2004
مدخل : يعتبر ملف السجناء السياسيين والمفقودين والمغيبيين في داخل السجون الليبية من أهم الملفات التي تبين حجم الانتهاكات التي ترتكبها الدولة الليبية في حق مواطنيها وبالرغم من أن ليبيا وقعت على أغلب الاتفاقيات المتعلقة بمبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان فانها من أكثر الدول التي تنتهك حقوق السجناء السياسيين ورغم النفي المطلق من قبل السلطات لوجود سجناء رأي.
وسوف أتناول في هذه الورقة مجموعة من المحاور الأساسية :
أوضاع السجون ومراكز الحجز في ليبيا
أنماط التعامل مع السجناء : الاعتقال – التحقيق – أنواع التعذيب المستعملة في السجون الليبية. القوانين التي يحاكم من خلالها السجناء
أنواع المحاكم التي يقف أمامها السجين السياسي
ثلاث حالات تبرز بوضوح الكيفية التي تتعامل بها السلطات الليبية مع السجناء السياسيين حادثة القتل الجماعي في سجن بوسليم – قضية الاخوان المسلمين – قضية البلغار
خاتمة وتتضمن مجموعة من التوصيات
وقبل الدراسة فإننا نشير هنا إلى ملاحظة مهمة :
بنص القانون 71 للعام 1972 الذي يحظر أي شكل من أشكال النشاط الجماعي وقانون حظر تأسيس الجمعيات والمنظمات الاهلية في ليبيا أصبحت منظمتنا وغيرها من المنظمات الليبية الأهلية والدولية غير مسموح لها بالعمل في ليبيا باستثناء جمعية حقوق الانسان التابعة لمؤسسة القذافي الخيرية والتي يرأسها سيف معمر القذافي فإنني أود الاشارة إلى أن جميع المعلومات والأرقام والنسب الواردة في هذه الورقة هي من مصادر مختلفة تحصلت عليها مؤسساتنا إما عن طريق :
- الاتصال الشخصي بعدد كبير من السجناء السابقين المتواجدين في الدول الغربية وخاصة المملكة البريطانية المتحدة
- الاتصال الشخصي ببعض ضباط الأمن وشرطة السجن الذين كانوا بعملون تحت وحدات مختلفة من أجهزة الأمن
- الاتصال الشخصي بدوي وعائلات السجناء الذين غادروا ليبيا للخوف على حياتهم وحياة أبنائهم وبيننا اليوم وفي هذه القاعة عينة من بين آلاف العائلات الليبية التي سجن عائلها الوحيد ولم تقم الدولة بمنحها أي مساعدات اجتماعية أم لتسعة أولاد تركت ليبيا وهاجرت إلى بلدها الأصلي بريطانيا با أبنائها التسعة الذين حرموا من العيش مع والدهم الليبي والمعتقل منذ ست سنوات وقد صدر عليه حكم بالسجن المؤبد بتهمة الانتماء الى حزب سياسي
- جهود منظمات دولية وعلى رأسها منظمة العفو الدولية وزيارتها الاخيرة وكذلك جهود منظمات حقوق الانسان الليبية الأهلية والمتواجدة جميعها في الخارج.
السجون ومراكز الحجز :
ينتشر في ليبيا مجموعة من السجون والمعتقلات أقدمها وأكبرها : سجن بوسليم طرابلس / سجن عين زارة طرابلس / سجن الكويفية بنغازي كما ينتشر مئات من مراكز الحجز المؤقتة ومكاتب التحقيق التابعة لأجهزة الامن المختلفة
وبالرغم من التحسن الذي شهدته المعتقلات السياسية في ليبيا مؤخرا وجهود جمعية حقوق الانسان التابعة لمؤسسة القذافي الخيرية في هذا المجال إلا أنه لاتزال هناك الكثير من الخطوات التي ينبغي أن تسير الدولة قدما في تنفيدها وبالنظر إلى واقع هذه المعتقلات اليوم فإنه يمكن تسجيل الملاحظات التالية :
معظم الزنزانات والغرف غير صحية وتعاني من الرطوبة العالية التي سببت في تفشي مجموعة من الامراض المزمنة كالربو وضيق التنفس وأمراض خطيرة أدت إلى وفاة العشرات داخل هذه السجون وعلى رأسها مرض السل الرئوي – مرض الكبد الوبائي لا تزال أغلب الزنزانات مكتظة بعدد كبير من السجناء وقد وصل في بعض الحالات إلى وجود أكثر من 25 سجين داخل غرف سعتها القصوى 7 سجناء كما أن هناك نقص شديد في الفرش والأغطية الزيارات : لاتزال أغلب الزيارات في أغلب هذه السجون متقطعة وغير مستمرة كما أن أغلب السجناء يعانون من انقطاع الاتصال بينهم وبين العالم الخارجي أغلب العيادات الصحية داخل السجون تعاني من نقص شديد في الامكانيات الطبية من معدات وأدوية ويحرم أغلب السجناء المرضى من عرضهم على الطبيب المختص كنوع من العقاب وقد سجلت المؤسسة من خلال شهادات بعض السجناء حدوث حالات عديدة من المرضى الذين قضوا نحبهم أمام أعين أصدقائهم من شدة المرض والألم والاهمال الصحي وعدم اكتراث السجانين
أغلب هذه المعتقلات تعاني من نقص شديد في التمويل كما أن الوجبات تخضع لمزاج ضباط التحقيق وشرطة السجن الذين غالبا ما يقومون بتجويع السجين وحرمانه من الطعام كنوع من العقاب
الأجهزة الأمنية المشرفة على عمليات الاعتقال والتعذيب :
تمارس السلطات الليبية انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان عبر جاهزين مهمين هما الأمن الخارجي ومهمته بالدرجة الأولى مطاردة نشاطات المعارضين في الخارج ورصد تحركاتهم وجهاز الأمن الداخلي والذي يتفرع إلى أكثر من خمسة أقسام جميعها تعمل من أجل رصد اي نشاطات سياسية أو حقوق انسانية في الداخل وهو الجهاز الرئيسي المسؤول عن ممارسة الاعتقال المطول بمعزل عن العالم الخارجي وعزلة تامة وممارسة التعذيب وسوء المعاملة كما أنه يمتك شبكة كبيرة من المباني والمكاتب السرية التي لاتخضع للمراقبة من أي جهة ويتم من خلالها اعطاء الأوامر للقبض والاعتقال المباشر وفي أوقات متأخرة من الليل كما يمارس من خلال هذه المكاتب أبشع صور التعذيب.
طرق الاعتقال والتعذيب :
الاعتقال التعسفي والحجز الغير قانوني والتفتيش بدون اذن المحكمة ونهب وسرقة جميع ممتلكات المقبوض عليه والتحرش الجنسي بزوجته وبناته.. مشهد مألوف أثناء عملية الاعتقال وقد دأبت قوات الأمن والشرطة الليبية على تعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم خصوصا أثناء التحقيقات. وفي معظم الحالات، يقوم المسؤولون بتعذيب المعتقلين للحصول على معلومات أو لانتزاع اعترافات منهم، الأمر الذي يفضي أحيانا إلى الوفاة. وفي بعض الحالات، يتخذ المسؤولون تعذيب المعتقلين أداةً للعقاب أو التخويف أو الإذلال، كما يقوم ضباط الأمن باعتقال ذويهم وتعذيبهم للحصول على معلومات أو اعترافات من أقربائهم أو إجبار أقربائهم المطلوبين على تسليم أنفسهم
وتتضمن وسائل التعذيب الضرب بالأيدي والأقدام والأحزمة والعصي والأسلاك الكهربية، والتعليق في أوضاع ملتوية ومؤلمة مع الضرب، واستخدام الصدمات الكهربية، والاغتصاب والعنف الجنسي والتهديد باغتصاب زوجات المعتقلين وبناتهم لإجبارهم على الاعتراف فضلا عن المعاملة الغير انسانية التي يعامل بها السجين داخل السجن كأن يجبر في مررات عديدة على شرب بوله.
الوفيات تحت التعذيب أو نتيجة الاهمال الصحي
نتيجة غياب الرقابة من قبل الدولة أو منظمات حقوق الانسان على السجون والمعتقلات في ليبيا فان العشرات من ذوي وعائلان المسجونين السياسيين فد فقدوا الأمل في حياة أبنائهم وأقاربهم ويعتقدون بأنهم قد ماتوا إما تحت التعذيب أو نتيجة الاهمال الصحي أو قتلوا في حادثة القتل الجماعي في سجن ( بوسليم ) والتي عرفت بمذبحة سجن بوسليم
طريقة التبليغ :
تُبلَّغ أغلب العائلات عادة شفوياً بوفاة أقربائها في الحجز، من دون إصدار شهادات وفاة. وعندما كانت العائلات تستفسر عن تاريخ الوفاة فإن رد السلطات عادة ما يكون بالامتناع عن اعطاء ملابسات الوفاة أو سببها. كما أن السلطات الليبية لم تسلم أي جثة من جثت السجناء إلى عائلاتهم وفي سنوات ماضية كانت السلطات تمنع حتى اقامة مراسم للعزاء.
الاعتقال بعد انقضاء فترة العقوبة
ممارسة الاعتقال غير القانوني بعد انقضاء فترة العقوبة من الأمور التي تمارسها السلطات الليبية بشكل مستمر وقد سجلت مؤسسة الرقيب حالات عديدة قضت في السجون الليبية أكثر من 10 سنوات بالرغم من أن محكمة الشعب ( الغير شرعية ) قضت ببراءة المتهم منذ العام الأول ، كما أن السلطات الليبية لم تقم بتعويض أي سجين عن سنوات الضيافة الزائدة التي قضاها داخل معتقلاتها الرهيبة. ونتيجة حالة الرعب والخوف التي يعيشها المواطن الليبي من ارهاب الدولة وأجهزتها القمعية فإنه يستحيل أن يطرق شخص ما ابواب السجون ليسأل عن ولده أو أبيه أو أحد اقاربه.
ويحتجز المعتقلون في ليبيا لفترات تمتد إلى أسابيع أو أشهر، وفي بعض الحالات حتى سنوات من دون أي اتصال بالعالم الخارجي، أو بعائلاتهم و محاميهم ولا يعرف عادة مكان احتجازهم. وخلال هذه الفترة بالذات يكونون أكثر عرضة لأشد أنواع التعذيب وسوء المعاملة.
أهم القوانين التي تشرع للدولة سجن معارضيها السياسيين :
- القانون 71 للعام 1972 الذي يحظر أي شكل من أشكال النشاط الجماعي القائم على أيديولوجية سياسية معارضة لمبادئ ثورة الفاتح من سبتمبر/أيلول 1979. فالمادة 3 من القانون 71 تنص على توقيع عقوبة الإعدام بسبب تشكيل مجموعات يحظرها القانون أو الانضمام إليها أو دعمها.
- المادة 208 التي تحظر تأسيس أي جمعية دولية أو الانضمام إليها،
- المادة 178 التي تنص على السجن مدى الحياة بسبب نشر معلومات تُعتبر “بأنها تسيء إلى سمعة (البلاد) أو تزعزع الثقة بها في الخارج.
المحاكم الخاصة التي يمثل أمامها السجناء
محكمة الشعب : أداة من أداوت القمع السياسي
وهي محكمة تصنف بأنها استثنائية ( غير شرعية ) ولا تتقيد بالمعايير الدنيا للمحاكمات العادلة وقد أنشئت محكمة الشعب بموجب القانون رقم “5” لسنة 1988 إلاّ أن التعديلات اللاحقة للقانون المذكور خاصة التعديل الذي أدخل بموجب القانون رقم “3” لسنة 1997 قد جعل من هذه المحكمة وذراعها مكتب الإدعاء الشعبي أداة من أدوات الحكم وتحقيق رغبة السلطة التنفيذية الحاكمة وليس أداة من أدوات تحقيق العدالة
ومن خلال متابعةالقضايا التي يتولاها مكتب الإدعاء الشعبي ومحكمة الشعب يمكن استخلاص ما يلي:-
- حاول مكتب الإدعاء الشعبي دائماً تغطية الممارسات التعسفية للسلطة التنفيذية من حيث قيامه شكلا بالإفراج عن المتهم الذي يُجلب إليه محبوسا بطريقة قانونية لمدة طويلة (وصلت إلى سنين عديدة) ثم القبض عليه في ذات الوقت من جديد.
- تقوم دوائر محكمة الشعب بعرض أحكامها قبل صدروها وخاصة في القضايا الهامة لأخذ موافقة السلطة التنفيذية الحاكمة عليها وهذا مما يُخل باستقلالية وحيادة المحكمة.
- صدرت أحكام ببراءة متهمين مما أسند إليهم وبالرغم من ذلك فقد ظلوا رهن الحبس مدة طويلة .
- عدم وجود ضمانات للمحامين من مزاولة واجبهم تجاه موكليهم وذلك بمنعهم من ممارسة هذه الحقوق من قِبل مكتب الإدعاء الشعبي مما يُعد إخلالاً بالضمانات الأساسية للدفاع أمام محكمة الشعب.
- عدم تمكين الدفاع من الإطلاع على ملفات موكليهم الأمر الذي يعتبر إنتهاكا وخرقا لحقوق موكليهم.
إن القواعد القانونية لمحكمة الشعب تجعل من تحقيق العدالة أمرا مستحيلا لذلك يطالب المحامون دائما والقانونيون ومنظمات حقوق الانسان بضرورة إلغاء محكمة الشعب واستبدالها بقضاء عادل قادر على الحكم في القضايا المعنية.
بعض الحالات التي توضح انتهاكات حقوق السجناء السياسيين في ليبيا :
أحداث نهاية شهر يونيو 1996 التي وقعت في سجن بوسليم
تعتبر قضية (مذبحة سجن بوسليم ) أو حادثة القتل الجماعي التي تصادف هذا اليوم من أشد الكوراث التي مرت على الانسان الليبي منذ مئات السنين ولا نبالغ اذا قلنا بأنها مأساة لم يشهدها التاريخ السياسي الليبي في مختلف عصوره.
ففي مثل هذه الأيام 28 29 من شهر يونيو وقبل 8 سنوات ارتكبت السلطات الليبية مجزرة في أكبر معاقلها السياسية ( سجن بوسليم ) وذلك عندما فتحت فوهات أسلحتها الخفيفة والثقيلة في حق سجناء عزل ذنبهم الوحيد أنهم أعلنوا تمردا واضرابا داخل السجن نتيجة الأوضاع الصحية السيئة والمعاملة الغير انسانية واحتجاجا على أصناف التعذيب والاهانة واستمرار حبسهم دون تقديهم لأي محكمة فقامت السلطات بعد عملية تفاوض مع السجناء الذين احتجزوا فيها أحد حراس السجن استمرت لساعات طويلة اشترط فيها السجناء أن يسمح لهم بالاتصال الخارجي وأن يقدموا الى محاكم بدلا من الاستمرار في حبسهم دون أي تهم وتحسين المعاملة ووقف التعذيب فوافقت السلطات مقابل اطلاق سراح الحارس المحتجز … وبعد اطلاق الحارس جاءت الاوامر من أعلى الجاهات بإنهاء التمرد بطريقة وحشية بعد أن تم جمعهم في باحة كبيرة واطلق عليهم الرصاص بشكل عشوائي حصد أرواح المئات منهم وقد قامت مؤسسة الرقيب بتسجيل وتوثيق الحادثة كاملة عن طريق أحد الشهود على هذه المجزرة
وحتى تاريخ هذا اليوم فإن السلطات الليبية وبالرغم من اعتراف العقيد معمر القذافي بالحادثة لم تقم حتى هذه اللحظة بأي خطوات جادة لمعالجة ملف هذه القضية كما لم تقم بتقديم أي اسم من أسماء الضباط الذين أشرفوا على العملية للعدالة وفي الوقت الذي تقوم السلطات الليبية بتعويض جميع الضحايا الغربيين والامريكان فان عائلات ضحايا مذبحة سجن بوسليم والذين يقدر عددهم بالمئات ( قرابة 800 ) لايزالون ينتظرون أن يمارس المجتمع الدولي كل مايملك من وسائل الضغط المتاحة على النظام الليبي كي يقوم بالتحقيق في ملابسات هذه الحادثة المأسوية ونشر نتائجه وأسماء القتلى على الرأي العام وتعويض أهالي الضحايا ومعاقبة المسؤولين
قضية الأخوان المسلمين
ألقي القبض على 152 مهنياً وطالباً في يونيو/حزيران 1998 للاشتباه في مساندتهم للإخوان المسلمين أو تعاطفهم معهم. ومنذ توقيفهم، احتُجز المعتقلون بمعزل عن العالم الخارجي وتظل أماكن وجودهم مجهولة طوال أكثر من عامين. ولم يُسمح للعائلات باتصال وجيز بالمعتقلين للمرة الأولى إلا في جلسة عُقدت أمام محكمة الشعب بطرابلس في إبريل/نيسان 2001، وسُمح للرجال بتمثيل قانوني خلالها، في الغالب من جانب محامين عينتهم المحكمة من مكتب المحاماة الشعبية.
16 فبراير/شباط 2002 حُكم على سالم أبو حنك وعبد الله أحمد عز الدين بالإعدام أمام محكمة الشعب في طرابلس عقب محاكمة بالغة الجور وكان سالم أبو حنك المولود في العام 1957 والأب لخمسة أولاد، رئيساً لقسم الكيمياء في كلية العلوم بجامعة قاريونس في بنغازي. وأُلقي القبض عليه في 5 يونيو/حزيران 1998. أما عبد الله أحمد عز الدين، المولود في العام 1950، والأب لأربعة أولاد، فقد كان يعمل محاضراً في كلية الهندسة النووية في جامعة الفاتح بطرابلس عندما أُلقي القبض عليه في 7 يونيو/حزيران 1998. وصدرت على ثلاثة وسبعين من المتهمين أحكام بالسجن مدى الحياة وعلى 11 آخرين أحكام بالسجن لمدة عشر سنوات. وبُرئت ساحة 66 آخرين.
وتم بصورة متكررة تأجيل الاستئناف الذي قدموه أمام محكمة الشعب الاستئنافية، حيث لم تستغرق الجلسات كما ورد سوى بضع دقائق، وكانت تجري كل ثلاثة أشهر تقريباً.
وخلال فترة الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي هذه، ذكر بعض المتهمين لمنظمة العفو الدولية التي قابلت بعضا منهم داخل السجن أنهم تعرضوا للتعذيب، بما في ذلك الضرب على باطن القدمين (الفلقة) عقب القبض عليهم من جانب أفراد في جهاز الأمن الداخلي. كذلك أُجبر المتهمون كما ورد على التوقيع على اعترافات.
وقال أحد المعتقلين، سالم أبو حنك، الذي حُكم عليه بالإعدام في فبراير/شباط 2002، لمندوبي منظمة العفو الدولية أنه اعتُقل في 5 يونيو/حزيران 1998 من منـزله في ساعات الصباح الأولى واقتيد إلى مقر قيادة اللجنة الثورية في البركة ببنغازي. واستُجوب في ذلك اليوم حول علاقته بالإخوان المسلمين.
وبحسب شهادته، صُعق بالصدمات الكهربائية، خلال استجوابه على ذراعيه وضُرب بالأسلاك الكهربائية على قدميه لحمله على الاعتراف. وفي فترة لاحقة من ذلك اليوم، أُحضرت زوجته إليه، وهُدد بأنها ستتعرض للاغتصاب. وقال : “عندما شاهدت زوجتي وتيقنت ما يمكن أن يفعلوه بها، قلت سوف أخبرهم أي شيء يريدون معرفته”. وحالما وافق على الاعتراف توقف التعذيب.
الايدز وقضية البلغار
الرعايا الأجانب في ما يسمى المحاكمة الخاصة بفيروس نقص المناعة المكتسب والتي اتهم فيها ستة ممرضات من بلغاريا وطبيب فلسطيني بتعمد حقن 426 طفلاً بفيروس نقص المناعة المكتسب أثناء عملهم في مستشفى الفاتح للأطفال في بنغازي.
فعقب إلقاء القبض عليهم، احتُجز الرعايا الأجانب السبعة طوال أكثر من عام مع السماح لهم بالاتصال المتقطع فقط بالعالم الخارجي.
وقال المتهمون البلغار لمندوبي منظمة العفو الدولية إن الذين مارسوا التعذيب ضدهم أمروهم بعدم ذكر المعاملة التي لقوها لممثليهم الدبلوماسيين. من الاستخدام الواسع النطاق للصعق بالصدمات الكهربائية؛ والتعليق من الذراعين من مكان مرتفع؛ وعصب العينين والتهديد بالإيعاز لكلاب تنبح بمهاجمتهم؛ وعمليات الضرب، بما فيها الفلقة (الضرب على باطن القدمين) وبالكبلات الكهربائية. وقالوا إنهم تعرضوا للتعذيب مدة تقارب الشهرين؛ أحياناً بصورة يومية.
سجناء مختفين ومفقودين داخل السجون الليبية :
سجلت منظمات حقوق الانسان الليبية والدولية أكثر من 300 حالة موثقة قامت السلطات الليبية بإبلاغ ذويهم بوفاة أبنائهم مؤخرا في ظروف غامضة ولم تسلمهم الدولة شهادة للوفاة أو الجثة كما أن الدولة الليبية ترفض أن تبلغ عن سبب الوفاة كما أن منظمة التضامن من أجل حقوق الإنسان / جنيف أصدرت قائمة بأسماء 258 سجيناً فقد أقاربهم الاتصال بهم منذ اعتقالهم. وفي بعض الحالات، اعتُقل السجناء كما يبدو بدون تهمة أو محاكمة طوال أكثر من عقد من الزمن. وفي حالات أخرى، يعتقد أنه حتى الأشخاص الذين برأت ساحتهم المحكمة ما زالوا معتقلين رغم أن عائلاتهم لم تسمع أخباراً عنهم منذ سنوات.
ومن أبرز الشخصيات المختفية قسرا في سجون النظام الليبي والتي يعتقد بأنه قد تمت تصفيتهم داخل المعتقلات الليبية ومراكز الحجز والشرطة :
- منصور الكخيا دبلوماسي ليبي وناشط بارز لحقوق الإنسان والأمين العام للتحالف الليبي الوطني، اختفى في القاهرة بمصر العام 1993. عندما كان يحضر المؤتمر العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في القاهرة وشوهد للمرة الأخيرة مساء 10 ديسمبر/كانون الأول 1993 في فندق السفير.
- جاب الله حامد مطر وعزت يوسف المقريف، اثنان من الأعضاء البارزين في الجماعة الليبية المعارضة “جبهة الإنقاذ الوطني لليبيا” وقد “ختفيا” في القاهرة في مارس/آذار 1990. ومكان وجودهما منذ ذلك الوقت غير معروف، على الرغم من ورود أنباء تؤكد أنهما قد سُلما إلى السلطات الليبية.
- “اختفى” الإمام موسى الصدر، وهو رجل دين شيعي بارز إيراني المولد ويحمل الجنسية اللبنانية، مع شخصين آخرين ، خلال زيارة قاموا بها إلى ليبيا في العام 1978.وفي 1 سبتمبر 2002. وفي خطاب مشهور اعترف العقيد بان الصدر قد اختفى في ليبيا
- عمرو خليفة النامي أستاذ الدراسات الاسلامية والحاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة كمبردج اختفى في سجون النظام الليبي منذ اعتقاله الاخير سنة 84 م وتشير بعض الأنباء الغير مؤكدة بأن الدكتور عمرو قد مات تحت التعذيب وحتى تاريخ اليوم أي بعد 20 عاما لا تزال أسرته وأولاده بانتظار مصير والدهم
خاتمة وتوصيات :
إن مأساة السجناء السياسيين والمفقودين في ليبيا لن تتوقف مالم تتخذ السلطات الليبية خطوات جادة تقوم فيها بما يلي :
الإلغاء الفوري لكافة القوانين المقيدة للحريات العامة والتي تتعارض نصوصها وأحكامها مع ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما تلاه من عهود واتفاقيات دولية شاركت ليبيا في التوقيع والتصديق عليها وتعهدت بتنفيذها والتي تبيح للدولة اعتقال السجناء السياسيين وتمنعهم من ممارسة حقوقهم السياسية وعلى رأسها:
قانون تجريم الحزبية رقم (71) الصادر عام 1972م والذي يمنع أي نوع من التجمع السلمي المستقل عن السلطة والغاء عقوبة الاعدام التي تشرع من خلال هذا القانون لكل من دعم أو شارك في تنظيم يخالف مبادئ وأهداف النظام الحاكم في ليبيا .
الكشفُ عن مصيـر المختفين قسرا والمغيبين والمفقودين على أيدي النظام الليبي، داخل السجون والمعتقلات الليبية الكشف عن أسماء جميع من ماتوا داخل السجون الليبية، وبيان أسباب الوفاة، مع محاسبة كل من تسبب في وفاة أي منهم، وتحمل التبعات القانونية والإنسانية والمادية كاملة. الإفراج الفوري عن كافة السجناء السياسيين، بالإضافة إلى تعويضهم وإعادة تأهيلهم مادياً ومعنوياً ليعودوا لحياتهم الطبيعية.
إلغاء جميع المحاكم الخاصة من عسكرية وثورية وشعبية (مثل محكمة الشعب)، وحل إدارة المحاماة (المحاماة الشعبية) والسماح بتشكيل نقابة حرة مستقلة للمحامين، والعمل الجاد على ضمان استقلالية ونزاهة القضاء الليبي.
عدم اعتقال أي إنسان يعيش في ليبيا توجه إليه تهمة ما إلا بموجب مذكرة توقيف قانونية وضرورة تقديمه بعد فترة وجيزة ومعقولة من الاعتقال إلى قاضٍ طبيعي أمام محكمة عادلة ونزيهة مع وجوب توفير الضمانات القانونية والمعايير الدولية المتعارف عليها طوال مدة اعتقاله ومحاكمته، فإن لم تكن هناك حاجة لمحاكمته وجب إطلاق سراحه فوراً بالإضافة إلى تعويضه عما فاته من حقوق حسب معايير القانون والعدالة. إصلاح نظام السجون في ليبيا ليستوفي الشروط والمعايير الدولية خصوصاً فيما يتعلق بتوفير الرعاية الطبية وتحسين التغذية ومراعاة حق السجين في الاتصال والتواصل بالعالم الخارجي وحق ذويه في زيارته بانتظام وعلى فترات متقاربة.
8. فتح المجال أمام التعددية السياسية والثقافية، واعتماد الحوار بدلاً من العنف كوسيلة للتخاطب بين فئات الشعب والسلطة، وتقليص سيطرة الدولة على وسائل الإعلام ومجالات الإبداع الفني والإنتاج الفكري.