترات لم نسمع عن تقديم أي من المجرمين للمحاكم الجنائية سواء المحلية أو الدولية، مما شجع مرتكبي هذه الجرائم على المفاخرة بها، والأنكى من ذلك أنهم يستقبلون في العواصم العالمية مثل العاصمة واشنطن على سبيل المثال: كـ”رجال السلام.” ونحن نتساءل هنا، هل حمل رجل السلام يتأتى في عقيدة بوش من خلال اقتراف المذابح ضد الآمنين والمدنيين الفلسطينيين؟ أولم يكن السواد الأعظم من الفلسطينيين، ضحايا الصراع العربي – الاسرائيلي من المدنيين؟

نحن ندرك أن هذا الزمان، ليس بزمن إقامة العدالة لصالح الشعب الفلسطيني الذي اقتلع من أرضه وصودرت ممتلكاته وشتت في أصقاع المعمورة دون وجه حق. فنحن، نعلم أننا لا نشكل شيء في معادلة المصالح الأميركية، وإلا لما ناصبتنا أميركا العداء طوال هذه السنين من قضيتنا الوطنية العادلة. ولما استخدمت حق النقض الفيتو عشرات المرات لحماية إسرائيل من الإدانة الدولية بسبب جرائمها بحق الفلسطينيين.

وإلى حين تبدل الأحوال، ندعو كافة مؤسسات حقوق الانسان، لتوثيق جرائم الاحتلال لحين تسنح الفرصة لتقديم جميع القتلة للعدالة.

فلا يمكنهم الافلات من العقاب الى الأبد. ولا يمكن أن يحظوا بالحماية الى الأبد.

ولا بد أن يأتي ذلك اليوم الذي يحاسب فيه القاتل على فعلته، طال الزمن او قصر.

فقد علمنا التاريخ أن جرائم الحرب بحق الانسانية لا تسقط بالتقادم.