أبريل 2004

المتابع للأحداث المتسارعة في منطقة الخليج العربي و بخاصة ما يتعلق بالجوانب السياسية والحقوقية يشاهد شعارات وأطروحات إعلامية شتى, ولكن واقع الحال يخالف ذلك كثيرا؛ ولا يستثنى في ذلك أحد.

فدولة قطر على سبيل المثال تحظى بتغطية إعلامية كبيرة تركز على ما يجري في هذه الدولة من “تحولات ديمقراطية” و”قفزات في بناء دولة القانون وتكوين دولة المؤسسات وإقرار دستور دائم للبلاد” الخ. فما هو واقع الحال، وما هي العلاقة بين الأطروحة السياسية والممارسة اليومية؟ هل تمكن المجتمع من اكتشاف دوره في المشاركة؟ هل يمكن الحديث عن تقدم فعلي في الشورى وتبادل الآراء بين الحاكم والمحكوم؟ هل رسّخ الدستور الأسس الضرورية لبناء دولة تتبنى مبدأ فصل السلطات؟ هل استطاعت فكرة المواطنة، أي حق الإنسان بالتمتع بكامل حقوقه المدنية والسياسية، أن تجد مكانها في الحياة السياسية في البلاد؟ لماذا لم يتم حتى اليوم اعتماد الدستور وقد صّوت عليه في شهر أبريل 2003؟

كل هذه الأسئلة وغيرها تشغل المهتم بحقوق الإنسان في قطر والمنطقة وتحتاج لتناول مسهب ينطلق أولا من الوقائع وصولا لاستنتاجات أكثر قربا من الحقيقة. وبالتالي أكثر فائدة كونها تسمح بتحديد مطالب عملية وعقلانية ضرورية في البلاد.

نجد على أرض الواقع مثلا أن هناك قوانينا وتشريعات وإن كانت مؤقتة إلا أنها تكتسب أهمية خاصة كونها تتعلق بجوانب حقوقية تهم الفرد والجماعة المدنية. ولعلنا نسوق من هذه القوانين بعضها لأهميتها وحجيتها: فقد نصت المادة 11 من النظام الأساسي المؤقت (المعدل) على أن: “المتهم بريء حتى تثبت إدانته وللمتهم الحق في محاكمة عادلة….” وتضمنت قواعد قانون الجزاءات الجنائية أحكام مفصلة في القبض والتوقيف إذ نصت المادة 33 من قانون الإجراءات الجنائية رقم 15 لسنة 1971 على أنه: “إذا اقتضت مصلحة التحقيق إبقاء أي شخص مقبوضا عليه في الحبس الاحتياطي لمدة تزيد على ثماني وأربعين ساعة وجب عرض الأمر على المدعي العام وللمدعي العام بعد الإطلاع على التحقيقات والاستماع إلى أقوال المقبوض عليه أن يأمر بالإفراج عنه أو حبسه احتياطيا لمدة لا تزيد على أربعة أيام. فإذا اقتضت مصلحة التحقيق استمرار حبسه بعد ذلك وجب عرض الأمر على القاضي وللقاضي بعد الإطلاع على الأسباب التي يقدمها الادعاء العام والاستماع إلى أقوال المقبوض عليه أن يأمر بالإفراج عنه أو حبسه لمدة لا تزيد على شهر ويكون تمديد الحبس لمدد أخرى مماثلة بأمر من القاضي. ويجوز لكل من المدعي العام ومن صدر ضده أمر الحبس من القاضي استئناف الأمر خلال أربع وعشرين ساعة من تاريخ صدور الأمر ….”

قبل سبتمبر 2001، كان الحديث يجري عن انتخابات قادمة في 2002 ، ودولة مؤسسات في صدد التكوين، وتوسيع هامش الحريات، ومراقبة دولية لمجريات الدمقرطة في البلاد. لم يجر فقط نسيان هذه الوعود، بل تم اتخاذ عدة إجراءات تحدد من الحريات وتقّيد حقوق المواطنين. فقد صدر في 2/7/2002 عن الديوان الأميري القانون رقم 17 “بشأن حماية المجتمع”. فيما يمهد للاعتقال التعسفي لكل مواطن ضمن المنطق الذي يذكرنا بقانون “حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي” للرئيس أنور السادات في 1978 الذي يوسع سقف الاعتقال الإداري حسب رغبة الحاكم. لقد جاء في هذا القانون:

“المادة الأولى: استثناءً من أحكام قانون الإجراءات الجنائية، المشار إليه، يجوز لوزير الداخلية، في الجرائم المتعلقة بأمن الدولة أو لعرض أو خدش الحياء أو الآداب العامة، أن يقرر التحفظ على المتهم إذا ثبت أن هناك مبررات قوية تقتضي ذلك، بناءً على تقرير بالواقعة يرفعه مدير عام الأمن العام. المادة الثانية: تكون مدة التحفظ أسبوعين قابلة للتمديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة وبحد أقصى ستة أشهر، ويجوز مدها لمدة لا تجاوز ستة أشهر أخرى بموافقة رئيس مجلس الوزراء. وتضاعف مدة التحفظ المشار إليها إذا كانت الجريمة تتعلق بأمن الدولة”.
إذن تصل مدة التحفظ لسنتين ويحق لوزير الداخلية إغلاق المكان المرتبط بالجرم.

قانون مكافحة الإرهاب
رغم كون قطر من البلدان التي لا تعاني من مشكلة في قضية الإرهاب، والحادث الوحيد الذي وقع على أراضيها كان مدبرا من أشخاص غير قطريين وغير مقيمين، فقد انضمت قطر لجوقة البلدان التي أصدرت قوانين تعسفية بحجة مكافحة الإرهاب. ويمكن القول أن القانون رقم (3) لسنة 2004 بشأن مكافحة الإرهاب هو أحد أسوأ القوانين الخاصة بالموضوع في الدول العربية، ومن الواضح من نص وحيثيات القانون أنه لردع المجتمع عن أي شكل من أشكال المعارضة وليس فقط ممارسة العنف لأن تعريف الغرض الإرهابي في هذا القانون واسع الذمة حيث جاء في المادة الأولى:

“يكون الغرض إرهابيا إذا كان الدافع إلى استخدام القوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، هو تعطيل أحكام النظام الأساسي المؤقت المعدل أو القانون أو الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر أو الإضرار بالوحدة الوطنية, وأدى ذلك أو كان من شأنه أن يؤدي, إلى إيذاء الناس أو تسبب الرعب لهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر, أو إلحاق الضرر بالبيئة, أو الصحة العامة أو الاقتصاد الوطني, أو المرافق أو المنشآت أو الممتلكات العامة أو الخاصة أو الاستيلاء عليها أو عرقلة أدائها لأعمالها, أو منع أو عرقلة السلطات العامة عن ممارسة أعمالها”.
وتنص المادة الثانية على تشديد كافة الوارد بشأنها في القانون الجنائي بحيث مثلا يعاقب بالإعدام إذا كانت العقوبة هي الحبس المؤبد, “وفي جميع الأحوال تكون العقوبة الإعدام إذا ترتب عن فعل الجاني موت شخص أو إذا استعملت أسلحة في ارتكاب الجريمة”.

وجاء في المادة الثالثة “يعاقب بالإعدام أو الحبس المؤبد, كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار جماعة أو تنظيما على خلاف القانون أيا كان مسمّاه لارتكاب جريمة إرهابية”
وفي المادة السادسة يعاقب بالإعدام أو الحبس المؤبد كل من أدار كيانا أو جمعية أو مؤسسة خاصة أنشئت طبقا للقانون, واستغل إدارته لها في الدعوة إلى ارتكاب جريمة إرهابية”.

يتناول القانون تدابير حالات الطوارئ من جواز حظر الإقامة والإلزام بالإقامة في مكان معين وحظر التردد على أماكن معينة (مادة 13) وضبط الرسائل والمطبوعات والطرود والبرقيات وبمراقبة الاتصالات بجميع وسائلها وتسجيل ما يجري في الأماكن العامة والخاصة (مادة 19) والأنكى من ذلك لا تتقيد النيابة العامة في مباشرتها للتحقيق وتحريك الدعوى في الجرائم الإرهابية بقيد الشكوى أو الطلب المنصوص عليهما في قانون الإجراءات الجنائية (مادة 17) ولا تزول الدعوى الجنائية بالتقادم (مادة 16) ويصل الحبس الاحتياطي لستة أشهر تمدد من المحكمة المختصة (مادة 18).

لقد تأكد مبدأ ضمان الحرية الشخصية في مشروع الدستور الدائم لدولة قطر. فقد نصت المادة 36 من على أن: “حرية الشخصية مكفولة ولا يجوز القبض على إنسان أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون. ولا يعرض إي إنسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة, ويعتبر التعذيب جريمة يعاقب عليها القانون”. كما نصت المادة 39 منه على أن: “المتهم بريء حتى تثبت إدانته أمام القضاء في محاكمة عادلة توفر له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع”. مع ذلك، فقد قامت السلطة التنفيذية باعتقال عدة أشخاص اعتقالا تعسفيا ولفترات طويلة دون محاكمة أو توجيه تهم محددة. وسحبت الجنسية من أشخاص آخرين كعقوبة تقوم بها السلطات, وهي عقوبة تنافي بكل المقاييس والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والمتعاقد عليها دوليا. كمثال على ذلك اعتقال السيد هاشم محمد صالح العوضي الذي اعتقل بتاريخ 3/3/2003 ومازال قيد الاعتقال حتى كتابة هذا التقرير. وقد سحبت منه الجنسية القطرية قبل حوالي أربع سنوات مع شقيقه ( يوسف محمد صالح العوضي) وشقيق زوجته (يوسف الشيباني) دون توجيه أي تهمة أو إبداء أي سبب، مع العلم أن هناك معتقلين آخرين وهم:

    • 1- سالم حسن الكواري

    • 2- منصور راشد المطروشي المنصوري

    • 3- عبد اللطيف عبد الله الكواري

    • 4- إبراهيم عيسى الباكر

    • 5- حمد عيسى الباكر

    • 6- خالد سعيد البوعينين

    • 7- طارق عبد الله المنصوري

    • 8- خالد علي الحمادي

    • 9- عبد الله محمد سويدان

    • 10- أحمد يوسف حكيم

لم توجه لهولاء أية تهم معينة ولم يعين لهم محامون للدفاع عن حقوقهم المدنية.
لذا، فإن جمعية الكرامة للدفاع عن حقوق الإنسان واللجنة العربية لحقوق الإنسان تطالبان السلطات القطرية بالإفراج عن المعتقلين فورا وإعادة جميع حقوقهم القانونية والمدنية؛ كما تناشدان المنظمات الحقوقية بالتضامن مع هؤلاء المعتقلين حتى يتم الإفراج عنهم.

جمعية الكرامة للدفاع عن حقوق الإنسان
واللجنة العربية لحقوق الإنسان