2/5/2007

يعاني، في هذه الأثناء، مئات المواطنين في سلطنة عمان من تداعيات وأضرار جسيمة لحقت بهم من جراء قرارات تمييزية تنال من الهوية الشخصية للفرد ومن كرامته في أعز ما يملك وهو اسمه واسم عائلته.

فقد شكلت وزارة الداخلية العمانية “لجنة تصحيح مسميات القبائل والألقاب والأسماء” التي قامت بإجبار مئات المواطنين من مختلف المناطق على تغيير أو تحريف أو استبدال مسميات عائلاتهم وقبائلهم التاريخية والقانونية كما تنص على ذلك جوازات سفرهم وبطاقاتهم الشخصية، وسائر معاملاتهم الرسمية منذ عقود.

وبلغ عبث هذه القرارات وعشوائيتها مداه حين أُجبر البعض على تغيير مسميات عائلاتهم مرتين خلال أسبوع واحد، وأيضاً عندما تم تخيير البعض بين مسميين ثم إجبارهم على التسمي بثالث قررته اللجنة، وتم حالياً تغيير قواعد بيانات جميع حواسيب الدولة كي لا تقبل هؤلاء المواطنين بمسمياتهم الأصلية المعتمدة، في عملية واسعة وخطيرة لتزييف الهوية والاعتداء على الحقوق الشخصية. وقد تطال هذه العملية أكثر من أربعين عائلة وقبيلة، غير عابئة بالإضرار القانونية والاجتماعية والمعنوية والنفسية التي تنتج عن ذلك. والمفارقة الواضحة أن يتم تطبيق هذه القرارات الغريبة على بعض المواطنين في الوقت الذي يسمح لآخرين بالاحتفاظ بنفس تلك المسميات ومن ضمنهم وزراء في مناصبهم.

لجأ هؤلاء المواطنون إلى اللجنة العربية لحقوق الإنسان بعد أن استنفدوا، طوال أكثر من سنتين، جميع الوسائل المحلية من التظلم للجهات المعنية ومخاطبة المسؤولين، على اختلاف درجاتهم، والوزراء الذين فضلوا الصمت، وصولاً إلى المحاكم الإدارية التي قضت بعدم الاختصاص وعللت رفضها بإن تلك القرارات هي (قرارات سيادية!)، وبذلك تصبح مثل هذه القضايا غير مقبولة في جميع درجات النظام القضائي مما يشكل فراغاً قانونياً، وقد اطلعت اللجنة على جميع الوثائق والمستندات الرسمية، وعرائض المطالبات والتظلمات الموقعة من مئات المواطنين، وهناك مئات أخرى قد تبلغ الآلاف ممن لم يتمكنوا من إيصال أصواتهم والدفاع عن حقوقهم.

آثار وتداعيات قانونية واجتماعية ومعنوية ونفسية

    • إن اقتصار هذا الإجراء على بعض القبائل دون أن يطال القبائل الأخرى يعطي هذه الأخيرة ميزة تفضيلية على الأولى، ويعني مباشرة عدم المساواة، وفي ذلك مس بالكرامة وتحقير لها في مجتمع لا تزال تحكمه الثقافة التقليدية والقبلية بشكل عام. ويعاني أولئك المواطنين حالياً من التعريض بهم والتهكم والأقاويل الجارحة بحقهم.

  • يترتب على هذه القرارات الحاجة إلى تغيير جميع الممتلكات والمعاملات المالية والحكومية ومعاملات الزواج والطلاق والإرث وغيرها، وتغيير الشهادات والوثائق العلمية داخل السلطنة وخارجها ومن بينها شهادات صادرة باسم السلطان نفسه، وأخرى باسم الحكومة تختص بالتعليم والوظائف وغيرها. وقد تعطلت بالفعل المصالح والمعاملات وتكدست الغرامات وأصبح الكثيرين يعانون أضراراَ يومية مباشرة جراء رفضهم تغيير أسماء عائلاتهم وقبائلهم، وقد طالت الأضرار حتى الأموات من إجراءات الرواتب التقاعدية وحصر الورثة وتقسيم الإرث وغيرها.
  • ولا بد أن يكون للأطفال والطلاب نصيبهم من المعاناة حيث يعيرهم أقرانهم، في المؤسسات التعليمية، بتغيير أسمائهم، وهو ما يفتح الباب على مصراعية للمشاجرات والصدامات وبالتالي حدوث النزاعات والفتن في المجتمع.

من القبائل المتضررة
هناك حوالي خمسون قبيلة وعائلة (28 من محافظة ظفار، و18 من ولايات المنطقة الشرقية) تضررت أو مرشحة للتضرر، حتى الآن، جراء استمرار لجنة وزارة الداخلية في قراراتها، ونذكر هنا تمثيلا على بعضها :

حالة أولى: آل توية، آل خليفين، اعترضت اللجنة على ( آل) وقررت تغييرها إلى ( أولاد) ثم قررت نهائياُ تغيير المسمى الأصلي كاملاً إلى (الحارثي).
في الوقت الذي تنتشر فيه مسميات القبائل والعائلات العمانية التي تبدأ بـ ( آل)، بالعشرات في جميع المناطق، مثل آل حفيظ، آل إبراهيم، آل جمعة…الخ دون أن يطالبها أحد بتغيير مسمياتها حتى اللحظة.
حالة ثانية: مواطنون يحملون مسمى البوسعيدي قررت اللجنة تغييرهم إلى أولاد ودير.

إن اللجنة العربية لحقوق الإنسان تدين هذه الممارسة التمييزية، وتؤكد من واقع جميع التشريعات والقوانين الدولية بإن تغيير الإسم أو اسم العائلة والقبيلة حق شخصي يملكه صاحبه الذي يحمله قانوناً وفي مواثيق دولية صدقت عليها سلطنة عمان أهمها اتفاقية حقوق الطفل التي تنص المادتين السابعة والثامنة منها على:

المادة 7
1- يسجل الطفل بعد ولادته فوراً ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية، ويكون له قدر الإمكان، الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما.
2- تكفل الدول الأطراف إعمال هذه الحقوق وفقاً لقانونها الوطني والتزاماتها بموجب الصكوك الدولية المتصلة بهذا الميدان، ولا سيما حيثما يعتبر الطفل عديم الجنسية في حال عدم القيام بذلك.

المادة 8
1- تتعهد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته، واسمه، وصلاته العائلية، على النحو الذي يقره القانون، وذلك دون تدخل غير شرعي.
2- إذا حرم أي طفل بطريقة غي شرعية من بعض أو كل عناصر هويته، تقدم الدول الأطراف المساعدة والحماية المناسبتين من أجل الإسراع بإعادة إثبات هويته.
هذه الأسس من القوانين الدولي لحقوق الإنسان تتفق تماما مع الفقه الإسلامي في هذا الخصوص، وقد أفتى سماحة الشيخ أحمد الخليلي المفتي العام للسلطنة بخصوص هذه القضية بالتالي: –
( بأن كل ما أدى إلى التضليل والإيهام بغير الحقيقة أو أدى إلى الفتنة والشقاق أو أدى إلى اللبس وضياع حق مادي أو اجتماعي فإنه ممنوع في الإسلام ولا يقر أحد على ذلك.)

إن هذه الممارسة لا يمكن أن تندرج تحت أي سبب منطقي أو تبرير عقلاني في دولة تعلن رسمياً بأن القانون سيد التعاملات فيها، وتكفل في نظامها الأساسي العدالة والمساواة بين جميع المواطنين، ولا تقر التمييز لاعتبارات قبلية أو مذهبية أو طبقية أو غيرها.

وكانت لجنة القضاء على التمييز العنصري بالأمم المتحدة (الدورة التاسعة والستون، جنيف 31 يوليو- 18 أغسطس 2006) قد توصلت في استخلاصاتها النهائية بخصوص سلطنة عمان إلى مخاوف عديدة حول الممارسات العنصرية، وطالبتها، بناء على اتفاقية مناهضة التمييز العنصري التي وقعت عليها السلطنة، بإجراءات فعالة، تشريعية وقضائية وإدارية، لحظر وفرض عقوبات على التمييز العنصري، كما لاحظت عدم تقديم الدولة لمعلومات حول ضحايا التمييز والقضايا المرفوعة بهذا الشأن والعلاجات الخاصة بالتمييز العنصري.

إن اللجنة العربية لحقوق الإنسان توجه دعوتها إلى السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان بضرورة التدخل شخصياً لإرجاع الأمور إلى نصابها، وإعادة الحقوق إلى أصحابها، فالسلطان هو رأس الدولة، ورئيس الوزراء، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، وذلك بعد أن استنفد المواطنون جميع الوسائل مع وزراء حكومته ومسؤوليها، وطرقوا كافة القنوات الإدارية والقضائية.

وفي الوقت الذي تتوقع فيه اللجنة العربية لحقوق الإنسان التدخل الفوري والمباشر لسلطان البلاد لتصويب الأمور، وقطع الطريق على المتنفذين وأصحاب المصالح الفردية التي تضر بالوحدة الوطنية والاستقرار الاجتماعي، فإن اللجنة تنبه إلى ما يمكن أن يتعرض له هؤلاء المواطنين من مضاعفات أو تدابير عقابية جراء مطالبتهم بحقوقهم المشروعة.