5/2005

كثرت في الفترة الأخيرة بيانات ومناشدات الحقوقيين والسياسيين الليبيين المقيمين في الخارج، سواء كانوا أفرادا أو جماعات، بشأن المطالبة بالعمل على إيقاف إجراءات الترحيل القسري لبعض الليبيين من طالبي اللجوء السياسي في بعض الدول الأوروبية، والتي جاء في بعضها اتهامات مبطنة، وصريحة أيضا، لمنظمات حقوق الإنسان الليبية في الخارج بالتقصير في عملها واعتمادها لأسلوب انتقائي في الدفاع عن حقوق الليبيين.

ولسنا هنا بصدد الدفاع عن غيرنا من المنظمات الحقوقية الليبية في الخارج، فهي أقدر منا على ذلك، كما أننا لسنا في حاجة للدفاع عن منظمتنا التي تلتزم، منذ تأسيسها وتسجيلها سنة 1992، بأسلوب منهجي في الدفاع عن حقوق كل الليبيين دون تمييز.

ومن أجل العمل على توضيح الجوانب والأسس القانونية المؤثرة في أوضاع طالبي اللجوء السياسي من الليبيين في الخارج، وهى حتما أهم من الخطابات السياسية والإعلامية المتداولة، ولتفادى استخدام قضاياهم في أغراض سياسية قد تؤدى إلى إلحاق المزيد من الأضرار بأوضاعهم الحرجة أصلا، وتعميما للفائدة، فإننا نود أن نوضح للجميع:

1) أن حق اللجوء السياسي في أي بلد، هو موضوع يتعلق بالسيرة الذاتية لمقدم الطلب، أي أنه يتوقف على ما سبق لصاحب الطلب التعرض له من اضطهاد، والأهم من ذلك هو ما يمكن أن يتعرض له صاحب الطلب من مخاطر في حالة رجوعه إلى بلده الأصلي أو أي بلد آخر.
ولا يعتد في هذا الشأن بما قد حدث، أو يحدث، لأي من أقاربه أو أصدقائه.

2) القوانين الدولية تلزم مقدم طلب اللجوء بإثبات هويته وعرض تفاصيل صحيحة لأسباب طلبه للجوء، وتقديم الأدلة والإثباتات الممكنة، وتحديد كيفية خروجه من بلده والطريقة التي وصل بها إلى البلد المضيف، وسبب اختياره لذلك البلد دون غيره.

3) الإخوة الذين أفرج عنهم من المعتقلات السياسية في ليبيا، بمن فيهم من سبق صدور أي حكم عليه، ((قد)) لا يحصل على حق اللجوء السياسي إذا تمكن من الخروج من ليبيا بجواز سفر ليبي وتأشيرة خروج ليبية (أو ختم خروج)، والسند القانوني في ذلك هو: أن الحكومة الليبية قد أخطأت في حقه يوما ما، غير أنها ((صححت)) خطأها عن طريق الإفراج عنه ومنحه جواز سفر ليبي وتأشيرة خروج، أي أنه أصبح حرا وبالتالي له الحق في محاكمة حكومة بلده عما أصابه في الماضي، ولا يوجد أي إلزام على أية دولة في العالم لتعويض أي إنسان عما أصابه من أضرار في الماضي عن طريق منحه حق اللجوء لاحقا.
وربما قامت بعض الدول بذلك، أو تقوم به الآن، إما لأسباب إنسانية (مثل الحماية المؤقتة من الأضرار المتوقعة للحروب الأهلية والمجاعات، أو للعلاج من آثار التعذيب الواضحة) أو في نطاق سياسي لا علاقة له بحقوق الإنسان المتعارف عليها في العهود الدولية، وفي مقدمتها المعاهدة الدولية الخاصة بشؤون اللاجئين لسنة 1951.

4) لا تمنح أي دولة أوروبية غربية حق اللجوء لمن قدم إليها من بلاده عن طريق دولة ثالثة تعتبر (دولة آمنة)، أو دخلها بتأشيرة (شنقن) حصل عليها من سفارة دولة أوروبية ثانية، أو من سبق له تقديم طلب لجوء في دولة أخرى.

5) لا يمكن الحصول على حق اللجوء في أي مكان في العالم بمجرد الحديث عن الجرائم التي أرتكبها، ولا يزال يرتكبها، نظام الحكم في ليبيا ضد الليبيين في الداخل والخارج، فهذا تصور خاطئ ليس له أي سند قانوني في أي من الاتفاقيات الدولية، وهو ما تقاومه سلطات الهجرة والمحاكم المختصة لمكافحة النزوح إلى بلدانها، ولو تم الإقرار بهذا المبدأ، فإنه سيصبح بإمكان أي ليبي (من الخمسة مليون نسمة) الحصول تلقائيا على حق اللجوء في أى دولة غربية بمجرد الوصول إليها، ناهيك عن مئات الملايين الأخرى من سكان ما يسمى بالعالم الثالث، والذين يفضل أغلبهم العيش (وربما لأسباب اقتصادية بحثة) في أوروبا أو أمريكا، وبإمكانهم أيضا الإدعاء بأن حكومات بلدانهم غير ديموقراطية.

6) نرجو من الجميع أن يدركوا أن السهولة التي كان يحصل بها الليبيون على حق اللجوء في مختلف أنحاء العالم، خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، قد انتهت إلى غير رجعة، وذلك بسبب انتهاء فترة ما كان يعرف بـ(الحرب الباردة) عندما كانت الحكومات الغربية تصنف نظام الحكم في ليبيا على أنه موال لخصمها في تلك الحرب، وهو الإتحاد السوفييتي، وما صاحب تلك الفترة من دعم بعض الدول الغربية للمعارضين الليبيين وغيرهم من معارضي الدول التي كانت تقع تحت ذات التصنيف.
ومما زاد الأمر سوءا في الفترة الأخيرة، هو ذلك التقارب بين كل من نظام الحكم في ليبيا وأغلب الحكومات الغربية، والذي نعرف جميعا أنه مبنى على مصالح اقتصادية وسياسية مشتركة، غير أن اتهامنا للغرب بازدواجية المعايير (أو الكيل بمكيالين)، سيبقى كلاما سياسيا ليس له أي سند قانوني يمكن أن يدعم قضايا طالبي اللجوء.

7) البث الإيجابي في طلبات لجوء النشطاء السياسيين والحقوقيين يتوقف على تقديم ما يثبت أن لهم نشاطات قبل تقديمهم لطلباتهم، وليس بعد ذلك.
وقد لاحظنا في الفترة الأخيرة أن بعض الإخوة انخرطوا في التظاهرات والكتابات المناهضة للنظام بعد أن تم رفض طلبات لجوئهم، وإذ نثمن أعمالهم الوطنية هذه، لكنها وللأسف ذات تأثير محدود على قضاياهم، لأن الجهات المختصة ترى أنها مجرد محاولة للحصول على اللجوء لا تستند إلى قناعات سياسية أو حقوقية، خصوصا إذا كانوا قد قضوا سنوات طويلة قبل ذلك في الخارج دون ممارسة أي عمل سياسي أو حقوقي.

8) نهيب بكل من لديهم القدرة على إصدار مناشدات في هذا المجال بالتركيز على توجيه مناشداتهم للسلطات التشريعية في الدول الغربية، بالإضافة إلى المنظمات الحقوقية والأحزاب ووسائل الإعلام المستقلة، لأن السلطات التنفيذية، والتي دأبت بعض الجهات على مراسلتها، ليس لها صلاحيات تذكر في هذا المجال، وذلك خلافا لما هو معروف في أنظمة الحكم العربية، فلا يتم ترحيل أحد قسرا من الدول الغربية إلا بموجب حكم قضائي، وليس بقرار وزير أو رئيس جمهورية!

9) نأمل من الجميع إدراك أن العودة الاختيارية لكثير من الليبيين الذين كانوا يقيمون في الخارج، واستخراج بعض اللاجئين الليبيين لجوازات سفر ليبية وترددهم على ليبيا، لم تعد سرا على الحكومات الغربية، وقد ساهم ذلك (وللأسف) في تكوين رأى عام في الغرب يميل إلى اعتبار أن ليبيا لم تعد دولة (خطرة) على المواطنين الليبيين الذين يعودون إليها، مما زاد في صعوبة إثبات المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها أي ليبي يعاد قسرا إلى بلده.

10) نهيب بالجميع تقديم ما قد يتوفر لديهم من معلومات مؤكدة حول مصير أي ليبي أعيد قسرا إلى ليبيا وتعرض إلى أي نوع من الاضطهاد، وذلك للاسترشاد بمثل هذه الحالات في دعم قضايا المهددين بالإرجاع القسري إلى ليبيا.

نأمل أن يجد المعنيون فيما تقدم ما يفيدهم، ونهيب بالجميع التعاون في دعم هذه القضايا على أسس قانونية وموضوعية تفيد أصحاب الشأن، بعيدا عن الخطابات الإعلامية والبيانات السياسية التى قد تضر أكثر مما تفيد.

وسنقوم بدراسة أى قضية تعرض علينا تفاصيلها ونقدم بشأنها المشورة والدعم الممكن.

مرعى الطيرة
رئيس الهيئة الإدارية