(تشرين الأول/أكتوبر 2009)

طالبت الكرامة لحقوق الإنسان ومقرها جنيف دولة قطر بإلغاء التشريعات الاستثنائية خاصة في قانوني “حماية المجتمع” و”مكافحة الإرهاب”، لأنهما “يشرعنان الاحتجاز التعسفي والسري ويفتحان الباب على مصراعيه على جميع أنواع الشطط”، طبقاً للتقرير الذي ستقدمه المنظمة إلى مجلس حقوق الإنسان في إطار المُرَاجَعَةُ الدَّوْرِيَّةُ الشَّامِلَة (الدَّورةُ السابعة، 4-15 شباط / فبراير 2010).

وشددت المنظمة في تقريرها على ضرورة أن تقوم حكومة قطر “بإصلاحات سياسية في اتجاه مشاركة حقيقية للمواطنين في الحياة العامة للبلد وإنشاء البرلمان المنصوص عليه في الدستور وتنظيم انتخابات بالاقتراع العام لتحديد ثلثي الأعضاء القابلين للترشح”، داعية إلى “ترسيخ مبدأ عدم خضوع القضاة للعزل بتوسيعه ليشمل جميع قضاة البلد بما فيهم الأجانب المرتبطين بعقود وذلك من أجل تأمين استقلالية حقيقية للعدالة”.

وفي سياق توصياتها للحكومة القطرية، طالبت الكرامة بـ”اتخاذ التدابير اللازمة لمحاربة الحرمان من الجنسية طبقا لمعاهدة تقليص حالات الحرمان من الجنسية بتاريخ 30 أغسطس 1961″، وكذا “منح الحق في العفو لجميع الأشخاص المدانين في مايو 2001 بعد المحاولة الانقلابية لسنة 1995″، وذلك “طبقا لمبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات (الفصل 34 من الدستور).

أما على المستوى المعياري، فقد أكدت الكرامة بأنه “على الدولة أن تفكر في المصادقة على الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، و”أن تدرج في التشريع الداخلي جريمة التعذيب كما يعرفها الفصل 1 من معاهدة مناهضة التعذيب والتنصيص على العقوبات المناسبة لزجرها ورفع التحفظات المتعلقة بالفصلين 21 و 22 والتفكير في المصادقة على البروتوكول الاختياري”.

تغييرات سياسية واجتماعية
ويشير تقرير الكرامة إلى أن دولة قطر شهدت العديد من التغييرات الاجتماعية والسياسية في عهد الأمير الحالي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي جاء إلى الحكم إثر انقلاب على والده خليفة بن حمد آل ثاني سنة 1995، حيث تبنى البلد سنة 2003 بالاستفتاء دستورا جديدا دخل حيز التطبيق يوم 9 يونيو 2005، وينص بصفة خاصة على إنشاء برلمان يتشكل من 45 عضوا يتم انتخاب ثلثيهم بالاقتراع العام، بينما يعين الأمير الثلث الباقي، وتكون مهمته مساعدة الأمير في صياغة سياسته، غير أن هذا الأخير لم ير النور بعد، إذ لا يزال الأمير يحتكر أهم السلطات.

وقال التقرير إنه على الرغم من “أنّ حرية إنشاء الجمعيات وممارسة الشعائر وكذا استقلالية السلطة القضائية مضمونة”، إلا أنّ الأحزاب السياسية تظل محظورة”..

وفيما تطرق التقرير إلى “الروابط المتينة” لدولة قطر مع الولايات المتحدة، سيما في مجال الدفاع العسكري في ضوء التسهيلات الكبيرة التي تقدمها دولة قطر للقوات الأمريكية الموجودة على ترابها، أشار إلى بعض التقارير التي تتحدث عن “وجود سجون سرية في قطر تديرها المخابرات الأمريكية”.

ورغم أن قطر لم تشهد لحد الساعة أية أعمال إرهابية منظمة، فإنها أصدرت سنة 2002 قانونا لـ”حماية المجتمع” (القانون 17/ 2002) ثم انضمت سنة 2004 إلى اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي لمكافحة الإرهاب وتبنت في نفس التاريخ قانونا وطنيا ضد الإرهاب. وبعد عملية 19 مارس 2005، صادقت الدولة على 9 من أصل 12 أداة قانونية دولية لمكافحة الإرهاب.

وفي سياق ملاحظاتها حول النظام القضائي في البلد، قالت الكرامة إن دولة قطر “لم تقم بإعداد البنود القانونية الداخلية التي تمنع بوضوح طرد أو إجلاء أو إبعاد شخص ما نحو دولة أخرى يسود الاعتقاد بأنه سوف يخضع فيها للتعذيب كما ينص على ذلك الفصل 3 من معاهدة مناهضة التعذيب”، كما أن القانون الداخلي “لا يحدد أية مقتضيات قانونية متعلقة بمنح اللجوء أو صفة اللاجئ في قطر”.

احتجازات تعسفية ومعاملة سيئة
وعلى الرغم من أن القوانين الوطنية للإجراءات الجنائية في البلد تؤمن إطارا قانونيا للمتابعات وترسم حدود الاحتجاز في إطار الحراسة النظرية كما تشير إلى إمكانية أن يقوم عضو في هيئة المحكمة بزيارة ومراقبة الأماكن المقررة قانونيا للاحتجاز، إلا أن تقرير الكرامة يؤكد بأن الأشخاص الذين تم اعتقالهم بموجب قوانين الاستثناء خاصة قانون”حماية المجتمع” لا يتمتعون بالحماية التي يرغب المشرع في منحها لهم في إطار مقتضيات قانون الإجراءات الجنائية، إذ يتم عموما اعتقالهم واستنطاقهم من طرف مصالح الاستعلامات. ثم يتم احتجازهم لمدة غير محددة في مباني أمن الدولة التي لا تخضع لسلطة وزارة العدل والتي لم تحدد كمكان للاحتجاز يمكن للنيابة العامة أن تمارس عليه إجراءات المراقبة والحراسة، كما هو مقرر في الفصل 395 من قانون الإجراءات الجنائية. وبذلك لا يمكن للأشخاص المعتقلين في هذه الظروف القيام بأي طعن أمام أية سلطة سواء كانت قضائية أو غير قضائية.

ولفت التقرير إلى أن منظمة الكرامة عرضت خلال السنوات الأخيرة حالات أشخاص تم اعتقالهم واحتجازهم لعدة شهور دون تقديمهم لأي قاض أو إخضاعهم لأية إجراءات قضائية، ففي تاريخ 30 مايو 2006 أطلعت المنظمة مجموعة العمل المعنية بالاحتجاز التعسفي على حالتي محمد جاسم سيف الإسلام وإبراهيم عيسى حاجبي محمد البكر، المعتقلين بتاريخ 7 و 9 يناير 2006 واللذين أطلق سراحهما دون محاكمة يوم 16 سبتمبر 2006، كما تم اعتقال عبد الله محمد سالم السويدان وفهد الجدي راشد المنصوري وخالد سعيد فضل الراشد البوعينين ونايف سالم محمد عجيم الأحبابي في ما بين شهري نوفمبر 2005 ويناير 2006. ثم أطلق سراحهم يوم 22 يونيو 2006 دون أن يخضعوا لأية إجراءات قضائية. كما لم يُمكنوا من الاتصال بأي محام أو استعمال أية إجراءات قانونية للطعن في قانونية احتجازهم أو الاطلاع على الأسباب القانونية لاعتقالهم كل هذه المدة. أما أقرباؤهم فلم يتمكنوا من زيارتهم إلا بعد عدة أشهر من الاحتجاز السري.

وفي نفس السياق أيضاً، قال التقرير إن الكرامة عرضت يوم 31 مايو 2006 على مجموعة العمل حالة السيد حمد علاء الدين شهادة ذي الجنسية الأردنية الذي كان يقطن قطر ويعمل بها، والذي تم احتجازه بسرية مدة 3 أشهر قبل أن يسمح له برؤية زوجته ولم يطلق سراحه إلا بعد مرور 19 شهر على اعتقاله دون أن يخضع لأية إجراءات قضائية أو يمثل أمام أي قاض. وبعد إطلاق سراحه، سلطت عليه عدة إجراءات تضييقية خاصة منعه من السفر.. أما عبد الله غانم خوار وسالم حسن الكواري اللذين اعتقلتهم مصالح الاستعلامات بتاريخ 27 يونيو 2009 فلم يتم لحد الساعة تقديمهم أمام أي قاض يستمع إليهم أو يدينهم. ولا يمكنهم إلى الآن أن يحتجوا على مشروعية احتجازهم أو الاتصال بأي محام. كمالا يزال أقرباؤهم يجهلون دواعي اعتقالهم.

وذكرت الكرامة أنه خلال الفترة الممتدة بين 1995 و 2000 تم اعتقال حوالي 30 شخصاً في إطار التحقيق في محاولة الانقلاب التي قام بها والد الأمير الحالي، حكم على 18 منهم بالإعدام في مايو 2001. وبعد سنوات له في المنفى، سمح للأمير المخلوع بالعودة إلى بلاده بعد أن كان يعيش في أوربا. كما عفا الأمير عن الفاعلين الأساسين في المحاولة الفاشلة بخيث مزروق العبد الله والشيخ حمد بن جاسم بن حمد آل ثاني اللذين أطلق سراحهما سنة 2003 بينما يظل 28 شخصا آخرون لعب بعضهم دورا ثانويا في الحدث رهن الاعتقال إلى الآن.

الحرمان من الجنسية والتمييز
وفي موضوع آخر انتقد تقرير الكرامة بشدة القانون رقم 38/2005، الخاص بالجنسية، والذي يمنح الأمير سلطات واسعة فيما يتعلق بمنح الجنسية القطرية أو التجريد منها أو استردادها. حيث يسمح في الفصل 2 مثلا بتجريد كل مواطن من جنسيته في بعض الحالات، خاصة إذا التحق بقوات أجنبية أو مؤسسة أو منظمة تهدد بالنظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي للبلد، أما الأشخاص المجنسون فيتمتعون بحماية أقل فهم معرضون في كل لحظة إلى الحرمان من جنسيتهم بمجرد اقتراح وزير الداخلية ذلك إذا اعتبر أن هذا الإجراء موافق للمصلحة العامة. وعليه، فإن القانون المذكور –طبقاً للمنظمة – يؤسس للتمييز بين المواطنين القطريين الأصليين والمواطنين المجنسين فلا يتمتع هؤلاء الأخيرون بنفس حقوق الأولين.

فمهما بلغت أقدمية تجنيسهم، لا يمكنهم مثلا أن يصوتوا أو يترشحوا للانتخابات.

ونوهت المنظمة إلى أنه يمكن أن يتخذ التجريد من الجنسية شكلا جماعيا كما وقع لقبيلة الغفران، أحد فروع القبيلة العربية الكبرى المرة التي كان أفرادها رحلا يتنقلون بين شرق وشمال شرق الجزيرة العربية في التراب الحالي لدولتي قطر والعربية السعودية. فقد تم حرمان 927 رئيس عائلة تضم 5266 شخصاً من جنسيتهم بموجب قرار من وزير الداخلية يوم 01 أكتوبر 2004. وهو رقم هام بالنظر إلى العدد الإجمالي لسكان البلد. فبعد أن ساند بعض أفراد قبيلة الغفران والد الأمير الحالي عند خلعه ثم إبان المحاولة الانقلابية الفاشلة، تم تأويل هذا الإجراء من طرف بعض الملاحظين كعقاب جماعي.

أما ميدانيا، فقد ذكر تقرير الكرامة أنه تم طرد الموظفين، رجالا ونساء، دون أي إشعار وتعرّض الأطفال للحرمان من التعليم كما حرمت الأسر من الضمان الاجتماعي والامتيازات الاجتماعية التي كانوا يستفيدون منها (المسكن، العناية الطبية المجانية، رخصة السياقة، إلخ) وأبلغوا بضرورة تسوية وضعيتهم مع السلطات باعتبارهم أجانب. “ورغم أن العديد من الحالات تمت تسوية وضعيتها منذ ذلك الحين، فيما استردت العائلات المعنية حقوقها، إلا أن عدة مئات من الأشخاص يظلون لحد الساعة محرومين من جنسيهم”، طبقاً لتقرير المنظمة.

إلى ذلك، تطرق تقرير الكرامة إلى “انتهاكات حقوق العمال المهاجرين”، الذين يشكلون ثلاثة أرباع سكان قطر، وينحدرون من باكستان والهند والنيبال وبنغلاديش والفلبين وكذا السودان ومصر وسوريا، مشيراً إلى أن معظمهم يشتغل في قطاع البناء “في ظروف صعبة للغاية”، كما أنهم – طبقا لنظام الكفالة المعمول به – “يظلون تحت رحمة المشغلين الذين يستغلونهم أحياناً ويهددونهم بالاحتجاز ويمنحونهم أجورا زهيدة ويحتجزون وثائق سفرهم، بل ويحرمونهم أجورهم ويمنعونهم من الاستقالة أو تغيير العمل أو مغادرة البلد دون إذن، إلخ .كما يعيش هؤلاء العمال في ظروف سكن بئيسة ولا يتمتعون بأية تغطية اجتماعية مناسبة”.

ملاحظة: للحصول على نسخة من التقرير، يرجى زيارة موقع الكرامة على الإنترنت
للاتصال:
Alkarama for Human Rights
2bis Chemin des Vignes
CH-1209 Geneva, Switzerland
Tel.: +41 22 734 1006
Fax.:+41 22 734 1034
Email : geneva @alkarama.org