20/1/2007

شكلت شبكة الانترنت فضاءً تفاعلياً حول مختلف قضايا الشأن العام، في السنوات الأخيرة، في سلطنة عمان. وبالرغم من قلة عدد المشتركين، لأسباب تعود إلى سوء الخدمات وارتفاع أسعارها وعدم الاطمئنان لشروط الحماية والخصوصية، وتخلي الدولة عن أي دعم لتسهيل وتعميم استخدام الإنترنت في الحياة اليومية، إلا أنه وفي غياب صحافة مستقلة ووسائط اتصال غير مملوكة للدولة أو لا تخضع لتوجيهاتها استطاعت الانترنت، عبر المنتديات الحوارية والإخبارية، أن تكوّن رأياً عاماً، وحركة مطلبية افتراضية ففتحت ملفات عديدة للفساد الإداري والمالي، وناقشت السياسات التنموية، وكشفت عن المظالم اليومية، وطالبت بالحريات، وكذلك قدمت أفكاراً ومعالجات كما يراها المواطن المحروم، في الواقع، من شروط المشاركة السياسية وحرية التعبير.

هذا الحراك لإنماء حرية التعبير والمطالب أزعج السلطات إلى درجة أنها قررت، في شهر نوفمبر الماضي، على إثر نشر موضوع عن حالات فساد في هيئة الادعاء العام، احتجاز مدير الشبكة العمانية، أشهر موقع عماني على الإنترنت(250 ألف زائر شهرياً)، في ظروف سيئة واحتجاز عدد من المشرفين على الأقسام السياسية والاجتماعية لمدد قصيرة، والإفراج عنهم بكفالات، وسحب وثائقهم المدنية ومنعهم من السفر..كما رفضت طلبات البعض منهم بحضور محامين أثناء التحقيقات، ولا تزال التحقيقات والاحتجازات جارية.

تعرف الشبكة العمانية ومنتداها السياسي بشعبيتها الواسعة ويبلغ عدد أعضائها عشرات الآلاف، وسبق أن تعرض كتابها(غالبيتهم يكتبون بأسماء مستعارة)، طوال سبع سنوات تاريخ تأسيس المنتديات، للسجن والاحتجاز والمنع من الكتابة والتهديد بالمحاكمات وغيرها، منهم طيبة المعولي وعبدالله الريامي وبسمة الكيومي والبدرالمنير-مشرف المنتدى السياسي، وآخرين.

وفي شهادة لأحد المشرفين في المنتدى السياسي يقول: ” الهدف هو إسكات الصوت العماني الحر والذي ضرب بقوة الصورة النرجسية التي يرسمها البعض للهيئات الحكومية، حيث أصبح لكل هيئة حكومية بها فساد إداري مراسل افتراضي للمنتديات بإمكانه بضغطة زر أن يدل الأجهزة المعنية على مواطن الفساد وبالتالي القضاء عليه.. لذلك لا بد أن تكون سبلة العرب مصدر قلق للبعض ولابد من إخراسها”.

وينتظر سعيد الراشدي(34 عاما) مدير الشبكة العمانية(متوقفة) وعدد من كتابها مصيراً مجهولاً في قضايا برزت فجأة وسط ارتباك في حيثيات الاتهامات والإجراءات الجزائية، وكيفت على أنها قضايا تشهير وإهانة موظفين أثناء ممارستهم لمهامهم! واحتكمت إلى قانون المطبوعات والنشر(المواد 28-30-…)، وإلى قانون تنظيم الاتصالات(المادة 61)، وإلى قانون الجزاء العماني(المادة 173-…)، الأول هو قانون الصحافة والنشر صدر في 1981 ولم تطرأ عليه أية تغييرات جوهرية منذ ذلك التاريخ ويخول لجنة يرأسها وزير الإعلام صفة الاختصاص القضائي، والثاني تشهر مادته الشهيرة كل حين في وجه نشطاء الرأي وكتاب الإنترنت، وذلك في غياب تشريع يختص بقضايا الإنترنت، ويتوافق مع التشريعات الدولية بهذا الخصوص، والثالث تطبق مادته تلك على كل من ينتقد المتنفذين والقصور الحكومي.

وفي سياق متصل، وجه الادعاء العام في 9 ديسمبر “تكليفاً بالحضور” إلى الكاتب والشاعر محمد الحارثي مطلوب فيه بصفته شاهداً في إحدى القضايا، ليفاجأ حين مثوله أمام الإدعاء العام، في اليوم التالي، بأنه متهم بمداخلة في المنتدى السياسي للشبكة العمانية، كتبت تحت اسم مستعار، حول قضية محلية (المعروف أن الكاتب محمد الحارثي يوجه عادة في مقالاته، باسمه الصريح، انتقادات بشأن الأحوال العامة)، وأن المداخلة المذكورة قد أرسلت من رقم آي بي منزله، وعليه فهو صاحبها، أو يقدم قائمة بأسماء من يدخلون منزله لتقوم السلطات بكشف الحقيقة! وعندما رفض الاستجابة لهذا الطلب الغريب احتجز ليلة في زنزانة انفرادية- مركز شرطة مطرح- متسخة خالية من أية أدوات، سيئة التهوية ومظلمة، من دون مراعاة لحالته الصحية الحرجة. ولا تزال القضية في انتظار قرار الإدعاء العام.

وإذا صحت التوقعات بقرب تقديم بعض القضايا إلى القضاء فإن ذلك وبغض النظر عن الأحكام الصادرة يعتبر تراجعاً خطيراً لحرية التعبير على الإنترنت، ويشيع أجواء من المخاوف حول انتفاء وجود أية ضمانات فعلية للحق في التعبير، في الوقت الذي تلاحظ فيه اللجنة العربية لحقوق الإنسان، في السنوات الثلاث الأخيرة، تزايد التضييق على حريات التعبير دون أن يحدث أي تقدم ملموس باتجاه تفعيل المواد الخاصة بحرية الصحافة والتعبير في النظام الأساسي للدولة، ودون تغيير لقانون المطبوعات والنشر، ودون الكف عن عرقلة تأسيس الجمعيات الأهلية وعدم فرض الوصاية عليها، والتوقف عن ملاحقة الكتاب ونشطاء الرأي.

إن اللجنة العربية لحقوق الإنسان تتابع بقلق بالغ ملف قضايا حرية التعبير على الإنترنت في سلطنة عمان، وتخشى المزيد من الانتهاكات التي قد تطال الحقوق الشخصية والعامة للأشخاص، وستقوم اللجنة بالدفاع عن كل من تتأكد أنهم ضحايا انتهاكات حرية التعبير، بالتنسيق مع المنظمات العربية والدولية المدافعة عن حرية التعبير والصحافة ونشطاء الأنترنيت.