8/10/2005

تدور الكثير من الشكوك حول النتائج التي من الممكن أن تترتب عنها القمة الفلسطينية الاسرائيلية المزمع عقدها قريبا بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي آريئيل شارون، وذلك في ضوء اشتراط شارون على عباس القيام بنزع سلاح حماس والفصائل المقاومة الأخرى قبل التقدم في العملية السلمية.

غير أن أغلب المراقبين يدركون صعوبة تنفيذ خطوة كهذه في ضوء حالة الضغف التي تعانيها الأجهزة الأمنية الفلسطينية، واستشراء مظاهر الانفلات الأمني. هذا، ناهيكم عن الفيتو الذي يضعه الاحتلال على مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية المقبلة، لما قد تمنحه من شرعية “للارهاب” كما يزعمون.

كما أن قمة عباس – شارون تأتي بعيد تأكيد التصريحات الاسرائيلية السابقة حول ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية ومواصلة بناء جدار الفصل لعزل مدينة القدس الشريف، عن محيطها ومواصلة بناء الجدار لاقامة نظام البانتوستانات في الضفة الغربية. كما تأتي مع تأكيد رفض إسرائيل استئناف العملية السلمية، ومواصلتها اللجوء لتاكتيك الخطوات أحادية الجانب.

هذا التاكتيك، الذي ثارت الدنيا ولم تقعد، عندما حاول الرئيس الراحل ياسر عرفات توظيفه للاعلان عن الدولة، حيث نذكر حينها ان الكثير من بلدان المجتمع الدولي مارست ضغوطا هائلة لمنع هذا الاعلان. أما اليوم، فنشهد أن نفس أعضاء هذا المجتمع الدولي يشجعون شارون على ممارسة تاكتيك الخطوات أحادية الجانب!!

وقد يفسر الموقف الدولي هذا، تجرؤ العديد من المحافل العسكرية الاسرائيلية على تشجيع شارون للمبادرة برسم حدود الدولة الفلسطينية من جانب واحد وفق ما تقتضيه المصلحة الاحتلالية وليس وفق ما تنص عليه قرارات الشرعية الدولية، مما يعنى إقامة ما يسمى بدولة فلسطينية منزوعة السلاح فوق ما يعادل 9% فقط من حدود فلسطين التاريخية وهو المشروع الذي دعا إليه شارون عقب اعتلائه دفة الحكم في إسرائيل.

اذن، ما المطلوب من هذه القمة حتى لا تكون أحادية الجانب؟! نجزم انها لا يجب ان تكتفي بفتح معبر هنا، او رفع حاجز هناك، او فتح المطار أو بناء الميناء، وتشغيل الممر الآمن، او عودة المبعدين واطلاق سراح الأسرى او السماح للعمال العمل في اسرائيل، او نقل الصلاحية الأمنية في المدن للسلطة، وغيرها من القضايا المطلبية، فرغم أهمية جميع هذه المطالب لاستعادة جزء من الكرامة والحقوق الانسانية للمواطن الفلسطيني، الا انها تبقى ثانوية مع ما هو أهم من القضايا الاستراتيجية التي يجب ان تثار ان أريد للسلام ان يحيا وينتعش بين الشعبين.

ومن بين هذه القضايا، الإقرار بوجود الشريك الفلسطيني الند الذي يتعين البدء معه بمفاوضات الحل النهائي حول مختلف قضاياه وبخاصة القضايا التي أجلت من زمن بعيد مثل: الحدود، الاستيطان، اللاجئين، القدس والمياه. فإذا تمكنت القمة من إثارة هذه القضايا، والتأكيد على نية التفاوض بشأنها ونبذ مبدأ الخطوات احادية الجانب، سيكون بلا مناص هناك بصيص أمل بامكانية التوصل لسلام حقيقي يلبي طموح الشعب الفلسطيني.

أما وان وقت القمة سيستنزف في الجدل حول عدد المعتقلين المنوي الافراج عنهم، أو حول آلية فتح المعبر والسيطرة عليه، أو تقييم عمل أبو مازن في مصادرة سلاح حماس وما الخطوات التي قام بها لمكافحة ما يسمى “الارهاب” وغيرها من القضايا التاكتيكية التي اعتاد الجانب الاسرائيلي إثارتها وحصر النقاش فيها، مع ما يترافق ذلك من مواصلة الانتهاكات والاجراءات والممارسات الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، فعندها تفرغ القمة من محتواها والخاسر فيها سيكون الجانب الفلسطيني، لأن شارون سيظهر أمام العالم، وكما قال بوش: “رجل سلام،” يستحق مكافأته بالهرولة العربية والاسلامية!!

نجزم أيضا أن كل ما سيدور في القمة سينحصر فقط حول الأمن الاسرائيلي، مما يعنى استمرار العقلية والذهنية الأمنية الاسرائيلية، وكأن إسرائيل التي تملك حوالي 200 رأس نووي والتي تعتبر القوى العظمى في المنطقة، بحاجة الى أضعف قوة في المنطقة لحمايتها!؟

عقلية الأمن التي تؤمن بضرورة منع المعلم والطالب من الوصول لمدارسهم، ومنع المريض والطبيب من الوصول لمشفاهم، وتشتيت الأسر الفلسطينية لتعزيز الأمن . كما تؤمن أن عزل القرية الفلسطينية عن جارتها المدينة يقوي أمن إسرائيل، هذا ناهيكم عن تقويض الحريات الدينية.. ومنع السفر.. والتقييد الاقتصادي.. وهدم البيوت، وغيرها.

خلاصة القول ان مواصلة تبني عقلية كهذه، لا ينذر إلا بتأجيل الانفجار القادم وان كان إلى حين!